أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-3-2018
1650
التاريخ: 31-3-2018
1085
التاريخ: 23-1-2017
1107
التاريخ: 2-07-2015
1014
|
معرفة اللّه تعالى واجبة على كلّ مكلّف، لأنّها دافعة للضّرر، وكلّما كان دافعا للضّرر فهو واجب.
أمّا أنّها دافعة للضّرر؛ فلأنّ المكلّف إذا نظر في نفسه وجد عليه منافع من الوجود والحياة والشّهوة والحواس، ويعلم أنّها ليست من نفسه، بل من غيره.
فيقول: هذه المنافع الّتي حصلت لي من الغير لا تخلو: إمّا أن يكون الموصل لها إليّ قصد بها النّفع أو الضّرر؛ فإن قصد النّفع فيكون منعما عليّ، وشكر المنعم واجب بالضّرورة فيجب عليّ معرفته لأشكره، لأنّ شكر المنعم واجب بضرورة العقل، ولا أشكره إلّا بعد معرفته، لأنّ الشّكر إنّما يكون شكرا إذا وقع على وجه يليق بالمشكور، ولو لم يعرفه، لجاز أن لا يليق به فلا يكون شكرا، واذا لم يشكره جوّز حصول الضّرر بتركه الشّكر.
وإن كان الموصل لها قاصدا للضّرر فيجب عليّ أن أعرفه، لأحترز من ضرره، لأنّه ما لم أعرفه لا يمكن الاحتراز من ضرره، فيجب عليّ أن أعرف فاعل هذه المنافع: إمّا لأشكره، أو لأحترز من ضرره، لأنّ الاحتراز من الضّرر واجب أيضا بضرورة العقل.
وأمّا أنّ كلّما كان دافعا للضّرر فهو واجب؛ فلأنّه ضروريّ، فثبت وجوب المعرفة، فيجب على المكلّف أن يعرف أنّ له صانعا أوجده.
والطّريق إلى معرفته: النّظر، الّذي هو الفكر، وهو عبارة عن ترتيب أمور ذهنيّة يتوصّل بها إلى معرفة شيء آخر.
فقولنا: ترتيب، هو عبارة عن جعل أشياء بحيث يكون لبعضها إلى بعض نسبة بالتّقدّم والتّأخّر. وقولنا: أمور ذهنيّة، حتّى يخرج عنه ترتيب الامور الخارجيّة، مثل:
ترتيب الأجسام على ما ذكر. وقولنا: ذهنيّة ليعمّ المعلومة والمظنونة.
وإنّما قلنا: انّ الطّريق إلى معرفة اللّه تعالى النّظر، لأنّ الطّريق الّتي يتوصّل بها إلى معرفة الأشياء أربعة: إمّا ضرورة، أو خبر، أو حسّ، أو نظر، وكلّ من الثّلاثة الاوّل لا يصلح أن يكون طريقا إلى المعرفة، فتعيّن الرّابع.
أمّا أنّه تعالى لا يكون معلوما بالضّرورة؛ فلوجهين:
الأوّل: انّ الحكم المعلوم بالضّرورة من شأنه أنّ العاقل إذا تصوّر طرفيه جزم بالحكم من غير توقّف ولا طلب دليل، وليس كذلك العلم به تعالى، وإلّا لما طلب الدّليل على ذلك.
الثّاني: انّ من شأن المعلوم بالضّرورة اتّفاق العقلاء فيه، وقد وقع الخلاف بينهم فيه تعالى، فإنّ طائفة من النّاس نفوا الصّانع [1] ؛ كما حكى اللّه تعالى [عنهم في قوله تعالى] : {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ } [الجاثية: 24] .
وباقي العقلاء أثبتوا الصّانع، ثمّ اختلفوا فيه؛ فمنهم من اعتقد كونه جسما، ومنهم من اعتقد كونه ليس بجسم.
والّذين نفوا عنه الجسميّة؛ منهم من اعتقد أنّ له صفات زائدة على ذاته، قديمة كقدمه؛ ومنهم من نفى عنه ذلك، وقال: إنّ صفاته غير زائدة على ذاته؛ فلا يكون معلوما بالضّرورة.
وأمّا أنّه لا يكون معلوما بالحسّ أو الخبر؛ فلأنّ كلّ واحد منهما إنّما يكون طريقا إلى العلم بالمحسوسات، والباري تعالى ليس بمحسوس- لما يأتي- فلم يبق إلّا أن يكون الطّريق إلى معرفته النّظر.
وإذا كانت معرفة اللّه تعالى واجبة وهي لا تتمّ إلّا بالنّظر، فيكون النّظر واجبا، لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب، فثبت وجوب النّظر عقلا على كلّ مكلّف.
________________
[1] وهم: الكفرة والملاحدة.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|