أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-8-2019
1493
التاريخ: 17-5-2016
2973
التاريخ: 29-10-2020
1287
التاريخ: 5-7-2016
3292
|
فرضية جون بل
فإنه بالنسبة إلي، هذه هي المشكلة الحقيقة مع نظرية الكم: التعارض الأساسي الواضح بين أي معادلة صارمة والنسبية الأصلية. وربما كان إجراء تركيب حقيقي بين نظريتي الكم والنسبية لا يتطلب مجرد تطورات تقنية. بل تجديدا جذريا في المفاهيم. جون بل
كان جون بل John Bell رجلا أحمر الشعر يكسو النمش وجهه، ويتميز بالهدوء والأدب، والانطوائية، ولد في بلفاست، بايرلندا الشمالية في عام 1928 لعائلة من الطبقة العاملة يعمل أفرادها في الحدادة والزراعة. وكان أبواه جون وأني بل ، من عائلتين استوطنتا ايرلندا الشمالية لأجيال. أما الاسم الأوسط لجون، وهو ستيورات، فكان لقب العائلة الاسكتلندية لأمه، وفي المنزل كان يطلق عليه اسم ستيورات وظل هكذا حتي ذهب إلي الكلية. وكانت عائلته إنجيليكية (وهم أعضاء الكنيسة الايرلندية)، لكن جون طور صداقات تتجاوز الدين أو العرق، وكان الكثير من أصدقائه أعضاء في الطائفة الكاثوليكية. ولم يكن أبواه ثريين، لكنهما كانا يهتمان بالتعليم، وبذلا أقصي جهدهما لتوفير النفقات اللازمة لإرسال جون إلي المدرسة، علي الرغم من أن أخويه تركا الدراسة مبكرا واتجها للعمل. وفي النهاية تمكن أخواه من تعليم نفسيهما ، وأصبح أحدهما أستاذا، والآخر رجل أعمال ناجحا .
وحين بلغ الحادية عشرة من عمره، قرر جون - صاحب القراءات متعددة المجالات - أنه يريد أن يصبح عالما . وحقق نجاحا باهر في امتحانات القبول بالمرحلة الثانوية، لكن لسوء الحظ لم تكن القدرات المالية لأسرته تتحمل أن ترسله إلي مدرسة ذات طابع علمي، واضطر جون أن يقتنع بالالتحاق بمدرسة بلفاست الثانوية للتكنولوجيا حيث درس بعض المواد النظرية والعملية. وتخرج منها عام ١٩٤٤ في سن السادسة عشرة ووجد وظيفة كمساعد فني في قسم الفيزياء بجامعة كوين ببلفاست. وهناك عمل تحت إشراف البروفيسور كارل إميليوس Karl Emeteus ، الذي تعرف علي موهبة مساعده الجلية في العلوم فأعاره الكتب، بل وسمح له بحضور مقررات الطلبة الجدد بدون أن يكون ملتحقا بالجامعة رسميا.
وبعد عام من عمله كفني تم قبول جون بالجامعة طالبا بها ونال منحة متواضعة، سهلت له مسعاه للحصول علي درجة في الفيزياء، وتخرج عام ١٩٤٨ وقد نال شهادة في الفيزياء التجريبية، ولبث عاما أخر نال في نهايته درجة أخري في البكالوريوس، وهذه المرة في الفيزياء الرياضية. وكان من حسن حظ جون أن يتلقى دروسه علي يد الفيزيائي بول Paul Ewald ، وهو مهاجر ألماني موهوب، كان رائدا في مجال علم بلورات الأشعة السينية. وتميز جون في الفيزياء، إلا أنه كان مستاء من الطريقة التي يتم بها شرح نظرية الكم في الجامعة. وترسخ في ذهنه بعمق أنه لابد أن ثمة بعض الأمور الغامضة في هذه النظرية لم يتم تناولها في حجرة الدراسة. ولم يكن يدري، في ذلك الوقت، أن هذه الأفكار غير المشروحة لم يفهمها أي شخص أخر علي الإطلاق، كما أن هذا سوف يكون بحثه الخاص حين يأتي وقت يلقي فيه الضوء علي هذه القضايا.
وعقب فترة من اشتغاله في معمل للفيزياء في كلية كوين ببلفاست، التحق جون بجامعة برمنجاهم Birmingham، حيث حصل علي شهادته في الدكتوراه للفيزياء عام 1956.
وتخصص في الفيزياء النووية ونظرية المجال الكمي، وبعد نيله للشهادة عمل لعدة سنوات في هيئة الطاقة الذرية البريطانية.
وأثناء العمل في فيزياء المسرعات (المعجلات) Accelerator physics في مالفرن ببريطانيا، التقي جون مع ماري روس Mary Ross، زميلة له في نفس التخصص، وتزوجا عام1954، وواصلا حياتهما المهنية معا ، يعملان معظم الوقت في المشروعات نفسها . وبعد إحرازهما للدكتوراه (نالتها في الفيزياء الرياضية من جامعة جلاسجو)، وعملا عدة سنوات في هارويل Glasgow بهيئة الطاقة النووية البريطانية، تحرر الاثنان من وهم التوجهات التي يتبناها المركز النووي للبحوث، واستقالا من الوظيفة الثابتة في هارويل ليتوليا وظائف غير ثابتة في المركز الأوروبي للبحوث النووية في جنيف - (CERN) European Center for Nuclear Research. وهناك اشتغل جون في القسم النظري Theory Division بينما كانت ماري عضوا في مجموعة بحوث المسرعات.
وكل من كان يعرف جون بل أذهلته براعته، وأمانته العلمية، وتواضعه الجم. وأصدر كثيرا من الأوراق العلمية والكثير من المذكرات المهمة، وكان واضحا لكل من يعرفه أنه واحد من أعظم العقول في ذلك العهد. وتوزعت أعمال جون علي ثلاثة مجالات مهنية: الأول: دراسة معجلات الجسيم التي عمل بها، والثاني: الفيزياء النظرية للجسيم واشتغل بها في المركز الأوروبي للبحوث النووية، والثالث : الذي أفضي في النهاية إلي ذيوع اسمه خارج مجتمع الفيزيائيين - وكان في المفاهيم الأساسية لميكانيكا الكم. وفي المؤتمرات التي انعقدت من حوله، كان يشهدها متخصصون من المجالات الثلاثة التي برع فيها جون، وان كان كل واحد منهم لا يعلم شيئا عن المجالين الأخرين. واستطاع جون بل بشكل واضح أن يفصل تماما بين هذه التخصصات، حتي إن المتخصص.في واحد منها لم يكن يعلم أنه يشارك في المجالين الآخرين.
وكانت ساعات عمل جون بل في المركز الأوروبي للبحوث النووية مكرسة حصريا علي الأغلب للفيزياء النظرية للجسيمات وتصميم المعجلات، حتي إن وقت فراغه بالمنزل كان الوقت الوحيد الذي يجري فيه بحوثه فيما أسماه "هوايته"، استكشاف العناصر الأساسية لنظرية الكم. وفي عام ١٩٦٣ ، أمضي إجازة لمدة عام بعيدا عن المركز الأوروبي للأبحاث النووية قضاه في ستانفورد Stanford بجامعة ويسكونسن Wisconsin ، وفي جامعة برانديز Brandies. وفي خلال هذا العام خارج البلاد بدأ جون يعالج مسائل في صميم نظرية الكم علي نحو جاد . وواصل عمله في هذه الموضوعات بعد عودته إلي CERN في عام 1964 ، إلا أنه كان حريصا علي احتفاظه بالاهتمام بنظرية الكم منفصلا عن عمله المهني "الأساسي" في CERN في إجراء البحوث علي الجسيمات والمعجلات، والسبب في ذلك أنه أدرك مبكرا أثناء عمله المهني الشراك الخطيرة في ميكانيكا الكم. وخلال إجازة له وهو في الولايات المتحدة، أنجز جون بل اختراقا حين اكتشف خطأ لجون فون نيومان في فروضا حول نظرية الكم، لكن، حسب كلمات بل: "لقد نجوت من هذه المشكلة".
لم يكن الشك ليخامر أي شخص علي الإطلاق في أن جون فون نيومان رياضي بارع - إن لم يكن عبقريا . ولم يكن لدي جون بل أي مشكلة مع رياضيات فون نيومان. كانت المساحات المشتركة بين الرياضيات والفيزياء هي التي تثير قلقه. وفي كتابه المبدع حول أسس نظرية الكم، طرح فون نيومان أحد الفروض - وان كان أساسيا لما أعقبه - إلا أنه لم يكن علي أساس فيزيائي متين وفقا لما كان يراه جون بل - فقد افترض فون نيومان في كتابه عن نظرية الكم أن القيمة المتوقعة (المتوسط الاحتمالي المقدر) لمجموع قيم عدة كميات تحت الملاحظة تساوي مجموع القيم المتوقعة لهذه المقادير كل منها علي حدة. [رياضيا.. بفرض المقادير.. A, B, Cوكان معامل التوقع E))،واعتقد فون نيومان أنه من الطبيعي أن يكون E (A+B+C+ ... ) = E (A)+ E (B) + E (c) +........
وكان جون بل يعلم أن هذا الفرض غير الخاطئ ظاهريا لا يمكن الدفاع عنه فيزيائيا إذا استبدلنا القيم A,B,C ومثلناها بـ (معاملات - مؤثرات Operators) لا يلزم بالضرورة أن تكون صحيحة في عملية الإبدال Commute . لكن بدون التزام تقريبا بالقواعد الرياضية، تخلي فون مان علي نحو ما عن مبدأ عدم التحدد ونتائجه، ذلك لأن المعاملات غير القابلة للإبدال لا يمكن قياسها في اللحظة نفسها بدون خسائر في الدقة من منظور مبدأ عدم التحدد. وكتب جون بل أولي أوراقه المهمة حول أسس الكم، والتي صدرت مع ورقته الثانية في هذا المجال عام 1966(والثانية، ترتبط بها وسوف نناقشها علي الفور، لأنها صدرت أولا). وكان عنوان هذه الورقة "حول مسألة المتغيرات الخافية في ميكانيكا الكم" وتناول فيها الخطأ في عمل فون نيومان فضلا عن صعوبات مماثلة في أعمال جوش Jauch وبيرون Piron وأندرو جليسون Andrew Gleason.
وكان جليسون قد حاز شهرة في الرياضيات تماثل شهرة فون نيومان. ويعمل أستاذا في جامعة هارفارد وقد صنع اسمه من خلال حل إحدى مسائل هيلبرت الشهيرة، وفي1957، كتب أندرو جليسون ورقة حول معاملات الإسقاط في فضاء هيلبرت. ولم يكن جون بل يعلم أن فرضية جليسون ذات صلة وثيقة بمسألة المتغيرات الخافية في ميكانيكا الكم. أما جوزيف جوش Josef Jauch الذي أقام لفترة في جنيف، حيث كان يعيش جون وماري بل، فقد جذب اهتمام جون بل إلي فرضية جليسون أثناء عمله في إجراء البحوث علي ورقته حول المتغيرات الخافية. وكانت فرضية جليسون تتسم بعمومية معينة ولا تهدف إلي حل مسائل في ميكانيكا الكم، التي تم البرهنة عليها من رياضي مختص في الرياضة البحتة ومهتم بالرياضيات أكثر من الفيزياء. ومع ذلك، تسفر الفرضية عن عدة تطبيقات علي مضامين مهمة تتعلق بميكانيكا الكم. ومؤدي نتيجة فرضية جليسون أنه لا يوجد في ميكانيكا الكم نظام مصاحب لفراغ هيلبرت أكبر من أو يساوي البعد الثالث يسمح بوجود حالة خالية من التشتت (أو عديمة التشتت). ومع هذا لاحظ جون بل أنه إذا أضعفنا معطيات فرضية جليسون، تكون ثمة احتمالية في نوع أكثر عمومية لنظرية المتغيرات الخافية، وهي فئة من النظريات معروفة اليوم باسم نظريات المتغيرات الخافية "القرينية" Contextual وهكذا كانت هناك ثغرة للهروب loophole إذا حاولنا استخدام فرضية جليسون في إطار فكرة الورقة EPR.
وتعرف الحالات عديمة التشتت dispersion - free States بأنها الحالات التي يمكن قياس مقاديرها بدقة وهذه الحالات ليس بها متغيرات، أو تشتت، أو عدم تحدد. وإذا أمكن للحالات عديمة التشتت أن توجد، فإن الدقة التي تلزمها تأتي من بعض المتغيرات الخافية، أو الغائبة، ذلك لأن نظرية الكم تبيح وجود مبدأ لعدم التحدد، وهكذا للإفلات من عدم التحدد المتبقي والملازم لميكانيكا الكم من أجل الحصول علي هذه الدقة، اي الحالات عديمة التشتت، لابد لنا من استخدام متغيرات خافية.
لم يفهم جون بل برهان جليسون لنتيجة فرضيته، لذلك تقدم ببرهان من صنعه أوضح من خلاله أنه، فيما عدا الحالة غير المهمة لفضاء هيلبرت ذي البعدين، لا توجد حالات عديمة التشتت، وبالتالي لا توجد متغيرات خافية. وفي حالة فون نيومان أثبت جون بل أن الافتراض الذي طرحه فون نيومان ليس ملائما: وبالتالي فإن النتائج التي توصل إليها مشكوك فيها. وبإحياء الجدال عما إذا كان للمتغيرات الخافية وجود في ميكانيكا الكم، مضي جون بل خطوة أبعد: إذ شن هجوما علي مسألة ورقة EPR وظاهرة التعالق.
عكف جون بل علي قراءة ورقة 1935 التي كتبها أينشتين وزميلاه بودولسكي وروسين (EPR ) ، التي صدرت قبل 30عاما في معارضة لنظرية الكم. وقد رد بوهر وأخرون علي الورقة، واعتقد كل من يعمل في مجال الفيزياء أن الموضوع قد وصل إلي منتهاه، واتضح أن أينشتين كان مخطئا ، لكن جون بل كان له رأي أخر.
أدرك جون بل حقيقة هائلة تتعلق بجدال EPR القديم: كان يعلم أن أينشتين وزميليه علي صواب بالتأكيد . إذ إن "تناقض EPR" حسب التسمية التي أطلقها عليها الجميع، لم يكن تناقضا علي الإطلاق، فإن ما اكتشفه أينشتين وزميلاه كان أمرا حاسما بعض الشيء في طريقة فهمنا لأليات عمل الكون، لكن، لم يكن بالزعم الذي يؤكد أن نظرية الكم نظرية غير كاملة . المشكلة أن ميكانيكا الكم وصرار أينشتين علي الواقعية والموضع لن يكون كلاهما علي صواب. فإذا كانت ميكانيكا الكم - ، لن يكون الموضع كذلك، واذا أصررنا علي الموضع، إذن لابد أن ثمة خطأ ما في ميكانيكا الكم في وصفها لعالم الجسيمات الدقيقة. وكتب جون بل هذا الاستنتاج في صورة فرضية رياضية عميقة، احتوت علي بعض المتباينات Inequalities. واقترح أنه إذا تعارضت هذه المتباينات مع نتائج الاختبارات التجريبية. لأسفر هذا التعارض عن توفر دليل لصالح ميكانيكا الكم، وفي مواجهة فرض أينشتين عن واقعية الموضع. أما إذا ثبت صحة هذه المتباينات، فيمكن، بالتالي، البرهنة علي أن نظرية الكم كانت خاطئة، وأن الموضع - وفقا لرأي أينشتين - كان هو وجهة النظر الصحيحة. وبدقة أكثر، من الممكن إثبات عدم صحة كل من متباينات جون بل وتنبؤات ميكانيكا الكم، لكن من المستحيل الرضوخ لكل من متباينات جون بل وتنبؤات ميكانيكا الكم لحالات كمة معينة.
وكتب جون بل ورقتين مبدعتين؛ في الأولي حلل فكرة فون نيومان وأخرين حول وجود متغيرات خافية، يتعين إيجادها وإضافتها إلي نظرية الكم من أجل أن تغد "كاملة"، حسب مطالبة أينشتين وزميليه. وأثبت جون بل في هذه الورقة أن برهان فون نيومان وأخرين باستحالة وجود عناصر خافية في ميكانيكا الكم هراء بأكمله. ثم قدم جون بل برهان فرضيته الخاصة به مؤكدا، حقا ، عدم وجود عناصر خافية. ولدواعي تأخير النشر، فقد صدرت هذه الورقة الأولي المهمة عام 1996 بعد ظهور ورقته الثانية. والورقة الثانية، التي صدرت عام ١٩٦٤ ، كانت تحمل العنوان "حول التناقض لدي أينشتين - بودولسكي – روسين"، واحتوت هذه الورقة على "فرضية جون بل" الخلاقة، التي غيرت طريقة تفكيرنا في ميكانيكا الكم.
وقد استخدم جون بل شكلا خاصا من تناقض EPR ، وهو الشكل الذي تم تنقيحه ليغدو أكثر سهولة علي يد دافيد بوهم. وبحث الحالة باعتبار أن جسيمين متعالقين يدوران نصف دورة في الحالة الأدنى وقد انبعثا من مصدر واحد، وقام بتحليل ما يحدث من خلال تجربة كهذه.
وفي الورقة قال جون بل إن تناقض EPR قد سبق وطرح للجدال بأن نظرية الكم لا يمكن أن تكون كاملة ويتعين استكمالها بمتغيرات إضافية. وهذه المتغيرات الإضافية، وفقاً للورقة EPR، سوف تعيد إلي ميكانيكا الكم مفاهيمها الغائبة عن السببية والموضع. وباختصار، أورد جون بل نص أينشتين:
"لكن كافتراض أول، يتعين، في رأيي، أن نتمسك بشدة علي نحو مطلق، بأن الوضع الفعلي الحقيقي للنظام S2 لا يعتمد علي ما يحدث مع النظامs1 ، الموجود علي مسافة منه في الفضاءط .
ونص جون بل في ورقته علي أنه سيبين رياضيا أن أفكار أينشتين عن السببية والموضع لا تتوافق مع تنبؤات ميكانيكا الكم. وزاد علي ذلك أن مطلب الموضع بأن نتيجة قياس أحد النظامين لا تتأثر بالمعاملات المؤثرة في نظام أخر بعيدا عنه وسبق أن تفاعلا معا في الماضي، هو الذي يخلق الصعوبة الأساسية. وتطرح ورقة جون بل فرضية للبدائل: إما أن المتغيرات الخافية للموضع صحيحة، أو أن ميكانيكا الكم صحيحة، وليس كلاهما . وذا كانت ميكانيكا الكم هي الوصف الصحيح لعالم الجسيمات الدقيقة، إذن فإن اللا موضع هو ملمح مهم لهذا العالم.
وقد طور جون بل فرضيته الرائعة، بافتراضه في البداية أن ثمة وسيلة لاستكمال ميكانيكا الكم من خلال بنية متغير خفي، الأمر الذي كان أينشتين سيطلبه. ولذلك فإن المتغيرات الخافية تحمل المعلومات المفقودة. إذ يتم تزويد الجسيمات بمجموعة تعليمات تخبرها مقدما عما ينبغي عليها فعله في كل وضع احتمالي، أي، في كل اختيار للمحور بالنسبة إلي طريقة حساب الحركة الدورانية. وباستخدام هذا الافتراض، حصل جون بل علي تناقض، اتضح منه ان ميكانيكا الكم غير قابلة للاستكمال بأي نظام للمتغيرات الخافية. وقدمت فرضية جون بل متباينة، وذلك لمقارنة مجموع - الذي يتخذ الرمز - النتائج المحتملة للتجربة لنتاج الكاشف الموجود لدي أليس، ونتائج الكاشف لدي بوب وجاءت متباينة بل علي الصورة : -2 < S < 2
كما أن الشكل التالي يوضح هذه المتباينة
وطبقا لفرضية جون بل، إذا لم تتحقق المتباينة السابقة بالتجربة، بمعني أنه إذا كان مجموع الاستجابات الخاصة لدي أليس وبوب أكبر من ٢ أو أقل من سالب ٢ ، نتيجة لتجربة فعلية لجسيمات أو فوتونات متعالقة - فإن هذه النتيجة تشكل دليلا واضحا علي اللا موضع Non-locality وهو ما يعني أن ما يحدث لجسيم لا يؤثر - في اللحظة نفسها - فيما يحدث للجسيم الثاني، بصرف النظر عن مقدار المسافة بينهما . أما ما يتبقى بعد ذلك فقد بات متروكا للتجريبيين لفحص مثل هذه النتائج.
وهنا برزت مشكلة، مع هذا ، فقد اشتق جون بل المتباينة من افتراض عن الموضع باستخدامه لفرضية خاصة. فقد افترض أن نظرية المتغيرات الخافية تتفق تماما مع تنبؤات ميكانيكا الكم عن الجسيمين وهما في الحالة الأدنى ، بمعني أنه علي أي محور يكون دوران الجسيم الأول في اتجاه مضاد لدوران الجسيم الثاني على المحور نفسه. وبالتالي، إذا اتفقت القيم التجريبية مع تنبؤات ميكانيكا الكم للمقدار في متباينة جون بل، فلا تعني هذه النتيجة خطأ فرض الموضع، إلا إذا وجد دليل علي صحة الافتراض الخاص لجون بل، وهو ما يتعذر الحصول عليه عمليا . وهذه المشكلة من شأنها أن تحول دون إجراء الاختبارات التجريبية المحددة. لكن في وقت لاحق سيضيف كلوزر وهورن وشيموني وهولت تحسينا يحل هذه المشكلة الفنية، ويتيح تحقيق الاختبار الفيزيائي الفعلي باستخدام فرضية جون بل.
وعلى أية حال، أسفرت فرضية جون بل عن نتيجة فحواها أن المتغيرات الخافية وافتراض الموضع لا مكان لهما في نظرية الكم، حيث لم يثبت توافقها مع هذين الافتراضين. ولذلك غدت فرضية جون بل نتيجة نظرية بالغة الفاعلية في الفيزياء.
وسألني ابنر شيموني Abner Shimony : "هل تعلم لماذا كان جون بل بالتحديد، وليس أي شخص أخر هو من أخذ علي عاتقه تناقض EPR وأثبت فرضية تبرهن علي عدم توافق اللا موضع ونظرية الكم معا؟" وواصل: "كان واضحا لجميع من يعرفوه أنه سيحقق ذلك، فإن جون بل شخص متفرد، شغوف، عنيد وبجريء، ويتمتع بشخصية قوية تبز الجميع. لقد واجه فون نيومان متحديا - وهو أكر الرياضيين شهرة في هذا القرن - وبلا تردد أوضح أن فرض فون نيومان خاطئ. ومن ثم أعلن تحديه لأينشتين".
في اعتقاد أينشتين وزميليه أن ظاهرة التعالق بين نظامين في الفضاء بينهما مسافة كبيرة غير قابلة للتصديق. فلماذا يتسبب ما يحدث في مكان معين في التأثير في الوقت نفسه في شيء ما في موضع مختلف؟ إلا أن جون بل استطاع أن يري ما لم يكن في متناول حدس أينشتين وأثبت فرضية كانت إلهاما لإجراء تجارب تؤكد أن التعالق ظاهرة حقيقية. اتفق جون بل مع أينشتين اتفاقا مشروطا، لكنه ترك الأمر للتجربة لتختبر ما إذا كان اعتقاد أينشتين عن الموضع صحيحا من عدمه.
وقد توفي جون بل علي نحو غير متوقع في عام 1990 ، عن عمر يبلغ ٢٢ عاما، بسبب نزيف في المخ. وكانت وفاته خسارة كبيرة لمجتمع الفيزيائيين، فقد ظل جون بل يواصل عمله بنشاط حتي اليوم الأخير من حياته: يكتب، ويلقي المحاضرات باستفاضة عن ميكانيكا الكم وتجربة EPR الفكرية، وعن فرضيته التي أنشأها . وفي الواقع، مازال الفيزيائيون حتي الآن ينظرون إلي فرضية جون بل - بمضامينها العميقة حول طبيعة المكان - الزمان ، وأسس الكوانتم - كما كانوا ينظرون إليها علي مدي العقود الثلاثة الماضية. ولقد وفرت التجارب التي أجريت - ارتباطا بالفرضية غالبا - دعما هائلا لنظرية الكم وحقيقة ظاهرة التعالق و اللا موضع.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|