المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17751 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

إخفاء أو تغيير البيانات المتعلقة بالشاهد
13/9/2022
من القدح المعلى
2023-02-28
الفضل بن أبي قرّة
5-9-2016
النشا – اليود (تفاعل ساعة) : The Starch – Ioden Clock Reaacion
1-2-2017
Mesityl Oxide
31-8-2017
الكيوي
8-1-2016


قصَّة المولود بلا أب  
  
1838   03:18 مساءً   التاريخ: 25-11-2020
المؤلف : الدكتور محمود البستاني .
الكتاب أو المصدر : قصص القرآن الكريم دلالياً وجمالياً
الجزء والصفحة : ج1 ، ص 138 - 149 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة نبي الله عيسى وقومه /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-02-09 1954
التاريخ: 2024-10-31 158
التاريخ: 11-10-2014 1708
التاريخ: 2023-03-17 1231

هذه الاُقصوصة بدورها امتداد للأقاصيص السابقة ، حيث لاحظنا أنّ كلاّ من قصة إمرأة عمران ، وقصة زكريّا ، وقصة يحيى ، وقصة مريم ـ هذه القصص الأربع في سورة آل عمران ـ ستكون ممهّدة للدخول إلى قصّة أكبر حجماً ، وأوسع دلالةً ، إنّها قصة عيسى (عليه السلام) فيما وُلد بلا أب بشري ، وهذه القصة نفسها ينبغي أن تضعها في ذهنك لا بما أنـّها تشكّل هدفاً بذاتها ، بل ينبغي عليك أن تجعلها وسيلةَ إنارة لا أكثر ، تضيء الهدف الذي رسمه القرآن الكريم في هذه السورة التي ستنقل لك جانباً من حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله) في جهاده مع الأعداء وفي مواصلة اضطلاعِهِ بمهمّة الرسالة الإسلامية ، فيما احتفّت بأشواك ومتاعب يُعلّمنا القرآن الكريم من خلالها نمطَ التعامل الذي نخطّه لأنفسنا في متابعة الوظيفة العبادية .

* * *

ويهمّنا الآن أن نتابع القصة الخامسة من قصص سورة «آل عمران» ، وهي قصة عيسى (عليه السلام) ، لملاحظة موقعها الفنّي من هذه القصص وموقعها الفنّي من السورة بأكملها ، ثمّ موقعها ـ وهذا هو الهدف الرئيس من عملية القصّ ـ من الرسالة الإسلامية عبر اضطلاع النبيّ (صلى الله عليه وآله) بها ، وعبر الوظيفة التي يتعيّن علينا ممارستها في هذا الصدد .

لقد لحظت كيف أنّ سلسلة الأحداث والمواقف في القصص الأربع ، قد ابتدأت من امرأة عمران ، ثمّ إنجابها لمريم . ثمّ قصة زكريّا وإنجابه ليحيى ، كما لحظت إنجاب مريم (عليها السلام) لعيسى (عليه السلام) ، ثمّ صلة يحيى (عليه السلام) بعيسى (عليه السلام) أيضاً .

ولابدّ أنـّك تتذكّر كيف أنّ يحيى سيكون مصدّقاً لرسالة عيسى الذي بُشّرت مريمُ به ، وجيهاً في الدنيا والآخرة ، ومن المقرّبين ، ويكلّم الناس في المهد وكهلا ، ومن الصالحين . وكيف أنّ السماء ستعلّمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ، وكيف أنـّها ستبعثه رسولا إلى العصر حينذاك ، ثمّ كيف أ نّه سيجيء بممارسة أكثر من معجزة بإذن اللّه من خلقه من الطين كهيئة الطير ، وإبرائه الأكمه والأبرص ، وإحيائه الموتى ، وإخباره بما يأكل الناس ويدخّرونه في بيوتهم ، كلّ اُولئك ستقفُ عليه عندما نحدّثك مفصّلا عن قصة عيسى (عليه السلام) ، أي قصة المولود بلا أب وما يواكبها من مواقف وأحداث شتّى .

إلاّ أنّـنا الآن نعتزم أن نلفت انتباهك إلى أكثر من ملحظ ، لا مناص لنا من اقتطافه من القصص الأربع التي حدّثناك عنها ، لأنّ هذه المَلاحِظ ذات صلة وثيقة بهذه القصة ، وبما يلحقها من أحداث ومواقف .

فقد لحظتَ منذ البداية أنّ الأمر يتصل بممارسات عبادية وفقاً لمفهوم الخلافة الانسانية على الأرض ، فإمرأة عمران تمارس ظاهرة النذر لتحقيق مهمة عبادية لوليدها ، وابنتُها تتمحّض للعبادة بالنحو الذي وقفت عليه ، وزكريّا بدوره يتّجه إلى مناشدة السماء أن تهبه ذرّيّة طيّبة . وذرّيّته التي تمثّلت في يحيى قد حققت المناشدة العبادية المذكورة كما عرفت . وزكريّا نفسه قد مارس الكفالة لمريم ، وهي مهمّة تربوية عباديّة خطيرة ، فضلا عن أ نّه تمحّض لفترة ما ، لممارسات عبادية خاصة ، امتثالا لأمر السماء .

هذا كلّه ، ينبغي أن تضعه في ذهنك وأنت تتابع سلسلة المواقف في تحركات الشخوص المذكورة ـ في صعيد الممارسة العبادية ـ .

وإذا انتقلت بذاكرتك إلى الأحداث ، للحظت أنـّها قد تتابعت وهي تحمل نمطاً متماثلا في عملية الإنجاب وما واكبها من الظواهر ، فأنت تجد نفسك أمام اُبوّة وبنوّة . . . أمام أب وإبن ، أو أب وبنت ، أو اُمّ وبنت ، أو اُمّ وإبن . . . ستجد نفسك أمام امرأة عمران وابنتها ، . . . وأمام مريم وابنها ، وأمام زكريّا وابنه . . . وكلّ هذه السلسلة الأبويّة والبُنويّة ، تبدأُ إمّا من الدعاء بطلب ذرّيّة ، أو التحقيق لها بنحو غير مباشر ، لكنّك في الحالتين تلاحظ أنّ الإعجاز هو الطابع الوحيد الذي غلّف كلّ هذه السلسلة من عمليات الإنجاب ، فيما بدأت من العقم أو الكبر ، ثمّ انتهت إلى أخطر ظاهرة في الإنجاب ، ألا وهي الولادة بلا أب ، متمثلة في شخصية عيسى التي انتهت القصصُ إليها ومهّدت لها ، لكي يتسلم القارئ أو المستمع شخصية عيسى (عليه السلام) ، وقد رسمها النصُ أيضاً سلسلةً من الأحداث والمواقف المعجزة كما سنرى .

هنا نطالبُك بملاحظة الأحداث والمواقف ، وشدّها بعضها بالآخر وبخاصة بين ولادة عيسى (عليه السلام) بلا أب وهي ظاهرة إبداع خاصة ، ثمّ ممارسات عيسى نفسه وهي ظواهر إبداعية خاصة أيضاً .

وهذه الظواهر الخاصة رسمها القرآن الكريم لعيسى (عليه السلام) في مستويات ثلاثة ، تجسّد قوى الشخصية ، فيما تستكمل بها كلّ معالمها التي تنتزع التقدير عادة .

هذه القوى الثلاث هي : العلمُ ، والاقتدار ، والتعبير .

ومن الواضح ، أنّ هذه السمات الثلاث تكتسب المزيد من التقدير ، بقدر ما يضخم حجمها عند الشخصية . ولقد رسمها القرآن الكريم جميعاً ، على أشدّ ما يمكن تصوّره في الشخصية ، رَسَمَها في أقصى الامكانات الخاضعة للتخيُّل البشري ، فقد صوّر السمة التعبيرية ـ أي الكلام ـ متمثّلةً في التحدّث مع الآخرين ـ والشخصيةُ لا تزال في المهد ـ في حين أنّ الطفل لا يقوى في مرحلته النمائية المذكورة حتى على مجرّد النطق ، فضلا عن أن يكوّن له ثروة لغوية يُحاور بها الآخرين .

وأمّا السمة العلمية ، فقد رسمها لعيسى (عليه السلام) على النحو الذي يُحيط من خلاله علماً حتى بما يدخّره الناس في بيوتهم أو يأكلونه مثلا .

ولا تعقيب ـ بطبيعة الحال ـ على مثل هذه الإحاطة التي تندّ عن الإمكان في التجربة البشرية العادية .

وأمّا سمة الاقتدار ، فقد رسمها القرآن الكريم لشخصية عيسى (عليه السلام) بنحو لا يحتاج إلى التعقيب أيضاً ، مادام هذا الاقتدار قد تجاوز مجرّد عملية التطبيب ، من إبراء الأكمه والأبرص ، إلى عملية إبداع وإحياء . إبداع للجنس الحيواني متمثّلا في صنع هيكل طائر يبعث فيه الروح ، وإحياء للجنس البشري متمثّلا في نفخ الروح فيه من جديد ، بإذن اللّه .

لو تابعت قصة عيسى (عليه السلام) ـ وهي القصة الخامسة من قصص آل عمران ـ للحظت أنّ السمات الإعجازية الثلاث التي قدّمها عيسى (عليه السلام) للجمهور . . . ونعني بها سمات العلم والاقتدار والكلام ، إنّما جاءت امتداداً لما سبقها من القصص ـ كما وقفت على ذلك ـ وارهاصاً لما سيجيء من أحداث ومواقف في قصّته ، وفي قصة الرسالة الإسلامية كما سنرى .

وقبل أن نتابع هذا الامتداد والارهاص ، ينبغي علينا أن نلفت نظرك إلى أنّ كلاّ من السمات المعجزة الثلاث ، لا ينحصر رسمها في استقطابها لقوى الشخصية التي تنتزع التقدير فحسب ، بل في إلقائها الضوء أيضاً على أكثر من موقف وحدث .

فسمة الكلام ـ أي تكليم عيسى وهو في المهد ـ جاءت لتُعمّق القناعة بالحدَث المعجز لولادته من خلال مسح أيّ تشكيك أو ضبابية أو سوء تفسير في ولادته ، فكان نطقه بالحقائق ـ وهو في مهده ـ ردٌّ على أيّ لغَط يصدر عن الآخرين في هذا الصدد .

وأما سمة الخلق والإحياء ، أي خلقه من الطين هيئة طائر بإذن اللّه ، ثمّ إحياؤه للميّت بإذن اللّه ، هذه السمة لا تحتاج إلى التعقيب في صلتها فنّياً ونفسيّاً بكلّ ما تحمله القصصُ الأربع السابقة على قصة عيسى (عليه السلام) من أفكار تتصل جميعاً بقدرات السماء في عملية التوليد البشري .

إنّ قدرات السماء في الإنجاب من العقم ، وفي الإنجاب بلا فحل ، شكّلت رسماً كان بمثابة العَصَب الذي يمتدّ في هياكل القصص الأربع جميعاً ، فجاءت عملية التوليد والإحياء بإذن اللّه في شخصية عيسى تتويجاً وتفسيراً للقدرات المذكورة ، مع إضافة عنصر جديد هو الإحياء في قصة عيسى (عليه السلام) .

وإذا أخذنا بنظر الاعتبار ، أنّ إحياء الآدميين بعد موتهم يُشكّل القطبَ الآخر من استدلال السماء على قدراتها وانسحاب ذلك على ظاهرة الإقناع التي تحرص السماء على توفيره للمتلقّي ، حينئذ أدركنا قيمة العنصر الجديد الذي رسمته السماء لشخصية عيسى (عليه السلام) ، في إحيائه الموتى بإذن اللّه .

وهذا يعني أنّ السماء مهّدت بهذا العنصر ، إضفاء صفة القناعة على العملية الاُخرى للتجربة البشرية ، وهي عملية إحياء البشر بعد موتهم ، والتهيّؤ للمرحلة الخالدة في الحياة الاُخروية .

ولسوف نرى صدى هذا العنصر على بقية أجزاء السورة في متابعتنا لها .

وأمّا انعكاس هذا الرسم على سياق رسالة عيسى فواضحٌ كلّ الوضوح ، إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما تقوله لنا النصوص المفسّرة من أنّ أيّ حدث معجز يواكب رسالة شخصية ما ، إنّما يتساوق مع طابع العصر ومعطياته الحضارية ، فيما كان الطبّ ـ كما تقول النصوص المفسّرة ـ طابع العصر الذي واكب عيسى ، فكان إبراء الأكمه والأبرص تجسيداً معجزاً لطابع العصر ، ثمّ كان الخلق والإحياء ـ بإذن اللّه ـ تتويجاً عالياً وتجسيداً لأعلى قمم التصرّف بالمصائر البشرية وولادتها .

وأمّا السمة العلمية ، فقد جاءت تأكيداً آخر لظاهرة الرسالة ، بصفة أنّ العلم حتى بدقائق الاُمور من نحو ما يدخّره الناس في البيوت ، وما يتناولون من طعام .

هذا النمط من الإحاطة العلمية يُعدّ دون أدنى شك عنصراً بالغ الأثر في تحقيق ظاهرة الإقناع بمشروعية الرسالة ، وانتسابها إلى قُدرات خارجة عن الإطار القاعدي للتجربة البشرية .

اُولئك جميعاً ، رسمته السماء من خلال تحقيق مهمّتين مزدوجتين :

تحقق اُولاهما عنصر التجانس فنّياً ونفسيّاً في إطار القصص المرسومة التي تمهّد بكلّ أحداثها ومواقفها لرسالة عيسى .

وتحقق الاُخرى عنصر الإرهاص بما يمكن أن تحققه مرحلة الرسالة ذاتها .

وبالفعل ، نلحظ من هنا ، كيف أنّ النصّ القرآني بدأ برسم مرحلة الرسالة التي اضطلع بها عيسى ، فيما بدأها بمطالبة الجمهور بالانصياع إلى رسالته بعد أن توّج ذلك كلّه بالإلماح إلى الرسالة السابقة عليه ـ وهي رسالة موسى ـ من أنّه جاء مصدّقاً بها من خلال ما تضمّنته من التبشير برسالة عيسى .

هنا ، ينبغي ألاّ تفوتنا الإشارة إلى أنّ رسم التبشير برسالة عيسى ، سيترك وقعه الفنّي والنفسي على التبشير الذي ستصوغه رسالة عيسى بنبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فيما تمثّل هذه الرسالة ، خاتمة المبادئ للسماء ، وفيما يستهدف النص القرآني من وراء الرسم المذكور ، ترسيخ القناعة بمشروعية الرسالة الإسلامية في خاتمة المطاف .

وعلى أيّة حال ، فإنّ الأحداث والمواقف تبدأ من الآن فصاعداً تتّخذ مساراً جديداً هو نمط استجابة الجمهور لرسالة عيسى (عليه السلام) ، ثمّ تعامله وإيّاهم ، وأخيراً كيفية إنهاء حياة عيسى وانسحاب اُولئك جميعاً على الرسالة الإسلامية .

ولنقف عند هذه الملاحظ الأربعة : تعامل الجمهور ، تعامل عيسى ، خاتمة حياته ، انسحاب ذلك على الرسالة الإسلامية .

ولنقف مع الملحظ الأوّل والثاني :

لقد رسم القرآن الكريم بيئة الرسالة التي اكتنفت عيسى (عليه السلام) منحصرة في موقف الرفض لرسالته وموقف المساندة لها من قِبَل حواريّيه دون أن يرسم تفصيلات الأحداث والمواقف ، فمثل هذه التفصيلات سوف لن يكون لها أثرٌ على مجرى الأحداث في رسالة محمّد (صلى الله عليه وآله) فيما رُسمت قصةُ عيسى لتلقي الضوء على البيئة التي تكتنف الرسالة الاسلاميّة ، كما هو واضح .

ولنقرأ الآيات الثلاث الآتية ، فيما رسمت الموقفين المذكورين ، أي الرفض بعامّة ، والمساندة من الصفوة :

﴿فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ : ﴾

﴿مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ ؟ ﴾

﴿قالَ الْحَوارِيُّونَ : نَحْنُ أَنْصارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ واشْهَدْ بِأَنـّا مُسْلِمُونَ

﴿رَبَّنا آمَنّا بِما أَنْزَلْتَ واتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ

﴿وَمَكَرُوا ومَكَرَ اللّهُ واللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ

إنّ هذه الآيات الثلاث تلخّص بيئة الرسالة ، مختزلةً كلّ التفصيلات التي كان من الممكن أن يرسمها القرآنُ ، إلاّ أنّ الانتقاء كان لهذه المواقف الآتية فحسب ، وهي :

1 ـ الجمهور يرفض الرسالة .

2 ـ عيسى يناشد الآخرين بمساندته ، فيستجيب له عددٌ ضئيلٌ من الشخصيات .

3 ـ المتمرّدون ـ وهم كفار بني إسرائيل ـ يحوكون مؤامرة ضد عيسى .

4 ـ السماءُ تئد المؤامرة ، وتسحقها من الأساس .

وتقول النصوص المفسّرة : إنّ المتمرّدين كانت مؤامرتهم تتحدّد في محاولة لقتل عيسى ، إلاّ أنّ السماء ألقت على صاحب المحاولة ، أيّ الذي أراد قتل عيسى ، ألقت عليه الشبه ، فَقُتِل من قِبَلِ أصحابه ، ورفعَ اللّهُ عيسى إلى السماء .

والمهم ، أنّ القرآن الكريم اكتفى بالإشارة إلى عملية محاولة القتل ، اكتفى بقوله تعالى :

﴿وَمَكَرُوا

واكتفى من عملية إنقاذ عيسى بقوله تعالى :

﴿وَمَكَرُوا ومَكَرَ اللّهُ واللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ

واكتفى أساساً من موقف الرفض ، بقوله تعالى :

﴿فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ

إلاّ أ نّه فصّل الحديث عن أنصار عيسى فحسب .

تُرى ما هو المبنى الفنّي لهذا التفصيل ، وذلك الاختزال ؟

لقد اختزل القرآن الكريم في قصة عيسى (عليه السلام) ، أي المولود بلا أب رسم

الحوادث والمواقف المتصلة برفض دعوته وبالمؤامرة التي دُبـّرت حياله ، وبالقضاء على المؤامرة ، مكتفياً بالإشارة العابرة لها ، لكنه فصّل في موقف المساندين لعيسى وهم اثنا عشر رجلا ، خلع النصُّ عليهم إسم الحواريين ، هؤلاء الحواريون رسمهم النص بأنـّهم أنصارُ اللّه ، وأنـّهم آمنوا باللّه وأنـّهم مسلمون وأنـّهم آمنوا بما أنزلته السماء على الرسل ، وأنـّهم اتبعوا الرسول ، وأنـّهم في نهاية المطاف أكّدوا مبدأ ذا خطورة وكرّروه مرّتين ، ألا وهو ظاهرة الإشهاد ، الإشهاد بأنـّهم مسلمون ، والمطالبة بأن يُكتبوا مع الشاهدين .

إنّ رسم هذه التفاصيل لشخصيات الحواريّين ، يحمل دلالةً فنّية ونفسيّة تتمثّل في إلقائها الضوء على الأفكار المطروحة في سورة «آل عمران» وسنجد فيما بعد عند حديثنا عن سائر أجزاء السورة ، كيف أنّ كلاّ من الإشهاد والإيمان والإسلام الذي يعني الانقياد ، سنرى كيف أنّ هذه الظواهر الثلاث قد كرّرها النص في أكثر من موقع من السورة ، فيما سبقت العنصر القصصي ولحقته أيضاً ، وهذه الظواهر الثلاث رسمها النص في سائر أجزاء السورة عبر سياقات متنوّعة تتصل بالجهاد ، وبمواقف المؤمنين الذين ساندوا النبيّ (صلى الله عليه وآله) في معركته ضد الكفر ، وبمواقف خاصة وعامة جاء من خلالها رسمُ هذه الظواهر الثلاث بنحو لافت للنظر ، من نحو آية ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ . . .﴾

وآية ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الاْسْلامُ

وآية ﴿فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ . . .﴾

وآية ﴿يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ . . .﴾ و . . . إلى آخره .

هذه الآيات تشكّل العصب الذي يمتدّ إلى جزئيات كبيرة من السورة بنحو تتآزر وتتساند فيما بينها وبين سائر الأفكار المطروحة ، فيما يستهدف النصُّ القرآني من رسمها بهذا النحو المتناسق إحداث تأثير خاص في المتلقّي يتصل بطبيعة الاستجابة البشرية لرسالة النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) ، والتلميح بخاصة إلى ذلك النفر المُجاهد الذي كرّس حياته لرسالة الإسلام ، بعد أن نفض عنه كلّ تراكمات البيئة الملتوية واتّجه إلى السماء بكلّ كيانه في ضوء فحصه الموضوعي للحقائق .

إذن ، جاء التفصيل في رسم شخوص الحواريّين بتلك السمات التي وقفنا عليها ، متجانساً مع السمات التي ركّز القرآن الكريم عليها عبر رسمه لشخوص المؤمنين الذين واكبوا رسالة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ومطلق المؤمنين الذين رسمهم القرآن بالسمة المذكورة . وهذا التجانس يتمثل في مستويين : أوّلهما : العناية بالتفاصيل .

والآخر : العناية بشخوص متميّزين . وكلاهما متصلٌ بالتفاصيل وبالشخوص الذين رسمهم القرآن في كلّ أجزاء السورة .

إذن ، للمرّة الاُخرى يتعيّن علينا أن نؤكّد خطورة هذا الرسم للحواريّين ، وتفاصيل سماتهم ، بصفة أنّ هذا الرسم المفصّل جزءٌ من أفكار السورة التي يحوم الرسم القصصي عليها أيضاً ، أي بصفة أنّ النص القصصي موظفٌ لإنارة الأفكار المطروحة في السورة .

* * *

وبعامّة ، فإنّ متابعتنا لقصة عيسى لا تزال في مرحلتها غير المنتهية .

فلقد كان الشطر الأولُ من القصة يتجسّد في ولادة عيسى بالنحو الذي وقفنا عليه .

وكان الشطر الثاني من القصة يتجسّد في الإعلان عن دعوته عبْر الإشارة إلى الظواهر المعجزة التي قدّمها للجمهور من إبراء الأكمه والأبرص ، وخلق الطير ، وإحياء الميت بإذن اللّه والعلم بدقائق الظواهر .

ثمّ كان الشطر الثالث من قصة عيسى يتجسّد في استجابة الجمهور حياله ، حيث تميّزت الاستجابةُ بالرفض ، وحيث أعلن عن مناشدته للنصرة ، فيما سانده الحواريون ، وحيث اُعِدّتْ مؤامرةٌ لقتله ، وحيث اُحبطت المؤامرة .

وإذن ، لقد تابعنا مراحل ثلاثاً من قصة عيسى .

ولكن ، لا تزال هذه القصة ذات مراحل اُخرى رسمها القرآن الكريم وفق بناء معماري خاص يتعيّن علينا متابعته ، فنقول :

الشطر الرابع من قصة عيسى يُجسّد إنهاء حياة هذه الشخصية ، فلقد رأينا كيف أنّ الملتوين ـ كفار بني إسرائيل ـ دبّروا مؤامرة لقتله وإنهاء حياته ، إلاّ أنّ السماء هنا تدخّلت لإنهاء حياته ، وإنقاذها من القتل ، فيما أنهتها بنحو آخر ، ترسمه الآيةُ الآتية :

﴿إِذْ قالَ اللّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ

﴿وَرافِعُكَ إِلَيَّ ومُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا

﴿وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ

﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ

إنّ إنهاء حياة عيسى من قبل السماء بهذا النحو الذي رسمته الآية ، ينطوي على إثارة بالغة المدى ، فكما كانت ولادتُه محفوفةً بالإثارة ، والانبهار ، والدهشة ، فكذلك كانت نهايتُه محفوفةً بالإثارة ، والانبهار ، والدهشة . لقد أوجدت السماءُ عيسى بنحو معجز مثير ، وأنهت حياته بنحو معجز مثير . . . فقد وُلِدَ بلا أب ، وتوفي بلا أرض .

إنّه لم يمُت بالنحو الاعتيادي ، كما لم يُولد بالنحو الاعتيادي .

في الحالتين تخطّت قصتُه قوانين الأرض التي رسمتها السماء لكلّ الآدميين ، ما عدا البعض .

لقد رفعت السماءُ عيسى إليها بعد أن خُيِّل للمتآمرين أنـّهم قد نجحوا في اغتيال عيسى (عليه السلام) .

ومثل هذه الحادثة تحمل أكثر من دلالة فنّية ونفسيّة .

فلقد دحضت هذه الحادثةُ اُسطورة الصُلب التي لا يزال صداها الاُسطوري حاضراً في بعض الأذهان ، وكأنه حقيقة تأريخية .

كما أنّ هذه الحادثة ـ من جانب ثان ـ ألقت الضوء على مساندة السماء لأيّة شخصية تجاهد في سبيل اللّه ، من نحو شخصية إبراهيم (عليه السلام)مثلا ، فيما ساندتها السماء عبر إنقاذها من النار التي أراد المتآمرون إحراقَه فيها ، فيما جعلها اللّه برداً وسلاماً على إبراهيم .

ومن جانب ثالث ، فإنّ هذه الحادثة تحقق مبدأ التجانس في الرسم القصصي للشخصيات ولادة وحياة وموتاً . فقد تجانست الولادة بلا أب ، مع الوفاة بلا موت .

فكما أرسلت السماء روحاً لإنجاب عيسى ، فكذلك رفعته إليها دون أن تُميته على الأرض .

ومثل هذا التجانس ينطوي على خطورة فنيّة ونفسيّة لا يتحسّسها إلاّ من استخدم ذائقته الفنّية بنحو دقيق مستأن ، هذا فضلا عن سائر مبادئ التجانس في السمات المعجزة التي لحظناها تتتابع مع القصص الخمس التي شكّلت جزءً من السورة وقفنا على تفصيلاتها ، فيما لا حاجة إلى إعادة القول فيها ، مادام التجانس واضحاً كلّ الوضوح في كلّ السمات التي رسمها القرآن الكريم لشخصيات عيسى وزكريّا ومريم وامرأة عمران ، وفي كلّ الخصائص التي اكتشفت رسم الأحداث والمواقف والبيئات التي كانت الشخوصُ المذكورةُ تتحرّكُ من خلالها .

* * *

إلى هنا ، فإنّ قصة عيسى في مراحلها الأربع تكون قد أوشكت على النهاية ، لولا أنّ أصداءها لا تزال تُلقي على الأحداث والمواقف أكثر من دلالة ، كما أنّ التمهيد لها بأكثر من قصة كان له صداه ـ كما رأينا ـ في القصص الأربع .

ولكن ما هي الأصداءُ المذكورة ؟

إنّ هذه الأصداء تنعكس على رسالة النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) وما واكبها من أحداث ومواقف وشخوص وبيئآت ، حيث قلنا : إنّ العنصر القصصي بحكاياته وقصصه

الخمس وظّف من أجل إنارة البيئة الإسلامية في هذا الصدد ، وأنّ النص القرآني يستهدف من التوظيف المذكور إحاطة المتلقّي بطبيعة رسالة السماء ومشروعيتها وضرورة الإيمان بها وتعميق اليقين بذلك بالنسبة إلى مجتمع رسالة الإسلام مع ملاحظة أنّ لكلّ من المجتمعين : مجتمع القصص المتقدّمة ومجتمع الإسلام له سماته الاستقلالية من جانب ، وسماته المتجانسة من جانب آخر . . .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .