أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-8-2016
1072
التاريخ: 6-9-2016
3881
التاريخ: 5-9-2016
1422
التاريخ: 18-8-2016
1920
|
مدرك حجّيّة الإجماع عندنا اشتماله على قول المعصوم (عليه السلام)، فمجرّد العلم به لا يكفي عندنا في حجّيّته ، بل لا بدّ فيها من العلم بدخول قوله (عليه السلام) ، إلاّ أنّ أصحابنا ذكروا أنّ الأوّل ملزوم للثاني (1).
ولهم في بيان ذلك ثلاث طرق :
[ الطريق ] الأوّل (2) : ما ذهب إليه جماعة منهم المرتضى (رحمه الله) (3) ، وهو أنّه إذا علم اتّفاق جميع فقهاء الإسلام أو الشيعة على حكم ، علم دخول رئيسهم فيه وإن لم يتميّز شخصه ولا قوله. ويثبت ذلك من قياس واضح المقدّمات ، هو أنّ هذا الحكم ممّا أجمع عليه ـ مثلا ـ جميع خواصّ الدين أو المذهب ، وكلّ ما أجمع عليه جميع هؤلاء يكون رئيسهم من جملة المجمعين عليه ، فينتج المطلوب ؛ والصغرى ظاهرة بعد ما دريت من إمكان حصول القطع باتّفاق جميع خواصّ الدين أو المذهب على حكم ، والكبرى ضروريّة ؛ لبداهة اندراج المعصوم في جميع من يصدق عليهم لفظ « الخواصّ » وأمثاله.
وهذا الطريق يجري في كلّ إجماع كان في جملة المجمعين من يجهل أصله ونسبه ، وعلم عدم مخالف له أصلا ، أو عدم مخالف مجهول النسب ، ولا يضرّ مخالفة معلوم النسب ما لم تبلغ حدّا يقدح في العلم بعدم مخالفة مجهول النسب ؛ فإنّه إذا صار من خالف ممّن يعرف نسبه كثيرا، شكّ في مخالفة مجهول النسب ، بل قد يظنّ أو يعلم ذلك ، فلا يقطع حينئذ بدخول المعصوم. ومنه يثبت استلزام مثل هذا الإجماع للاطّلاع على دخوله (عليه السلام) فيه كلّيا ، ويكون حجّة لكشفه عنه.
والقول بأنّه لا يكاد يتحقّق إجماع علم دخوله في جملة المجمعين ولم يتميّز شخصه ؛ لامتناع حصول مثله في زمان الغيبة وهو ظاهر ، وفي زمان الحضور أيضا ؛ لأنّ المعصوم فيه
كان ظاهرا يعرفه كلّ أحد، وكان شخصه وقوله متميّزين ، فإذا صدر منه حكم فيه يكون الحجّة فيه ، ويكون الإجماع لغوا ؛ لأنّ حجّيّته وفائدته لكشفه عنه وهو حينئذ لظهوره في نفسه لا يحتاج إلى كاشف (4).
ضعيف ؛ لأنّه ليس المراد من دخول المعصوم في جملة المجمعين أن يكون شخصه داخلا في جملة أشخاصهم ، بل المراد منه أنّه يكون قوله موافقا لأقوالهم ، وحينئذ يمكن انعقاد مثل هذا الإجماع في زمان الغيبة والحضور مع وجود شاهد له من النصوص وبدونه.
أمّا في زمان الغيبة ، فبأن يظفروا فيه على نصّ فيجمعوا على مدلوله ، ويكون إجماعا مفيدا لمن بعدهم ، سواء فقد عنهم ما كان شاهدا له من النصّ ولم يصل إليهم ، أو عثروا عليه.
أمّا الأوّل : فظاهر ؛ لكشفه عن رأي المعصوم وانحصار الكاشف به.
وأمّا الثاني : فلكشفه عنه أيضا. ووجود النصّ لا يجعله لغوا ؛ لأنّ النصّ من حيث هو ليس حجّة ، بل حجّيّته أيضا لكشفه عن رأي المعصوم ، فهما متساويان في الدلالة على رأيه ، فاعتبار أحدهما وإلغاء الآخر تحكّم (5). وكون النصّ كاشفا عنه بلا واسطة دون الإجماع لكشفه عنه بواسطته ، ممّا لا يصلح حجّة لتعيّن اعتبار الأوّل وإلغاء الثاني.
نعم ، يمكن العكس ؛ لتساويهما في الفائدة المذكورة مع زيادة فائدة في الإجماع ، وهو كونه قاطعا كما هو المفروض ، وجواز كون الإجماع قاطعا مع ظنّيّة مستنده ممّا لا ريب فيه ، بل هو واقع ؛ فإنّ كثيرا من الأحكام البديهيّة ممّا يحكم بكفر منكره وقتله مع أنّ مستنده إمّا الآية ، أو خبر الواحد ، وكلّ منهما ظنّي ، فالتكفير والقتل إنّما ترتّبا على الإجماع لا على مستنده. وربّما يكون الحكم قطعيّا مع أنّه لم يرد به شيء من آية ولا خبر ، كانفعال المياه المضافة والمائعات ، ونجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه. وربما دلّ العمومات مع ذلك على خلافه ، كمحرميّة أمّ الزوجة.
والحقّ أنّ ذلك (6) لا يخرج النصّ عن كونه مفيدا ، بل له فائدة أيضا وإن كان الإجماع أولى
بالاعتبار منه وكافيا في الحجّيّة ؛ لأنّ تكثير الأدلّة من الفوائد المهمّة وإن كان واحد منها قاطعا ؛ فإنّ للقطع مراتب كما سبق.
ثمّ النصّ الذي ينعقد الإجماع على مدلوله في زمان الغيبة لا يلزم أن يكون من إمام عصرهم ؛ لأنّ انعقاد الإجماع في زمان الغيبة غير موقوف على دخول خصوص قول إمام العصر في أقوالهم ، بل يصحّ انعقاده على طبق قول غيره من الأئمّة ؛ لأنّ قول كلّ منهم حجّة حيّا وميّتا.
وأمّا في زمان الحضور ، فبأن يسمعوا منه حكما مشافهة أو بواسطة النقل فيجمعوا عليه ، ويكون حجّة مفيدة لمن يعقبهم على التقديرين ، كما سبق (7). ويزيد هنا (8) على سابقه بإمكان اطّلاعهم على رأيه في حكم شرعي من غير أن يصرّح به وينقل لهم خبر خاصّ عنه ؛ لأنّه يمكن حصول العلم لخواصّ رئيس برأيه وإن لم يصرّح به ، ولم ينقل عنه نصّ بخصوصه ، ويمكن حصوله لغيرهم أيضا من تتبّع أفعالهم وأقوالهم ، فإنّ الضرورة قاضية بأنّ كثيرا ما يقع في الوجود أن يعلم أو يظنّ أنّ رجلا معتقده وطريقته كذا من غير أن ينقل عنه خبر خاصّ فيه. ومنه علمنا بوجوب المسح على الرجلين ؛ فإذا أجمعوا حينئذ على ما اطّلعوا عليه من رأيه ، فلا ريب في كون إجماعهم هذا مفيدا ؛ لانحصار الكاشف عن رأيه به.
واعلم أنّه ـ على ما ذكر (9) ـ لا كلام في استلزام كلّ إجماع قطعي علم عدم مخالف له أصلا ، أو عدم مخالف مجهول النسب له ؛ للعلم بدخول قوله (عليه السلام) ، ولا يتخلّف ذلك عن صورة منه ، فثبت الاستلزام الكلّي.
نعم ، يختلف الملزوم بالنسبة إلى الأشخاص ، فربّ إجماع قطع بعضهم بعدم مخالف له ولم يقطع به آخر ، فعند الأوّل يحصل العلم بدخول قوله ، وعند الثاني لا يحصل به. وهذا لا ينافي الاستلزام الكلّي ؛ لأنّه على (10) تقدير تحقّق الملزوم ، وهو أن يعلم اتّفاق جميع العلماء بحيث لم يخالف منهم أحد ، أو خالف معروف النسب مع وجود مجهول النسب فيهم ، سواء تعارضت فيما اتّفقوا عليه أدلّة أخر أو لا ، وسواء وجد له شاهد أو معارض منها أو لا.
ثمّ إنّك قد عرفت فيما سبق (11) اختلاف مراتب الإجماعات في العلم بها .
فمنها : قطعيّ بديهيّ ، ومنها : قطعيّ نظريّ ، ومنها : ظنّيّ ؛ فيتبعها العلم بدخول قوله أيضا في ذلك ، ويختلف مراتبها فيه أيضا.
ففي الأوّل يكون العلم بدخول قوله بديهيّا ، وفي الثاني قطعيّا نظريّا ، وهكذا.
[ الطريق ] الثاني : ما ذهب إليه معظم المحقّقين (12) ، وهو أنّه إذا علم اتّفاق جمع من الفقهاء على حكم علم أنّهم أخذوه من قدوتهم ؛ لأنّه يمتنع عادة اتّفاق طائفة من خواصّ رئيس على حكم من غير أن يصدر عنه ، سواء كانوا جميع خواصّه أو بعضهم ، بعد أن علم أنّهم لا يرون الحجّة إلاّ في قوله ، ولا يقولون إلاّ عن رأيه.
وهذا يجري فيما يجري فيه الطريق الأوّل ، وفي غيره ممّا شكّ فيه في وجود مخالف مجهول النسب له ، بل فيما ظنّ أو علم له ذلك أيضا ، إلاّ أنّ هذا ليس كلّيّا بحيث كلّما علم اتّفاق جمع حصل منه العلم بدخول قوله (عليه السلام) ، بل يختلف ذلك باختلافهم في الفتوى والورع ، فربّما حصل من اتّفاق ثلاثة أو اثنين ، وربّما لم يحصل من اتّفاق خمسين ، ويختلف ذلك بالنسبة إلى العاملين أيضا.
فالمناط على هذا الطريق اتّفاق يعلم أنّ المتّفقين لا يجزمون بحكم من غير أخذه عن قدوتهم ، ولذا لا يقدح فيه مخالفة معروف النسب ومجهولة ، ولا يشترط وجود مجهول النسب فيهم.
ويمكن انعقاد مثله في زمان الحضور ؛ لأنّه إذا اتّفق فضلاء أصحاب الصادق (عليه السلام) ـ مثلا ـ على حكم يمكن حصول العلم لبعض بأنّهم أخذوه منه (عليه السلام) وإن خالفهم بعض ، وفي زمان الغيبة أيضا ؛ لأنّه إذا أجمع جماعة من متقدّمي أصحابنا ومتأخّريهم على حكم مع تطابق أقوالهم على أنّ الإجماع من حيث هو ليس حجّة ، بل حجّيّته لكشفه عن الحجّة ـ كما لا يخفى على الناظر في كتبهم الاصوليّة (13) والفروعيّة (14) ـ يمكن حصول القطع حينئذ باشتماله على دخول قول المعصوم.
فظهر ممّا ذكر صحّة كلّ من الطريقين ، وأنّ كلّ ما يصحّ إثبات حجّيّته بالطريق الأوّل يصحّ بالثاني أيضا ، إلاّ أنّه لا بدّ لكلّ مجتهد من الفحص عن كلّ إجماع ليعلم أنّه ممّا يمكن إثبات حجّيّته بكلّ منهما ، أو بالثاني فقط.
فعلى الأوّل : إن حصل له العلم بنفس الإجماع يحصل له العلم بدخول قوله (عليه السلام) أيضا كما سبق (15) ، ولا ريب حينئذ في حجّيّته وتعيّن العمل به. وإن حصل له الظنّ به يحصل له الظنّ به أيضا ، ويتعيّن العمل به إن لم يكن له معارض ، سواء كان له معاضد أو لا.
وإن كان له معارض ، وجب عليه النظر في كلّ منهما وما يعاضدهما ، واعتبار القواعد المقرّرة في الترجيح ، فيأخذ بأقوى الظنّين الحاصلين منهما.
وعلى الثاني: يلزم عليه أن ينظر بأنّه هل هو ممّا يحصل به القطع على اشتماله على قول المعصوم فيجب عليه العمل به، أو يحصل به الظنّ على اشتماله عليه ، أو لا يحصل به شيء منهما؟ وعلى الأخيرين : هل يوجد له مخالف أو لا ؟
وعلى التقادير : هل يوجد له معاضد أو معارض من الأدلّة الأخر أو لا ؟ وعلى جميع الصور : هل يدّعى إجماع على خلافه أو لا ؟ فتصير الصور كثيرة.
ولا بدّ له في كلّ منها من النظر ، واعتبار الضوابط الممهّدة للترجيح ، والأخذ بما يقتضيه.
[ الطريق ] الثالث (16) : ما ذهب إليه الشيخ ، وهو أنّه تواتر الأخبار بأنّه إذا وقع إجماع على باطل يجب على الإمام أن يظهر القول بخلافه ، فإذا لم يظهر ظهر أنّه حقّ (17) ، وايّد ذلك بحجّيّة تقريره (عليه السلام).
قيل : هذا يجري في إجماع لم يكن له مخالف أصلا ، ولم يوجد خبر على خلافه ؛ لأنّ القائل به لم يقل بأنّه يجب على الإمام أن يعرّفهم نفسه ويردّهم ، بل اكتفى بمجرّد ظهور قول منه بخلاف ما أجمعوا عليه ، وهو يتحقّق بنصّ منه ، وبمخالفة فقيه جهل أو عرف (18).
لا يقال : الأخبار الواردة في هذا الباب تدلّ على أنّ الأرض لا تخلو في كلّ زمان عن حجّة لئلاّ يقع الناس في باطل وضلالة (19) ، فيلزم منه حقّيّة ما استمرّ بينهم ، ونحن نرى أحكاما إجماعيّة خالف فيها فقيه ، أو ورد خبر على خلافها ، ومع ذلك استمرّت من الصدر الأوّل إلى زماننا هذا ، ولو لم تكن صحيحة وكان مخالفة الفقيه ، أو ورود الخبر إلقاء الخلاف منه (عليه السلام) ، لكان اللازم رجوعهم منها.
لأنّا نقول : وإن دلّ بعضها في بادئ النظر على ذلك ، إلاّ أنّه يخالف ما هو الظاهر من عدم وجوب الردّ القهريّ عليه ؛ لأنّ شأنه إراءة الطريق ، فيجب حملها على أنّ المراد منها أنّ الأرض لا تخلو عنه ليعرف الناس الحقّ والباطل ، كما يدلّ عليه بعض آخر منها.
نعم ، يمكن أن يقال حينئذ : إنّ إلقاء الخلاف على النحو المذكور (20) لا يكفي في إراءة الطريق ؛ لأنّ دأب الفقهاء عدم الاعتناء بمخالفة واحد سيّما إذا كان معروف النسب ، والحكم بشذوذ خبر خالف الإجماع ولزوم طرحه. وعلى هذا لا يضرّ شيء منهما (21) بهذا الطريق.
ولكنّ أصل الطريق لا يخلو عن مناقشة ؛ لأنّه يفهم من هذه الأخبار وجوب وجود الإمام في كلّ عصر لهداية الناس إلى جميع الأحكام على ما هي عليه في الواقع ، بحيث لا يزاد شيء فيها ولا ينقص شيء عنها ، ولا يهمل شيء عنها ، وهذا كما يدلّ على أنّه لا يتركهم أن يجتمعوا على الخطأ ، يدلّ على أنّه يدفع عنهم الخلاف بحيث لا يرتابوا في شيء منها ، ويقيم كلّ واحد من حدود الله وأحكامه بحيث لا يعطّل شيء منها ، مع أنّا نرى أنّ جلّ الأحكام الإلهيّة معطّلة ، كالحدود ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والمسائل الخلافيّة المشكلة كثيرة ، والإشكال في بعضها بلغ حدّا حارت فيه الأنظار ، ولا يكاد يهتدي إليه الأفكار ، ولا ريب أنّ المصيب فيها واحد وغيره على الخطأ ، فكان اللازم على الإمام أن يبيّن لهم وجه التفصّي ، ويقيم الأحكام كما هي بمقتضى هذه الأخبار.
وبيان وجه التفصّي على النحو المتعارف بين القوم لا يكفي لبيان إراءة الطريق ، ولو كفى لم يحتج إلى إمام في كلّ عصر ، وهو خلاف ما دلّ عليه الأخبار. فالصحيح أنّ المراد من الأخبار أنّه يجب وجود إمام في كلّ عصر ؛ ليفعل ما ذكر إلاّ أنّ فعله ذلك مشروط بعدم تقيّة (22) ، أو مصلحة اخرى في عدم إظهاره ، وبدونه ـ كما في زمان الغيبة ـ لا يجب عليه ذلك ، وحينئذ كما لا يجب عليه إقامة الحدود وبيان المسائل الخلافيّة ، لا يجب عليه ردّ الناس إلى الحقّ لو اجتمعوا على الخطأ.
هذا ، والمنكر لحجّيّته إمّا منكر لحجّيّة الإجماع المعتبر عند الخاصّة ، أو عند العامّة.
واحتجّ الأوّل بوجوه ضعيفة عمدتها : أنّ كلّ إجماع يدّعى أو يستنبط إمّا يعلم اشتماله على قول المعصوم ، فيكون الحجّة قوله والإجماع لغوا ؛ أو لا ، فلا يكون حجّة (23).
وقد عرفت جوابه (24).
والثاني بقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ } [النحل: 89]، وقوله : {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } [النساء: 59] ونحوهما ، دالاّ على أنّ مرجع الأحكام الكتاب والسنّة لا غير.
وبما ورد نهيا عامّا لكلّ الامّة عن خطأ ما نحو : {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] وأمثاله ، ومنه قوله عليه السلام : « لا ترجعوا بعدي كفّارا » (25) ولو لا جواز اجتماعهم عليه ما أفاد.
وبخبر معاذ ، حيث سأله النبيّ (صلى الله عليه وآله )عن أدلّة الأحكام فعدّ ما عدّ ـ كما سبق (26) ـ ولم يعدّ منها الإجماع ، وأقرّه النبيّ (صلى الله عليه وآله )(27).
وبقوله (صلى الله عليه وآله ) : « بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ » (28) وكذا « تعلّموا الفرائض وعلّموها ، فإنّها أوّل ما تنسى » (29).
وقوله (عليه السلام) : « خير القرون القرن الذي أنا فيه ، ثمّ الذي يليه ، ثمّ الذي يليه حتّى يبقى حثالة (30) كحثالة التمر لا يعبأ الله بهم » (31).
دلّت هذه الأخبار على خلوّ الزمان من جمع تقوم الحجّة بقولهم (32).
والجواب عن الأوّل : أنّ كون الكتاب تبيانا لكلّ شيء لا ينافي كون غيره أيضا تبيانا.
وعن الثاني : أنّه يختصّ بالمنازع فيه ، والمجمع عليه لا يفتقر إلى الردّ ، ولذا عدّ (33) من أدلّة حجّيّة الإجماع ، كما سبق (34).
وعن الثالث : أنّه منع لكلّ واحد لا للكلّ. وعلى فرض التسليم نقول : النهي لا يستلزم الوقوع.
وعن الرابع : أنّه لم يذكر الإجماع لعدم تقرّر مأخذ حجّيّته بعد.
وعن الأخبار الأخيرة : أنّها تدلّ على انقراض علماء الإسلام ، وحينئذ لا يتحقّق إجماع حتّى يكون حجّة.
والخبر الأوّل منها (35) يدلّ ظاهرا على أنّ أهل الإسلام هم الأقلّون في ابتدائه وانتهائه ، وحينئذ لا يدلّ على المطلوب أصلا.
وإذا عرفت ذلك فلا يخفى عليك ما يتفرّع عليه من المسائل الوفاقيّة والخلافيّة ، وموارد التفريع فيه متعدّدة ، وكيفيّته في الجميع ظاهرة عليك بعد الإحاطة بما ذكر.
مثلا : لو عثرت على إجماع وعلمت أنّه لم يخالف فيه سوى معروف النسب ، تعلم أنّه لا عبرة به ، سواء كان واحدا أو ألفا.
وكذا لو خالف مجهول النسب إن حصل (36) لك العلم بدخوله (عليه السلام). وهذا ما يقتضيه اصولنا ، كما عرفت مفصّلا (37).
وأمّا العامّة ، فاتّفقوا على عدم انعقاد الإجماع بمخالفة غير نادر ، واختلفوا في انعقاده بمخالفة النادر وعدمه على أقوال :
ثالثها : عدم انعقاده وكونه إجماعا قطعيّا ، إلاّ أنّه يكون حجّة (38).
أمّا الأوّل : فلأنّ الأدلّة لم تنهض إلاّ في اتّفاق كلّ الامّة.
وأمّا الثاني : فلأنّه يدلّ ظاهرا على وجود راجح ، وإلاّ لم يذهب إليه الأكثر.
والحقّ أنّه لا يقدح مخالفة النادر في تحقّق إجماع كلّ الامّة ؛ لاضمحلاله كاضمحلال شعرات بيض في حيوان أسود ، ولذا لا يمنع (39) صدق الأسود عليه. فالحقّ أنّ النادر يلحق بجنسه لا بنفسه (40).
ويتفرّع عليه فروع كثيرة ، كبقاء الخيار لو طال مجلس المتعاقدين بحيث يخرج عن العادة ؛ إلحاقا له بجنسه ، وإلحاق الولد به (41) لو أتت به لستّة أشهر أو سنة ؛ لما ذكر. وقس عليها أمثالها.
_____________
(1) أي العلم بالإجماع علّة للعلم بدخول قوله (عليه السلام).
(2) هذا هو المعروف بالإجماع الدخولي.
(3) الذريعة إلى أصول الشريعة 2 : 128 و 129 ، والمحقّق الحلّي في معارج الاصول : 132 ، والشيخ حسن في معالم الدين : 173.
(4) راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول 3 : 251 ـ 252.
(5) يفهم من هذا أنّ الإجماع المحتمل المدرك أو مقطوعه عنده (قدس سره) حجّة.
(6) أي تقديم الإجماع على حكم على النصّ الموافق.
(7) أي تقديري عثور من بعدهم عليه وعدمه ، كما سبق في ص 358.
(8) أي زمان الحضور.
(9) في ص 357.
(10) الظرف خبر « أنّ » والضمير راجع إلى الاستلزام.
(11) في ص 349.
(12) منهم : الشيخ في العدّة في أصول الفقه 2 : 602 ، والمحقّق الحلّي في معارج الاصول : 126، والعلاّمة في تهذيب الوصول : 211.
(13) المصادر.
(14) المعتبر 1 : 31 ، وتمهيد القواعد : 251.
(15) في ص 359.
(16) هذا هو المعروف بالإجماع اللطفي.
(17) العدّة في أصول الفقه 2 : 641 و 642.
(18) حكاه الشيخ في العدّة في أصول الفقه 2 : 603.
(19) راجع الكافي 1 : 178 ـ 180 ، باب أنّ الأرض لا تخلو عن حجّة.
(20) أي مخالفة فقيه أو ورود نصّ.
(21) أي مخالفة فقيه أو ورود خبر.
(22) في النسختين « نفيه » ، والصحيح ما أثبتناه.
(23) راجع الذريعة إلى أصول الشريعة 2 : 129.
(24) في ص 358.
(25) وسائل الشيعة 29 : أبواب القصاص في النفس ، الباب 1 ، ح 3.
(26) في ص 330.
(27) كنز العمّال 10 : 594 ، ح 30291 ، ووسائل الشيعة 27 : 52 ، أبواب صفات القاضي ، الباب 6 ، ذيل الحديث 38.
(28) كنز العمّال 1 : 240 ، ح 1201.
(29) المصدر 10 : 166 ، ح 28862 باختلاف يسير.
(30) الحثالة : كلّ ما يسقط من قشر الشعير والأرزّ والتمر وكلّ ذي قشارة إذا نقّي. الصحاح 3 : 1666 ، « ح ث ل ».
(31) جامع الاصول 8 : 547 ـ 551 ، ح 6355 ـ 6360 ، وكنز العمّال 11 : 526 ـ 527 ، ح 32449 ـ 32457 باختلاف في العبارات.
(32) حكاها جميعا الفخر الرازي في المحصول 4 : 51 ـ 53.
(33) والضمير المستتر راجع إلى قوله : ( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ .... )
(34) تقدّم في ص 363.
(35) وهو قوله : « بدأ الإسلام غريبا ... ».
(36) هذا القيد راجع إلى الفرض الثاني كما يأتي في ص 369 ، فيقال : كيف لا يضرّ مخالفة ألف معروف النسب في تحقّق الإجماع؟!
(37) تقدّم في ص 357.
(38) قاله الغزالي في المستصفى : 146 و 155 ، والفخر الرازي في المحصول 4 : 181 ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 1 : 294 ، ونسبه أيضا إلى الأكثر.
(39) أي وجود شعرات بيض.
(40) أي الأقلّ محكوم بحكم الأكثر.
(41) أي بالوالد.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|