أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-3-2018
1127
التاريخ: 4-08-2015
13320
التاريخ: 5-3-2019
1580
التاريخ: 29-3-2017
2991
|
[كلام المصنف]
(نعتقد ان الله تعالى لما منحنا قوة التفكير ووهب لنا العقل أمرنا أن نتفكر في خلقه وننظر بالتأمل في آثار صنعه، ونتدبر في حكمته واتقان تدبيره في آياته في الآفاق وفي أنفسنا، قال تعالى: " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " فصلت: 53.
وقد ذم المقلدين لآبائهم بقوله تعالى: " قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا " البقرة: 170. كما ذم من يتبع ظنونه ورجمه بالغيب فقال: " إن يتبعون الا الظن " الأنعام: 116 و 148 ويونس: 66 والنجم: 23.
وفي الحقيقة أن الذي نعتقده أن عقولنا هي التي فرضت علينا النظر في الخلق ومعرفة خالق الكون، كما فرضت علينا النظر في دعوى من يدعي النبوة وفي معجزته ).
[كلام الشارح]
لا يقال: إن العقلاء كثيرا ما يتحملون الضرر لدواع مختلفة فكبرى القياس ممنوعة، لأنا نقول: إن ما يتحمله العقلاء في أمورهم هو الحقير من الضرر أو الضرر المنجبر بفائدة مهمة لا الخطير والكثير منه، لا سيما ما فيه ضرر النفس وهلاكها، والضرر الأخروي على تقدير ثبوته ضرر خطير، فاحتماله يوجب لزوم دفعه وإن كان الاحتمال ضعيفا، لأن المحتمل قوي وخطير.
والشاهد عليه هو استحقاق المذمة على عدم دفعه.
ثم لا يخفى عليك أنه لا منافاة بين كون لزوم دفع الضرر عقليا وبين كون الدفع المذكور جبليا أيضا لكل ذي شعور، لإمكان اجتماعهما.
وإما هو وجوب شكر المنعم، بتقريب أن مع ترك طلب المعرفة يحتمل ترك شكر المنعم وتضييع حقه على تقدير وجوده وحيث إن تضييع حق المنعم قبيح وشكره واجب، فطلب المعرفة واجب حتى لا يلزم تضييع حقه على تقدير وجوده.
لا يقال: إن كبرى وجوب شكر المنعم لا تدل على وجوب شكر المنعم ما لم تحرز المنعمية والمفروض أن المقام قبل الفحص عن الدليل كذلك، إذ لم تثبت الخالقية والمنعمية.
لأنا نقول: لا مجال للبراءة العقلية قبل الفحص والنظر في الواجبات العقلية، بل اللازم هو الفحص والنظر عن موضوعها وإلا لزم ترك الواجبات العقلية من دون عذر ومن الواضح أنه قبيح.
ثم لا يخفى عليك، أن الوجه الثاني لا يرجع إلى الوجه الأول، بل هو وجه آخر لأن ملاك الحكم في الثاني هو ملاحظة حق المولى فيمنع العقل عن تضييع حقه بترك شكره ويحكم بوجوب شكره، بخلاف الوجه الأول، فإن ملاك الحكم فيه هو ملاحظة جانب العبد لئلا يقع في الضرر والتهلكة بسبب ترك المعرفة، فافهم.
ثم إنه قد استدل لوجوب طلب المعرفة بأن المعرفة مما اقتضتها الفطرة إذ من الفطريات فطرة طلب الحقايق وكشفها.
ويمكن أن يقال: إن مجرد كون الشئ فطريا لا يستلزم الايجاب والالزام بخلاف الحكم العقلي، فإنه وإن كان إدراكا لضرورة المعرفة بأحد الوجوه المذكورة إلا أن الضرورة المدركة بالدرك العقلي تدعو الإنسان نحو تحصيل المعرفة بحيث لو تخلف عنه لاستحق المذمة. نعم، يصلح هذا الوجه لتأييد ما ذكر ولنفي ما توهمه الملحدون من انبعاث الفكر الديني عن العوامل الوهمية.
ثم إن وجوب دفع الضرر المحتمل أو وجوب شكر المنعم كما يدلان على وجوب طلب المعرفة وتحصيلها، كذلك يدلان على وجوب التصديق بعد المعرفة والتدين به، إذ بدون التدين والتصديق لا يحصل الايمان ومع عدم حصوله يبقى احتمال الضرر الأخروي وتضييع حق المولى المنعم إن لم نقل بأنه مستلزم للعلم بالضرر الأخروي وتضييع حقه.
ولذا ذم سبحانه وتعالى من أيقن ولم يؤمن بما أيقن به " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا " النمل: 14، كما صرح به المحقق الخراساني في تعليقته على فرائد الأصول (1).
ثم بعد ما عرفت من وجوب المعرفة والتصديق والتدين فاعلم أن النظر والفحص والتحقيق واجب من باب المقدمة إذ الواجبات المذكورة لا تحصل بدون ذلك، فليس لأحد أن لا ينظر إلى نفسه أو إلى الآفاق لتحصيل معرفة الخالق أو أن لا يسمع دعوى من يدعي النبوة والإمامة ولا يتفحص عن معجزته .
ثم لا يخفى عليك، أن للتحقيق والنظر مراتب مختلفة من الإجمال والتفصيل،
أدناها ما يرتفع به احتمال الضرر أو تضييع حق المولى المنعم وهو واجب على العموم وما زاد عنه مستحب، ما لم يدل دليل على وجوبه كما إذا توقف إزالة شبهات المبطلين وحفظ الدين عليه، فيجب على الخواص أن يزيدوا في المراتب حتى يتمكن لهم ذلك.
ويتحقق الواجب من المعرفة بتحصيل العلم مطلقا سواء كان من الدليل الفلسفي أو الكلامي أو العقلائي أو غير ذلك من الطرق إلا إذا ورد النهي عن سلوك طريق خاص، فلا مدفع للضرر المحتمل.
فالأولى هو الاقتصار على المحكمات من البراهين والأدلة حتى يدفع احتمال الضرر ويحصل شكر المولى المنعم.
وأما المعرفة الحسية والتجربية التي تسمى عند الغريبين بالعلم التجربي، فلا يجوز الاكتفاء بها في المسائل الاعتقادية، فان العلم التجربي لا يكشف إلا عما يمكن تجربته وإحساسه، فما لا يكون كذلك كوجود الله تعالى وصفاته والمعاد وغيرهما من الأمور الغيبة التي لا يمكن إحساسها وتجربتها خارج عن حيطة التجربة والإحساس فلا يكشف وجوده أو عدمه بالعلم التجربي.
فإنكار الملحدين للمبدأ والمعاد بدليل أنهما لا يكونان قابلين للتجربة، إنكار بلا دليل ومكابرة واقتصارهم على العلم التجربي يستلزم ترك الواجبات العقلية التي منها وجوب دفع الضرر المحتمل.
وأما المعرفة التعبدية كإثبات الصانع بقول الصانع أو بقول النبي المدعي أنه مرسل من ناحية الصانع فلا يجوز الاكتفاء بها، للزوم الدور.
نعم يمكن الاكتفاء بها في جملة من العقائد بعد إثبات المبدأ والنبوة بالدليل العقلي، كالمعاد وغيره.
وأما الاكتفاء بطريقة الكشف والشهود والعرفان، في غير ما اقتضته الفطرة فحيث إن هذه الطريقة لا تخلو عن الخطأ والاشتباه فلا يجوز بدون ضميمة النظر والاستدلال كما لا يخفى (2).
نعم من نظر واستدل واهتدى إلى الطريق المستقيم أمكن له الكشف والشهود بالاجتهاد في العبادة ومراحل الإخلاص فلا تغفل.
ثم إنه هل يتحقق الواجب المذكور بتحصيل العلم ولو من التقليد أم لا يكفي إلا ما يكون مستندا إلى الدليل؟ ذهب العلامة (3) والحكيم المتأله المولى محمد مهدي النراقي وغيرهما إلى لزوم كون المعرفة عن دليل فلا يكفي العلم الحاصل من التقليد (4).
وأورد عليه المحقق الخوانساري بأن من حصل له العلم من التقليد محكوم بالإسلام وإن عصى في ترك تحصيل المعرفة من الدليل (5) وظاهره لزوم كون التحصيل من الدليل، لكن لو عصى كفى في كونه محكوما بالإسلام.
وأنكر الشيخ الأعظم الأنصاري - قدس سره - لزوم كونه من الدليل، بل قال ما حاصله: إن مقصود المجمعين هو وجوب معرفة الله لا اعتبار أن تكون المعرفة حاصلة عن النظر والاستدلال كما هو المصرح به عن بعض والمحكي عن آخرين باعتبار العلم ولو حصل من التقليد (6).
فالأقوى كما ذهب إليه الشيخ - قدس سره - هو كفاية الجزم ولو حصل من التقليد فلا دليل على لزوم الزائد عليه.
ثم لا يخفى أن المخاطب بوجوب تحصيل المعرفة هو الذي لم يعلم بالمبدأ والمعاد وأما الذين عرفوهما ولو بأدنى مرتبة المعرفة كالموحدين والمؤمنين فلا يكونون من المخاطبين بهذا الوجوب، لأن طلب المعرفة منهم تحصيل الحاصل، والمعرفة الزائدة ليست بواجبة على كل أحد. وإن أمكن القول بوجوبها على بعض كالطلاب دفعا للشبهات الواردة من ناحية المنكرين والملحدين، فلا تغفل.
[كلام المصنف]
(ولا يصح عندنا تقليد الغير في ذلك مهما كان ذلك الغير منزلة وخطرا ).
[كلام الشارح]
فإنه مع التقليد - ما لم يوجب العلم - يبقى احتمال الخطأ ومعه لا يكون معذورا فيما إذا لم يصادف ما أخذه بالتقليد مع الواقع فما يكون علة لوجوب المعرفة من وجوب دفع الضرر المحتمل أو وجوب شكر المنعم باق بحاله، ويدعوه نحو تحصيل المعرفة، لعدم حصول المعرفة المطلوبة بالتقليد المذكور.
ولذا صرح أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف بأن اتباع الجل مع اختلافهم في الأقوال والآراء محال، للتنافي ما بينهم، واطراح الجل يقتضي كونه على ما كان عليه من الخوف، واتباع البعض عن تقليد لا يرفع خوفه مما أطرحه من المذاهب لتجويز كونه حقا ولا يقتضي سكونه إلى ما ذهب إليه لتجويز كونه باطلا، فلم يبق لتحرزه من الضرر المخوف إلا النظر المميز للحق من الباطل فوجب فعله، لكونه تحرزا من ضرر (7).
ولا ينافي ذلك ما مر من كفاية حصول العلم بالتقليد فإن التقليد المبحوث عنه في المقام هو الذي لا يوجب العلم.
[كلام المصنف]
(وما جاء في القرآن الكريم من الحث على التفكير واتباع العلم والمعرفة فإنما جاء مقررا لهذه الحرية الفطرية في العقول التي تطابقت عليها آراء العقلاء وجاء منبها للنفوس على ما جبلت عليها من الاستعداد للمعرفة والتفكير، ومفتحا للأذهان وموجها لها على ما تقتضيه طبيعة العقول. فلا يصح - والحال هذه - أن يهمل الإنسان نفسه في الأمور الاعتقادية أو يتكل على تقليد المربين أو أي أشخاص آخرين، بل يجب عليه بحسب الفطرة العقلية المؤيدة بالنصوص القرآنية أن يفحص ويتأمل وينظر).
[كلام الشارح]
ولا يخفى أن المصنف أضاف في هامش الكتاب ما هو بلفظه " إنه ليس كل ما ذكر في هذه الرسالة هو من أصول الاعتقادات فإن كثيرا من الاعتقادات المذكورة كالقضاء والقدر والرجعة وغيرها لا يجب فيها الاعتقاد ولا النظر ويجوز الرجوع فيها إلى الغير المعلوم صحة قوله كالأنبياء والأئمة، وكثير من الاعتقادات من هذا القبيل، كان اعتقادنا فيها مستندا إلى ما هو المأثور عن أئمتنا من صحيح الأثر القطعي ".
حاصله: هو التفصيل بين أصول الاعتقادات بمعنى أساسها وبين غيرها بكفاية الأدلة السمعية في الطائفة الثانية دون الأولى من التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد.
وفيه أولا: أن في غير إثبات التوحيد والعدل والنبوة كالإمامة والمعاد يمكن الاكتفاء بالأدلة السمعية القطعية وإن كان لهما أدلة عقلية أيضا فإنه بعد إثبات المبدأ والنبوة يكون قول النبي في الإمامة والمعاد كافيا ومفيدا للعلم والجزم، ويمكن الاعتقاد به ولا حاجة إلى إقامة الأدلة العقلية، نعم الاستدلال بالأدلة العقلية في مثلهما يوجب قوة واشتدادا.
وثانيا: إن نفي وجوب الاعتقاد في الطائفة الثانية بمجرد جواز الرجوع فيها إلى الأدلة السمعية محل إشكال، بل منع، لأن جواز تحصيل المعرفة من الأدلة الشرعية لا ينافي وجوب الاعتقاد بما يستفاد منها بعد فرض حصول القطع به.
ولذلك صرح بعض الفحول بوجوب التدين بكل ما علم ثبوته من الدين ولو لم يكن من ضرورياته معللا ببداهة مساوقة ذلك للإيمان بالنبي صلى الله عليه وآله (8).
ثم لو لم يستقل العقل بوجوب معرفة شئ، ولم يدل على وجوبها شرعا أيضا، فمقتضى البراءة العقلية هو عدم وجوب المعرفة، ولذا ذهب بعض الفحول إلى عدم وجوب المعرفة ببعض تفاصيل الحشر والنشر، وبقية الكلام في محله.
[كلام المصنف]
(ويتدبر في أصول اعتقاداته المسماة بأصول الدين التي أهمها التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد ومن قلد آباءه أو نحوهم في اعتقاد هذه الأصول فقد ارتكب شططا وزاغ عن الصراط المستقيم ولا يكون معذورا أبدا) .
[كلام الشارح]
وفيه أن اختصاص الأصول الاعتقادية بالأربعة دون الخمسة خلاف ما ذهب إليه المشهور من الإمامية والأحسن اتباع المشهور، وإن كان العدل من الصفات الفعلية ويشمله لفظ التوحيد في اصطلاح علم العقائد كما يشمل سائر الصفات، ولذا لم يذكروا البحث عن الصفات على حدة.
وذلك لأن مسألة العدل من المسائل المهمة التي انفردت الأشاعرة فيها عن العدلية القائلة بعدل الله تعالى فالمناسب هو افراده عن الصفات من جهة أهميته كما فعله المشهور.
[كلام المصنف]
(وبالاختصار عندنا هنا ادعاءان: الأول: وجوب النظر والمعرفة في أصول العقائد ولا يجوز تقليد الغير فيها. الثاني: أن هذا وجوب عقلي قبل أن يكون وجوبا شرعيا، أي لا يستقي علمه من النصوص الدينية وإن كان يصح أن يكون مؤيدا بها بعد دلالة العقل).
[كلام الشارح]
والأولى هو الإشارة إلى وجوه دلالة العقل وقد عرفت الإشارة إليها في التعاليق السابقة.
[كلام المصنف]
(وليس معنى الوجوب العقلي، إلا ادراك العقل لضرورة المعرفة ولزوم التفكير والاجتهاد في أصول الاعتقادات).
[كلام الشارح]
وذلك لأن شأن العقل ليس إلا إدراك الكليات فالأمر والنهي هو من النفس في مقام النيل إلى ما أدركه العقل بالادراك الكلي، وقد صرح المصنف - قدس سره - به في الأصول حيث قال: " ومعنى حكم العقل - على هذا - ليس إلا إدراك أن الشئ مما ينبغي أن يفعل أو يترك وليس للعقل إنشاء بعث وزجر ولا أمر ونهي إلا بمعنى أن هذا الادراك يدعو العقل إلى العمل أي يكون سببا لحدوث الإرادة في نفسه للعمل وفعل ما ينبغي " (9).
_______________________
(1) ص: 104.
(2) راجع قواعد المرام: ص 30 وغيره من الكتب.
(3) راجع الباب الحادي عشر.
(4) أنيس الموحدين: ص 39.
(5) راجع مبدأ ومعاد: ص 11.
(6) راجع فرائد الأصول: ص 169 و 175.
(7) تقريب المعارف: ص 34.
(8) راجع تعليقة المحقق الخراساني على فرائد الأصول: ص 104.
(9) راجع أصول الفقه: ج 1 ص 222، وتعليقة المحقق الأصفهاني - قدس سره - على الكفاية: ج 2 ص 124، ومبحث حجية الظن وفلسفة الأخلاق: ص 40، وگوهر مراد: ص 246.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد السابع من مجلة نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) بثلاث لغات
|
|
|