قوله سبحانه : {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ} [طه : 5] ، وقوله : {اسْتَوىٰ إِلَى السَّمٰاءِ} [البقرة : 29] .

الاستواء على أقسام : استواء في المقدار واستواء في المكان ، واستواء في الذهاب ، واستواء في الاتفاق واستواء بمعنى الاستيلاء وهو راجعٌ إلى الاستواء في المكان .

ويلحقُ بذلك الاستواء بمعنى : الانتصاب . يقال : استوى فلانٌ جالساً ، واستوى قائماً . وبمعنى الركوبِ ، قوله : {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ ومَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون : 28] ، وبمعنى : تساوي الأجزاء المؤلفة . تقول : استوى الحائط وبمعنى : التساوي في الأمر . قوله : {ولَمّٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ واسْتَوىٰ} [القصص : 14] .

قال الشاعر‌ (1) :

قد استوى ظالم العشيرة

وهذه كلها من صفات الأجسام لا يجوز على الباري تعالى .

والذي يحقق في تأويله ما قال ابن عباس (2) ، والحسن (3) : استوى أمره ولطفه وصعد إلى السماء لأن أوامره وقضاياه تنزل منها إلى الأرض.

الجبائي (4) : أي : استوى عليه بأن رفعه .

الفراء (5) ، والقاضي (6) عبد الجبار : أي : قصد إليها فخلقها ، كما يقال : كان فلانٌ مقبلاً على فلانٍ ، ثم استوى إليَّ وعليَّ يكلِّمني . ومر فلان مستويا إلى موضع كذا ، ولم يعدل . قوله : {ثُمَّ اسْتَوىٰ إِلَى السَّمٰاءِ وهِيَ دُخٰانٌ} [فصلت : 11] .

وقيل : استوى تدبيره بتقديم القادر عليه .

وقيل : استوى بمعنى احتوى عليه يقال استوى فلان على مال فلان وعلى جميع مُلكه .

وقال الصادق (7) -عليه السلام- : استوى من كل شي‌ء فليس شي‌ء أقرب إليه من شي‌ءٍ .‌

وقيل : أي : لفظة (الرحمنِ) مكتوبٌ على العرشِ .

وقيل : استوى عليها بالقهر وخلقهن سبع سماوات وكان علوه عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال ، كقوله : {ولَمّٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ واسْتَوىٰ} [القصص : 14] . أي : تمكن من أمره وقهر هواه بعقله ، {ثُمَّ اسْتَوىٰ إِلَى السَّمٰاءِ} في نفوذه وتملكه لها ولم يجعلها ملكا لخلقهِ.

قال البعيث‌ُ (8) :

ثم استوى بشر على العراق               من غير سيف ودم مهراق

وقوله : {إِلَى السَّمٰاءِ} ، ولا سماء هناك لأن خلق العرش كان بعد خلق السماء كما يقولُ القائلُ : أعمل هذا الثوب . وإنما معه غزل .

وقال قومٌ : إنما سواهن سبع سماوات بعد أن كانت دخاناً .

وقال آخرونَ : استوى بمعنى : استوت السماء (9) كما قال الشاعر :

أقول لها لما استوى في تراثه             على أي دين يقتل الناس مصعب

وفائدة التخصيص للعرش أنه من أعظم المخلوقات فإذا كان مستولياً عليه كان بالاستيلاء على غيره أولى.

__________________

1- لم نقف على تمام البيت ولم نعرف قائله .

2- مجمع البيان 1 : 71 الأسماء والصفات : 413 . الجامع لأحكام القرآن 1 : 254 .

3- مجمع البيان 2 : 438 ، 5 : 6 .

4- مجمع البيان 2 : 438 .

5- معاني القرآن 1 : 67 .

6- متشابه القرآن 1 : 73-74 .

7- الكافي 1 : 127 ، 128 . معاني الأخبار : 29 . الهداية : 5 . التوحيد : 315 .

8- شرح عقائد الصدوق أو تصحيح الاعتقاد : 221 بلا عزو . متشابه القرآن 1 : 73 . بلا عزو ، وفيه : قد استوى . التبيان في تفسير القرآن 1 : 15 ، 2 : 396 بلا عزو . الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد : 72 . بلا عزو . وفيه : قد استوى . مجمع البيان 1 : 71 بلا عزو الاسماء والصفات : 412 وفيه : قد استوى . كذا في الجامع لأحكام القرآن 1 : 255 ثم انظر : شعر البعيث المجاشعي (جمع وتحقيق ناصر حلاوي) : 44 .

9- جامع البيان 1 : 191 بلا عزو . وفيه : في ترابِه .... قبلَ الرأسَ . التبيان في تفسير القرآن 1 : 125 بلا عزو . وفيه : قتلَ الناس ....