أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-12-2015
4840
التاريخ: 17-12-2015
4771
التاريخ: 17-6-2022
1800
التاريخ: 30-11-2015
5473
|
قال تعالى :
{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } [الأنعام: 148 - 150] .
فيقول أوّلا: إِنّ المشركين سيقولون في معرض الإِجابة عن اعتراضاتك عليهم في مجال الإِشراك بالله، وتحريم الأطعمة الحلال: إِنّ الله لو أراد أن لا نكونُ مشركين، وأن لا يكون آباؤنا وثنيين، وأن لا نحرّم ما حرّمنا لفعل: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ).
ويلاحَظ نظيرُ هذه العبارة في آيتين أُخرَيين من الكتاب العزيز، في سورة النحل الآية 35: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ} . وفي سورة الزخرف الآية (20): {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} .
وهذه الآيات تفيد أن المشركين ـ مثل كثير من العصاة الذين يريدون التملص من مسؤولية العصيان تحت ستار الجبر ـ كانوا يعتقدون بالجبر، وكانوا يقولون: كلّ ما نفعله فإنّما هو بإِرادة الله ومشيئته وإلاّ لما صَدَرت منّا مثل هذه الأعمال.
وفي الحقيقة أرادوا تبرئة أنفسهم من جميع هذه المعاصي، وإِلاّ فإِنَّ ضمير كل إِنسان عاقل يشهد بأن الإِنسان حرٌّ في أفعاله وغير مجبور، ولهذا إِذا ظلمه أحدٌ انزعج منه، وأخذه ووّبخه، بل وعاقبه إِذا قدر.
وكل ردود الفعل هذه تفيد أنّه يرى المجرم حرّاً في عمله ومختار، فهو ليس على استعداد لأنّ يغض الطرف عن ردود الفعل هذه بحجّة أنّ الظلم الواقع عليه من قبل ذلك الشخص مطابق لإِرادة الله ومشيئته (تأمل بدقة).
نعم هناك احتمال في هذه الآية، وهو أنّهم كانوا يدَّعون أنّ سكوت الله على عبادتهم للأصنام وتحريمهم لطائفة من الحيوانات دليل على رضاه، لأنّه إِذا لم يكن راضياً بها وجب أن يمنعهم عنها بنحو من الأنحاء.
وكانوا يريدون ـ بذكر عبارة (ولا آباؤنا) ـ أن يسبغوا على عقائدهم الفارغة لون القدم والدوام، ويقولون: إِنّ هذه الأُمور ليست بجديدة ندعيها نحن بل كان ذلك دائماً.
ولكن القرآن تصدّى لجوابهم وناقشهم بشكل قاطع، فهو يقول أوّلا: ليس هؤلاء وحدهم يفترون على الله مثل هذه الأكاذيب: (كذلك كذب الذين من قبلهم) (1) ولكنّهم ذاقوا جزاء افتراءاتهم: (حتى ذاقوا بأسنا).
فهؤلاء ـ في الحقيقة ـ كانوا يكذبون في كلامهم هذا، كما أنّهم يكذّبون الأنبياء، لأنّ الأنبياء الإِلهيين نهوا البشرية ـ بصراحة ـ عن الوثنية والشرك وتحريم ما أحلّه الله، فلا آباؤهم سمعوا ذلك ولا هؤلاء، مع ذلك كيف يمكن أن نعتبر الله راضياً بهذه الأعمال؟ ... ولو كان سبحانه راضياً بهذه الأُمور فكيف بعث أنبياءه للدعوة إِلى التوحيد؟!
إِنّ دعوة الأنبياء ـ في الأساس ـ أقوى دليل على حرية الإِرادة الإِنسانية، واختيار البشر.
ثمّ يقول سبحانه: قل لهم يا محمّد: هل لكم برهان قاطع ومسلّم على ما تدّعونه؟ هاتوه إِن كان (قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا).
ثمّ يضيف في النهاية: إِنّكم ما تتبعونه ليس سوى أَوهام وخيالات فجة: (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ).
وفي الآية اللاحقة يذكر دليلا آخر لإِبطال ادعاء المشركين، ويقول: قل: إِنّ الله أقام براهين جلية ودلائل واضحة وصحيحة على وحدانيته، وهكذا أقام أحكام الحلال والحرام سواء بواسطة أنبيائه أو بواسطة العقل، بحيث لم يبق أي عذر لمعتذر: (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ).
وعلى هذا الأساس لا يمكن أن يدعي أحدٌ أبداً أنّ الله أمضى ـ بسكوته ـ عقائدهم وأعمالهم الباطلة، وكذلك يسعهم قط أن يدّعوا أنّهم كانوا مجبورين، لأنّهم لو كانوا مجبورين لكان إِقامة الدليل والبرهان، وإِرسال الأنبياء وتبليغهم ودعوتهم لغواً، إِنّ إِقامة الدليل دليل على حرية الإِرادة.
على أنّه يجب الإِنتباه إِلى أنّ «الحُجة» الذي هو من «حجّ» يعني القصد ، وتطلق «الحجة» على الطريق الذي يقصده الإِنسان، ويطلق على البرهان والدليل «الحُجة» أيضاً، لأنّ القائل يقصد إِثبات مدعاه للآخرين عن طريقه.
ومع ملاحظة لفظة «بالغة» يتّضح أنّ الأدلة التي أقامها الله للبشر عن طريق العقل والنقل وبواسطة العلم والفكر، وكذا عن طريق إِرسال الأنبياء واضحة لا لبس فيها من جميع الجهات، بحيث لا يبقى أي مجال للترديد والشك لأحد، ولهذا السبب نفسه عصم اللهُ سبحانه أنبياءه من كل خطأ ليبعدهم عن أي نوع من أنواع التردد والشك في الدعوة والإِبلاغ.
ثمّ يقول في ختام الآية: ولو شاء الله أن يهديكم جميعاً بالجبر لفعل: (فلو شاء الله لهداكم أجمعين).
وفي الحقيقة فإِنّ هذه الجملة إِشارة إِلى أنّ في مقدور الله تعالى أن يجبر جميع أبناء آدم على الهداية، بحيث لا يكون لأحد القدرة على مخالفته، ولكن في مثل هذه الصورة لم يكن لمثل هذا الإِيمان ولا للأعمال التي تصدر في ضوء هذا الإِيمان الجبري القسري أية قيمة، إِنّما فضيلة الإِنسان وتكامله في أن يسلك طريق الهداية والتقوى بقدميه وبإِرادته واختياره.
وعلى هذا الأساس لا منافاة أصلا بين هذه الجملة والآية السابقة التي ورد فيها نفي الجبر.
إِنّ هذه الجملة تقول: إِنّ إِجبار الناس الذي تدّعونه أمرٌ ممكن ومقدور لله تعالى، ولكنّه لن يفعله قط، لأنّه يخالف الحكمة وينافي المصلحة الإِنسانية.
وكان المشركون قد تذرّعوا بالقدرة والمشيئة الإِلهيتين لاختيار مذهب الجبر، على حين أن القدرة والمشيئة الآِلهيتين حق لا شبهة فيهما، بيد أنّ نتيجتهما ليست هي الجبر والقسر، بل إِنّ الله تعالى أراد أن نكون أحراراً، وأن نسلك طريق الحق باختيارنا وبمحض إِرادتنا.
جاء في كتاب الكافي عن الإِمام الكاظم (عليه السلام) أنّه قال: «إِنّ لله على الناس حجّتين حجّة ظاهرة وحجّة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرسُل والأنبياء والأئمّة، وأمّا الباطنة فالعقول» (2).
وجاء في أمالي الصّدوق عن الإِمام الصّادق(عليه السلام) لمّا سئِل عن تفسير قوله تعالى: (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) أنه قال : «إِنّ الله تعالى يقولُ للعبد يومَ القيامة: عبدي أكنتَ عالماً، فإِن قال: نعم، قال له: أفلا عملتَ بما علمتَ؟ وإِن قال: كنتُ جاهلا، قال له: أفلا تعلَّمتَ حتى تعمل؟ فيخصمه، فتلك الحجّة البالغة»(3).
إِنّ من البديهي أنّ المقصود من الحديث المذكور ليس هو أنّ الحجّة البالغة منحصرة في حوار الله تعالى مع عباده يوم القيامة، بل إِنّ لله حججاً بالغة عديدة من مصاديقها ما جاء في الحديث المذكور من الحوار بين الله وبين عباده، لأن نطاق الحجج الإِلهية البالغة واسع يشمل الدنيا والآخرة.
وفي الآية التّالية ـ ولكي يتضح بطلان أقوالهم، ومراعاةً لأُسس القضاء والحكم الصحيح ـ دعا المشركين ليأتوا بشهدائهم المعتبرين لو كان لهم، لكي يشهدوا لهم بأنّ الله هو الذي حرّم الحيوانات والزروع التي ادّعوا تحريمها، لِهذا يقول: ( قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا).
ثمّ يضيف قائلا: إِذا كانوا لا يملكون مثل هؤلاء الشهداء المعتبرين (ولا يملكون حتماً) بل يكتفون بشهادتهم وادّعائهم أنفسهم فقط، فلا تشهد معهم ولا تؤيدهم في دعاويهم: (فإِن شهدوا فلا تشهد معهم).
اتضح ممّا قيل إِنّه لا تناقض قطّ في الآية لو لوحظت مجموعةً، وأمّا مطالبتهم بالشاهد في البداية ثمّ أمره تعالى بعدم قبول شهداتهم، فلا يستتبع إِشكالا، لأنَّ المقصود هو الإِشعار بأنّهم عاجزون عن إِقامة الشهود المعتبرين على القطع واليقين، لأنّهم لا يمتلكون أيّ دليل من الأنبياء الإِلهيين والكتب السماوية يسند تحريم هذه الأُمور، ولهذا فإِنّهم وحدَهم الذين يَدَّعُون هذه الأُمور سيشهدون، ومن المعلوم أنّ مثل هذه الشهادة مرفوضة.
هذا مضافاً إِلى أنّ جميع القرائن تشهد بأنّ هذه الأحكام ما هي إِلاّ أحكام مصطنعة مختلقة نابعة عن محض الهوى والتقليد الأعمى، ولا اعتبار لها مطلقاً.
ولذلك قال في العبارة اللاحقة: (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (4).
يعني أنّ وثنيتهم، وإِنكارهم للقيامة والبعث، والخرافات، وإِتباعهم للهوى، شواهد حيّة على أنّ أحكامهم هذه مختلقة أيضاً، وأنّ ادعاهم في مسألة تحريم هذه الموضوعات من جانب الله لا قيمة له، ولا أساس له من الصحة.
______________________
1- " كذب " في اللغة تأتي بمعنيين تكذيب الغير ، وكذلك فعل الكذب.
2- تفسير نور الثقلين ، ج1 ، ص776 .
3- المصدر السابق .
4- " يعدلون " مشتق من مادة " عدل " بمعنى الشريك والتشبيه ، وعلى هذا الأساس فإن مفهوم جملة " وهم يربهم يعدلون " هو أنهم كانوا يعتقدون بشريك وشبيه لله سبحانه .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|