أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2016
![]()
التاريخ: 3-8-2016
![]()
التاريخ: 3-8-2016
![]()
التاريخ: 25-8-2016
![]() |
هل الواجب ـ بناءً على الملازمة ـ هو مطلق المقدّمة ، أو خصوص ما اُريد به إتيان ذيها ، أو المقدّمة التي يقصد بها التوصّل إلى صاحبها ، أو المقدّمة الموصلة ، أو التي في حال الإيصال؟ أقوال :
حول ما نسب إلى صاحب المعالم:
ربّما ينسب(1) إلى صاحب «المعالم» اشتراط وجوبها بإرادة ذيها . واُورد عليه : بأنّ المقدّمة تابعة لصاحبها في الإطلاق والاشتراط ، فيلزم أن يشترط وجوب الشيء بإرادة وجوده .
قلت : ظاهر كلامه في «المعالم» خلاف ما نسب إليه ; حيث قال : وحجّة القول بوجوب المقدّمة ـ على تقدير تسليمها ـ إنّما تنهض دليلا على الوجوب في حال كون المكلّف مريداً للفعل المتوقّف عليها(2) ، انتهى ، وهو ظاهر بل نصّ في أنّ القضية حينية لا شرطية ، وأنّ وجوبها في حال إرادة الفعل المتوقّف عليها ، لا مشروطة بإرادته .
وهو أيضاً وإن كان لا يخلو عن إشكال ; لأنّ حال إرادة الفعل المتوقّف عليها غير دخيلة في ملاك وجوبها ، على أ نّه لا يتصوّر لإيجابها حين إرادته معنى معقول ; لأنّه إذا أراد فعل المتوقّف عليها يريد المقدّمة لا محالة ، فلا معنى للبعث والإيجاب في هذه الحال ، إلاّ أنّ ذاك ليس بمثابة ما تقدّم في وضوح البطلان .
فيما نسب إلى الشيخ الأعظم:
وأمّا القول الثالث ـ أعني كون الواجب هو المقدّمة بقصد التوصّل إلى ذيها ـ فقد نسب(3) إلى الشيخ الأعظم ـ قدس سره ـ ، ولكن عبارة مقرّر بحثه ينادي بالخلاف في عدّة مواضع ; خصوصاً فيما ذكره في هداية مستقلّة لردّ مقالة صاحب «الفصول» ; إذ يظهر من نصّ عبائره هناك أنّ قصد التوصّل ليس قيداً لمتعلّق الوجوب الغيري حتّى يكون الواجب هو المقدّمة بقصد التوصّل ، بل الواجب هو نفس المقدّمة ، إلاّ أنّ قصد التوصّل يعتبر في تحقّق امتثال الأمر المقدّمي حتّى يصدق عليه الإطاعة ; سواء كانت المقدّمة عبادية أم توصّلية .
غاية الأمر : انتفاء الثمرة في الثاني ; حيث قال في خلال الردّ عليه : ونحن بعد ما استقصينا التأمّل لا نرى للحكم بوجوب المقدّمة وجهاً إلاّ من حيث إنّ عدمها يوجب عدم المطلوب ، وهذه الحيثية هي التي يشترك فيها جميع المقدّمات .
إلى أن قال : فملاك الطلب الغيري المتعلّق بالمقدّمة هذه الحيثية ، وهي ممّا يكفي في انتزاعها عن المقدّمة ملاحظة ذات المقدّمة(4) ، انتهى كلامه .
وفي موضع آخر : الحقّ عدم تحقّق الامتثال بالواجب الغيري إذا لم يكن قاصداً للإتيان بذلك ; إذ لا إشكال في لزوم قصد عنوان الواجب فيما إذا اُريد الامتثال ، كما لاريب في عدم تعلّق القصد بعنوان الواجب فيما إذا لم يكن الآتي بالواجب الغيري قاصداً للإتيان بذلك ، فيستنتج عدم تحقّق الامتثال إلاّ به(5) .
وأيضاً في موضع آخر قال ـ رادّاً على صاحب «المعالم» ـ إنّ إطلاق وجوب المقدّمة واشتراطها تابع لإطلاق ذيها(6) ، انتهى .
وأنت إذا أمعنت نظرك ، وأجلت بصرك بين كلماته وسطوره تجد صدق ما ادّعيناه من أنّ محور نقضه وإبرامه ليس بيان ما هو طرف الملازمة على فرض ثبوتها ، بل بيان ما هو معتبر في كيفية الامتثال .
وبذلك يظهر : أنّ ما احتمله بعض المحقّقين من الاحتمالات الكثيرة(7) ساقطة قطعاً ، بل محتمل كلامه أو ظهوره ما أسمعناك فقط ، أو وجه آخر سيجيء الإشارة إليه .
وكيف كان : فلابدّ من توضيح الوجهين وذكر براهينهما :
أحدهما : أنّ امتثال الواجب الغيري لا يحصل إلاّ بقصد التوصّل إلى ذيه ، فاستدلّ عليه ـ قدس سره ـ بأنّ الامتثال لايمكن إلاّ أن يكون الداعي إلى إيجاد الفعل هو الأمر ، ولمّا كان الأمر لا يدعو إلاّ إلى متعلّقه فلابدّ في الامتثال من قصد العنوان المأمور به ، والمأمور به هاهنا هو المقدّمة بالحيثية التقييدية ; لأنّ الكاشف عن وجوب المقدّمة هو العقل بالملاك العقلي ، والعقل يحكم بوجوب المقدّمة من حيث هي مقدّمة ، فلابدّ من كشف الحكم الشرعي بذلك الملاك على الحيثية التقييدية .
ولمّا كان القصد بهذه الحيثية لا ينفكّ عن القصد بالتوصّل إلى ذيها ـ لاستلزام التفكيك التناقض ـ فلابدّ في امتثال أمر المقدّمة من قصد التوصّل إلى صاحبها(8) ، انتهى ملخّصاً .
وأنت ترى بعين الدقّة : أنّ محور كلامه الذي لخّصناه ليس إلاّ شرطية قصد التوصّل في امتثال الأمر المقدّمي ، لا بيان ما هو طرف الملازمة .
وتوضيح ما أفاده : أنّ الامتثال ليس إلاّ التحرّك على طبق داعويته ، وليست داعويته إلاّ بنحو الغيرية والمقدّمية لا لمصالح في نفسه ، فلو كان الانبعاث على طبق دعوته فلا محالة لا ينفكّ عن قصد التوصّل إلى ذيها في مقام العمل .
نعم ، ما وقع في دائرة الطلب ليس إلاّ ذات الشيء ; لأنّ ملاك الوجوب رفع الاستحالة ، ورافعها ذات المقدّمة وحقيقتها بلا دخل للقصد في ذلك .
وبعبارة أوضح : أنّ الامتثال لا يتحقّق إلاّ بعقد قلبي وقصد نفسي وتوجّه إلى الأمر وإلى كيفية دعوته وغاية وجوبه ، وهو وإن أمر بذات المقدّمة إلاّ أ نّه ما أوجبها إلاّ لأجل التوصّل ، فالعبد الممتثل لا محالة يقصد ذلك العنوان . وأمّا تعلّق الوجوب فهو تابع لتحقّق الملاك ، والمفروض أنّه موجود في جميع الأفراد . هذا ، وسيجيء تحقيق الحال في امتثال الأمر الغيري .
الثاني من الوجهين الذين احتملناهما : ما يشعر به صدر كلامه ويظهر من ذيله أيضاً ; وهو أنّ وقوع المقدّمة على صفة الوجوب في الخارج مطلقاً يتوقّف على قصده ، وعبارته هنا هو المستمسك للمشايخ في نسبة هذا القول إليه .
وأنت إذا تدبّرت فيما سيمرّ عليك من العبارة تفهم أنّ العبارة لا تنطبق على مدّعاهم ; إذ أنّ البحث في باب المقدّمة إنّما هو في تعيين متعلّق الوجوب ، وهو ـ قدس سره ـ لم يشترط فيه شيئاً ، بل قال بكونه هو مطلق المقدّمة ، والعبارة التالية يفيد اعتبار قيد التوصّل في وقوع المقدّمة على صفة الوجوب خارجاً ، وكم فرق بينهما ؟ !
وإليك العبارة حيث قال : وهل يعتبر في وقوعه على صفة الوجوب أن يكون الإتيان لأجل التوصّل إلى الغير أولا ؟ وجهان ، أقواهما الأوّل ، ويظهر الثمرة فيما إذا كان على المكلّف فائتة ; فتوضّأ قبل الوقت غير قاصد لأدائها ولا لإحدى غاياتها ، فعلى المختار لايجوز الدخول به في الصلاة الحاضرة ولا الفائتة .
وأيضاً تظهر من جهة بقاء الفعل المقدّمي على حكمه السابق ، فلو قلنا بعدم اعتبار قصد التوصّل في وقوع المقدّمة على صفة الوجوب لايحرم الدخول في ملك الغير إذا كانت مقدّمة لإنقاذ غريق ; وإن لم يترتّب عليه ، بخلاف ما لو اعتبرناه فهو حرام مالم يكن قاصداً لإنقاذه(9) .
وعـن بعض الأعيان مـن المحقّقين في تعليقتـه الشريفـة في توجيـه اعتباره في متعلّق الوجوب ما هـذا حاصله : إنّ الجهات التعليلية في الأحكام العقلية راجعـة إلى التقييدية ; فإذا كانت مطلوبية المقدّمة لا لذاتها بل لحيثية مقدّميتها فالمطلوب الجدّي نفس التوصّل . ومن البيّن : أنّ الشيء لا يقع على صفة الوجوب ومصداقـاً للواجب إلاّ إذا أتي به عـن قصد وإرادة ; حتّى فـي التوصّليات ; لأنّ البعث فيها وفـي التعبّديات لا يتعلّق إلاّ بالفعل الاختياري . فالغسل الصادر بلا اختيار محصّل للغرض ، لكنّه لا يقع على صفة الوجوب ، فاعتباره فيها من جهة أنّ المطلوب الحقيقي هو التوصّل ، لا غير(10) .
قلت : ما أفاده ـ قدس سره ـ في خصوص إرجاع التعليلية إلى التقييدية متين جدّاً ; ضرورة أنّ العقل لا يحكم إلاّ على العناوين العارضة لذوات الأشياء لا على الموضوع المجرّد من عنوانه ، وإلاّ لزم أن يحكم لدى التجرّد منه ، ولا تكون تلك الجهات منشأ لإسراء الحكم إلى غيرها بعد كونها هي المطلوبة بالذات لا بالعرض .
وبذلك يظهر الخلل فيما ربّما يصار تارة إلى إنكار هذا الإرجاع من أنّ لحكم العقل موضوعاً وعلّة ، ولامعنى لإرجاع العلّة إلى الموضوع ; بحيث تصير موضوعاً للحكم ، واُخرى إلى أنّ القاعدة المزبورة ـ على تقدير تسليمها ـ مختصّة بما يدركه العقل من الأحكام ، ولا تكاد تجري فيما يكون ثابتاً من الشارع باستكشاف العقل(11) ، انتهى .
وفيه : أنّ إنكار الإرجاع المزبور يستلزم إسراء حكم العقل من موضوعه إلى غيره بلا ملاك ; فإنّ الظلم ـ مثلا ـ إذا كان قبيحاً عقلا فوقع عمل في الخارج معنوناً بعنوان الظلم وبعناوين اُخر وحكم العقل بقبحه ، وفرضنا أ نّه لم يرجع إلى حيثية الظلم ; فإمّا أن يرجع إلى حيثيات اُخر وهو كما ترى ، أو إلى الذات بعلّية الظلم ; بحيث تكون الذات قبيحة ، لا الظلم ـ وإن كان هو علّة لقبحها ـ وهو أيضاً فاسد ، بل يستلزم الخلف ; فإنّ الذات تكون قبيحة بالعرض ، فلا محيص إلاّ أن يكون الظلم قبيحاً بالذات ، فيصير الظلم موضوعاً بالحقيقة للقبح ، وهذا معنى رجوع الحيثيات التعليلية إلى التقييدية .
وأعجب من ذلك : ما أفاده ثانياً ; فإنّ إدراك العقل مناط الشيء ليس معناه إلاّ أنّ هذا هو الموضوع ، لا ما هو أوسع من ذلك ولا أضيق ، ومعه كيف يستكشف مناط أوسع ؟ !
وبالجملة : أنّ العقل إذا كشف عن حكم بملاكه العقلي لايمكن أن يستكشف حكماً أوسع أو أضيق من ملاكه قائماً بموضوع آخر غير حيثية الملاك .
نعم ، يرد على المحقّق المحشّي : أنّ وقوع الفعل على صفة الوجوب في التوصّليات لا يتوقّف على القصد ; وإن كان الوقوع على صفة الامتثال موقوفاً عليه ; لأنّ قصد العنوان وصدوره عن اختيار شرطان لتحقّق الإطاعة ; لما عرفت من أ نّه لا يتحقّق إلاّ بعقد قلبي متوجّهاً نحو العمل لجهة أمره وطلبه ، فإذا توجّه إليه وأتى بداعيه فلا ينفكّ عنه قصد التوصّل ; لأنّ الأمر المقصود غيري ، ومعناه كون الأمر لأجل حصول الغير .
وأمّا كونه شرطاً لوقوعه على صفة الوجوب فلا ; لأنّ المفروض أنّ المطلوب هو الحيثية المقدّمية ، أي الموقوف عليه بما هو هو ، وهو صرف وجوده بأيّ وجه اتّفق ، فإيجاده بأيّ نحو كان كاف في كونه مصداقاً له ; إذ ليس الواجب سوى نفس وجوده وقد حصل ، فلا وجه لعدم وقوعه على صفة الوجوب مع كونه غير تعبّدي .
ثمّ إنّ هذا الاحتمال في كلام الشيخ ـ كما مرّ ـ لا ينطبق أيضاً على مدّعاهم ; لأنّ الكلام في باب المقدّمة إنّما هو في مقام تعلّق الوجوب ، وقد صرّح بأ نّه ذات المقدّمة ، وإنّما دعواه في مقام آخر ; وهو وقوع المقدّمة على صفة الوجوب خارجاً ، وهو مقام آخر غير ما نحن فيه .
وبالجملة : كلام الشيخ آب على كلا الاحتمالين عمّا نسب إليه ، فراجع .
ثمّ إنّه لا وجه لأخذ قصد التوصّل قيداً ; لا للوجوب لاستلزامه كون وجوب الواجب مشروطاً بإرادة المكلّف ، ونظيره أخذه ظرفاً للوجوب على نحو الحينية ; لأنّه يرد عليه نظير ما يرد على صاحب «المعالم»(12) ولا للواجب بحيث يكون قصد التوصّل أيضاً متعلّقاً للبعث ، ويكون الأمر داعياً إلى المقدّمة التي قصد بها التوصّل إلى صاحبها ; فإنّه وإن لم يكن محالا لكن قصد المكلّف غير دخيل في ملاك المقدّمية قطعاً ، فتعلّق الوجوب به يكون بلا ملاك ، وهو ممتنع .
وما عن المحقّق الخراساني من امتناع وقوع القصد مورداً للتكليف(13) مدفوع بأنّ القصد قابل لتعلّق البعث إليه ، كقيديته في العبادات .
أضف إليه : أنّ النفس ربّما توجد الإرادة إذا كانت الإرادة موضوعاً لحكم ، ولم يكن المراد مطلوباً إلاّ بالعرض ، كما في إرادة الإقامة عشرة أيّام إذا لم يكن في الإقامة غرض له سوى الصلاة أربع ركعات .
حول مقال صاحب الفصول:
وهو القول الرابع الذي اختاره صاحب «الفصول»(14) ; قائلا بأنّ الإيصال قيد للواجب ، واحتمال إرجاعه إلى الوجوب باطل جدّاً ; لأنّ شرط الوجوب لا يحصل إلاّ بعد الإتيان ، فكيف يتقدّم الوجوب على شرطه ؟ اللهمّ إلاّ أن يصار إلى الشرط المتأخّر ، وهو كما ترى .
وكيف كان : فقد اُورد على كونها قيداً للواجب اُمور نذكر مهمّاتها :
منها : لزوم الدور ; لأنّ وجود ذي المقدّمة يتوقّف على وجود المقدّمة ، ولو قلنا بقيدية الإيصال يتوقّف وجودها على وجود صاحبها(15) .
وفيه : أنّ الموقوف غير الموقوف عليه ; لأنّ وجود ذي المقدّمة موقوف على ذات المقدّمة لا بقيد الإيصال ، واتّصافها بالموصلية متوقّف على وجود ذي المقدّمة .وإن شئت قلت : إنّ متعلّق الوجوب أخصّ من الموقوف عليه ، ولا تكون المقدّمة بقيد الإيصال موقوفاً عليها ; وإن كانت بقيده واجبة .
ومنه يظهر النظر في كلام شيخنا العلاّمة حيث قال : إنّ الوجوب ليس إلاّ لملاك التوقّف ، فيكون اعتبار قيد الإيصال في متعلّق الوجوب لملاك التوقّف ، فيدور(16) .
والجواب : أنّ مناط الوجوب ليس التوقّف على مسلكه ، بل التوصّل إلى ذي المقدّمة ، فمتعلّقه أخصّ من التوقّف . بل دعوى بداهة كون المناط هو التوقّف تنافي ما اختاره في باب وجوب المقدّمة من كون الواجب هو المقدّمة في لحاظ الإيصال(17) .
وربّما يقرّر الدور بأنّه يلزم أن يكون الواجب النفسي مقدّمة لمقدّمته واجباً بوجوب ناش من وجوبها ، وهو يستلزم الدور ; لأنّ وجوب المقدّمة ناش من وجوب ذيها ، فلو ترشّح وجوب ذي المقدّمة من وجوبها لزم الدور(18) .
وفيه : أنّ وجوب الواجب الناشئ منه وجوب المقدّمة لم ينشأ من وجوبها حتّى يدور .
ومنها : التسلسل وبيانه : أنّ الوضوء الموصل إلى الصلاة لو كان مقدّمة كان ذات الوضوء مقدّمة للوضوء الموصل ، فيعتبر فيه قيد الإيصال أيضاً ، فينحلّ إلى ذات وإيصال ، فيكون الذات أيضاً مقدّمة لهما ، فيحتاج إلى إيصال آخر ، وهكذا(19) .
ويمكن تقريره بوجه آخر وهو : أنّ المقدّمة الموصلة تنحلّ إلى ذات وقيد ، وفي كلّ منهما مناط الوجوب للتوقّف ، فعلى وجوب المقدّمة الموصلة يجب أن تكون الذات بقيد الإيصال واجبة ، وقيد الإيصال أيضاً بقيد إيصال آخر واجباً ، فيتقيّد كلّ منهما بإيصال آخر ، وهلمّ جرّا .
والجواب عن التقرير الأوّل : أنّ الواجب بالأمر الغيري على هذا المسلك هو المقدّمة الموصلة إلى الواجب النفسي لا المقدّمة الموصلة إلى المقدّمة ، وعليه فالذات لم تكن واجبة بقيد الإيصال إلى المقيّد ، بل واجبة بقيد الإيصال إلى ذيها ، وهو حاصل بلا قيد زائد ، بل لايمكن تقييد الموصل بالإيصال .
وأمّا عن ثاني التقريرين فبأن يقال : إنّ الواجب هو المقدّمة الموصلة بهذا الإيصال لا بإيصال آخر حتّى يلزم التسلسل ، بل لا معنى لإيصال آخر ; لأنّ تكرّر الإيصال إلى المطلوب ممتنع ، فلا يعقل تقييد الإيصال بإيصال آخر ، ولا تقييد الذات بإيصال زائد على هذا الإيصال ; لامتناع تكرّر الموصل والإيصال ، وهو واضح .
ومنها : أنّه يستلزم أن يكون الشيء الواحد واجباً نفسياً وغيرياً ; حيث جعل ذو المقدّمة من مبادئ مقدّمته ، وبه يصير واجباً غيرياً ، كما هو واجب نفسي ، بل يتعلّق به وجوبات غيرية بعدد المقدّمات(20) .
وأفحش منه : أنّه يستلزم أن يكون ذو المقدّمة موصلا إلى نفسه .
والجواب : أنّ المتّصف بالوجوب هو الشيء الذي يوصل إلى الصلاة ; بحيث يتحقّق فيه أمران: أحدهما كونه موقوفاً عليه ، وثانيهما كونه موصلا إلى الصلاة ، ونفس الصلاة ليست موقوفاً عليها ولا موصلة إلى نفسها ، وتوقّف وصف المقدّمة على وجوده لا يستلزم تعلّق الوجوب عليه.
ومنها : ما عن المحقّق الخراساني من أ نّه لا يعقل أن يكون الغرض الداعي إلى إيجاب المقدّمات هو ترتّب الواجب عليها ; فإنّ الواجب ـ إلاّ ما قلّ كالتوليدية ـ تتوسّط الإرادة بينه وبين مقدّماتها ، والالتزام بوجوب الإرادة التزام بالتسلسل(21) .
قلت : الظاهر أ نّه ناش من وقوع خلط في الإيصال ; فإنّ المراد منه ما يكون موصلا ـ ولو مع الوسائط ـ ويتعقّبه الواجب قطعاً . فالخطوة الاُولى في السير إلى غاية ـ مثلا ـ قد تكون موصلة ـ ولو مع وسائط ـ وقد لا تكون موصلة ، والواجب هو القسم الأوّل .
وأمّا ما ربّما يكرّر في كلماته من عدم اختيارية الإرادة وكونها غير قابلة لتعلّق الأمر بها فقد عرفت خلافه آنفاً . كيف ، والتعبّديات كلّها من هذا الباب ؟ وقد وقعت القصد مورد الوجوب ، وقد أوضحنا حقيقة الإرادة واختياريتها في مباحث الطلب والإرادة .
على أنّ الإشكال فيها مشترك الورود ; إذ بناءً على وجوب المقدّمة المطلقة تكون الإرادة غير متعلّقة للوجوب أيضاً ; لاستلزامه التسلسل على مبناه .
ومنها : أنّ الإتيان بالمقدّمة ـ بناءً على وجوب خصوص الموصلة ـ لا يوجب سقوط الطلب منها حتّى يترتّب الواجب عليها ، مع أنّ السقوط بالإتيان واضح ، فلابدّ وأن يكون لأجل الموافقة(22) .
وفيه : أ نّه مصادرة ; إذ القائل بوجوب المقدّمة الموصلة لا يقول بسقوط مالم يحصل الوصف ولم يتحقّق القيد ، كما هو الحال في جميع المقيّدات ; إذ الأمر متعلّق بإتيان المقيّد ، والذات لم يتعلّق بها أمر على حدة ، كذات المقدّمة على القول بالمقدّمة الموصلة .
فتلخّص : أنّه لا مانع على القول بوجوب الموصلة من المقدّمات ثبوتاً ، وأمّا مقام الإثبات فسيجيء توضيح الحال فيه(23) .
القول في وجوب المقدّمة حال الإيصال:
وهو القول الخامس الذي نختم به الآراء في هذا الباب ، واختاره شيخنا العلاّمة ـ أعلى الله مقامه ـ وبعض المشايخ من أهل العصر ; حيث إنّهم لمّا وقفوا على أنّ فطرتهم تقضي بوجوب المقدّمة الموصلة ، واستصعبوا بعض ما مرّ من الإشكالات فاختاروا أنّ الواجب هو المقدّمة حال الإيصال لا بشرط الإيصال ; كي يسلم عن الإيراد ، ولا يتخلّف عن حكم الفطرة مهما أمكن .
وتوضيح مقالته : أ نّه يمكن أن يتعلّق الطلب بالمقدّمات في لحاظ الإيصال ، لا مقيّداً به حتّى يلزم المحذورات السابقة ، ولا مطلقاً عن حال الإيصال حتّى يكون الواجب مطلق المقدّمة ، بل الواجب هي المقدّمات المنتظمة الواقعة بحسب الواقع في سلسلة مبادئ المطلوب .
والعلّة في ذلك هو أنّ ذاتها وإن كانت مورداً للإرادة لكن كما كانت مطلوبية المقدّمات في ظرف ملاحظة مجموعها معها لم يكن كلّ واحد من الأجزاء مراداً بنحو الإطلاق ; بحيث يسري الإرادة إلى حال انفكاكه عن باقيها ، ولا بنحو التقييد ; ليلزم المحاذير المتقدّمة .
والحاصل : أنّ المولى إذا تصوّر جميع المقدّمات الملازمة لوجود المطلوب أرادها بذواتها ; لأنّها بهذه الملاحظة لا تنفكّ عن المطلوب الأصلي ، ولو لاحظ مقدّمة منفكّة عمّا عداها لا يريدها جزماً ; إذ المطلوبية في ظرف ملاحظة المجموع الذي لا تنفكّ عن المطلوب الأصلي . والمراد من لحاظ الإيصال ليس دخالة اللحاظ ، وإنّما اُخذ هو مرآةً لما هو الواجب .
فظهر : أنّ الواجب هو ذات المقدّمات في حال ترتّبها وعدم انفكاكها عن ذيها ، لا مطلقة عن الإيصال ولا مقيّدة به ; وإن كان لا ينطبق إلاّ على المقيّدة(24) . هذا توضيح مرامه ، وسيجيء توجيه كلامه ، فارتقب .
وما عـن بعض المحقّقين مـن أهل العصر : أنّ الـواجب هـو المقدّمـة في ظرف الإيصال بنحو القضيـة الحينيـة ـ أي الحصّـة من المقدّمـة التوأمـة مع وجـود سائر المقدّمات الملازمة لوجود ذيها(25) ـ يرجع لبّاً إلى ما اختاره شيخنا العلاّمة ـ قدس سره ـ ، الشريف .
وكيف كان فيرد على التقرير الأوّل : أنّه إن كان حال الإيصال دخيلا في حصول الإرادة فلا محالة تكون قيداً للمتعلّق ; إذ لا يعقل دخالته مع عدم أخذه شطراً أو شرطاً ; وإن لم يكن دخيلا فالموضوع ـ لا محالة ـ خلو عن هذه الحال ، فيصدق مع عدمه أيضاً ، وعلى أيّ تقدير ليستلزم المطلوب .
وإن شئت قلت : إنّ حال عدم انفكاك المقدّمات عن المطلوب إن لم تكن دخيلة في وجوب المقدّمة فيكون تعلّق الوجوب عليها في هذه الحالة من باب الاتّفاق لا الدخالة ، فلا يعقل رفع الوجوب عنها مع زوال تلك الحالة ; لأنّ تمام الموضوع للحكم هو نفس الذات ، فلا يعقل مع بقائه رفع الحكم ; وإن كانت دخيلة ، أيّ نحو فرض دخلها . فينطبق على ما اختاره صاحب «الفصول» ـ قدس سره ـ .
وبذلك يظهر النظر فيما أفاده بعض المحقّقين من التمسّك بحديث الحصّة ، وقد أوعزنا إلى بطلانه غير مرّة(26) ; لأنّ تحصّص الطبيعة وافتراقها عن سائر الحصص في الذهن أو الخارج لأجل انضمام قيود وحدود بها تصير متميّزة عن غيرها ، وإلاّ فهي باقية على إطلاقها ، والتوأمية إذا صارت موجبة لصيرورتها حصّة خاصّة تصير قيداً لها . وما ذكر ليس إلاّ تعويضاً للاسم .
فإن قلت : إنّ أفعال العقلاء وإراداتهم بما أ نّها معلّلة بالأغراض والغايات لها ضيق ذاتي بتبع الأغراض ; فالعلّة الغائية في وعاء التصوّر لها نحو دخالة في تضيّق الإرادة ; إذ لا يعقل تعلّق الإرادة بشيء أوسع ممّا قام به الغرض .
وهذا نظير الضيق في المعاليل التكوينية ; فإنّ للحرارة الخارجية نحو ضيق من جانب علّته لا على نحو التقييد ; لامتناع تقييد المعلول بوجود علّته في مرتبة المعلولية ، ولا على نحو الإطلاق أيضاً ، وإلاّ يلزم أن يكون أوسع من علّته ، بل على وجه لا ينطبق إلاّ على المقيّد .
وعليه : فالغاية لإيجاب المقدّمة هو التوصّل إلى ذيها ، فالموصلية من قبيل العلّة الغائيـة لبروز الإرادة وتعلّق الوجـوب على المقدّمـة ، فلا يعقل أن يسري الإرادة إلى ما لا يترتّب عليه تلك الغاية ، وإلاّ لزم أن يكون السراية بلا غايـة ، بل بلا فاعل أيضاً ; لأنّ العلّة الغائيـة علّـة فاعلية الفاعل ، فإذا فقدت الغاية انتفى الفاعل أيضاً .
كما لا يعقل أن تكون مقيّدة بالعلّة الغائية ; لأنّها متقدّمة تصوّراً متأخّرة وجوداً ، وما شأنه التأخّر وجوداً لا يصير قيداً بوجوده لما يتقدّم عليه بوجوده ، وإلاّ لزم تجافي الموجود عن رتبته، فليس الواجب مطلق المقدّمة ; ولا المقيّدة بالإيصال ، بل مالا ينطبق إلاّ على المقيّد .
قلت : ما قرّرته بصورة الإشكال يؤيّد كون الواجب هو المقدّمة الموصلة ، وتوضيحه : أنّ الأحكام العقلية غير الأحكام الجعلية ، فإنّ الثانية إنّما تتعلّق بموضوعاتها وعناوينها ; وإن كان الملاك شيئاً آخر ، بخلاف الاُولى فإنّ الحكم فيها يتعلّق بالملاك وما هو المناط ، فالجهات التعليلية فيه تصير من قيود الموضوع ، كما سيجيء توضيحه في نقل ما استدلّ به صاحب «الفصول» .
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : أنّ الوجوب هاهنا مستكشف من حكم العقل ، ولا يمكن تخلّفه عمّا هو مناطه في نظره ; ضرورة أنّ العقل إذا أدرك حيثية تامّة لتعلّق حكمه عليها فلا محالة يكون حكمه على تلك الحيثية ، كما لا يستكشف حكماً إلاّ متعلّقاً بتلك الحيثية أيضاً دون موضوع آخر.
فحينئذ لو فرضنا أنّ وجوب المقدّمة لأجل التوصّل إلى ذيها ـ كما قد قبله هؤلاء الأعلام ـ فيكون تلك الحيثية ـ أعني التوصّل إلى ذيها ـ تمام الموضوع لحكم العقل نفسه ، كما هو الموضوع لا غيرها لحكمه الذي استكشفه من الشارع ، وقد تقدّم أ نّه يمتنع أن يكشف حكماً أوسع ممّا أدركه مناطاً . فاللازم هو وجوب المقدّمة المتحيّثة بها ; من حيث إنّها كذلك ، ولايمكن أن تصير تلك الحيثية علّة لسراية الحكم إلى غيرها ، ولا معنى لجعل الحكم على ذات المقدّمة مع الاعتراف لما هو المناط لحكم العقل .
وأمّا حديث امتناع تقييد الشيء بعلّته أو غايته فإنّما هو في العلل التكوينية والغايات الواقعية ، فيمتنع تقييدها بمعلولاتها ، لا في الأحكام والموضوعات ; إذ يمكن أن يتعلّق الحكم بالمقدّمة المتقيّدة بالإيصال ، وكذا الحبّ والإرادة ، من غير لزوم التجافي في نفس الأمر .
وبالجملة : المقدّمة قد تكون موصلة ، وقد لا تكون كذلك ، فحينئذ يمكن أن يتعلّق الإرادة بالموصلة بما هي كذلك وكذا يمكن أن يجعل الحاكم موضوع حكمه كذلك ، وإن لم يكن الواقع مقيّداً ، كما أ نّه يمكن أن يصير موضوع الإرادة والحكم اُموراً غير مربوطة في نفس الأمر ومربوطة في موضوعية الحكم والإرادة ، كما في الموضوعات الاعتبارية والمركّبات الاختراعية .
الاستدلال بالدليل العقلي على وجوب المقدّمة الموصلة:
ثمّ إنّ التحقيق على فرض الملازمة بين الوجوبين هو وجوب المقدّمة الموصلة ، وقد استدلّ عليه صاحب «الفصول» بوجوه ; أمتنها ما ذكره أخيراً من أنّ المطلوب بالمقدّمة مجرّد التوصّل بها إلى الواجب ، فلا جرم يكون التوصّل بها إليه ، وحصوله معتبراً في مطلوبيتها ، فلا تكون مطلوبة إذا انفكّت عنه(27) .
ولا يخفى : أنّ ما ذكره ينحلّ إلى مقدّمتين ، ونقول توضيحاً لمراده :
أمّا الاُولى منهما : فلأنّ الميز بين المطلوب الذاتي والعرضي هو أنّ السؤال يقف عند الاُولى دون الثانية ، فلو اُجيب عن قول السائل لماذا وجبت المقدّمة ؟ بأنّها موقوف عليها ; سواء توصل بها أم لا لَما ينقطع سؤالـه لو استشعر بأنّ المقدّمـة في حدّ ذاتها غير محبوبة ولا مطلوبة، فيختلج في باله أنّ الإيجاب بنحو الإطلاق لماذا ؟
نعم ، لو اُجيب بأ نّها وجبت كي يتوصّل بها إلى المقصد والغرض الأعلى لوقف عن التزلزل ، واستراح فكره ، وبعبارة اُخرى : أنّ ملاك مطلوبية المقدّمة ليس مجرّد التوقّف ، بل ملاكه هو حيثية التوصّل بها إلى ذي المقدّمة ، فذات المقدّمة وحيثية توقّف ذيها عليها لا تكونان مطلوبتين بالذات ، ويشهد عليه الوجدان ; إذ المطلوبية الغيرية إنّما هي لأجل الوصول إليه ، بل لو فرض إمكان انفكاك التوقّف والتوصّل خارجاً كان المطلوب هو الثاني دون الأوّل .
وأمّا الثانية : فبما أسمعناك من الفرق بين القوانين الجعليـة والأحكام العقلية ; فإنّ الغايات عناوين الموضوعات في الثانية ; ولذلك ترجع الجهات التعليليـة فيها إلى التقييدية دون الاُولى ; إذ يصحّ فيها جعل الحكم على عنوان يترتّب عليه الغاية دون نفس الغاية والملاك ، لجهل المكلّف بما هو المناط كجعل الحكم على الصلاة التي هي عدّة أفعال ، ولكن الملاك واقعاً هي غاياتها المترتّبة المجهولة ، ولا يصحّ ذلك في المستكشفات العقلية ; لتحليل العقل وتجزئته ما هو دخيل عمّا ليس كذلك .
وبذلك يظهر : أنّ كون الأحكام الشرعية متعلّقة بالعناوين لأجل المصالح والمفاسد لا يكون نقضاً للقاعدة المبرهنة في محلّه ، وقد أوعزنا إليه في جواب الإشكال المتقدّم .
وحاصل الكلام في توضيح هذه القاعدة : أنّ حكم العقل بحسن شيء أو قبحه إنّما هو لأجل اشتماله على وجود ملاك فيه ، فلو فرضنا ذاتاً واحدة جامعة لحيثيات ـ كالمقدّمة ـ وفرضنا أنّ ما هو الوجه لحكمه أحد الحيثيات دون غيرها ـ كما أوضحناه في المقدّمة الاُولى ـ فلا حكم للعقل إلاّ على هذه الحيثية دون غيرها .
فلو حكم مع هذا الإدراك على الذات المجرّدة أو على حيثية اُخرى لكان حكماً بلا ملاك ، وهو لا يتصوّر في الأحكام العقلية . فما هو موضوع للحسن أو القبح هو هذا الملاك ، والموصوف بالملاك يكون محبوباً بالعرض والمجاز .
فاتّضح : أنّ ما هو الغرض من الإيجاب هو التوصّل في نظر العقل ببركة المقدّمة الاُولى ، وأنّ الموضوع للحكم هو هذه الحيثية لا غير بمقتضى المقدّمة الثانية ، والمحصّل هو وجوب المقدّمة الموصلة على فرض الملازمة .
وبما قرّرناه يظهر : اندفاع ما زعمه المحقّق الخـراساني إشكالا للمطلب مـن أنّ الغرض من وجوب المقدّمة ليس إلاّ حصول ما لولاه لما أمكن حصول ذيها . . . إلى آخره(28) .
وفيه : أنّك قد عرفت أنّ السؤال لا يقف لو اُجيب بما جعله غاية للإيجاب .
ومثله في الضعف : ما أفاده بقوله من أ نّه لا يعقل أن يكون ترتّب الواجب هو الغرض الداعي ; فإنّه ليس أثر تمام المقدّمات ; فضلا عن إحداها .
هذا ، وقد بان جوابه ممّا مرّ ; لأنّه مبني على القول بامتناع وقوع الإرادة متعلّق الأمر ، وقد تقدّم(29) صحّـة وقوعه في التعبّديات . ويمكن أن يقال ـ مع تسليمه على تقدير خروج الإرادة منها ـ إنّ المراد من الموصلة هو سائر المقدّمات التي يتوصّل بها إلى الواجب بعد ضمّ الإرادة إليها على نحو لا يحتاج حصول الواجب إلى أزيد من انضمام إرادة المكلّف إليها ، فالغرض بهذا المعنى مترتّب دائماً على المقدّمات .
وتوهّم استلزامه دخول الغاية في حدّ ذيها لا يضرّ بالنسبة إلى الأحكام العقلية التي ترجع القيود التعليلية فيها إلى التقييدية ، وتبدّل الغايات إلى عناوين الموضوعات .
وبالتدبّر فيما حقّقناه من أ نّه قيد للواجب بالمعنى الاسمي لا الانتزاعي تعرف حال بقية الإشكالات ، فتدبّر .
ثمّ إنّ بعض الأعيان من المحقّقين ـ مع اعترافه بأنّ الحيثيات التعليلية في الأحكام العقلية كلّها ترجع إلى التقييدية ، وأنّ الغايات عناوين للموضوعات ـ وجّه كلام القائل بالمقدّمة الموصلة بوجهين :
الأوّل : أنّ الغرض الأصيل حيث إنّه مترتّب على وجود المعلول فالغرض التبعي من أجزاء علّته هو ترتّب وجوده على وجودها إذا وقعت على ما هي عليه ; من اتّصاف السبب بالسببية والشرط بالشرطية . فوقوع كلّ مقدّمة على صفة المقدّمة الفعلية ملازم لوقوع الاُخرى على تلك الصفة ، وإلاّ فذات الشرط المجرّد عن السبب أو بالعكس مقدّمة بالقوّة لا بالفعل ومثلها غير مرتبط بالغرض الأصيل(30) .
وفيه : أنّ الوجه في العدول عن المقدّمة الموصلة إلى المقدّمة الفعلية غير ظاهر ; سوى الفرار عن الإشكالات المتوهّمة المردودة ، وقد عرفت حالها .
أضف إليه : أنّ ما هو الملاك في نظر العقل إنّما هو حيثية التوصّل ، لا كونها مقدّمة بالفعل ، ولا اتّصاف السبب بالسببية والشرط بالشرطية .
وعليه : يكون المتعلّق بالذات للإرادة هو المقدّمة بهذه الحيثية لا بحيثيات آخر ، وأ مّا السبب الفعلي بما هو كذلك لا تتعلّق به الإرادة بهذه الحيثية . وكون السبب الفعلي ملازماً لحصول المطلوب في الخارج لا يوجب أن تكون مطلوبة بالذات ، وكذا سائر العناوين ; من العلّة التامّة وكلّ ما هو ملازم لوجود المطلوب .
الثاني : أنّ المعلول لمّا كان متعلّق الغرض فلا محالة تكون علّته التامّة متعلّقة للغرض بالتبع ، وكما أنّ الإرادة المتعلّقة بالمعلول واحدة ـ وإن كان مركّباً ـ كذلك الإرادة المتعلّقة بالعلّة التامّة واحدة ـ وإن كانت مركّبة ـ والملاك في وحدة الإرادة هو وحدة الغرض . فالإرادة المتعلّقة بالعلّة المركّبة لا يسقط إلاّ بعد حصولها الملازم لحصول المعلول(31) ، انتهى .
قلت يرد عليه مضافاً إلى ما أوردنا على الوجه الأوّل ـ من أنّ ما هو الملاك عند العقل هو حيثية الموصلية ; إذ غيرها من العناوين الملازمة لها مطلوب بالعرض ، فالعلّة التامّة بما هي كذلك لا تتعلّق بها إرادة ـ أنّ العلّة المركّبة بما أ نّها ذات أجزاء ـ من شرط وسبب ومعدّ وعدم المانع ـ وليست بينها جامع ذاتي ولا يكون من قبيل التوليديات ، تتعلّق بكلّ واحد إرادة مستقلّة ; لوجود مناط الوجوب في كلّ واحد من التوصّل إلى ذيها .
وبعبارة اُخرى : أنّ العلّة التامّة في العلل المركّبة عنوان ينتزع من اُمور مختلفة في التأثير ، ولا يتعلّق بهذا العنوان الانتزاعي غرض ولا إرادة . فلا محيص عن القول بأنّ العقل يفصّل الاُمور ويحلّلها ويعطي كلّ جزء حقّه ، فشأنه تفكيك الاُمور لا تلفيقها ، ولا رؤية المجموع وإهمال الحيثيات .
___________
1 ـ اُنظر مطارح الأنظار : 72 / السطر الأوّل .
2 ـ معالم الدين : 71 .
3 ـ اُنظر كفاية الاُصول : 143 .
4 ـ مطارح الأنظار : 75 ـ 76 .
5 ـ مطارح الأنظار : 72 / السطر21 .
6 ـ نفس المصدر : 72 / السطر5 .
7 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 385 .
8 ـ مطارح الأنظار : 72 / السطر24 .
9 ـ مطارح الأنظار : 72 / السطر8 و14 و73 / السطر2 .
10 ـ نهاية الدراية 2 : 133 .
11 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 387 .
12 ـ تقدّم في الصفحة 363 .
13 ـ كفاية الاُصول : 95 ـ 96 .
14 ـ الفصول الغروية : 81 / السطر4 و 86 / السطر12 .
15 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 290 .
16 ـ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 116 ـ 118 .
17ـ نفس المصدر : 119 .
18 ـ أجود التقريرات 1 : 237 ـ 238 .
19 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 290 .
20 ـ لمحات الاُصول : 154 .
21 ـ كفاية الاُصول : 145 ـ 146 .
22 ـ كفاية الاُصول : 146 .
23 ـ يأتي في الصفحة 378 .
24 ـ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 119 .
25 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 389 و 392 .
26 ـ تقدّم في الصفحة 27 و 98 ـ 99 و 103 .
27 ـ الفصول الغروية : 86 / السطر22 .
28 ـ كفاية الاُصول : 145 .
29 ـ تقدّم في الصفحة 370 و 373 .
30 ـ نهاية الدراية 2 : 138 .
31 ـ نفس المصدر .
|
|
هل يمكن أن تكون الطماطم مفتاح الوقاية من السرطان؟
|
|
|
|
|
اكتشاف عرائس"غريبة" عمرها 2400 عام على قمة هرم بالسلفادور
|
|
|
|
|
رئيس هيأة التربية والتعليم يطَّلع على سير الأعمال في المبنى الجديد لجامعة العميد
|
|
|