أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-29
807
التاريخ: 2023-11-14
948
التاريخ: 2023-10-27
960
التاريخ: 2023-10-27
924
|
اخذ مفهوم الدولة، منذ بداية عصر النهضة يتوطد ويترسخ عملياً استجابة للظروف والمتغيرات الاساسية التي طرأت على هذا العصر، وذلك على قاعدة رسوخ الحكم الملكي وانهيار الارستقراطية الاقطاعية. وكانت المؤسسات الملكية، إذا صح التعبير، تعمل على ارساء قواعد هذا التغيير، خاصة في كل من فرنسا وانكلترا واسبانيا. وكانت المجالس الاستشارية التي انشأها الملوك تلعب دوراً عظيماً في هذا الشأن. وقد ادت الحروب المستمرة في اوروبا الى قيام الجيوش الملكية التي اصبحت انتصاراتها وهزائمها العسكرية فيما بعد صورة حية ومعبرة عن النصر او الهزيمة (القومية) في اوضح معانيها. كما اصبحت واردات الدولة من املاكها التي اخذت تستغلها وتصونها والضرائب المفروضة هي القاعدة الاقتصادية الاساسية للميزانية التي على اساسها اخذت المشاريع العامة تحظى بقبول لا نظير له عند العامة. وقد اخذ الناس يشعرون بقبضة الدولة القوية ليس من خلال الصلاحيات التي كانت تعطى لمجلس الخزينة ومدققي الحسابات الذين كانوا يطلبون من الجباة الحسابات الدقيقة فحسب، بل من عدالة الدولة المتمثلة في قضائها ومجالسها التمثيلية المتعددة.
وهكذا خيمت سطوة الدولة على كل رعاياها بمن فيهم النبلاء أنفسهم الذين أودت بسيطرتهم النزاعات القومية كحرب المائة عام (1) والنزاعات المحلية (كحرب الوردتين في إنكلترا) والتغيرات الاقتصادية الهائلة التي عرفتها القارة منذ اوائل القرن السادس عشر. اما الأكليروس فقد اضحى بعد حركة الاصلاح الديني اداة مشلولة بيد البابوية بالنسبة لهيمنة السلطة الزمنية، كما ان سلطة الملوك لم تتوطد فعلياً في اوروبا في هذا الوقت إلا بعد ان نجحت في فرض هيبتها على المدن التي كانت تتمتع ببعض الامتيازات وخاصة مدن الاراضي المنخفضة التابعة لبورغونيا.
لقد تطلعت اذن جميع الملكيات الأوروبية منذ مطالع عصر النهضة نحو الحكم المطلق أو الاستبدادي. ولتحقيق ذلك كان لا بد للملك ان يجسد في شخصه المثل الوطنية وان يتمتع بجميع مؤهلات السلطة العليا ومقوماتها وصلاحياتها كحق التشريع وسن القوانين وحق اقامة العدل : واشاعته بين الناس، وفرض الضرائب وجبايتها وتجييش الجيوش وتكتيب الكتائب الحربية، وتعيين الموظفين وانزال القصاص الصارم بمن يتطاولون على المصلحة العامة، ولا سيما من يتعرض منهم للسلطة الملكية وذلك بفضل ما يتمتع به من ولاية وصلاحية صادرتين عن سلطانه لقاض اعلى « وقد جاءت فكرة الملكية المطلقة ترفد دون ان تمسها او تنتقص منها بشيء ، مفهوم المواثيق والاعراف التي تحدد الروابط التي شدت اصحاب الاقطاعات ورعاياهم إلى الملك ) (2).
هل تحققت عند ملوك اوروبا فعلاً هذه الصفات حتى استطاعوا ان يمتلكوا السلطة دون منازع؟ الحقيقة ان قوة ملوك اوروبا تفاوتت بحسب الظروف والمتغيرات الاجتماعية والسياسية. فملوك فرنسا مثلاً، ظلت قوتهم تزداد على الزمن منذ عهد هنري الرابع (1589 ــ 1610) حتى عهد لويس السادس عشر (1774 ــ1791) يرث فيها الابن عن ابيه كل ما حققه في هذا المجال. وكذلك فعل ملوك اسبانيا إلا ان ملوك انكلترا اصطدموا قبل غيرهم بقوة البورجوازية الانكليزية النامية قبل نهاية القرن السابع عشر فقضت على استبدادية الملكية فيها، كما قضت بعد مائة عام تقريباً الثورة الفرنسية على استبدادية ملوك البوربون.
ما هي اذن المقومات الاساسية التي اعتمدت عليها الملكية اعتمدت عليها الملكية عبر التاريخ لتصبح استبدادية؟
1 - المفهوم القديم:
لقد اكدت الحقوق الرومانية القديمة التي استعيدت في القرن السادس عشر عبر اقبال الانسانيين على احياء التراث القديم، على فكرة الاستبداد الملكي الذي كان الرومان يعتبرون مشيئته هي القانون بحد ذاتها. اليس الامبراطور نصف اله خير بنظرهم؟ هكذا كان الاعتقاد القديم بالسلطة السياسية يصل حتى القداسة.
2 - العامل الديني:
صحيح أن البابوية جهدت طيلة العصور الوسطى لإحلال السيطرة الروحية بدل السيطرة الزمنية. إلا ان ملوك اوروبا بعد هزيمة الكنيسة امام الانتشار البروتستانتي الواسع قد جعلت ملوك أوروبا بما توفر لديهم من قوة يرغمون الكنيسة على الاعتراف اسياداً في بلدهم. كما فعل هنري الثامن في انكلترا وكما فعل ملك فرنسا عندما فرض معاهدة سنة 1516 التي اعترفت له بحق انتخاب الاساقفة ورؤساء الاديار على ان تتم سامتهم من قبل البابا، وبموجب الحق الذي كان يدعيه الملك لنفسه كان يتقاضى ريع الاسقفيات والاديار الشاغرة لعدم وجود رئيس شرعي لها. وكان مجلس الملك يشرف على ادارة الكنيسة كما ان مجالس الممثلين الملكيين كانوا يخضعون رجال الأكليروس لاختصاص المحاكم الملكية. كما كان من حقهم أن يحرموا الكنيسة من حق النظر في معظم القضايا التي يتقدم بها الشاكون مع العلم ان برلمان باريس كان يتولى ضبط الأمن ويتعهد النظام في الكنيسة).
3- الصراع الطبقي:
لقد ادى الصراع الطبقي المتمثل بالأرستقراطية الاقطاعية والبورجوازية الناشئة الى ازدياد قبضة الملكية التي مثلت العنصر المتقدم امام الاضطراب والفوضى اللذين سادا اوروبا. وعلى الرغم من الهزات الاجتماعية والاقتصادية المتعددة التي تعرضت لها الأرستقراطية الاقطاعية بين فترة وأخرى فقد ظلت تحتفظ بالمقام الأول في التسلسل الاجتماعي في المجتمعات الأوروبية. إلا أنها فقدت بدون شك المميزات الاساسية التي كانت تمتلكها في العصور الوسطى.
وهكذا توصلت انطلاقة البورجوازية وما رافقها من تطور علمي هائل إلى تحطيم الاخلاقية الاقطاعية ونظامها الاقتصادي ليمكن بالتالي القوة الثالثة (الملكية) من فرض سيطرتها الكلية على المجتمع ويصور سوتشكوف هذا الصراع بقوله: (كان الناس في بدء العصر الجديد [النهضة] قد كرسوا مقداراً كافياً عن التجربة في شروط الغاء نظام علاقات الملكية الخاصة: كان السادة الاقطاعيون الاشراف الذين يخضعون لنيرهم الاقنان، ينحنون هم أنفسهم تحت نير الحكم المطلق. وكانت الثروات المكدسة من قبل الخزينة الملكية تنتقل على وهل إلى خزائن اصحاب المصارف والمرابين فكان آل فوجير مثلاً يتمتعون بنفوذ لا يقل عن نفوذ بعض الرؤوس المتوجة. وكانت البرجوازية تشن كفاحاً ضارياً ومستمراً ضد طبقة النبلاء، لكي تحصل الاولى على مكان لها تحت الشمس. وكانت جماعات غفيرة من المغامرين تجتاز المحيطات بحثاً عن الذهب الذي كان قد أصبح معياراً للفضيلة والرذيلة، للحرية والسعادة (3).
ولما كانت الملكية ما تزال بحاجة للمساندة في القرن السادس عشر، فقد اخذت تستند الى بورجوازية المدن لتحطيم سلطان الاقطاعية. فكان لويس الرابع عشر يختار اکثر مستشاريه ومساعديه من رجال القانون البورجوازيين. كما رفع إلى طبقة النبلاء بعضهم وجعل منهم اسياداً أطلق عليهم اسماء الاراضي التي امتلكوها. وكان الملوك يستلفون الأموال الطائلة ويتقبلون هداياهم وهباتهم مقابل تيسير اعمالهم التجارية وتكليفهم جباية الرسوم والعوائد الملكية. وحمايتهم لهم من احتجاج الكنيسة على الربا. ومقابل وقوف الملوك الى جانبهم ضد العراقيل التي كان الامراء يثيروها ضدهم الملوك (4).
4- المفهوم القومي:
لقد غدت الملكية منذ القرن الخامس عشر الممثلة الحية للشعور الوطني. فالملك صاحب السلطة الأولى، مسؤول عن البلاد ضد مطامع الدول وضد الغازي المستبيح. كما ان موظفيه يحرصون على المصلحة العامة وشؤون الناس الذين تربطهم ببعضهم مصالح اقتصادية وروابط عائلية ووشائج وطنية وان كانت في حدود ضيقة يجسدها ملكية قوية تقضي في الخلافات وتأخذ جانب الحق في الفصل فيها. لنقرأ ما كتب انجلز في هذا المعنى: (تتقوى السلطة العامة بمقدار ما تتفاقم التناقضات الطبقية في داخل الدولة وبمقدار ما تزداد الدول المتلاصقة مساحة وسكاناً. انظروا على الاقل الى اوروبا الراهنة حيث رفع النضال الطبقي والتنافس على الفتوحات السلطة العامة الى مستوى غدت معه تهدد بابتلاع المجتمع برمته بما فيه الدولة نفسها) (5).
وهكذا قضى الصراع الطبقي من جهة والمنافسات بين النبلاء أنفسهم من جهة ثانية كما حصل بين آل بولي وألب في اسبانيا، وآل شالون، وآل فرجیز وآل هورن وآل اغمونت، في البلاد الواطئة، وفي الفرانش - كونتيه. وآل شالون وآل بورجون وآل مونمورنس وآل، غیز وآل كونديه في فرنسا. لقد أدت هذه المنازعات العائلية إلى ارتفاع شأن الملكية واعتبارها فوق هذه الصراعات والمنافسات جميعها.
5- الحقوق الإلهية
لقد كرست الاعراف والقوانين الحق الإلهي للملوك في الحكم، وقد تولد هذا المفهوم مع الزمن بحيث ان العناية الالهية ترتب الأحداث بشكل يأتي فيه بعض الافراد ملوكاً. وان الله الذي يمد الافراد بالحكام يوجب عليهم هؤلاء. ومحاسبة الملوك لا تتم إلا امام الله فقط. وقد عبر عن ذلك لويس الرابع عشر في مذكراته بقوله: أن سلطة الملوك مستمدة من تفويض الخالق، فالله مصدرها وليس الشعب، وهم مسؤولون امام الله وحده عن كيفية استخدامها. كما ذكر اننا لم نتلق التاج إلا من الله فسلطة عمل القوانين هي من اختصاصنا وحدنا لا يشاركنا في ذلك أحد ولا تخضع في عملنا لأحد.
6- المفهوم الفلسفي:
تعرضت اوروبا للانقسامات الداخلية الحادة التي لم تقع بين الاسر الاقطاعية فحسب، بل أيضاً بين المذاهب المتعددة التي نشأت أثر قيام حركة الاصلاح الديني. ومن هذا الواقع استمد بعض الفلاسفة نظريتهم معتبرين ان السيادة يجب ان تكون مطلقة في يد الحاكم لتأمين الطمأنينة وانه لا سبيل لإنقاذ البلاد من الانقسام الداخلي الا بتقوية السلطة الملكية التي أضفوا عليها مسحة القداسة وقد اشار إلى ذلك بودان بقوله: ان الأمير إذا كان لا يستطيع سن القوانين إلا بعد الحصول على موافقة من هو اعلا منه لما عد أميراً. أما بوسويه (Bossuet) فهو يرد السلطة إلى مصدرها الإلهي، فالملوك مفوضين اطاعة الله لحكم شعبهم من قبل الله وان طاعتهم هي وقد اشار إلى ذلك بقوله: ليس العرش الملكي عرش انسان ولكنه عرش الله ذاته». فالأمير بنظر بوسويه ليس مكلفاً بتقديم حساب عن مهمته لأن سلطته المطلقة لازمة لإشاعة الأمن والطمأنينة وليس ثمة سلطة ضد سلطته ولا حدود لها إلا مخافة الله. اما محور نظرية هوبز السياسية فقد تركزت حول تأييد الحكم المطلق الذي كان يراه متجسداً في الحكم الملكي لأنه أكثر الحكـومـات استقراراً وقدرة على حفظ السلام والأمن.
هذه النظريات الفلسفية المستمدة من الواقع، استند إليها ملوك اوروبا كونها ملائمة لتطلعاتهم في الحكم وزيادة تسلطهم واستبداديتهم.
.....................................................
1- انظر تأثير هذه الحرب على الارستقراطية الانكليزية والفرنسية على حد سواء.
Jean. FAVIER: La guerre de Cent Ans. Fayard. Paris 1980. P
2- رولان موسینیه تاريخ الحضارات العام. ترجمة يوسف وفريد داغر منشورات عويدات بيروت 1966 الجزء الرابع ص 144
3- بوريس سوتشكوف: المصائر التاريخية ترجمة محمد عيتاني. وأكرم الرافعي. دار الحقيقة. 14. ايضاً ف. فولفين: فلسفة الأنوار. ترجمة هنرييت عبودي دار بيروت 1974 ص14. أيضاً ف. فوفلين: فلسفة الأنوار. ترجمة هنربيت عبودي. دار الطليعة بيروت 1981 ص17.
4- قارن رولان موسينيه المرجع نفسه ص 148.
انظر الفصل الخاص بهذا الموضوع عند Régine. PERNOVD: Histoire de
éd. du Seueil, Paris 1981 P. 318
5- لينين: الدولة والثورة دار التقدم موسكو 1967 ص 14 .
|
|
دور في الحماية من السرطان.. يجب تناول لبن الزبادي يوميا
|
|
|
|
|
العلماء الروس يطورون مسيرة لمراقبة حرائق الغابات
|
|
|
|
|
انطلاق الجلسة البحثية الرابعة لمؤتمر العميد العلمي العالمي السابع
|
|
|