أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2014
3773
التاريخ: 29-04-2015
4671
التاريخ: 2023-06-14
4024
التاريخ: 16-10-2014
2205
|
لجمع القرآن في الروايات تأريخ متناقض عجيب ، ألقى بتبعته على القرآن الكريم ، والقرآن أسمى من أن يقدح فيه تعارض الروايات ، وتداخل الأهواء ، فهو محفوظ كما نزل ، وسالم كما أوحي :
هذه الروايات بعد ضم بعضها إلى البعض الآخر تسفر عن هذه النتائج المتضاربة .
أ ـ مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن كله على العسب واللخاف والرقاع والأكتاف ، ولكنه لم يجمع في مصحف ، وقد راع أبا بكر كثرة القتل في القراء بعد وقعة اليمامة في السنة الثانية عشرة للهجرة ، فاستشار عمر في الأمر ، فأقرا معا جمع القرآن من الصحف إلى المصحف ، أو من العسب واللخاف والأقتاب إلى الصحف ، وكلفا بالمهمة زيد بن ثابت .
ب ـ أن عمر بن الخطاب كان أول من جمع القرآن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن سأل عن آية فلم يجب إليها ، ونهض بالمهمة زيد بن ثابت .
ج ـ أن أبا بكر مات ، وعمر قد قتل ، ولم يجمع القرآن بعد ، أي أن المسلمين في حالة فوضى من شرائع دينهم ، وكتاب ربهم .
د ـ أن عثمان كان أول من جمع المصحف تارة ، وأول من وحد المصحف تارة أخرى .
هـ ـ أن القرآن كان مجموعا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن جامعيه كانوا من الكثرة بحيث يعدون تارة ، ويخصصون تارة أخرى ، ولا يحاط بهم سواهما .
ولقد وقفت من هذه الروايات موقف المندهش تارة ، وموقف المتحير تارة أخرى ، وقررت في النهاية دراستها في موضوعية خالصة ، أخلص منها إلى نتائج سليمة ، قد تقارب الواقع وتتجه نحو الصواب بإذن الله .
وهذه الدراسة تعنى بالاستنباط القائم على أساس الاجتهاد الفكري ، والاجتهاد معرض للخطأ والصواب ، وهي لا تمس القرآن ولا الحديث ، وإنما تسير بينهما هامشيا ، فالقرآن هو القرآن أنى كانت طرقه ، وليس في جميع روايات الجمع ما هو مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
من خلال ما تقدم نظفر بحصيلتين متعارضتين :
الأولى : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات والقرآن بعد لم يجمع في مصحف .
الثانية : أن القرآن كان مجموعا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مصحف .
يدل على الحصيلة الأولى طائفة الروايات المتناثرة لإثبات الفقرات أ ، ب ، ج ، د .
ويدل على الحصيلة الثانية طائفة الروايات والدلائل والبراهين لإثبات الفقرة هـ .
ولسنا نحاول تفنيد روايات الحصيلة الأولى بقدر ما يهمنا إثبات حقيقة الحصيلة الثانية . لقد تتبع السيد الخوئي ـ فكفانا مؤنة الخوض في ذلك ـ روايات الجمع بناء على الحصيلة الأولى في كل من صحيح البخاري ، ومسند أحمد ، وكنز العمال ، ومنتخب كنز العمال ، والاتقان للسيوطي ، وكان أهم هذه الروايات من خلال تعقيبه عليها ـ غثها وسمينها ـ إثنتان وعشرون رواية (1) .
وقد خلص إلى تناقضها في تعيين العهد الذي جمع فيه القرآن مترددا بين عهود أبي بكر ، عمر ، عثمان ، ومن هو المتصدي لذلك ؟ هل هو أبو بكر ، أو عمر ، أو زيد بن ثابت ؟ وهل بقي من الآيات ما لم يدون إلى زمن عثمان ؟ ومن الذي طلب من أبي بكر جمع القرآن ؟ ومتى ألحقت بعض الآيات في القرآن ، وبماذا ثبت ذلك ، وهل يكفي ذلك لتواتر القرآن (2) .
وقد عارض الخوئي هذه الروايات بروايات أخر تدل على جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستندا فيها إلى منتخب كنز العمال ، وصحيح البخاري ، وإتقان السيوطي ، وقد اعتبر التمحل بأن المراد من الجمع في هذه الروايات هو الجمع في الصدور لا التدوين ، دعوى لا شاهد عليها ، لأن الحفاظ أكثر من أن يعدوا (3) .
وقد ثبت لديه جمع القرآن بعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واعتبر ما سوى هذا معارضا لكتاب الله ، ومخالفا لحكم العقل ، ومناهضة صريحة للإجماع الذي عليه المسلمون كافة بأن القرآن لا طريق لإثباته إلا التواتر ، فلا بد من طرح هذه الروايات لأنها تدل على ثبوت القرآن بغير التواتر ، وقد ثبت بطلان ذلك بإجماع المسلمين (4) .
واعتبر القول بروايات الجمع على أساس الحصيلة الأولى يستلزم فتح القول بالتحريف ، باعتبار الجمع على تلك الطرق يكون قابلا للزيادة والنقصان (5) .
وقد أيد جمع عثمان للقرآن ، لا بمعنى أنه جمع الآيات والسور في مصحف ، بل بمعنى أنه جمع المسلمين على قراءة أمام واحد : « وهذا العمل من عثمان لم ينتقده عليه أحد من المسلمين ، وذلك لأن الاختلاف في القراءة كان يؤدي إلى الاختلاف بين المسلمين ، وتمزيق صفوفهم ، وتفريق وحدتهم ، بل كان يؤدي إلى تكفير بعضهم بعضا ، وقد مر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم منع عن الاختلاف في القرآن » (6) .
والحق أن الخوئي قد تتبع هذه القضية بكل جزئياتها وتفصيلاتها ، وانقض عليها يفندها ويجرحها ، مثبتا أن القرآن قد دون في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا ما نذهب إليه من خلال اضطلاعنا بأدلة جمة تستقطب جملة من الروايات ، وطائفة من الأدلة الخارجية والداخلية حول الكتاب وضمن الكتاب وعلى هامش الكتاب ، تثبت دون ريب تكامل الجمع التدويني للقرآن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ولا نريد أن ندخل في متاهة من هذا الموضوع بقدر ما نريد إثبات الحقيقة والوصول إليها بكل الطرق المختصرة .
ففي جملة من الروايات المعتبرة نجد جزءا لا يستهان به من هذه الحقيقة :
1 ـ في البخاري ، أن من جمعوا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعة ، فعن قتادة ، قال سألت أنس بن مالك : من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد (7) .
2 ـ ما ت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، ومعاذ ابن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد (8) .
3 ـ أورد البيهقي عن ابن سيرين ، جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة لا يختلف فيهم : معاذ بن جبل ، وأبيّ بن كعب ، وزيد ، وأبو زيد . واختلفوا في رجلين من ثلاثة : أبو الدرداء ، وعثمان ، وقيل : عثمان وتميم الداري (9) .
4 ـ عن الشعبي ، جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ستة : أبي ، وزيد ، وأبو الدرداء ، وسعد بن عبيد ، وأبو زيد ، ومجمع بن جارية وقد أخذه إلا سورتين أو ثلاثة. قال : ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب محمد غير عثمان (10) .
5 ـ وجمع على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعض من الصحابة القرآن كله ، وبعض منهم جمع القرآن ، ثم كمله بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وذكر محمد بن إسحاق في الفهرست : « إن الجمّاع للقرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم : علي بي أبي طالب عليه السلام ، وسعد بن عبيد بن النعمان ، وأبو الدرداء ، عويمر بن زيد ، ومعاذ بن جبل بن أوس ، وأبو زيد ثابت بن زيد ، وأبي بن كعب ، وعبيد ابن معاوية ، وزيد بن ثابت » (11) .
6 ـ وذكر الحافظ شمس الدين الذهبي ، أن الأعداد المتقدمة هم الذين عرضوه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتصلت بنا أسانيدهم ، وأما من جمعه منهم ، ولم يتصل بنا فكثير . وأما الذين عرضوا القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسبعة : عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وعبدالله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو الدرداء .
وقد أكد الحافظ الذهبي نفسه الجمع في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : وقد جمع القرآن غيرهم من الصحابة ، كمعاذ بن جبل ، وأبي زيد ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وعبد الله بن عمر ، وعقبة بن عامر (12) .
7 ـ روى الخوارزمي في مناقبه عن علي بن رياح ، قال : جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأبي بن كعب (13) .
8 ـ أخرج بن أبي داود عن محمد بن كعب القرظي ، قال : جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة من الأنصار : معاذ بن جبل ، وعبادة بن الصامت ، وأبي بن كعب ، وأبو الدرداء ، وأبو أيوب الأنصاري (14) .
9 ـ قال الحارث المحاسبي ، فيما أكده الزركشي : « وأما أبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، ومعاذ بن جبل : فبغير شك جمعوا القرآن ، والدلائل عليه متظاهرة » (15) .
10 ـ أخرج البيهقي ، وأبو داود ، عن الشعبي ، قال : جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة : أبي ، وزيد ، ومعاذ ، وأبو الدرداء ، وسعد بن عبيد ، وأبو زيد . ومجمع بن جارية قد أخذه إلاّ سورتين أو ثلاثة (16) .
11 ـ ذكر بن أبي داود فيمن جمع القرآن : قيس بن أبي صعصعة ، وهو خزرجي يكنّى : أبا زيد (17) .
12 ـ قال أبو أحمد العسكري : لم يجمع القرآن من الأوس غير سعد بن عبيد . وقال ابن حبيب في المحبر : سعد بن عبيد أحد من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم (18) .
13 ـ قال السيوطي : ظفرت بامرأة من الصحابيات جمعت القرآن ، ولم يعدها أحد ممن تكلم في ذلك ، فأخرج ابن سعد في الطبقات : أنبأنا الفضل بن دكين ، قال حدثنا : الوليد بن عبد الله بن جميع ، قال : حدثتني جدتي أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث ـ وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يزورها ، ويسميها الشهيدة ـ وكانت قد جمعت القرآن ... ثم ساق الحديث (19) .
وهذه الجملة من الروايات بضم بعضها إلى البعض الآخر تبرز لنا طائفة كبيرة من أعلام المهاجرين والأنصار قد جمعت القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وليس من المرجح أن يكون هؤلاء الرواة جميعا مع اختلاف عصورهم قد تواطئوا على الكذب ، فأوردوا ذكر هذه الجمهرة من الصحابة ممن جمعوا القرآن ، ولا منازع لهم في ذلك ، بل ولا مناقش من الأعلام.
وأنت ترى أن هذه الروايات تدل دلالة قاطعة على الجمع المتعارف ، وهو التدوين في مجموع ما ، وقد يحلو للبعض أن يفسر الجمع بالحفظ في الصدور ، ولا دلالة لغوية عليه ، إذ أنه انتقال باللفظ عن الأصل إلى سواه دون قرينة تعرف عن المعنى الأول ، ولأنه معارض بجمهور الحفظة الذين لا يعدون في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثرة وتواترا وشيوعا ، من النساء والرجال وفيهم الخلفاء الأربعة وأمهات المؤمنين وذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدا آلاف المسلمين في طول البلاد وعرضها .
___________________
(1) الخوئي ، البيان : 240 ـ 246 .
(2) المصدر نفسه : 247 ـ 249 .
(3) المصدر نفسه : 249 ـ 251 .
(4) المصدر نفسه : 252 ـ 256 .
(5) المصدر نفسه : 257 .
(6) المصدر نفسه : 258 .
(7) ، (8) ، (9) ، (10) ظ : الزركشي ، البرهان : 1 / 241 .
(11) ظ : الزنجاني ، تأريخ القرآن : 46 وانظر مصدره .
(12) الزركشي ، البرهان : 1 / 242 وما بعدها .
(13) الزنجاني ، تأريخ القرآن : 47 .
(14) السيوطي ، الاتقان : 1 / 202 .
(15) الزركشي ، البرهان : 1 / 239 .
(16) السيوطي ، الاتقان : 1 / 202 .
(17) المصدر نفسه : 1 / 202 .
(18) المصدر نفسه : 1 / 203 .
(19) المصدر نفسه : 1 / 203 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|