ارفع مضارعا إذا يجرد ... من ناصب وجازم ك تسعد
إذا جرد الفعل المضارع عن عامل النصب وعامل الجزم رفع واختلف في رافعه فذهب قوم إلى أنه ارتفع لوقوعه موقع الاسم فيضرب في قولك زيد يضرب واقع موقع ضارب فارتفع لذلك وقيل ارتفع لتجرده من الناصب والجازم وهو اختيار المصنف .
وبلن انصبه وكى كذا بأن ... لا بعد علم والتي من بعد ظن
فانصب بها والرفع صحح واعتقد ... تخفيفها من أن فهو مطرد
ص3
ينصب المضارع إذا صحبه حرف ناصب وهو لن أوكى أو أن أو إذن نحو لن أضرب وجئت كي أتعلم وأريد أن تقوم وإذن أكرمك في جواب من قال لك آتيك وأشار بقوله لا بعد علم إلى أنه إن وقعت أن بعد علم ونحوه مما يدل على اليقين وجب رفع الفعل بعدها وتكون حينئذ مخففة من الثقيلة نحو علمت أن يقوم التقدير أنه يقوم فخففت أن وحذف اسمها وبقي خبرها وهذه هي غير الناصبة للمضارع لأن هذه ثنائية لفظا ثلاثية وضعا وتلك ثنائية لفظا ووضعا.
وإن وقعت بعد ظن ونحوه مما يدل على الرجحان جاز في الفعل بعدها وجهان :
أحدهما: النصب على جعل أن من نواصب المضارع.
الثاني: الرفع على جعل أن مخففة من الثقيلة فتقول ظننت أن يقوم وأن يقوم والتقدير مع الرفع ظننت أنه يقوم فخففت أن وحذف اسمها وبقي خبرها وهو الفعل وفاعله
ص4
وبعضهم أهمل أن حملا على ... ما أختها حيث استحقت عملا
يعني أن من العرب من لم يعمل أن الناصبة للفعل المضارع وإن وقعت بعد مالا يدل على يقين أو رجحان فيرفع الفعل بعدها حملا على أختها ما المصدرية لاشتراكهما في أنهما يقدران بالمصدر فتقول أريد أن تقوم كما تقول عجبت مما تفعل .
ونصبوا بإذن المستقبلا ... إن صدرت والفعل بعد موصلا
ص5
أو قبله اليمين وانصب وارفعا ... إذا إذن من بعد عطف وقعا
تقدم أن من جملة نواصب المضارع إذن ولا ينصب بها إلا بشروط:
أحدها: أن يكون الفعل مستقبلا.
الثاني: أن تكون مصدرة.
الثالث: أن لا يفصل بينها وبين منوصبها وذلك نحو أن يقال أنا آتيك فتقول إذن أكرمك فلو كان الفعل بعدها حالا لم ينصب نحو أن يقال أحبك فتقول إذن أظنك صادقا فيجب رفع أظن وكذلك يجب رفع
الفعل بعدها إن لم تتصدر نحو زيد إذن يكرمك فإن كان المتقدم عليها حرف عطف جاز في الفعل الرفع والنصب نحو وإذن أكرمك وكذلك يجب
ص6
رفع الفعل بعدها إن فصل بينها وبينه نحو إذن زيد يكرمك فإن فصلت بالقسم نصبت نحو إذن والله أكرمك .
وبين لا ولام جر التزم ... إظهار أن ناصبة وإن عدم
لا فأن أعمل مظهرا أو مضمرا ... وبعد نفي كان حتما أضمرا
كذاك بعد أوإذا يصلح في ... موضعها حتى أو ألا أن خفى
ص7
اختصت أن من بين نواصب المضارع بأنها تعمل مظهرة ومضمرة فتظهر وجوبا إذا وقعت بين لام الجر ولا النافية نحو جئتك لئلا تضرب زيدا.
وتظهر جوازا إذا وقعت بعد لام الجر ولم تصحبها لا النافية نحو جئتك لأقرأ ولأن أقرأ هذا إذا لم تسبقها كان المنفية.
فإن سبقتها كان المنفية وجب إضمار أن نحو ما كان زيد ليفعل ولا تقول لأن يفعل قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} ويجب إضمار أن بعد أو المقدرة بحتى أو إلا فتقدر بحتى إذا كان الفعل الذي قبلها مما ينقضى شيئا فشيئا وتقدر بإلا إن لم يكن كذلك فالأول كقوله:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى ... فما انقادت الآمال إلا لصابر
ص8
أي لأستسهلن الصعب حتى أدرك المنى ف أدرك منصوب ب أن المقدرة بعد أو التي بمعنى حتى وهي واجبة الإضمار والثاني كقوله:
وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيما
ص9
أي كسرت كعوبها إلا أن تستقيم ف تستقيم منصوب ب أن بعد أو واجبة الإضمار .
وبعد حتى هكذا إضمار أن ... حتم ك جد حتى تسر ذا حزن
وما يجب إضمار أن بعده حتى نحو سرت حتى أدخل البلد ف حتى حرف جر وأدخل منصوب بأن المقدرة بعد حتى هذا إذا كان الفعل بعدها مستقبلا فإن كان حالا أو مؤولا بالحال وجب رفعه وإليه الإشارة بقوله
وتلو حتى حالا أو مؤولا ... به أرفعن وانصب المستقبلا
ص10
فتقول سرت حتى أدخل البلد بالرفع إن قلته وأنت داخل وكذلك إن كان الدخول قد وقع وقصدت به حكاية تلك الحال نحو كنت سرت حتى أدخلها .
وبعد فاجواب نفى أو طلب ... محضين أن وسترها حتم نصب
يعني أن أن تنصب وهي واجبة الحذف الفعل المضارع بعد الفاء المجاب بها نفي محض أو طلب محض فمثال النفي ما تأتينا فتحدثنا وقد قال تعالى: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} ومعنى كون نفي محضا أن يكون خالصا من معنى الإثبات فإن لم يكن خالصا منه وجب رفع ما بعد الفاء نحو
ص11
ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا ومثال الطلب وهو يشمل الأمر والنهي والدعاء والاستفهام والعرض والتحضيض والتمني فالأمر نحو اثتني فأكرمك ومنه:
يا ناق سيري عنقا فسيحا ... إلى سليمان فتستريحا
والنهى : نحو لا تضرب زيدا فيضربك ومنه قوله تعالى: {وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} والدعاء نحو رب انصرني فلا أخذل ومنه:
رب وفقني فلا أعدل عن ... سنن الساعين في خير سنن
ص12
والاستفهام: نحو هل تكرم زيدا فيكرمك ومنه قوله تعالى: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا}
والعرض: نحو ألا تنزل عندنا فتصيب خيرا ومنه قوله:
يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك فما راء كمن سمعا؟
ص13
والتحضيض: نحو لولا تأتينا فتحدثنا ومنه قوله تعالى: {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} .
والتمنى: نحو {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} ومعنى أن يكون الطلب محضا أن لا يكون مدلولا عليه باسم فعل ولا بلفظ الخبر فإن كان مدلولا عليه بأحد هذين المذكورين وجب رفع ما بعد الفاء نحو صه فأحسن إليك وحسبك الحديث فينام الناس .
والواو كالفا إن تفد مفهوم مع ... كلا تكن جلدا وتظهر الجزع
يعني أن المراضع التي ينصب فيها المضارع بإضمار أن وجوبا بعد الفاء بنصب فيها كلها ب أن مضمرة وجوبا بعد الواو إذا قصد بها المصاحبة نحو: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} وقوله:
ص14
فقلت ادعى وأدعو إن أندى ... لصوت أن ينادى داعيان
وقوله:
لاتنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
ص15
وقوله:
ألم أك جاركم ويكون بيني ... وبينكم المودة والإخاء
ص16
واحترز بقوله إن تفد مفهوم مع عما إذا لم تفد ذلك بل أردت التشريك بين الفعل والفعل أو أردت جعل ما بعد الواو خبرا لمبتدأ محذوف فإنه لا يجوز حينئذ النصب ولهذا جاز فيما بعد الواو في قولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن ثلاثة أوجه:
الجزم: على التشريك بين الفعلين نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن.
والثاني: الرفع على إضمار مبتدأ نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن أي وأنت تشرب اللبن.
والثالث : النصب على معنى النهى عن الجمع بينهما نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن أي لا يكن منك أن تأكل السمك وأن تشرب اللبن فينصب هذا الفعل بأن مضمرة .
وبعد غير النفي جزما اعتمد ... إن تسقط الفا والجزاء قد قصد
يجوز في جواب غير النفي من الأشياء التي سبق ذكرها أن تجزم إذا
ص17
سقطت الفاء وقصد الجزاء نحو زرني أزرك وكذلك الباقي وهل هو مجزوم بشرط مقدر أي زرني فإن تزرني أزرك أو بالجملة قبله قولان ولا يجوز الجزم في النفي فلا تقول ما تأتينا تحدثنا .
وشرط جزم بعد نهي أن تضع ... إن قبل لا دون تخالف يقع
لا يجوز الجزم عند سقوط الفاء بعد النهي إلا بشرط أن يصح المعنى بتقدير دخول إن الشرطية على لا فتقول لا تدن من الأسد تسلم بجزم تسلم إذ يصح إن لا تدن من الأسد تسلم ولا يجوز الجزم في قولك لا تدن من الأسد يأكلك إذ لا يصح إن لا تدن من الأسد يأكلك.
ص18
وأجاز الكسائي ذلك بناء على أنه لا يشترط عنده دخول إن على لا فجزمه على معنى إن تدن من الأسد يأكلك .
والأمر إن كان بغير افعل فلا ... تنصب جوابه وجزمه أقبلا
قد سبق أنه إذا كان الأمر مدلولا عليه باسم فعل أو بلفظ الخبر لم يجز نصبه بعد الفاء وقد صرح بذلك هنا فقال متى كان الأمر بغير صيغة افعل ونحوها فلا ينتصب جوابه ولكن لو أسقطت الفاء جزمته كقولك صه أحسن إليك وحسبك الحديث ينم الناس وإليه أشار بقوله وجزمه اقبلا .
والفعل بعد الفاء في الرجا نصب ... كنصب ما إلى التمني ينتسب
ص19
أجاز الكوفيون قاطبة أن يعامل الرجاء معاملة التمني فينصب جوابه المقرون بالفاء كما نصب جواب التمنى وتابعهم المصنف ومما ورد منه قوله تعالى: {َلعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} في قراءة من نصب أطلع وهو حفص عن عاصم .
وإن على اسم خالص فعل عطف ... تنصبه أن ثابتا أو منحذف
يجوز أن ينصب بأن محذوفة أو مذكورة بعد عاطف تقدم عليه اسم خالص أي غير مقصود به معنى الفعل وذلك كقوله:
ولبس عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشقوف
ص20
فـ تقر منصوب بأن محذوفة وهي جائزة الحذف لأن قبله اسما صريحا وهو لبس وكذلك قوله:
إني وقتلي سليكا ثم أعقله ... كالثور يضرب لما عافت البقر
ص21
فـ أعقله منصوب ب وأن محذوفة وهي جائزة الحذف لأن قبله اسما صريحا وهو قتلي وكذلك قوله:
لولا توقع معتر فأرضيه ... ما كنت أوثر إترابا على ترب
ص22
فـ أرضيه منصوب بأن محذوفه جوازا بعد الفاء لأن قبلها اسما صريحا وهو توقع وكذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} فيرسل منصوب بان الجائزة الحذف لأن قبله وحيا وهو اسم صريح.
فإن كان الاسم غير صريح أي مقصودا به معنى الفعل لم يجز النصب نحو الطائر فيغضب زيد الذباب فيغضب يجب رفعه لأنه معطوف على طائر وهو اسم غير صريح لأنه واقع موقع الفعل من جهة أنه صلة لأل وحق الصلة أن تكون جملة فوضع طائر موضع يطير
ص23
والأصل الذي يطير فلما جيء بأل عدل عن الفعل إلى اسم الفاعل لأجل أل لأنها لا تدخل إلا على الأسماء .
وشذ حذف أن ونصب في سوى ... ما مر فاقبل منه ما عدل روى
لما فرغ من ذكر الأماكن التي ينصب فيها بأن محذوفة إما وجوبا وإما جوازا ذكر أن حذف أن والنصب بها في غير ما ذكر شاذ لا يقاس عليه ومنه قولهم مره يحفرها بنصب يحفر أي مره أن يحفرها ومنه قولهم خذ اللص قبل يأخذك أي قبل أن يأخذك ومنه قوله:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
في رواية من نصب أحضر أي أن أحضر.
ص24