أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-12-13
821
التاريخ: 8-6-2016
2290
التاريخ: 2023-12-18
858
التاريخ: 2023-12-13
879
|
تتكون عملية "البحث والتطوير" R&D– البحث العلمي والتطوير التكنولوجي- من ثلاث عمليات فرعية متتابعة: البحث الأساسي، والبحث التطبيقي، والتطوير الإنتاجي التجريبي. فأما البحث العلمي الأساسي فإنه يتم من خلال العمل البحثي على مستوى العلوم الأساسية، وخاصة البيولوجيا و الفيزياء والكيمياء والرياضيات. أما البحث التطبيقي فينتقل بالعمل البحثي من الحقل المجرد أو النظري إلى الحقل العملي أو التطبيقي. وينتقل سلّم البحث إلى خطوة ثالثة، بالتحرك من البحوث العلمية التطبيقية إلى أعمال التجريب الفعلي لنتائج البحث، من خلال محاولة استحداث منتجات وعمليات إنتاجية، في أشكال أولية، مثل "نماذج المنتجات" Prototypes التي تدخل في حيز الإنتاج التجريبي.
ومن الحلقة الأخيرة تنتهي السلسلة الأولى للبحث والتطوير، وتسلم القِياد لسلسلة أخرى منبثقة منها مباشرة، هي السلسلة الإنتاجية والتكنولوجية. وقد قام الفكر التنموي المعاصر، من خلال التجديدات الأخيرة في "نظرية التنمية"، بتقنين هذا الدور الريادي للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي، باعتباره "قوة منتجة مباشرة"، وباعتباره القوة الدافعة الأساسية لعملية الإنتاج نفسها. ويعبر عن ذلك بالانتقال من نظرية "النمو المدفوع من الخارج" إلى "النمو المدفوع من الداخل".
فقد تراوحت نظريات النمو والتنمية بين طرفين : الطرف الأول اعتبر أن قوة الدفع المحركة للعملية التنموية تنبع من (خارج المنظومة الإنتاجية)، بينما اعتبر الطرف الثاني أن التنمية تتلقى قوة دفعها من داخل المنظومة الإنتاجية والتنموية نفسها.
وقد تبلورت نظرية (النمو المدفوع من الداخل) في الثمانينات، معتبرة أن التنمية منظومة مدفوعة من ذاتها. وإن التقدم التكنولوجي هنا ليس قادما من خارج، وإنما من الداخل- هو قوة تبنى على مهل في المنظومة، من خلال التعلم والممارسة من جانب أول، ومن البحث العلمي المنظم والتطوير التكنولوجي، من جهة ثانية. والتكنولوجيا بهذا المعنى تؤدي إلى الابتكار، ويكون لمبتكرها حقوق عليها: (حقوق الملكية الفكرية)(1).
وتقوم الدول الصناعية المتقدمة بتطبيق هذا المدخل التنموي في مراكزها الرئيسية – الولايات المتحدة وأوربا الغربية واليابان(2). منذ زمن طويل نسبيا، وتبعتها خلال العقدين الأخيرين الدول الناهضة الحديثة تنمويا وصناعيا في منطقة شرق آسيا، وفي مقدمتها الصين والهند و كوريا الجنوبية وتايوان. وهذه الدول-سواء الدول الصناعية القائدة أو الدول الصناعية الجديدة الرائدة- النسبة الكبرى من الإنفاق على البحث والتطوير في العالم، كما تملك الشطر الأعظم من القوة البشرية الفاعلة في مجال البحث والتطوير، لاسيما في التخصصات العلمية والهندسية. ويتم تمويل البحث في هذه الدول القائدة و الرائدة من خلال عدة قنوات: أهمها الموازنات الحكومية، وقطاع الأعمال الخاص (الشركات، وأولها على المستوى العالمي: تويوتا اليابانية للسيارات)- مع اختلاف بين الدول في الوزن النسبي لهذين المصدرين. ويأتي بعدهما مصدر ثالث، هو: الفواعل غير الهادفة للربح: من منظمات المجتمع المدني والمتبرعين الأفراد وواهبي الوقفيات والمنح المخصصة لغرض معين. وتستأثر قطاعات إنتاجية معينة بمعظم الإنفاق والقوة البشرية العاملة في البحث والتطوير في المجال المدني- ودع عنك المجال العسكري- وهي: صناعات الإلكترونيات المتقدمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتكنولوجيا الحيوية والدوائية، وصناعة السيارات(4).
وأما عن الدول العربية، فليس هناك دولة عربية واحدة تقع ضمن الدول الأربعين الأولى في العالم، حسب القائمة التي نشرتها مؤسسة (باتيل) رغم الإمكانيات المالية المتاحة(3). ومع ذلك فإن الإنصاف يقتضي أن نذكر أن عددا من الدول العربية تحتوي مؤسسات وطنية كبرى وواعدة، ونذكر هنا بصفة خاصة كلا من جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية. ففي جمهورية مصر العربية قلاع كبرى وعريقة في مقدمتها: المركز القومي للبحوث ( أنشيء لأول مرة في منتصف الأربعينات من القرن المنصرم) -ومركز البحوث الزراعية- والمعاهد والمراكز البحثية التابعة لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا- والهيأة القومية للاستشعار من بعد -وهيأة الطاقة الذرية وشقيقاتها العاملة في حقل تكنولوجيات الطاقة والطاقة النووية؛ فضلا عن: الهيأة القومية للإنتاج الحربي، والهيأة العربية للتصنيع العسكري.
أما المملكة العربية السعودية فلديها قلاعها الحديثة الكبرى في رحاب الجامعات أوفي رحاب مشروعات أخرى مستحدثة. ونشير هنا إلى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ( والتي أطلقت ثمانية أقمار صناعية صغيرة للاستكشاف) و مشروع مدينة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.
وبالمثل توجد مجمعات للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي ذات إمكانيات معتبرة في كل من سوريا، والجزائر، وليبيا وغيرها.
وتوجد مؤسسات أخرى عاملة على تشجيع عملية البحث والتطوير في الوطن العربي عامة، وتجنيد جهود العلماء العرب في المهجر، وتطوير مشروعات بحثية رائدة، ونخص بالذكر: المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا بالشارقة.
وتكمن المشكلة الأساسية في افتقاد العلاقة العضوية بين مؤسسات البحث والتطوير والمنظومة التعليمية، من جهة أولى، ومؤسسات الإنتاج، من جهة أخرى.
1- فمن حيث العلاقة مع المنظومة التعليم، نلاحظ الانفصال البادي من أن مخرجات النظام التعليمي بالذات غير مؤهلة تماما لوظيفة البحث والتطوير، وفق المفهوم العالمي لذلك، وإنما يغلب على القوة العلمية والهندسية المتخرجة من الجامعات وأقسام الدراسات العليا، التكوين الأكاديمي المجرد، في غير ما ارتباط حقيقي بالاحتياجات التنموية والمتطلبات الإنتاجية. ويعمل الأفراد العلميون المشتغلون – رسميا- بالبحث في مؤسسات البحث والتطوير، من أجل تقديم أعمال علمية تصلح للترقي الأكاديمي وللحصول على الدرجات العلمية العالية، وليس من أجل تقديم نتائج بحثية مرتبطة بالمنظومة التنموية والإنتاجية في المقام الأول.
2- أما من حيث العلاقة بين مؤسسات البحث والتطوير ومؤسسات الإنتاج في الدول العربية، فنلاحظ ظاهرتين:
ا - افتقاد "وحدات البحث والتطوير" في شركات الأعمال، كقاعدة عامة، على عكس الحال في الدول الصناعية المتقدة والدول الصناعية الجديدة، كما أشرنا، حيث يوجد في كل شركة قسم عملاق، أو وحدة هائلة لإجراء البحوث والتطوير، من أجل إخراج الجديد، في كل سنة على الأكثر، من التصاميم والعمليات والمنتجات، التي تمثل بوابة الدخول في حلبة المنافسة الشرسة مع الشركات الأخرى العاملة في نفس القطاع، ليس على الصعيد المحلي فقط، ولكن على الصعيد العالمي بالذات.
ب - أن مؤسسات الإنتاج العربية لا تكتفي بعدم إقامة أقسامها الخاصة للبحث، ولكنها لا تقبل على طلب التكنولوجيات الجديدة من المؤسسات الوطنية للبحوث والتطوير، وإنما تلجأ، في العادة، إلى الأطراف الأجنبية، من خلال إقامة المشروعات الجديدة بطريقة (تسليم المفتاح)- بتكلفة باهظة- أو استيراد الآلات والمعدات الجاهزة، ومستلزمات الإنتاج، والخبراء الأجانب بل والعمالة العادية أيضا...!
ويعني ذلك أن مؤسسات الإنتاج لا تخلق "الطلب" –بالمعنى الاقتصادي- على أعمال البحوث والمنتجات الوطنية. وتكون النتيجة أن تظل أعمال البحث والتطوير تدور في الحلقة المفرغة للنشاط غير المرتبط بالواقع، ويظل العلماء والباحثون يدورون حول أنفسهم، دون حافز مادي أو معنوي مناسب، ويكون الشعور بالإحباط النفسي سيد الموقف..! ومن أجل التغلب على هذا الموقف يجب توليد الطلب الوطني من مؤسسات الإنتاج على أعمال مؤسسات البحث والتطوير، بعيدا عن المنهج السائد الذي يطلق عليه بعض العلماء (الاستسهال والاستقراب والاسترخاص)(4).
_________________
[1] - أنظر: محمد عبد الشفيع عيسى، مفهوم ومضمون التنمية المحلية ودورها العام في التنمية الاجتماعية، دراسة منشورة في مجلة: بحوث اقتصادية عربية، تصدرها الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، القاهرة، العددان 43-44، صيف-خريف 2008، ص ص 156-174.
2 - عن التجربة اليابانية، أنظر: محمد عبد الشفيع عيسى، الاقتصاد السياسي للعولمة والتكنولوجيا، نحو رؤية جديدة، الدار العالمية للكتاب، بيروت، 2004، ص ص 248-255.
Battelle Foundation, Global R&D Report, September 2007, PP.3-17[1]
3-Ibid, page.10 المرجع السابق
4- د. محمد بهاء الدين فايز، الارتقاء التكنولوجي في الصناعة المصرية و دور مؤسسة البحث والتطوير، كتاب الأهرام الاقتصادي، رقم 243، ديسمبر 2007، مؤسسة الأهرام، القاهرة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|