أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-4-2016
2817
التاريخ: 16-10-2014
1646
التاريخ: 16-10-2014
1802
التاريخ: 13-11-2020
1939
|
ذكرنا في الدروس الماضية معاني أربعة للجمع، ولا يشك عاقل بأن المعنى الأول للجمع وهو بمعنی حفظ القرآن على القلوب قد تم في عصر الرسول ( صلى الله عليه واله ) ؛ لأن القرآن قد نزل على صدر نبيه و كان (صلى الله عليه واله) حافظة للقرآن بنص قوله تعالی: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114]. وقوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16، 17]. وذهب إلى هذا المعنى المفسرين لهذه الآية.(1)
وهناك آيات قرآنية أخرى تشير إلى هذا المعنى من قبيل: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6].
حفظ القرآن في صدور الأصحاب
وبعد أن كان الرسول هو الحافظ الأول لكتاب الله الكريم الذي نزل على صدره الشريف، ترى أن ذلك الأمر يتعداه إلى صحابته الذين أطلق عليهم - حفاظ للقرآن وجماعة الحفاظ، الذين قتل منهم في معركة بئر معونة سبعون رجلا في عام 4هـ .
بل إن الرسول كان يشجع على حفظ القرآن بحيث شاع حفظه بين الرجال والنساء حتى وصل الأمر أن المرأة تجعل مهرها سورة من القرآن، ولهذا ينقل ابن كثير عن
سهل بن سعد قال:
إن امرأة أتت النبي (صلى الله عليه واله) ووهبت نفسها إليه، فقال: مالي من النساء من حاجة، فقام رجل فقال: زوجنيها یا رسول الله؟ فقال: أعطها ثوبا، قال: لا أجد. قال: أعطها ولو خاتما من حديد فاعتل له.
فقال: ما معك من القرآن.
قال: كذا و كذا.
قال النبي: زوجتكها بما معك من القرآن.(2)
وكان الرسول (صلى الله عليه واله) يحث المسلمين على تعلم القرآن وحفظه، بل إن هناك أسبابا أخرى تدفع المسلمين إلى حفظ القرآن، منها :
1- يعتبر القرآن بالنسبة للمسلمين منهجا عاما لهم في حياتهم يتعلمون منه الحلال والحرام في عباداتهم ومعاملاتهم .
2- الحالة الاجتماعية التي يتميز بها حفاظ القرآن قد تكون عامل مهم تدفع المسلمين الأوائل إلى حفظ القرآن.
فمسألة جمع القرآن بمعني الحفظ كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله).
أما الجمع للآيات في داخل السور، والسور في داخل المصحف الشريف، فقد ورد لدينا الكثير من الأحاديث والروایات تشير إلى أن هذه العملية تمت في زمن الرسول (صلى الله عليه واله ).
فهنا أمران :
الأول: جمع الآيات داخل السورة الواحدة في زمن الرسول (صلى الله عليه واله) .
وردت لدينا الكثير من المنقولات التأريخية تؤكد لنا أن وضع الآيات داخل سورها كان يتم من قبل الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله)، وبعضها كان يصرح فيه بأن وضع الآية في السورة الفلانية هو بتوجيه من جبرئيل أمين الوحي إلى النبي الأكرم (صلى اله عليه واله) فمثلا نقل عن الإمام علي (عليه السلام) في خلو سورة براءة من «بسم الله الرحمن الرحيم» قال:
(بأن البسملة أمان وهذه السورة نزلت لرفع الأمان بالسيف بعد نقض المشركين للعهد)(3).
وورد عن عثمان بن أبي العاص قال:
كنت جالسا عند رسول الله (صلى الله عليه واله) إذ شخص ببصره، ثم صوبه، ثم قال: أتاني جبرئيل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90] فجعلت في سورة النحل بين آيات الاستشهاد وآيات العهد.(4)
وورد أيضا أن جبرئيل أشار على النبي الأكرم ه في وضع قوله تعالی: { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ } بين آيات الربا والدين من سورة البقرة.(5)
ولهذا السبب ذهب العلماء إلى أن ترتيب الآيات داخل السور توقيفي ولا شبهة
في ذلك.(6)
وقال الباقلاني :
ترتيب الآيات أمر واجب وحكم لازم فقد كان جبرئيل يقول ضعوا آية كذا في موضع كذا.(7)
فما ورد من نقولات تاريخية حول مسألة جمع الآيات القرآنية سواء في عهد أبي بكر أو غيره لا يمكن الوثوق به خصوصا، وأن الطريقة المستخدمة من قبول شاهدین وما شابه ذلك تؤدي إلى الوقوع بالتحريف، فكل ورد في مسألة جمع الآيات داخل السورة الواحدة في غير زمن الرسول (صلى الله عليه واله) لا يمكن قبوله.
الثاني: جمع السور في زمن الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله).
هذه المسألة من المسائل التي وقع فيها خلاف بين الأعلام، والذي يجب أن نرکز عليه هنا أن الرأي في هذه المسألة لا يؤثر على القرآن من ناحية التحريف، فوجدت هنا اتجاهات متعددة:
الاتجاه الأول: يقول: إن القرآن بصورته الحالية جمع في زمن رسول الله (صلى الله عليه واله) ورتبت على شكل مصحف منذ ذلك الزمان.
الاتجاه الثاني: إن القرآن رتبت آياته داخل السور في زمن الرسول (صلى الله عليه واله) إلا أن ترتيب السور وجعله مصحفا حصل بعد وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله )سواء أكان الجمع حاصل من قبل الإمام علي (عليه السلام ) أو من قبل الخليفة الأول أو الثاني أو الثالث أو من غيرهم من الصحابة.
وذهب السيد الطباطبائي إلى أن مسألة جمع القرآن تم بعد وفاة الرسول الكرم (صلى الله عليه واله) فقال:
إن جمع القرآن مصحفا واحدا إنما كان بعد ما قبض النبي (صلى الله عليه واله) بلا إشکال.(8)
والذي يمكن أن يقال هنا: إن جمع القرآن بهذا المعنى كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه) للأدلة التالية:
1- أبي بكر الحضرمي عن الإمام الصادق عليه السلام أن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال لعلي (عليه السلام) يا علي، إن القرآن خلف فراشي في المصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا تضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة.(9)
فالألفاظ في هذا الحديث صادرة من معصوم وهذه الألفاظ هي »القرآن« و خلف فراشي)) وما شابه ذلك تشير إلى أن القرآن كان بأجمعه موجود عند النبي ومجموع بشكل كامل وطلب من الإمام علي (عليه السلام) أن يجمعه بمعنى أن يجعله بين الدفتين وكان ذلك في زمن الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله) .
2- سأل قتادة أنس بن کعب :
من جمع القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله)؟
فقال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد (10)
3- نقل المجلسي في البحار:
مات النبي (صلى الله عليه واله) ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزید بن ثابت، وأبو زید.(11)
ما يواجه هذه الروايات التاريخية أن الجمع هنا بمعنى الحفظ وليس جمع السور، وحصر الجامعين له بعدد معين ضعيف؛ لأن الرسول (صلى الله عليه واله) قبض وعشرات بل مئات المسلمين يحفظون القرآن وليس فقط هؤلاء الأشخاص الأربعة، أضف إلى ذلك من أين للراوي أن يتعرف على حفاظ القرآن في البلاد الإسلامية ويحصرهم في أربعة أشخاص فقط وهم منتشرون في بلاد الله العريضة.
ويواجه هذا الرأي أيضأ أنه إذا كان الجمع في عصر الرسول فما معني ما ورد: إن الإمام علي (عليه السلام) لم يرتد رداء إلا للصلاة حتى جمع القرآن بعد وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله).
ويمكن أن يجاب على ذلك من خلال التعرف على مواصفات مصحف الإمام علي (عليه السلام)، إذ إن الإمام علي (عليه السلام) بعد أن أخذ القرآن مجموعا من النبي (صلى الله عليه واله) وفق ترتیب النزول، ولهذا عد البعض من مواصفات مصحف علي أنه مجموع وفق ترتيب النزول، وفي الحقيقة هذه ليست خصيصة لمصحف الإمام علي (عليه السلام) وإنما خصيصة للمصحف الذي أخذه الإمام علي(عليه السلام) من الرسول (صلى الله عليه واله)، وأما معنى جمع الإمام علي عليه السلام بقرينة قول الرسول الذي أمر الإمام بجمع القرآن حتى لا يضيع كما ضيع اليهود التوراة، بهذه القرينة تجد أن الإمام کتب هوامش لهذا المصحف حتى لا يقع التلاعب بالنص الأصلي وتحریف معانيه، وهذه الهوامش كانت عبارة عن أسوار لحفظ النص من قبيل أسباب النزول ومكان النزول والمصاديق التي نزلت فيهم، ولهذا نجد أن هذا المصحف استقر بعد الإمام بيد أئمة أهل البيت العلوي فلقد جاء في الرواية: إن طلحة سأل عليا عن مصحفه وإلى من يكون من بعده؟ قال له:
إلى الذي أمرني رسول الله أن أدفعه إليه وصي وأولى الناس بعدي بالناس أبني الحسن ثم بدفعه ابني الحسن إلى ابني الحسين ثم يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين (عليهم السلام).
فالقرآن مجموع على عهد الرسول (صلى الله عليه واله)
والذي يواجه هذا الرأي النقولات التاريخية التي تقول: إن المصحف جمع في زمن أبي بكر أو عمر وعثمان كما تشير إلى ذلك المصادر الحديثة والتاريخية. ويمكن أن يجاب هنا:
إن جمع القرآن في زمن أبي بكر أمر لا بد منه بعد رفض مصحف الإمام علي (عليه السلام)، وهذا الجمع يجب ألا ينصرف إلى جمع الآيات داخل السورة الواحدة وما ورد في هذا المعنى فهو مردود، وإنما الجمع للسور القرآنية داخل المصحف الواحد خصوصا وإن الخلافة تعتبر القرآن الدستور الإسلامي الأول فلا بد من الاهتمام به، فجمعه في زمن أبي بكر لا يدل على عدم وجوده في زمن الرسول الأكرم (صلى الله عليه)، أضف إلى ذلك أن الروايات والنقولات التاريخية التي أشارت إلى جمعه في زمن أبي بكر أو عمر كان فيها نوع من التضارب الواضح والخلط بین جمع الآيات داخل السورة الواحدة الذي أثبت الدليل أنه تم في زمن النبي (صلى الله عليه واله) وبين جمع السور القرآنية.
الخلاصة
1- لا شك في أن جمع القرآن بمعن حفظه في الصدور قد تحق ق في زمن النبي {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى}.
2- كان الرسول يشجع على حفظ القرآن عن ظهر قلب حتى حفظ القرآن مجموعة كبيرة من الصحابة أطلق عليهم اسم: الحفاظ .
3- هناك روايات كثيرة تشير إلى أن وضع الآيات في داخل السور كان في زمن النبي (صلى الله عليه واله) وبإشراف منه وبرعاية من جبرئيل .
4- وقع الكلام في ترتيب السور وجعلها مصحفا هل وقع في زمن رسول الله (صلى الله عليه واله) أو بعد وفاته، اتجاه ذهب إلى الأول، و آخر إلى الثاني، وهو ما يراه العلامة الطباطبائي .
5- استدل على الاتجاه الأول بمجموعة من الروايات نوقشت بأن المقصود منها الحفظ من التلف وليس ترتيب السور، والروايات التي حدد الحفاظ بأربعة هي روايات ضعيفة.
مصحف الإمام علي هو المصحف الذي كان عند رسول الله المرتب بحسب التزول، ولكن أضاف إليه الإمام مجموعة من الهوامش شملت: أسباب النزول ومکانه والناسخ والمنسوخ و....
______________
1- تفسير شبر :541.
2- فضائل القرآن ،ابن كثير:40.
3- عمدة القاری، العینی: 18، 253.
4- التمهيد: ۲۷/۱ .
5- الاتقان في علوم القرآن: ۱،189.
6- نفس المصدر: 1،189.
7- نفس المصدر :1، 169.
8- الميزان في تفسير القرآن:12ن 128.
9- بحار الأنوار: 89، 53.
10- صحيح البخاري: 4، 9.
11- بحار الأنوار: 89، 77.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|