أقرأ أيضاً
التاريخ: 5/10/2022
1662
التاريخ: 2024-06-17
840
التاريخ: 23-6-2016
6283
التاريخ: 2024-07-01
641
|
إن أسباب الطعن في الحكم القضائي تمييزاً من الموضوعات المهمة كونها مرتبطة بتحريك الطعن التمييزي وفرض رقابة المحكمة الإدارية العليا على مشروعية قرارات واحكام المحاكم الإدارية (1)، ويهدف الطعن التمييزي إلى تدقيق ما إعترى الحكم الإبتدائي الصادر من المحاكم الإدارية من الخطأ أو العيب أو أي وجه آخر من العيوب والتي تدور حول مخالفة القانون أو الخطأ في الإجراءات أو غيرها من الأسباب (2)، وإن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يُعد من طرق الطعن غير العادية وبالتالي لا يجوز اللجوء اليه إلا عند توافر الأسباب التي نص عليها القانون للطعن (3) ، وتختلف أسباب الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في مصر بحسب الأحكام المطعون فيها، فبالنسبة للأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري - كمحكمة أول درجة وأحكام المحاكم التأديبية فإن أسباب وأوجه الطعن ذكرتها المادة (23) من قانون مجلس الدولة المصري رقم (47) لسنة 1972 (4) وهي كما يأتي:
1- إذا كان الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة القانون أو خطأ في تطبيقه أو تأويله.
2- إذا وقع البطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم.
3- إذا صدر الحكم على خلاف حكم سابق حاز قوة الشيء المحكوم فيه سواء وقع بهذا الدفع أو لم يدفع به. ويجوز للمدعي ولرئيس هيئة مفوضي الدولة أن يطعن في الأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية خلال ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم، أما الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري فلا يجوز الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا إلا من رئيس هيئة مفوضي الدولة وخلال ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم مع مراعاة الأحوال التي يوجب عليه القانون فيها الطعن في الحكم (5)، ونحن نرى بأن علة ذلك هو لتعلق القرارات والأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية بحق شخصي أو مركز قانوني فردي لذلك أجاز القانون الطعن بها أمام المحكمة الإدارية العليا من قبل المدعي نفسه.
أما أسباب الطعن في الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية بصفتها الإستئنافية فأنه لا يجوز الطعن فيها إلا من رئيس هيئة مفوضي الدولة وخلال ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم وتكون أسباب الطعن بها كالآتي:
1- إذا صدر الحكم على خلاف ما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا.
2- إذا كان الفصل في الطعن يقتضي تقرير مبدا قانوني لم يسبق للمحكمة الإدارية العليا تقريره ومتى ما صدر حكم من محكمة القضاء الإداري بصفتها الإستئنافية مخالفاً لما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا في مصر سواء عن قصد أو بهدف محاولة لإعادة النظر في ضوء المتغيرات المستجدة في الساحة الإدارية أو كان هذا التناقض دون قصد كالخطأ في تفسير القانون أو تأويله فإنه يكون قد خالف القضاء المستقر عليه للمحكمة الإدارية العليا (6).
وعلى أي حال نلاحظ بأن القضاء الإداري في مصر يكون على درجتين للنظر في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم التأديبية كمحكمة أول درجة وثاني درجة (استئنافية)، على غير الحال الذي يكون عليه القضاء الإداري في العراق وهنا نناشد مشرعنا العراقي على أن يحذو حذو المشرع المصري في جعل النظر في الأحكام الإدارية على درجتين ليكون للمدعي أكثر من فرصة للطعن بالأحكام القضائية أمام المحاكم الإدارية في مجلس الدولة.
أما في العراق فلم يعالج قانون مجلس الدولة رقم (65) لسنة 1979 المعدل أسباب الطعن التمييزي أمام المحكمة الإدارية العليا إلا أنه أشار في المادة( 7 / حادي عشر ) (7) على سريان أحكام قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل وقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل في شأن الإجراءات وبيان الأسباب القانونية التي تجيز بتوافرها الطعن تمييزاً بقرارات وأحكام المحاكم الإدارية، فضلاً عن إتباع الإجراءات فيما لم يرد فيه نص خاص في قانون مجلس الدولة (8). وجدير بالذكر أن المادة (1/249) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971المعدل حددت الأسباب القانونية للنظر في الطعون التمييزية الواقعة على قرارات محكمة قضاء الموظفين بشأن العقوبات الإنضباطية المفروضة عليهم وهي كما يأتي:
1 - إذا بني الحكم على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقة أو تأويله، ولقد اجمع الفقه والقضاء على أن مخالفة القانون فيما يتعلق بالأصول الجزائية تقع في ثلاث صور وهي مخالفة القانون عن طريق ترك العمل بنص قانوني لا يحتمل التأويل، والخطأ في تطبيق القانون عن طريق ترك العمل بنص قانوني لا ينطبق على الدعوى مما يؤدي إلى نتائج بعيدة عما قصدة المشرع وإعطاء النص الواجب تطبيقه معنى آخر غير معناه الذي قصدة المشرع (9).
2- إذا وقع خطأ جوهري في الإجراءات أو في تقدير الأدلة أو تقدير العقوبة وكان الخطأ مؤثراً في الحكم، بمعنى أن يكون الخطأ في القواعد الإجرائية التي تحافظ على المصلحة العامة أو مصلحة الموظف، أو خطأ في تقدير الأدلة من ذلك عدم اعتماد المحكمة على أدلة كافية لصدور الحكم كالوثائق والمستندات التي قدمها الموظف في دعواه، فضلاً عن الخطأ في تقدير العقوبة من خلال عدم تناسبها مع المخالفة المرتكبة من قبل الموظف (10).
وقد وردت أسباب الطعن التمييزي في نص المادة (203) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل والتي تُعد أساساً للطعن أمام المحكمة الإدارية العليا إذ لا قيمة قانونية للائحة التمييزية إذا كانت تخلو من الأسباب المبررة للطعن، ويكون مصير اللائحة الرد عند خلوها من هذه الاسباب (11) ، وقد قضت المحكمة الإدارية العليا في قرار لها مفاده ". وجد أن المميز (المدعي عليه) إضافة لوظيفته قدم طعناً تمييزياً بتاريخ 2016/8/25 بالقرار الصادر عن محكمة قضاء الموظفين بتاريخ 2016/8/14 في الدعوى رقم (151 /ج/ 2015) وإن عريضة الطعن جاءت خالية من أسباب الطعن سوى عبارة .... للأسباب التي تم تقديمها في لوائحنا ضمن المدة القانونية... وحيث أن الفقرة ثانياً من المادة (205) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل قضت بوجوب أن تشتمل عريضة الطعن على اوجه مخالفة الحكم المميز للقانون، وحيث أن المادة (210) من القانون المذكور آنفاً تنص على " بعد اكمال التدقيقات التمييزية تصدر المحكمة المختصة بنظر الطعن قرارها على أحد الوجوه التالية 1- رد عريضة التمييز إذا كانت مقدمة بعد مضي مدة التمييز أو كانت خالية من الأسباب التي بني عليها، وحيث أن الأسباب المذكورة في اللوائح سبق وقدمت من المميز أمام محكمة قضاء الموظفين اثناء نظرها في الدعوى وبالتالي لا تُعد الأسباب التي بُني عليها الطعن لأنها لا تتضمن أوجه مخالفة الحكم المميز للقانون لخلو عريضة الطعن بالتميز من بيان اسباب الطعن ... (12)، وأن أسباب الطعن التمييزي التي حددها قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969 المعدل نوردها كالاتي :
أولا: إذا كان الحكم قد بني على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقة أو عيب في تأويلة.
وتتحقق مخالفة القانون بتجاهل أو اغفال نص قانوني كان يجب على قاضي الموضوع تطبيقة أو قام بتطبيق نص قانون ملغي أو غير موجود (13)، فالأصل هنا هو وجود قاعدة قانونية أياً كان مصدرها وإن مخالفة هذه القاعدة يؤدي إلى نقض الحكم يجب أن ترد هذه المخالفة في منطوق الحكم فإذا جاء مخالفاً للقانون فلا يهم ما يرد في أسبابه من أخطاء قانونية طالما أن النتيجة واحدة وهي مخالفة القانون (14).
كما إن الخطأ في تطبيق القانون قد يقع متى تناقضت أسباب الحكم مع ما إنتهى إليه منطوقة، ويؤدي ذلك إلى بطلان الحكم (15)، وقد استقر الرأي فقهاً وقضاء على أن حالة الخطأ في تطبيق القانون تتحقق في أحوال التطبيق الخاطئ لنص القانون عند انزال حكم القاعدة القانونية على وقائع النزاع والتي تسمى بالتكييف القانوني (16) أما العيب في تأويل القانون فيحصل عند إعطاء القاعدة القانونية معنى آخر غير معناها الصحيح الذي أراده المشرع، عندما يسيء القاضي فهم نص قانوني غامض فيفسرة بالشكل الذي يخرجه عن روحة أو الحكمة من تشريعه (17)
ثانياً: إذا كان الحكم قد صدر على خلاف قواعد الإختصاص
من أسباب الطعن التمييزي أمام المحكمة الإدارية العليا هو مخالفة قواعد الإختصاص النوعي والوظيفي والتي تعد من النظام العام التي لا يجوز مخالفتها، بمعنى جواز الدفع بها في أي مرحلة من مراحل الدعوى فضلاً عن جواز إثارتها من المحكمة دون إشتراط تمسك الخصم بها، على خلاف قواعد الاختصاص المكاني والتي لا تُعد من النظام العام رغم جواز الطعن بها تمييزاً في الحكم المخالف لها أمام المحكمة الإدارية العليا (18)، من ذلك ما نصت به المادة (7 / رابعاً) من قانون مجلس الدولة العراقي رقم (65 لسنة 1979) المعدل على أنه: " تختص محكمة القضاء الإداري بالفصل في صحة الأوامر والقرارات الإدارية الفردية والتنظيمية التي تصدر عن الموظفين والهيئات في الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والقطاع العام التي لم يعين مرجع للطعن فيها .... (19).
وأشار البند (تاسعا / أ) من المادة المذكورة على أنه تختص محكمة قضاء الموظفين بالفصل في المسائل الآتية : 1- النظر في الدعاوى التي يقيمها الموظف على دوائر الدولة والقطاع العام في الحقوق الناشئة عن قانون الخدمة المدنية أو القوانين أو الانظمة التي تحكم العلاقة بين الموظف وبين الجهة التي يعمل فيها.2- النظر في الدعاوى التي يقيمها الموظف على دوائر الدولة والقطاع العام للطعن في العقوبات الانضباطية المنصوص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 (20) ، وقد أكد دستور جمهورية العراق لعام (2005) على قواعد الاختصاص للمحاكم الإدارية (21).
ونحن نرى أن هذه الفكرة نشأت نتيجة تعدد محاكم مجلس الدولة والذي يتوجب أن يتحدد إختصاص كل محكمة فيه، وأن يكون لكل محكمة نوع من القضايا التي تكون النزاعات فيها من اختصاصاها تختلف عن اختصاص الأخرى، وإن مخالفة قواعد الاختصاص تكون عندما تنظر محكمة القضاء الإداري في المسائل التي تختص محكمة قضاء الموظفين للنظر فيها، وهذا ما يسمى بالإختصاص النوعي كون لكل محكمة ولاية محددة لنظر نوع أو أكثر من الدعاوى تبعاً لطبيعتها لو لقيمتها، أما مخالفة الإختصاص الوظيفي هو بحث ما هو من اختصاص المحكمة وما هو خارج اختصاصها من منازعات، وأن يتم النظر من قبل قاض غير مختص بالمسائل الإدارية وإن هذهِ المخالفة يفترض أن يتم الدفع بها أثناء سير الدعوى دون الإنتظار الفصل في الحكم.
ثالثاً : إذا وقع في الإجراءات الأصولية التي أتبعت عند رؤية الدعوى خطأ موثر في صحة الحكم
وهي الأعمال التي يرتب القانون عليها مباشرة إنشاء أو تعديل أو إنهاء المرافعة كسابقة قانونية، والخطأ فيها هو إخلال بالقواعد التي أوجب القانون مراعاتها مثل التبليغ وتحرير محاضر المرافعات وقواعد السير في الدعوى الذي يترتب عليه بطلان هذه الإجراءات (22) فهي تُعدّ من المخالفات الجوهرية التي ارتكبتها المحكمة المصدرة للحكم في القواعد والإجراءات الأصولية التي نص عليها القانون لإتباعها عند إتخاذ الحكم، ويشترط أن تكون هذه المخالفة مؤثرة في الحكم الذي توصلت إليه المحكمة كتشكيل محكمة قضاء الموظفين برئاسة نائب الرئيس لشؤون القضاء الإداري، أو مستشار وعضوية ثلاثة من المستشارين بدلاً من اثنين فالحكم الذي يصدر يكون قابلاً للطعن فيه تمييزاً كونه مخالفاً للإجراءات والنظام العام (23) ، فضلاً عن عدم تسبيب الحكم القضائي ولزوم تنحي القاضي عند قيام أحد الأسباب الموجبة لذلك، أو القيام بإجراء بعد ختام المرافعة دون تبليغ بقية الطراف (24)،وان للخطأ في الإجراءات الأصولية أثر على صحة الحكم المطعون فيه إذ يرى الفقه إلى ضرورة تقسيم خطأ المحكمة على نوعين :
1- إذا شاب الحكم خطأ في الإجراء فإن هذا الخطأ لا يؤدي إلى بطلان الحكم إلا إذا كان مؤثراً في نتيجته وذلك تقليلاً للآثار السلبية لشكلية العمل الإجرائي.
2- إذا كان الحكم كعمل قانوني غير معيب ولكنه تضمن خطأ في التقدير فإنه ينتج آثاره القانونية ولكنها غير الآثار التي أرادها القانون وبالتالي ورغم صحة الحكم كعمل قانوني من الناحية الإجرائية إلا أنه غير مستوف للعدالة، مما يستلزم نقضه وإبطاله فضلاً عن أن سلطة محكمة الطعن في الموضوع مقيدة بالمسائل القانونية أما عن سلطتها في الإجراء فهي واسعة تشمل الواقع والقانون كونها تمثل محكمة الإجراءات الموضوعية (25).
ونحن نرى أن الخطأ في إجراءات اصدار الحكم القضائي من المخالفات الجوهرية التي يجب على المحكمة مراعاتها عند إصدار الأحكام لأنها عند السير في إجراءات الحكم إنما هي تطبق القانون في ذلك ولا يمكنها المساس بالقاعدة القانونية او الإخلال بها عند التطبيق.
رابعاً : إذا صدر حكم يناقض حكماً سابقاً صدر في الدعوى نفسها بين الخصوم أنفسهم أو من قام مقامهم وحاز درجة البتات
أشار قانون التعديل الخامس لقانون مجلس الدولة العراقي رقم (71) لسنة 2017 في المادة (2/ رابعا / ج/3) على اختصاص المحكمة الإدارية العليا بالنظر في التنازع الحاصل حول تنفيذ حكمين مكتسبين درجة البتات متناقضين صادرين عن محكمة القضاء الإداري أو محكمة قضاء الموظفين في موضوع واحد إذا كان بين الخصوم أنفسهم أو كان أحدهم طرفاً في هذين الحكمين وترجح أحد الحكمين وتقرر تنفيذه دون الحكم الآخر.
والسؤال الذي يطرح هنا ما هي العلة في جعل هذا التناقض هو أحد أسباب الطعن التمييزي؟ والجواب عن هذا السؤال هو لوجوب احترام القضاء لحكم سابق حاز درجة البنات ووضع حد للمنازعات من أجل استقرار المراكز القانونية للخصوم واستقرار المعاملات وعدم الإخلال بكرامة القضاء وأن القول بخلاف ذلك يؤدي إلى تأييد الدعوى وعدم استقرار الحقوق، كما أن الحكم الثاني إذا كان مشابهاً للحكم الذي سبقه فما الفائدة القانونية من إصدارة مرة أخرى؟ أو إذا قضى بخلاف ما قضى به سابقه فسيكون قد أنكر ما له من حُجية الشيء المقضي به(26)، فضلاً عن زعزعة الثقة في الأحكام القضائية الصادرة وبالتالي زعزعة الثقة في القضاء كاملاً.
وللمحكمة الإدارية العليا أن تقضي بإلغاء الحكم الذي جاء بخلاف الحكم الذي سبقه كونه أصبح حكماً قطعياً مكتسب حجية الشيء المقضي به حتى لو لم يدفع أمامها من قبل الخصوم كون هذا الدفع مرتبطاً بالنظام العام حيث يتصل بالتنظيم الهيكلي للنظام القضائي وهو أمر تقتضيه حسن سير العدالة (27).
إن قانون المرافعات المدنية نص في المادة (4/203) على إمكانية قيام الخصوم بالطعن في الحكم إذا صدر حكم يناقضة حائز على حجية الشيء المقضي به، والسؤال الذي يُثار حول مصير الحكم الذي يصدر في حال اختلف الخصوم في الدعوى هل يمنح المشرع لهم الحق في الطعن في الحكم المتناقض؟ وجوابنا عن هذا السؤال إن الدفع بهذا التناقض يعتبر من النظام العام وذلك لأنه يؤدي الى عدم استقرار الحقوق وتأبيد المنازعات بين الأطراف وإن اختلفوا، فضلاً عن أن بصدور حكم قضائي يكتسب حجية الشيء المقضي به ويتلوه حكم يناقضه يؤدي الى عدم استقرار القضاء وضرورة إقامة دعوى للطعن بالحكم اللحق لتناقضة مع الحكم الأول الحائز على حجية الشيء المقضي به ومخالفته للقانون.
خامساً: إذا وقع في الحكم خطأ جوهري
إن المشرع العراقي عدَّ هذا السبب من أسباب الطعن المهمة كون الخطأ الجوهري في الحكم هو ناتج عن خطأ في فهم الوقائع وإن هذا الخطأ يُعطي المجال للمحكمة الإدارية العليا بالبحث في وقائع الدعوى كاملة دون باقي الأسباب التي تقتصر على مراقبة مشروعية الحكم القضائي (28).
وعلى ذلك عُرف الخطأ الجوهري بأنه: (إغفال الفصل في موضوع من موضوعات الدعوى، وهو السهو أو الذهول الذي يقع فيه القاضي فيفوته أن يحكم في أحد طلبات المدعي التي طلبها بعريضة دعواه، أو ما يُلزم القانون القاضي بالحكم فيه) (29)، ومن التعريف يتبين لنا أن الخطأ الجوهري هو ما يعتري فهم القاضي من قصور سواء عن قصد أو بدون قصد أثناء النظر في موضوع النزاع مما يؤدي الى قصور في فهم وقائع الدعوى كاملة وعدم إعطاء المدعي حقه في دعواه وعلاوة على عدم إنصاف المدعي في الحكم فهو تصرف مخالف للقانون.
وبما إن القانون منح المحكمة الإدارية العليا إختصاص النظر تمييزاً في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري ومحكمة قضاء الموظفين، فإن إغفال هاتين المحكمتين الفصل في احدى الطلبات المقدمة اليها يجعل حكمها مشوباً بعيب الخطأ الجوهري ويكون محلاً للطعن فيه أمامها (30) ، ويُعد الخطاً جوهرياً إذا جاء الحكم في إحدى الصور الآتية:
1- الخطأ في فهم الوقائع
يمكن أن يكون الخطأ في تكييف وقائع الدعوى تكييفاً قانونياً سليماً وإن هذا التكييف عملية قانونية الخطأ فيها يُعَد خطا في تطبيق القانون ويبرر الطعن فيه بالتمييز مما يؤثر على الحكم ويؤدي إلى بطلانه (31)، إذ جاء في أحد أحكام المحكمة الإدارية العليا في العراق حكم مفاده ... أن محكمة قضاء الموظفين قد أخطأت في فهم الوقائع... فأنزلت عليها حكماً غير صحيح (32)، وممكن أن يكون الخطأ بالقصور في فهم الوقائع (33).
2- خطاً جوهري سابق للحكم
ويتمثل في الخطأ الذي يصدر عن المحكمة عند السير في الإجراءات التي اتبعتها عند نظر الدعوى في مراحل الخصومة القضائية أو الصفة أو المصلحة في الدعوى، ويُعد عيب أو خطأ مؤثر في صحة الحكم (34).
3- إغفال الفصل في جهة من جهات الدعوى
إن القاضي ملزم بالبت في الدفوع والطلبات المثبتة في عريضة الدعوى، فإن أغفل الفصل في أحدها عُدَّ ذلك خطاً جوهرياً (35)، إذ إنّ الأصل أن المدعي هو الذي يُحدد نطاق دعواه وطلباته أمام القاضي ولا تملك المحكمة أن تغفل عنها أو تتعداها من تلقاء نفسها وإذا اغفلت جهة من جهات الدعوى أو قضت بغير ما يطلبه المدعي فيُعد الحكم مشوب بعيب الخطأ الجوهري (36) ، إذ إنّ الطلبات المقدمة في الدعوى وما رافقها من مستندات ووثائق يُعد لها حجية السندات الرسمية لا يجوز استنتاج وقائع مخالفة لما جاء في الطلبات (37) مثال ذلك صدور حكم من محكمة قضاء الموظفين يقضي بقانونية إجازة الأمومة وصحتها دون الحكم بصرف رواتب الموظفة رغم طلبها بلائحة الدعوى (39).
4- الفصل في شيء لم يدع به الخصوم
ويتحقق هذا السبب عندما تقضي محكمة الموضوع قضاء إداري وقضاء موظفين- بأكثر أو أقل مما طلبة المدعي في عريضة دعواه، أو أن تقضي بما لم يطلبه أو يثيرة في تلك العريضة، كأن يطلب المدعي الحكم بإعادته للخدمة فتحكم المحكمة بإعادته للوظيفة وصرف رواتبة عن فترة إبعاده عن الوظيفة، لذا فالحكم بأكثر مما طلب المدعي يكون مبرراً لقبول المحكمة الطعن كون محكمة الموضوع قد أخطأت في الحكم جوهرياً (40)، وعلة ذلك أن القضاء مقيد بالحكم بما طلبة المدعي في دعواه نوعاً ومقداراً (41) ، فقد قضت المحكمة الإدارية العليا في العراق قراراً لها مفاده " يكون الحكم غير صحيح إذا فصل في غير موضوع الدعوى" (42).
ومن خلال البحث في الأسباب القانونية للطعن التمييزي في كل من مصر والعراق يتضح لنا بأن قانون مجلس الدولة المصري رقم (48) لسنة 1972 النافذ قد نص عليها صراحة بينما خلا قانون مجلس الدولة العراقي رقم (65) لسنة 1979 المعدل من بيانها، واكتفى بالنص على أسباب الطعن أمام المحاكم الإدارية القضاء الإداري وقضاء الموظفين في المادة ( خامساً)، فضلاً عن ذلك إختلاف درجات التقاضي في القضاء الإداري المصري عنه في العراقي كون المحاكم الإدارية في مصر تنظر بصفتها محكمة موضوع وصفة استئنافية فضلاً عن محكمة النقض (التمييز).
وعليه فإن الحكم القضائي إذا بُني على أسباب قانونية مشوبة بعيب من العيوب السابق ذكرها فيكون عرضة للطعن أمام المحكمة الإدارية العليا إذ إنّ اختصاصها مراقبة مشروعية الأسباب القانونية التي بني على أساسها الحكم القضائي والحكم عليه برد الطعن أو المصادقة عليه وتمييزه .....
______________
1- عثمان سلمان غيلان العبودي مهارات إعداد الطعون التمييزية أمام المحكمة الإدارية العليا، ط1، دار المسلة للطباعة والنشر، بغداد، 2023، ص 30.
2- حسين طلال مال الله العزاوي : الرقابة التمييزية للمحكمة الإدارية العليا في العراق - دراسة مقارنة أطروحة دكتوراه، كلية القانون والعلوم السياسية، جامعة كركوك، 2020، ص 96 .
3- د. محمد احمد ابراهيم المسلماني: الإجراءات الإدارية أمام مجلس الدولة دراسة مقارنة، ط1، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2017 ، ص 155.
4- المادة (23) من قانون مجلس الدولة المصري رقم 47 لسنة 1972 النافذ التي نصت على أنه يجوز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم التأديبية...".
5- د. محمد احمد ابراهيم المسلماني: الإجراءات الإدارية أمام مجلس الدولة دراسة مقارنة، ط1، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2017 ، ص 155-156.
6- محمد احمد ابراهيم المسلماني: الإجراءات الإدارية أمام مجلس الدولة دراسة مقارنة، ط1، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2017 ص 160.
7- المادة (7/ حادي عشر) من قانون مجلس الدولة العراقي رقم 65 لسنة 1979 المعدل والتي نصت على أنه: تسري أحكام قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 وقانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 وقانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 وقانون الرسوم العدلية رقم 114 لسنة 1981 المعدل في شان الاجراءات التي تتبعها المحكمة الادارية العليا ومحكمة القضاء الاداري ومحكمة قضاء الموظفين فيما لم يرد فيه نص خاص في هذا القانون".
8- سهى زكي نوري عياش إجراءات الطعن بأحكام محكمة قضاء الموظفين - دراسة في العقوبات الإنضباطية في العراق، بحث منشور في مجلة جامعة الكوفة، العدد 41 ، 2018 ، ص 253 - 254 . ينظر في السياق ذاته د عثمان سلمان غيلان العبودي مهارات اعداد الطعون التمييزية أمام المحكمة الإدارية العليا، مصدر سابق، ص 31.
9- د. محمد علي السالم الحلبي: الوجيز في أصول المحاكمات الجزائية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2009، ص 412 . نقلاً عن سهى زكي نوري عياش إجراءات الطعن بأحكام محكمة قضاء الموظفين - دراسة في العقوبات الإنضباطية في العراق، بحث منشور في مجلة جامعة الكوفة، العدد 41 ، 2018 ، ص 254.
10- د. د. عبد الأمير العكيلي و د. سليم ابراهيم حربة : شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، ج 2، مكتبة السنهوري، بغداد، 2009، ص 217.
11- د. عثمان سلمان غيلان العبودي مهارات اعداد الطعون التمييزية أمام المحكمة الإدارية العليا، مصدر سابق، ص31.
12- قرار المحكمة الإدارية العليا في العراق رقم (78/ قضاء الموظفين /2017) في 2017/5/9 ، قرارات مجلس الدولة وفتاواه لعام 2017 ، ص332 .
13- د. عامر زغير محيسن اختصاص المحكمة الإدارية العليا بالنظر تمييزا في أحكام القضاء الإداري في العراق، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية والسياسية، جامعة كركوك، المجلد 4 ، العدد 15، 2015، ص 130.
14- د. ميسون علي عبد الهادي الحسناوي: التنظيم القانوني للمحكمة الإدارية العليا في العراق – دراسة مقارنة دار الكتاب للطباعة والنشر و التوزيع بغداد 2012 ، ص 176 - 177.
15- د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة المرافعات الإدارية والاثبات أمام القضاء الإداري، مصدر سابق، ص 114-115.
16- ضياء شيت خطاب: سلطة القاضي في تكييف وقائع الدعوى، بحث منشور في مجلة القضاء العراقية، العدد 4 ، 1982، ص 14- 19. ينظر في السياق ذاته نبيل اسماعيل عمر : النظرية العامة للطعن بالنقض، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1980، ص 167
17- حسين طلال مال الله العزاوي : الرقابة التمييزية للمحكمة الإدارية العليا في العراق - دراسة مقارنة أطروحة دكتوراه، كلية القانون والعلوم السياسية، جامعة كركوك، 2020 ، ص 110.
18- د. مهدي حمدي مهدي الزهيري، هند عبد الأمير حميد وعمر حمدي مهدي الطعن تمييزاً أمام المحكمة الإدارية العليا في العراق، بحث منشور في المؤتمر الدولي الرابع للقضايا القانونية لجامعة تيشك الدولية أربيل، 2019، ص 397.
19- المادة (7 / رابعاً) من قانون مجلس الدولة العراقي رقم 65 لسنة 1979 المعدل.
20- المادة (7/ تاسعاً /أ) من القانون آنف الكر.
21- المادة (101) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 والتي نصت على أنه: "يجوز بقانون انشاء مجلس دولة، يختص بوظائف القضاء الاداري، والافتاء والصياغة، وتمثيل الدولة، وسائر الهيئات العامة أمام جهات القضاء ، الا ما استثني منها بقانون".
22- حسين طلال مال الله العزاوي : الرقابة التمييزية للمحكمة الإدارية العليا في العراق - دراسة مقارنة أطروحة دكتوراه، كلية القانون والعلوم السياسية، جامعة كركوك، 2020 ، ص 140.
23- فرح جهاد عبد السلام الطعن تمييزاً بأحكام القضاء الإداري في العراق الطعن تمييزاً بأحكام القضاء الإداري في العراق، رسالة ماجستير، كلية القانون الجامعة المستنصرية، 2014 ، ص 42.
24- د. عامر زغير محيسن اختصاص المحكمة الإدارية العليا بالنظر تمييزا في أحكام القضاء الإداري في العراق، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية والسياسية، جامعة كركوك، المجلد 4 ، العدد 15، 2015 ، ص 133.
25- د. فتحي والي: الوسيط في قانون القضاء المدني، دار النهضة العربية، القاهرة، 1978 ، ص 635 . ينظر في السياق ذاته حسين طلال مال الله العزاوي مصدر سابق، ص 148 ينظر كذلك د. عثمان سلمان غيلان العبودي مهارات إعداد الطعون التمييزية أمام المحكمة الإدارية العليا، ط1، دار المسلة للطباعة والنشر، بغداد، 2023، ص 55
26- حسین طلال مال الله العزاوي مصدر سابق، ص 150-151.
27- د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة المرافعات الإدارية والإثبات أمام القضاء الإداري، ط 1 ، المركز القومي للإصدارات القانونية، مصر، 2008، ص 220.
28- فرح جهاد عبد السلام الطعن تمييزاً بأحكام القضاء الإداري في العراق الطعن تمييزاً بأحكام القضاء الإداري في العراق، رسالة ماجستير، كلية القانون الجامعة المستنصرية، 2014، ص 45.
29- د. عثمان سلمان غيلان العبودي مهارات اعداد الطعون التمييزية أمام المحكمة الإدارية العليا، مصدر سابق، ص 63.
30- د. ميسون علي عبد الهادي الحسناوي: مصدر سابق، ص 207. ينظر في السياق ذاته المادة (2 / رابعا / ب) من قانون مجلس الدولة العراقي التي نصت على انه تمارس المحكمة الإدارية العليا الإختصاصات التي تمارسها محكمة التمييز الإتحادية المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 عند النظر في الطعن بقرارات محكمة القضاء الإداري ومحكمة قضاء الموظفين".
31- حسین طلال مال الله العزاوي : مصدر سابق، ص 158.
32- قرار المحكمة الإدارية العليا في العراق رقم (157 / قضاء موظفين / تمييز ، 2015)، نقلاً عن د. عامر زغير محيسن/ مصدر سابق، ص 135.
33- د. مهدي حمدي مهدي الزهيري، هند عبد الأمير حميد وعمر حمدي مهدي الطعن تمييزاً أمام المحكمة الإدارية العليا في العراق، بحث منشور في المؤتمر الدولي الرابع للقضايا القانونية لجامعة تيشك الدولية أربيل، 2019، ص 398.
34- د. عثمان سلمان غيلان العبودي مهارات اعداد الطعون التمييزية أمام المحكمة الإدارية العليا المصدر سابق، ص 60.
35- د. مهدي حمدي مهدي، هند عبد الأمير حميد وعمر مهدي حمدي المصدر سابق، ص 398.
37- حسین طلال مال الله العزاوي: المصدر سابق، ص 160.
38- عثمان سلمان غيلان العبودي مهارات اعداد الطعون التمييزية أمام المحكمة الإدارية العليا المصدر السابق، ص 64. ينظر في السياق ذاته المادة (21/(اولاً) من قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 التي نصت على انه: " السندات الرسمية، هي التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة طبقا للأوضاع القانونية وفي حدود اختصاصه ما تم على يديه أو ما ادلى به ذوو الشأن في حضوره..... والمادة (22) اولاً) من القانون نفسة التي نصت على السندات الرسمية حجة على الناس بما دون فيها من امور قام بها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة في حدود اختصاصه أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانونا .......
39- حسین طلال مال الله العزاوي : مصدر السابق، ص 161.
40- د. عثمان سلمان غيلان العبودي: مهارات اعداد الطعون التمييزية أمام المحكمة الإدارية العليا المصدر سابق، ص 65.
41- حسین طلال مال الله العزاوي : المصدر السابق، ص 163.
42- قرار المحكمة الإدارية العليا في العراق رقم (2304/ قضاء موظفين / تمييز )2019 في 2019/6/18. قرارات مجلس الدولة وفتاواه لعام 2019: مجلس الدولة العراقي، مطبعة الوقف، بغداد، 2020، ص 491-492.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يقيم دورة تطويرية لمدرسي التربية الإسلامية في كربلاء
|
|
|