المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17751 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
التربة المناسبة لزراعة الفجل
2024-11-24
مقبرة (انحور خعوي) مقدم رب الأرضين في مكان الصدق في جبانة في دير المدينة
2024-11-24
اقسام الأسارى
2024-11-24
الوزير نفررنبت في عهد رعمسيس الرابع
2024-11-24
أصناف الكفار وكيفية قتالهم
2024-11-24
الكاهن الأعظم «لآمون» (رعمسيس نخت) وأسرته
2024-11-24

مدى استقلال النظام التأديبي والجنائي
3-8-2021
معنى الطور
2024-09-04
Plosives Introduction
30-6-2022
الـــوكـالــة الـعـامـــة بـــدون تـفـــويـــض
2023-09-25
لا يوجد في الكذب صغير وكبير
28-6-2019
محمد بن يحيى العطار
2-9-2016


تفسير التبيان : تفسير اجتهادي  
  
2686   02:47 صباحاً   التاريخ: 15-10-2014
المؤلف : محمد علي أسدي نسب
الكتاب أو المصدر : المناهج التفسيرية عند الشيعة والسنة
الجزء والصفحة : ص 279-292.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / مناهج التفسير / منهج التفسير الإجتهادي /

حياة الشيخ الطوسي : هو أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي ، وطوس ناحية بخراسان ، تشتمل على منطقتين : إحداهما طابران ، والأخرى نوغان ، وفي جنب طوس قبر الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام الإمام الثامن للإمامية ، وكذلك قبر الخليفة العباسي هارون الرشيد (1).

ولد الشيخ الطوسي في شهر رمضان عام 385هـ ، في طوس بإيران ، وقد كانت أحد المراكز العلمية المهمة ، وفيها نشأ وترعرع كثير من كبار علماء الإسلام سنة وشيعة ولا بأس بذكر بعضهم هنا :

أبو حامد الغزالي ، صاحب إحياء العلوم ، الطبرسي ، صاحب تفسير مجمع البيان ، الحر العاملي ، صاحب وسائل الشيعة ، الزمخشري ، صاحب تفسير الكشاف ، نصير الدين الطوسي ، الحكيم الفلكي الفيلسوف الكبير ، النسائي ، صاحب كتاب الخصائص والسنن ، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، الفقيه الشافعي ، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني ، صاحب كتاب الملل والنحل ، العالم اللغوي الشهير عبد الملك بن محمد إسماعيل الثعالبي الملقب بالفراء ، صاحب كتاب فقه اللغة ، ويتيمة الدهر ، وسحر البلاغة ، العالم المنطقي المعروف سعد بن عمر بن عبد الله التفتازاني ، مصنف كتاب (التهذيب) في المنطق و(المطول) في المعاني والبيان ، أبو نصر إسماعيل بن حماد الفارابي المعلم الثاني ، العالم الرياضي الحكيم الخيام (2).

ومما أضفى على هذه المدينة أهمية كبرى : مرقد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ثامن أئمة الشيعة الإثني عشرية ، وهي لذلك مهوى أفئدتهم ، يؤمونها من الأماكن البعيدة والبلدان النائية ، ويتقاطرون إليها من كل حدب وصوب ؛ للتبرك بالعتبة المقدسة (3).

هجرته الى بغداد : ترعرع الشيخ الطوسي في مسقط رأسه ، ودرس فيها علوم اللغة والأدب والفقه والحديث وعلم الكلام ، ليهاجر بعدها الى العراق ، فاستقر في بغداد سنة 408هـ ، وهو ابن ثلاثة وعشرين عاماً ، وقد كان العراق ذلك الزمان مقصوداً للطلاب في مجال المعرفة والعلم ، ووصل الى بغداد في حين كان الشيخ المفيد جالساً على كرسي الزعامة الفكرية للمذهب الجعفري ، فكان يحضر مجلسه خلق كثير من العلماء من سائر الطوائف ، فتلمذ على يد الشيخ المفيد آنذاك ، ونهل من معارفه وعلومه ، حتى توفي الشيخ المفيد ، فانتقلت زعامة الدين ورئاسة المذهب الى علامة تلاميذه علم الهدى السيد المرتضى ، فلازم الشيخ الطوسي الحضور تحت منبره ، وعني به المرتضى وبالغ في توجيهه وتلقينه أكثر من بقية تلاميذه ، وعين له في كل شهر اثني عشر ديناراً ، وبقي ملازماً له طيلة ثلاث وعشرين سنة ، حتى توفي السيد المرتضى لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة 436هـ ، فاستقل الشيخ بالإمامة ، وظهر على منصة الزعامة ، وأصبح علماً للشيعة ومناراً للشريعة (4).

هجرته الى النجف الأشرف ، ورد طغرل بيك ، أول ملوك السلاجقة بغداد ، سنة 447هـ ، وشن على الشيعة حلمة شعواء ، وأمر بإحراق مكتبة الشيعة التي كانت مخزناً لكثير من الكتب الأصلية الخطية لأرباب الفنون والعلوم ، وقد بناها الوزير الأديب ابو نصر سابور بن اردشير ، وكانت على مثال مكتبة (بيت الحكمة) التي بناها هارون الرشيد .

يقول ياقوت الحموي : وبها كانت خزانة الكتب التي أوقفها الوزير أبو نصر سابور بن اردشير وزير بهاء الدولة بن عضد الدولة ، ولم يكن في الدنيا أحسن كتباً منها ، كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهم المحررة (5).

قال ابن الجوزي في حوادث سنة 448هـ : وهرب ابو جعفر الطوسي ونهبت داره (6) . فلما رأى الشيخ الخطر محدقاً به ، هاجر الى النجف الأشرف في جوار قبر علي بن ابي طالب ، وجعلها مركزاً للعلم ، وجامعة كبرى للشيعة الإمامية ، وأصبحت مهبط رجال العلم ومهوى أفئدتهم .

وقد بقي الشيخ الطوسي في مدينة النجف الأشرف اثني عشر عاماً ، منذ أن نزلها عام 448 حتى وفاته فيها سنة 460هـ ، ولازال بيته موجوداً فيها ، وتحول فيما بعد الى مسجد يحمل اسم الشيخ الطوسي في شمال ضريح الإمام علي عليه السلام بعد ان وصل عمره خمسة وسبعين عاماً من 385هـ وحتى 460هـ (7).

وصف العلماء للشيخ الطوسي : هناك تراجم للطوسي لدى علماء أهل السنة ، مثل : البداية والنهاية 12 : 104 ، طبقات الشافعية للسبكي 4 : 126 ، وطبقات المفسرين للسيوطي ، ولسان الميزان 5 : 135 ، والمنتظم لابن الجوزي 8 : 252 ، وطبقات المفسرين للداودي 2 : 130 ومعجم المفسرين 2 : 515.

وهناك تراجم له لعلماء الإمامية ، نذكر في ما يلي قليلاً منها :

يصفه العلامة الحلي بما يلي : شيخ الإمامية ووجههم ورئيس الطائفة ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، ثقة ، عين ، صدوق ، عارف بالأخبار والرجال والفقه والأصول والكلام والأدب وجميع الفضائل تنسب اليه ، صنف في كل فنون الإسلام ، وهو المهذب للعقائد في الأصول والفروع ، الجامع لكمالات النفس في العلم والعمل (8).

وقال السيد بحر العلوم عند ترجمته للشيخ الطوسي : شيخ الطائفة المحققة ، ورافع أعلام الشريعة الحقة ، إمام الفرقة بعد الأئمة المعصومين ، وعماد الشيعة الإمامية في كل ما يتعلق بالمذهب والدين ، محقق الأصول والفروع ، ومهذب فنون المعقول والمسموع ، شيخ الطائفة على الإطلاق ، ورئيسها الذي تلوى اليه الأعناق ، صنف في جميع علوم الإسلام ، كان القدوة في كل ذلك (9).

وقال المجلسي : ثقة ، وفضله وجلالته أشهر من أن يحتاج الى بيان (10).

وأما عند علماء أهل السنة ، فقد جاء في معجم المفسرين : فقيه الشيعة الإمامية ومصنفهم ، ولد في طوس ، وانتقل الى بغداد سنة 408هـ ، وأقام أربعين سنة ، وكان يسكن بالكرخ ، وقد أحرقت كتبه عدة مرات بمحضر من الناس ، ثم تحول الى (الغري) بالنجف ، وأقام بالمشهد يفقه الناس الى أن توفي ، من تصانيفه (التبيان في تفسير القرآن ، في عشر مجلدات ، والمسائل الدمشقية في تفسير القرآن ، والمسائل الرجبية في تفسير آي من القرآن ) (11).

وجاء في طبقات الداودي في أوصافه : له مصنفات كثيرة في الكلام على مذهب الإمامية ، جمع تفسير القرآن ، أملى أحاديث وحكايات تشتمل على مجلدين ...

قرأ الأصول والكلام على أبي عبد الله بن محمد بن النعمان المعروف بالمفيد فقيه الإمامية ... وقد أحرقت كتبه عدة نوب بمحضر من الناس في رحبة جامع القصر ، واستتر هو خوفاً على نفسه ؛ بسبب ما يظهر عنه من انتقاص السلف ، مات بمشهد علي من الكوفة في المحرم (12).

تأليفاته : إن تأليفاته تبلغ ما يقارب خمسين عنواناً ، في موضوعات متعددة وعلوم مختلفة ، مثل : التفسير ، والكلام ، والحديث ، والتاريخ ، والرجال ، والفقه ، والأصول .

وفي التفسير له : التبيان في التفسير ، والمسائل الدمشقية في تفسير القرآن التي وصفها في (الفهرست) وقال : لم يعمل مثلها ، وتشتمل على اثنتي عشرة مسألة .

وأيضا له المسائل الرجبية في تفسير آي من القرآن ، ذكرها الشيخ في الفهرست ، ووصفها بأنه يصنف مثلها ، وذكرها في حرف الميم من الذريعة (13).

تعريف بالتبيان : هو تفسير كامل القرآن ، تعرض الشيخ فيه لعلوم القرآن في شتى المجالات كالقراءة واللغة والإعراب وأسباب النزول والنظم والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه وغيرها ، بأسلوب علمي ، وهو أول تفسير شيعي جامع بين المنقول والمعقول وبين الرواية والدراية . وقد اعتمد على هذا التفسير من فسر القرآن بعده من كبار الشيعة ، مثل الطبرسي في مجمع البيان .

ويشتمل على مقدمة يشرح فيها أهدافه ، وأنواع التفسير ، ومعاني القرآن المجيد ، ونزول القرآن على الحرف الواحد ، وبيان وجوه اختلاف القراءات ، وشرح مفهوم الظاهر والباطن ، والمحكم والمتشابه ، وتعليل وجود المتشابهات في القرآن ، وبيان الناسخ والمنسوخ وأقسامهما ، وسبب تكرير القصص في القرآن ، ووجه تسمية القرآن قرآناً ، والأسماء الأخرى للقرآن ، وبيان معنى السورة والآية واشتقاقهما (14).

أسلوب التبيان : يقول الشيخ في مقدمة تفسيره : وأنا إن شاء الله تعالى ، أشرع في ذلك على وجه الإيجاز والاختصار لكل فن من فنونه ، ولا أطيل فيمله الناظر فيه ، ولا أختصر اختصاراً يقصر فهمه عن معانيه ، واقدم أمام ذلك فصلاً يشتمل على ذكر جمل لابد من معرفتها دون استيفائها (15) . فيراعي ما ذكره في مقدمة كتابه ، وخطواته هي :

1- ذكر محل نزول السورة ، وأنها مكية أو مدنية .

2- ذكر أرقام السور والآيات .

3- ذكر جملة من الآيات المترابطة .

4- ذكر القراءات المختلفة والحجج .

5- الإشارة الى إعراب الكلمات والجمل .

6- توضيح اللغات والمفردات .

7- ذكر تناسب بعض الآيات مع الآيات السابقة .

8- تفسير الآيات والجمل .

9- الإشارة الى أقوال الصحابة والتابعين والمفسرين الآخرين كالطبري .

هذه الخطوات هي التي نراها في التبيان ، وإن لم تكن بهذا الترتيب المذكور .

منهج الشيخ في تفسير التبيان : ولكي نعرف منهج الشيخ الطوسي في تفسيره ، نشرح بعض ما يتعلق بمنهجه :

الأول : هدفه من التأليف

الشيخ الطوسي ككثير من المفسرين الكبار ، يشرح مقدمة تفسيره علة تأليفه تفسير التبيان ، فقال في هذه المقدمة :

أما بعد : فإن الذي حملني على الشروع في عمل هذا الكتاب ، أني لم اجد احداً من أصحابنا – قديماً وحديثاً – من عمل كتاباً على تفسير جميع القرآن ويشتمل على فنون معانيه ، وإنما سلك جماعة منهم في جميع ما وراء ونقله وانتهى اليه في الكتب المروية في الحديث ، ولم يتعرض أحد منهم لاستيفاء ذلك وتفسير ما يحتاج اليه ، فوجدت من شرع في تفسير القرآن من علماء الائمة بين مطيل في جميع معانيه واستيعاب ما قيل فيه من فنونه – كالطبري وغيره- وبين مقصر اقتصر على ذكر غريبه ومعاني ألفاظه ، وسلك الباقون المتوسطون في ذلك مسلك ما قويت فيه منتهم ، وتركوا ما لا معرفة لهم به ، فإن الزجاج  والفراء ومن أشبههما من النحويين ، أفرغوا وسعهم فيما يتعلق بالإعراب والتصريف ، ومفضل بن سلمة وغيره ، استكثروا من علم اللغة واشتقاق الألفاظ ، والمتكلمين _ كأبي علي الجنائي وغيره – صرفوا همتم الى ما يتعلق بالمعاني الكلامية ، ومنهم من أضاف الى ذلك الكلام في فنون علمه ، فأدخل فيه ما يليق به ، من بسط فروع الفقه واختلاف الفقهاء – كالبلخي وغيره – وأصلح من سلك في ذلك مسلكاً جميلاً مقتصداً محمد ابن بحر أبو مسلم الاصفهاني ، وعلي بن عيسى الرماني ، فإن كتابيهما أصلح ما صنف في هذا المعنى ، غير أنهما أطالا الخطب فيه ، وأوردا فيه كثيراً مما لا يحتاج ، وسمعت جماعة من أصحابنا قديماً وحديثاً يرغبون في كتاب مقتصر يجتمع على جميع فنون علم القرآن من القراءة والمعاني والإعراب ، والكلام على المتشابه ، والجواب عن مطاعن الملحدين فيه ، وأنواع المبطلين كالمجبرة والمشبهة والمجسمة وغيرهم ، وذكر ما يختص أصحابنا به من الاستدلال لمواضع كثيرة منه على صحة مذاهبهم في اصول الديانات وفروعها (16).

يفهم من هذه العبارة أن هدف الطوسي من التفسير كان أموراً أربعة :

1- التعدي عن التفسير الروائي .

2- التفسير المتناسب مع القرآن كماً وكيفاً .

3- التفسير في ضوء مدرسة أهل البيت ، خصوصاً ما يتعلق بالعقيدة .

4- الدفاع عن القرآن تجاه الملحدين وأصحاب الديانات الأخرى من اليهود والنصارى وغيرهم من أهل المذاهب الباطلة .

الثاني : أقسام معاني الآيات من حيث التفسير

يقول الشيخ الطوسي : إن معاني القرآن على أربعة أقسام :

أحدها : ما اختص الله تعالى بالعلم به ، فلا يجوز لأحد تكلف القول فيه ولا تعاطي معرفته ، وذلك مثل قوله تعالى : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ } [الأعراف : 187] ، ومثل قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان : 34] الى آخرها ، فتعاطى معرفة ما اختص الله تعالى به خطأ .

وثانيها : ما كان ظاهره مطابقاً لمعناه ، فكل من عرف اللغة التي خوطب بها عرف معناها ، مثل قوله تعالى : {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام : 151] ، ومثل قوله تعالى : { قل هو الله أحد} [التوحيد : 1] ، وغير ذلك .

وثالثها : ما هو مجمل لا يبنى ظاهره عن المراد به مفصلاً ، مثل قوله تعالى : {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة : 43] ، ومثل قوله : {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران : 97] ، وقوله : {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام : 141] ، وقوله : {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ } [المعارج : 24] ، وما أشبه ذلك ، فإن تفصيل أعداد الصلاة وعدد ركعاتها ، وتفصيل مناسك الحج وشروطه ، ومقادير النصاب في الزكاة ، لا يمكن استخراجه إلا ببيان النبي صلى الله عليه واله وسلم ووحي من جهة الله تعالى ، فتكلف القول في ذلك خطأ ممنوع منه ، يمكن أن تكون الأخبار متناولة له .

ورابعها : ما كان اللفظ مشتركاً بين معنيين فما زاد عليهما ، ويمكن أن يكون كل واحد منهما مراداً ، فإنه لا ينبغي ان يقدم أحد فيه فيقول : إن مراد الله فيه بعض ما يحتمل ، إلا بقول نبي أو إمام معصوم ، بل ينبغي أن يقول : إن الظاهر يتحمل لأمور ، وكل واحد يجوز ان يكون مراداً على التفصيل والله أعلم بما أراد ، ومتى كان اللفظ مشتركاً بين شيئين او ما زاد عليهما ، ودل الدليل على أنه لا يجوز أن يريد إلا وجهاً واحداً ، جاز أن يقال : إنه هو المراد (17).

مصادر الشيخ الطوسي في تفسيره : تفسير التبيان تفسير اجتهادي جامع ، وهذا يعني : أن الشيخ الطوسي استفاد في تفسير الآيات من كل ما يمكن الاعتماد عليه في مجال التفسير من القرآن والروايات والعقل واللغة وغيرها ، وفي ما يلي نماذج من تفسير الآيات التي استخدمت فيها مصادر شتى :

الأول : القرآن الكريم

عند تفسير الآية : {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ } [البقرة : 50] يقول : ومعنى قوله : { فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ } أي : جعلناكم بين فرقيه ، تمرون في طريق يبس ، كما قال تعالى : {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا } [طه : 77] وقال : {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ } [الشعراء : 63] (18).

وكذلك يستفيد من سياق الآيات كثيراً ، وهنا نكتفي بذكر مورد واحد : عند تفسير قوله تعالى : {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران : 29] . يقول : وجه اتصال هذه الآية بما قبلها : أنه لما تقدم النهي عن اتخاذ الكفار أولياء ، خوفوا من الإعلان بخلاف الإضمار في ما نهوا عنه بأن الله تعالى يعلم الإسرار كما يعلم الإعلان (19).

الثاني : أقوال المعصوم وأثار السلف :  

تفسير القرآن بالروايات يعد من الأركان المهمة في التفسير الاجتهادي الجامع ؛ لأنها شارحة للقرآن ومبينة له ، ولذا نرى الشيخ كباقي المفسرين ينتفع بهذا المصدر لتفسير القرآن المجيد .

يقول الشيخ الطوسي : وقوله : {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة : 42] معناه : أنه يكثر أكلهم السحت ، وهو : الحرام ، وروي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم انه قال : السحت الرشوة في الحكم ... وقال الحسن : سعوا كذبة وأكلوا رشوته ، وقال ابن مسعود وقتادة وابراهيم ومجاهد والضحاك والسدي : السحت : الرشى ، وروي عن علي عليه السلام أنه قال : السحت الرشوة  في الحكم ومهر البغي وعسب الفحل وكسب الحجام وثمن الكلب وثمن الخمر وثمن الميتة ، وحلوان الكاهن والاستعجال في المعصية ، وروي عن أبي هريرة مثله .

وقال مسروق : سألت عبد الله عن الجور في الحكم ، قال : ذلك الكفر ، وعن السحت : فقال الرجل يقضي لغيره الحاجة فيهدي له الهدية (20).

الثالث : العلوم العربية

للجانب الأدبي تفسير التبيان اثر واسع كبير ، فالمؤلف الفاضل ظهر في هذا الميدان كالمتخصص العالم في العلوم الأدبية ، فصار تفسيره مصدراً من المصادر المهمة لأهل اللغة والأدب في تفسير كتاب الله الكريم ؛ ولأجل هذه الكثرة والعمق في بيان الآيات بهذه العلوم ، اعتبر بعض العلماء تفسير التبيان من التفاسير الأدبية .
ولكن لأنه استفاد من المصادر الأخرى كثيراً ، جعلنا تفسيره ضمن التفاسير الاجتهادية الجامعة .
فعند تفسير {الحمد لله رب العالمين} يقول : ومعنى (الحمد لله) : الشكر لله خالصاً ، دون سائر ما يعبده بما أنعم على عباده من ضروب النعم الدينية والدنياوية ، وقال بعضهم : الحمد لله : ثناء عليه بأسمائه وصفاته ، وقوله : الشكر لله : ثناء على نعمه وأياديه ، والأول أصح في اللغة ؛ لأن الحمد والشكر يوضع كل واحد منهما موضع صاحبه ، ويقال ايضا : الحمد لله شكراً فنصب شكراً على المصدر ، ولو لم يكن في معناه لما نصبه ، ودخول الألف واللام فيه لفائدة الاستيعاب ، فكأنه قال : جميع الحمد لله ؛ لأن التالي مخبر بذلك ، ولو نصبه فقال : حمداً لله ، أفاد أن القائل هو الحامد فحسب ، وليس ذلك المراد ، ولذلك أجمعت القراء على ضم الدال على ما بيناه ، والقدير : قولوا : الحمد لله ، وإذا كان الحمد هو الشكر ، والشكر هو الاعتراف بالنعمة على ضرب من التعظيم ، فالمدح ليس من الشكر في شيء ، وإنما هو القول المنبئ عن عظم حال الممدوح مع القصد إليه .
وأما (الرب) ، فله معانٍ في اللغة : فسمي السيد المطاع رباً ، وقال لبيد بن ربيعة :

فاهلكن يوماً رب كنده وابنه      ورب معد بين خبت وعرعر

يعني : سيدي كندة ، ومنه قوله تعالى : {أما أحدكما فيسقي ربه خمراً} يعني : سيده . ويسمى الرجل المصلح رباً ، قال الفرزدق بن غالب :

كانوا كسالئة حمقاء إذ حقنت      سلاءها في أديم غير مربوب

يعني : غير مصلح ، ومنه قيل : فلان رب ضيعة ، إذا كان يحاول إتمامها ، والربانيون من هذا ، من حيث كانوا مدبرين لهم ، واشتق (رب) من التربية ، يقال : ربيته وربيته بمعنى واحد ، والربى : الشاة ولدت حديثاً ؛ لأنها ترتى (21).

الرابع : العقل
العقل هو المعيار في فهم النصوص من الذكر الحكيم والحديث الشريف ، وهو محور أساسي في العقيدة الشيعية في كثير من المجالات .

ونرى الشيخ الطوسي عند تفسير قوله تعالى : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء : 82] يقول : تدل هذه الآية على أشياء :

أحدهما : بطلان التقليد وصحة الاستدلال في أصول الدي ؛ لأنه حث ودعا الى التدبر ، وذلك لا يكون إلا بالفكر والنظر .

والثاني : فساد مذهب من زعم أن القرآن لا يفهم معناه إلا بتفسير الرسول ، من الحشوية والمجبرة ، لأنه تعالى حث على تدبره ليعلموا به (22).

وفي ذيل قوله تعالى : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد : 24] ، يقول الشيخ الطوسي : معناه : أفلا يتدبرون القرآن بأن يتفكروا فيه ويعتبروا به ، ام على قلوبهم قفل يمنعهم من ذلك ؟ تنبيهاً لهم على أن الأمر بخلافه ، وليس عليها م يمنع من التدبر القرآن ، وفي ذلك حجة على بطلان قول من يقول : لا يجوز تفسير شيء من ظاهر القرآن إلا بخبر وسمع (23).

الخامس : الإجماع

الاجماع كما هو مصدر من مصادر التشريع الأحكام الشرعية عند الشيخ بشروط خاصة ، كذلك يعد مصدراً للتفسير لديه شريطة الإبهام في المقصود ، بشكل لا يفهم المراد من ظاهر الآيات ؛ إذ يقول في مقدمة تفسيره :

ولا ينبغي لأحد ان ينظر في تفسير آية لا ينبئ ظاهرها عن المراد تفصيلاً ، أو يقلد أحداً من المفسرين ، إلا ان يكون التأويل مجمعاً عليه ، فيجب أتباعه لمكان الإجماع ؛ لأن من المفسرين من حمدت طرائقه ومدحت مذاهبه كابن عباس الحسن وقتادة ومجاهد وغيرهم ، ومنهم من ذمت مذاهبه كأبي صالح والسدي والكلبي وغيرهم (24).

السادس : التاريخ

يرجع الطوسي الى التاريخ في مجالات مختلفة ، من جملتها : تعرف الأقوى من المنقول في أسباب النزول وترجيحه على ما سواء ، ففي تتبعه للأقوال الواردة في سبب نزول الآية : {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ...} [الأحزاب : 26] ، يرجح قول أكثر المفسرين بأنها نزلت في بني قريظة من اليهود لما نقضوا العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه واله وسلم ، وعاونوا أبا سفيان ومن معه من الأحزاب ، يرجحه على قول الحسن البصري : إنها نزلت في بني النضير ، مستدلاً على ذلك بالأحداث التاريخية إذ يقول : والأول أصح وأليق بسياق الآيات ، لأن بني النضير لم يكن لهم قتال الأحزاب شيء ، وكانوا قد انجلوا قبل ذلك (25).
_________________________

1- راجع : دائرة المعارف الإسلامية الشيعية 15 : 352 ، كلمة طوس .

2- راجع : الشيخ الطوسي مفسراً ، تأليف خضير جعفر : 14-153.

3- مقدمة الأمالي من بحر العلوم 1 : 4.

4- راجع : مقدمة تفسيره 1 : 9-10.

5- معجم البلدان 2 : 342.

6- المنتظم ، لابن الجوزي 8 : 179.

7- أعيان الشيعة 9 : 160.

8- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال : 73.

9- الفوائد الرجالية ، لبحر العلوم 3 : 227.

10- الوجيز ، للمجلسي : 163.

11- معجم المفسرين ، لعادل نويهض 2 : 515.

12- طبقات المفسرين ، للداودي 2 : 130 ، رقم 476.

13- راجع : مقدمة تفسيره 1 : 43 ، طبع جماعة المدرسين بمدينة قم .

14- التبيان 1 : 2 ، مقدمة المؤلف .

15- المصدر السابق .

16- تفسير التبيان 1 : 1-2.

17- التبيان في تفسير القرآن 1 : 5-6 ، مقدمة المؤلف .

18- تفسير التبيان ، ذيل الآية 50 من سورة البقرة .

19- تفسير التبيان 2 : 438 ، ذيل الآية 29 من سورة آل عمران .

20- تفسير التبيان 3 : 528 ، ذيل الآية 42 من سورة المائدة .

21- تفسير التبيان 1 : 31 – 32 ، ذيل الآية 3 من سورة الفاتحة .

22- التبيان 3 : 270 ، ذيل الآية 82 من سورة النساء .

23- التبيان 9 : 301 ، ذيل الآية 24 من سورة محمد .

24- المصدر السابق  1 : 6.

25- راجع : التبيان 8 : 332 ، ذيل الآية 26 من سورة الأحزاب .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .