أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-06-06
646
التاريخ: 2023-07-27
1167
التاريخ: 2024-06-01
696
التاريخ: 2024-09-03
307
|
والواقع أن العمد النباتية الشكل على الرغم من أن تفاصيل أجزائها تجعلها صالحة لتقوم بهذه الوظيفة لا تزال موضع نقاش — على أقل تقدير — عند رجال الفن المحدثين، ويتساءل الإنسان: أكان من المحتم أن تحوَّل البراعيم الغضة والأزهار اليانعة حتى تصير قادرة على حمل أثقال من الحجر، أم لا داعي إلى ذلك؟ ولكن المصريين في الأحوال القليلة التي استعملوا فيها، فيما بعد، ساق شجرة النخل بمثابة عمود نموذج في مبانيهم لم يجعلوا عوارض السقف ترتكز على سيقان العمد، بل وضعوها على تيجان العمد المؤلفة من الجريد؛ ومن أجل ذلك لم يقل استحساننا لها من حيث عدم ملاءمتها للقيام بوظيفتها، ومع ذلك فإنه من الأمور المدهشة أن هذا النوع من العمد لم يطغَ عليه نوع آخر من العمد النباتية. والنباتات المزهرة في كل مكان تقريبًا تبعث في النفس فكرة الفناء والذبول، وهذا ما حاول المصري إبعاده؛ ولذلك يجب أن تستنبط أن كلًّا من زهرة البشنين والبردي كان لهما روابط ذات طابع مختلف حدت بالمصري ألا يجعل طبعية هذه النباتات الفانية تأخذ المكان الأول في فكره.
والمفتاح لفهم العمد النباتية الشكل نجده في كيفية نظامها في المباني، والواقع أن ترتيب العمد في المباني المصرية ينحرف بصورة بارزة عن استعمالنا. حقًّا إن المصري كان ينسق عمده أحيانًا بطريقة تدعو إلى إعجابنا، وبخاصة ما نشاهده منها في البيوت الخاصة، وفي المقابر المنحوتة في الصخر، وما تزين به خارج المعابد، وحتى عندما كان يستعمل نماذج هذه العمد في قطع الفن الصغيرة مثل صنع يد صغيرة للمرآة في هيئة عمود من ساق البردي، أو البشنين فإنها كانت تظهر جميلة خلابة.
وإذا فرض علينا أن نتحدث عن العمد النباتية الشكل التي تعد أهم خواص الفن البنائي المصري، فإنا نفكر في الحال في تلك العمد المتراكمة في المعابد التي أقيمت في الألفين الأخيرين قبل الميلاد. والواقع أن الإنسان عندما يلقي نظرة على عمد أحد هذه المعابد يشعر بحرج في النفس من جرَّاء ضيق المسافات التي بين هذه العمد الضخمة التي تزدحم بها قاعة العمد، والطرقات الأخرى بطريقة لم تفسر حتى الآن تفسيرًا مرضيًا إذا نظرنا إلى الطول المحدود للأحجار التي كانت ترتكز على تلك الأعمدة، ولا نزاع في أن فنًّا حيًّا كالفن المصري لم يكن مقيدًا بقيود المواد التي يستعملها، بل على العكس كان ينتخب المواد التي تساعده على أن يمثل في أكمل صورة، وعلى ذلك يجب أن نسلم أن المصري لم يجد غضاضة في تكديس المعابد بالعمد، بل إن هذه الخاصية التي تمتاز بها معابدهم كان لها قيمة إيجابية في نظرهم. وفي الحق نجد أن المصريين في استعمالهم لهذه العمد التي هي من ابتكارهم، وهم الواضعون لفكرتها؛ كانوا منقادين بميول غريبة بالنسبة لنا لم تخطر على بال، مفتن عادي لا علم له بعقائد القوم وديانتهم، ويمكن الإنسان فهم هذه الميول فهمًا جيدًا عندما يفحص تأثير العمد في تصميم المعبد. والتصميم الأصلي للمعبد المصري منطقي، وسهل الفهم.
فأهم جزء في المعبد هو «قدس الأقداس»، وكانت فكرته أنه يعد بمثابة «التل الأزلي»؛ أي أول رقعة من أديم الأرض ظهرت من مياه العدم في يوم خلق العالم، ولما كانت الكائنات كلها قد ذرأت من هذه البقعة عدت مصدر قوة لا حد لها، صالحة لظهور الإله فيها.
ونجد فكرة تمثيل المحراب (قدس الأقداس) «بالتل الأزلي» موضحة في أسماء معظم محاريب مصر الشهيرة، وفيها نجد تفسير خواص فن بناء المعبد المصري، وبخاصة استعمال العمد النباتية الشكل، فمياه العدم (نون)، و«التل الأزلي» يتألف منهما نوع من «البراح الأزلي» Landscape الذي مثل دورًا عظيمًا في خيال المصريين الديني كالدور الذي لعبه جبل «جولجوثا» (المكان الذي صُلب عليه المسيح) في الديانة المسيحية، و«البراح المصري» الديني يتألف من رقعة فسيحة الأرجاء من المستنقعات نجد الإشارة إليه في كل مكان في الأدب المصري الديني. ففي عقيدة الحياة الآخرة نجده في صورة «حقل الغاب»، وهو المنظر الذي تظهر فيه الصورة القديمة للإلهة «حتحور» الممثلة في هيئة بقرة وحشية مقتحمة أدغال الغاب برأسها، وهو نفس المنظر الذي له أثر في صور إله الشمس في أحوال كثيرة، فقد كان الاعتقاد مثلًا أنه قد ظهر في صورة طفل جالس في زهرة البشنين، وكذلك كان يظن أنه يعبر السماوات في قوارب مصنوعة من الغاب، وكذلك كان الإله «آمون رع» يظن أنه أحيانًا قد خرج من بيضة كانت فوق «التل الأزلي»، ثم طار في صورة أوزة على المياه، وكان صياحها أول صوت خُلق.
وقد كان كل من نبات البشنين والسقي (البردي) من العناصر الأصلية التي يتألف منها هذا «البراح الأزلي» (Landscape) الهام الذي لا يعتريه التغير، على أن ما كان له أثر فعال في نفس المصريين هو أنه لم تكن طبيعتهما قابلة للفناء والذبول، بل على العكس كان الذبول الذي يعتري كل نبات على حدته حادثًا لا معنى له في نظرهم، إذا ما قرن بدوام فصيلته في المنظر الذي نشأ منه العالم، وهو الذي كان في الواقع دائم الوجود في فكر الإنسان بوساطة الصورة الدينية التي ذكرناها.
ففي عمد المعبد المصنوعة من الحجر قد تغلب المصري على صفة الزوال بإقامتها من الحجر، وفي الوقت نفسه قد حفظت أهميتها الحقيقية، وهذه العمد كانت بمثابة إعلان في البراح الديني عن موقع المعبد، كما أن نظامها الذي يدل على تكتلها قد زاد في تأثيرها.
والواقع أن المعبد المصري كان محل قوة وعظمة؛ لأن الآلهة كانوا موجودين في كل شيء في الطبيعة على حسب الاعتقاد المصري، وعلى ذلك كان من الصعب وضعهم في مكان بعينه، وكأن المعبد إذا ألقى بتعويذة على مكان معلوم يمكن الاقتراب من الآلهة فيه، وهذا يفسر لنا الارتباك الذي نشاهده في المعابد المصرية الرئيسية مثل: معبد الكرنك، ومعبد الأقصر، وهو ذلك الارتباك الذي يصبح من المستحيل فهمه إذا نظرنا إلى هذه المعابد بوصفها عمائر فنية. وقد رأينا أن التصميم الأصلي للمعبد المصري بسيط ومنطقى، ولكن المعابد التي كانت تتمتع بأعظم نفوذ في عهد الدولة الحديثة كانت تظهر كأنها مبانٍ متراكمة على نظام منحرف عن تلك البساطة، فنرى فيه أن طريق المعبد من مدخله حتى حجرة قدس الأقداس قد زِيد في طولها بإضافة ردهات جديدة، وبوابات عظيمة في حكم ملوك متتالين، أو حتى في عهد الملك المؤسس الأول للمعبد.
والواقع أنه كانت تقام محاريب ثانوية في جوانب المعبد، أو في داخل المنطقة الحرام عندما كان يُزاد في رقعتها، وبذلك نفقد في هذه الوحدة البنائية المترامية الاتساع روح التناسب، والشعور بتناسق أصلي يضع حدودًا معينة للإضافات التي يمكن أن يقبلها التصميم الأصلي، ولكن النقوش التي على المباني الفرعونية تدل على أن المصري كان يشعر بأن أي إضافة في المعبد لم تكن مما يزيد في قدر بانيها وحسب، بل كانت فضلًا عن ذلك تعد ذات قيمة للمعبد؛ لأنه إذا كانت قوة «آمون» السامية قد عبر عنها بضخامة حجم معبد الكرنك المتناهية، فإن المعبد كذلك كان يكتسب قوة، وعلى ذلك فإن مجهودات الأجيال المتراكمة في هذا المعبد الهائل قد زادت في قوة التعويذة التي جعلت الإله غير المستقر في مكان، وهو الذي كان يمثل في الهواء والنور، ويسهل الاقتراب منه في الكرنك؛ أي الإله «آمون«.
وعلى أية حال كانت توجد صورة أخرى غير الصورة المرتبكة التي يظهر فيها معبد الكرنك وملحقاته، فإذا كان الحجم والجرم يمثلان القوة، فإنه كان من المستطاع إشباع الرغبة في طلب الضخامة دون خلق أي بلبلة أو مسخ في التصميم الأصلي، ويمكن عمل هذا إذا أجبر الجرم على اتخاذ صورة واضحة وبسيطة. والواقع أن هذا الحل كان هو المتبع عندما أقام ملوك الدولة القديمة مقابرهم في صورة أهرام، ولا نزاع في أن الهرم مثله كمثل المحراب في ارتفاعه يرمز به «للتل الأزلي»، غير أن الوصف والتصوير يعجزان عن إعطاء هذه الآثار حقها، وحجمها الحقيقي يعد عنصرًا هامًّا في التأثير الجارف الشامل الذي تحدثه عندما يفلح الإنسان في تأملها من جانب الصحراء، وعندما يكون بعيدًا عن تشتيت الفكر الذي يضطر الإنسان إلى أن يقع فيه لسوء الحظ عندما يقترب منها. ويجب ألا ننسى أنها كانت في الأصل مكسوة من قواعدها حتى قممها بأحجار ملساء، كان لا يمكن الإنسان أن يميز الفواصل بينها، وهكذا نجد أن هذه الرموز الدالة على المكان الذي نشأت منه كل الحياة كانت خالية من كل تفصيل قد يدعو الفكر إلى حالة أخرى، بل كان يخطئها التغيير (راجع Frankfort, Ancient Egyptian Religion p. 152 ff.).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|