قيصر تعاسيف الاسفوني

هو قيصر بن ابي القاسم بن عبد الغني بن مسافر الاسفوني، يعرف بأسماء كثيرة منها: علم الدين، والحنفي، والمهندس، ويلقب بتعاسيف، ينتمي الى القطر المصري، ولد سنة 574هـ بأسفون من صعيد مصر.

تلقى قيصر تعاسيف معظم تعليمه على كبار علماء القاهرة، كما زار الموصل للتتلمذ على يد كما الدين ابي عمران بين يونس (551-639هـ) في علمي الفلك والموسيقى، ولكنه بقي في القطر السوري يتعلم ويعلم باقي حياته، حيث انتقل الى جوار ربه سنة 649هـ ودفن في دمشق.

لفتت انتباه قيصر تعاسيف المصادرة الخامسة من مصادرات اقليدس، التي لم يبرهنها اقليدس، لذا بذل قيصر تعاسيف قصارى جهده لإثباتها، وكتب رسالة متكاملة فيها، والجدير بالملاحظة ان قيصر تعاسيف تعمق في دراسة أصول الهندسة لاقليدس تعمقا جيدا، لمح بذلك ديفيد يوجين سمث في كتابه (تاريخ الرياضيات الجزء الأول).

الف علم الدين قيصر تعاسيف رسالة مفصلة عن بديهيات اقليدس واهداها الى نصير الدين الطوسي (597-672هـ) لان لنصير الدين الطوسي ملاحظات بناءة على بديهيات اقليدس.

وقد نوه عن هذا جورج سارتون في كتابه (المدخل الى تاريخ العلوم- المجلد الثاني الجزء الثاني).

جمع نصير الدين الطوسي ملاحظات علماء العرب والمسلمين على بديهيات اقليدس وعلق عليها، وأضاف عليها إضافات جوهرية، كما درس المصادرة الخامسة وحاول ان يبرهنها، والجدير بالذكر ان برهانه للمصادرة الخامسة صار أساس الهندسة الحديثة التي تدرس بجميع جامعات العالم.

استخدم قيصر تعاسيف معلوماته الهندسية الهائلة عندما أراد عمل بعض النواعير حماة لحاكم المظفر الثاني تقي الدين محمود الذي حكم حماة من سنة 626هـ الى سنة 641هـ.

يتساءل جورج سارتون في كتابه آنف الذكر، هل قيصر تعاسيف هو المخترع الفعلي للنواعير ام انه ورث الفكرة وطورها؟ ولكن جورج سارتون اعترف ان بلاد الغرب استفادت من نواعير قيصر تعاسيف التي نقلت الى أوروبا خلال الحروب الصليبية.

يتضح للقارئ مما تقدم سبب تسمية قيصر تعاسيف بالمهندس، وذلك لقدرته الفائقة النظير على التصورات الهندسية الميكانيكية التي قادته الى اكتشافات علمية عظيمة، لم يترك خير الدين الزركلي في كتابه (الاعلام) مجالا للشك ان قيصر تعاسيف المهندس هو مكتشف النواعير التي صنعها لحكام حماة.

ويظهر جليا تفوق قيصر تعاسيف في ميدان علم الفلك، عندما طلب منه حاكم حماة تقي الدين محمود ان يبني له ابراجا لكية، لكي يتمكن طلاب العم من رصد الكواكب والاجرام السماوية في بلاد الشام، وبالفعل أنشا قيصر القلاع في حماة، فصارت حماة مركز اشعاع في علم الفلك، ليس فقط لسوريا ولكن للعالم اجمع.

في عام 622هـ عمل قيصر كرة سماوية من الخشب الفاخر لحاكم حماة المظفر الثاني، ورسم عليها جميع الكواكب التي رصدها العماء الأوائل وبقيت هذه الكرة السماوية معمولا بها في جميع انحاء المعمورة حتى 1224هـ.

كثرت الملاحظات والانتقادات لنظام الدواوين في مصر، مما دفع علم الدين قيصر تعاسيف الى دراستها، ومن ثم تنظيمها، وظلت أفكاره الإدارية متبعة مدة طويلة في القاهرة، ويؤيد ذلك خير الدين الزركلي في كتابه المذكور أعلاه.

وخلاصة القول: ان علم الدين قيصر تعاسيف كان عالما فاضلا في الفلك والرياضيات وقد ادلى بذلك معظم مؤرخي العلوم في العالم وعلى راسهم موفق الدين بن ابي اصيبعة في كتابه (عيون الانباء في طبقات الأطباء)، وجورج سارتون، وديفيد يوجين سمث.

والحق ان قيصر تعاسيف سبق العلماء الأوائل في صنع النواعير، وانه لمن المؤسف ان معظم نتاجه ضاع، وذلك بسبب الفتن والحروب الصليبية، على كل حال هناك بعض المستشرقين يحاولون ان يظهروا انهم اتبعوا المنهج العلمي المحايد، لكن مواقفهم العدائية ضد الإسلام معروفة. فابتكارات قيصر في مجالي علم الفلك والهندسة واضحة كالشمس ولا يمكن تجاهلها او تحريفها.

يؤلمني جدا ان أقول للقارئ لو كان قيصر من بلاد الغرب، لرأيت كيف يكون الاجلال والتقدير له امام الناشئة، لانه صاحب فكر خلاق واصيل، فالغربيون بطبيعتهم يحبون ان تنتشر سيرة ونتاج النابغة في محيط الشباب، لكي يكون حافزا لهم فيندفعوا الى اتباع طريقته العلمية.

انه من الاجحاف والإهمال ان اجد معلومات عن عالمنا الوقور قيصر تعاسيف في المراجع الأجنبية، بينما بعض المصادر العربية ذكرت عنه نتفا قليلة جدا لا تسمن ولا تغني من جوع.

الآن حان الأوان ان يبدا شباب امتنا العربية والإسلامية يفكر جديا بإزالة الغموض وعدم الاكتراث بنتاج علمائنا العظام أمثال قيصر تعاسيف، لانهم في امس الحاجة الى معرفة منهجهم وافكارهم العلمية، لكي يقفوا شامخين امام علماء القرن الخامس عشر الهجري.