المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9093 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01
المختلعة كيف يكون خلعها ؟
2024-11-01
المحكم والمتشابه
2024-11-01



غزوة الخندق  
  
4407   09:09 صباحاً   التاريخ: 5-11-2015
المؤلف : السيد محسن الامين
الكتاب أو المصدر : أعيان الشيعة
الجزء والصفحة : ج1,ص379-385
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / حاله بعد الهجرة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-23 247
التاريخ: 5-11-2015 3365
التاريخ: 23-5-2017 2881
التاريخ: 11-12-2014 4869

تسمى أيضا غزوة الأحزاب في ذي القعدة وقيل في شوال سنة خمس من مهاجره (صلى الله عليه واله) قال المؤرخون : لما أجلي رسول الله (صلى الله عليه واله) بني النضير ساروا إلى خيبر فخرج نفر من أشرافهم إلى مكة منهم حيي بن أخطب وسلام بن مشكم وكنانة بن أبي الحقيق وغيرهم فألبوا قريشا ودعوهم إلى الخروج إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) فقال لهم أبو سفيان : مرحبا وأهلا أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد ، وقالت لهم قريش : أنتم أهل الكتاب الأول والعلم أخبرونا أ ديننا خير أم دين محمد فقالوا بل دينكم وذلك قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ } [آل عمران: 23] وعاهدوهم على قتاله (صلى الله عليه واله) ووعدوهم لذلك موعدا ثم أتوا غطفان وسليما ففارقوهم على مثل ذلك وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب فكانوا أربعة آلاف وعقدوا اللواء في دار الندوة فحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار وكان لهم حمل لواء قريش في الجاهلية عند الحرب دون غيرهم ومنهم بنو شيبة سدنة الكعبة وأبوه كان صاحب لوائهم يوم أحد فقتل ، وقادوا ثلاثمائة فرس وكان معهم ألف وخمسمائة بعير وخرجوا وقائدهم أبو سفيان ابن حرب بن أمية ووافتهم بنو سليم بمر الظهران سبعمائة وقائدهم سفيان بن عبد شمس حليف حرب بن أمية وهو أبو أبي الأعور السلمي الذي كان مع معاوية بصفين وخرجت معهم بنو أسد يقودهم صلحة بن خويلد وخرجت فزارة ألف يقودهم عيينة بن حصن وخرجت أشجع أربعمائة يقودهم مسعود بن رخيلة وبنو مرة أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف وغيرهم فكان جميع من ورد الخندق عشرة آلاف وهم الأحزاب وكانوا ثلاثة عساكر ورئيس الكل أبو سفيان ولما تهيئوا للخروج أتى ركب من خزاعة في أربع ليال فأخبروا رسول الله (صلى الله عليه واله) فأخبر الناس وندبهم وشاورهم فأشار سلمان الفارسي بالخندق وقال إنا كنا بفارس  اذا حوصرنا خندقنا علينا فاعجب ذلك المسلمين فقطعه رسول الله (صلى الله عليه واله) أربعين ذراعا بين كل عشرة ، فاحتف المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي كل يقول منا ، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) : سلمان منا أهل البيت ، وجعلوا يعملون في الخندق مستعجلين يبادرون قدوم عدوهم ، وعمل رسول الله (صلى الله عليه واله) معهم بيده تنشيطا لهم ووكل بكل جانب قوما وفرغوا من حفرة في ستة أيام وقيل أكثر : وكان رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول وهم يحفرون : اللهم لا خير إلا خير الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة فيجيبونه قائلين :

 نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما بقينا أبدا

ورفع المسلمون النساء والصبيان في الآطام ، ولما فرع رسول الله (صلى الله عليه واله) من الخندق أقبلت قريش فنزلت بمجتمع الأسيال ، ونزلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد إلى جانب أحد وخرج رسول الله (صلى الله عليه واله) يوم الاثنين لثمان ليال مضين من ذي القعدة في ثلاثة آلاف وعسكر بهم إلى سفح سلع وهو جبل فوق المدينة في شمالها وجعل سلعا خلف ظهره والخندق بينه وبين القوم واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وكان اليهود كما مر ثلاثة بطون معاهدين له (صلى الله عليه واله) فنقض بطنان منهم العهد : بنو قينقاع وبنو النضير وبقيت قريظة فدس أبو سفيان حيي بن أخطب إلى بني قريظة لينقضوا العهد ويكونوا معهم ، فخرج حيي حتى أتى كعب بن أسد صاحب عقد بني قريظة وعهدهم فاغلق كعب باب الحصن دونه فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه ويحك يا كعب افتح لي قال إنك أمرؤ مشئوم وقد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاء وصدقا ، قال ويحك افتح لي أكلمك قال ما أنا بفاعل قال ما أغلقت باب الحصن إلا خوفا على

طعامك أن آكل منه فاحفظه ففتح له ، فقال : جئتك بعز الدهر وببحر طام ، جئتك بقريش على قادتها وسادتها وبغطفان على قادتها وسادتها قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه فقال له : جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هراق ماءه فهو يرعد ويبرق ليس فيه شئ فدعني وما أنا عليه فاني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء ، فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن ادخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك ، فنقض كعب بن أسد عهده ومحا الكتاب الذي فيه العهد وقبل شقه فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه واله) فأرسل جماعة يأتونه بالخبر وأوصاهم إن كان ما بلغه حقا لحنوا له ولم يصرحوا وإن كانوا على الوفاء أخبروه جهارا فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم فعادوا إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) وقالوا : عضل والقارة ، أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع ، فقال (صلى الله عليه واله) الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وخيف على الذراري والنساء وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل الظن وخلص إلى كل امرئ منهم الكرب ونجم النفاق حتى قال بعض المنافقين : كان محمد يعدنا كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يامن على نفسه أن يذهب إلى الغائط وكانوا كما قال الله تعالى : {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا } [الأحزاب: 10 - 12]

ثم أن نعيم بن مسعود من غطفان أتى رسول الله (صلى الله عليه واله) فقال إني أسلمت ولم يعلم قومي باسلامي فمرني بما شئت فقال (صلى الله عليه واله) له إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فان الحرب خدعة فخرج حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية فقال قد عرفتم ودي إياكم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال إن قريشا وغطفان جاءوا لحرب محمد وقد ظاهرتموهم عليه وليسوا مثلكم ، البلد بلدكم به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره ، أما هم فان رأوا فرصة وغنيمة أصابوها وإلا لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ولا طاقة لكم به فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم ، فقالوا لقد أشرت برأي ونصح ؛ ثم خرج إلى أبي سفيان وأصحابه وقال : قد عرفتم ودي إياكم وفراقي محمدا وقد بلغني أمر رأيت حقا علي أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا علي ، قالوا نفعل ، قال أن اليهود قد ندموا على ما صنعوا بينهم وبين محمد وأرسلوا إليه هل يرضيك عنا أن نأخذ من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فندفعهم إليك فتضرب أعناقهم ثم نكون معك قال نعم ، فان بعث إليكم اليهود يطلبون رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم ؛ ثم أتى غطفان فقال أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلى ولا أراكم تتهموني قالوا صدقت قال فاكتموا علي قالوا نفعل ثم قال لهم مثلما قال لقريش فلما كانت ليلة السبت أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة أن أعدوا للقتال حتى نناجز محمدا فقالوا اليوم السبت ولا نعمل فيه شيئا ولسنا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم فانا نخشى أن ضرستكم الحرب أن تشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل ولا طاقة لنا به ، فقالت قريش الذي حدثكم نعيم بن مسعود حق ، فارسلوا إلى بني قريظة لا ندفع إليكم رجلا واحدا فان كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا ؛ فقالت بنو قريظة ان الذي قال لكم نعيم بن مسعود لحق ، فارسلوا إلى قريش وغطفان إنا لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا وخذل الله بينهم .

فلما اشتد على الناس البلاء ورأى النبي (صلى الله عليه واله) ضعف قلوب أكثر المسلمين من حصارهم لهم ووهنهم في حربهم بعث إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر وإلى الحارث بن عوف وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما فجاءا مستخفيين من أبي سفيان وكتبوا كتاب الصلح ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح ، فبعث (صلى الله عليه وآله) إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فأخبرهما ، فقالا يا رسول الله أمر تحبه فنصنعه أم شئ  امرك الله به لا بد لنا منه أم شئ تصنعه لنا ؟ فقال : بل شئ أصنعه لكم لأني رأيت العرب قد رموكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم ، فقال له سعد بن معاذ : قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك وعبادة الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منا تمرة إلا قرى أو بيعا ، أ فحين أكرمنا الله بالاسلام وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، قال (صلى الله عليه وآله) فأنت وذاك ، فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ، فأقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسلمون وعدوهم محاصرهم بضعا وعشرين ليلة وليس بينهم قتال إلا الترامي بالنبل والحجارة فرمى حبان بن العرقة سعد بن معاذ بسهم فأصاب أكحله وقال خذها وأنا ابن العرقة ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقيل سعد : حرق الله وجهك في النار ، وقال سعد : اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فابقني لها فإنه لا قوم أحب إلى أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة ، وكان مع المشركين وحشي قاتل حمزة فزرق الطفيل بن النعمان فقتله .

وروى ابن هشام والطبري أن صفية بنت عبد المطلب كانت في فارع حصن حسان بن ثابت ، قالت وكان حسان معنا فيه مع النساء والصبيان فمر بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله (صلى الله عليه واله) وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ، رسول الله والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا إن أتانا آت ، فقلت يا حسان أن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من ورائنا من يهود وقد شغل عنا رسول الله (صلى الله عليه واله) وأصحابه فأنزل إليه ، فقال : يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب والله لو عرفت ما أنا بصاحب هذا وكان حسان جبانا ، فلما لم أر عنده شيئا احتجزت وأخذت عمودا ونزلت إليه فضربته بالعمود حتى قتلته ورجعت فقلت لحسان : أنزل إليه فاسلبه فلم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل ، قال لي ما بسلبه من حاجة : وما أحق صفية الهاشمية بقول القائل :

 ولو أن النساء كمثل هذي * لفضلت النساء على الرجال

وجاء فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود عكرمة بن أبي جهل ونوفل بن عبد الله بن المغيرة وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان وضرار بن الخطاب الفهري فاقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق فلما تأملوه قالوا إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ، فقيل لهم ان معه رجلا فارسيا أشار عليه بذلك فصاروا إلى مكان ضيق في الخندق كان قد أغفله المسلمون فضربوا خيولهم فاقتحمت منه فجالت بهم بين الخندق وسلع .

قال ابن هشام والطبري وغيرهما : وخرج علي بن أبي طالب (عليه السلام) في نفر معه من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم قالا وقد كان عمرو بن عبد ود قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه .

أقول : يظهر أنهم لما عبروا الخندق وتقدموا نحو معسكر المسلمين فجالت بهم خيلهم بين الخندق وجبل سلع الذي جعله النبي (صلى الله عليه واله) خلف ظهره بادر علي (عليه السلام) فرابط عند الثغرة التي اقحموا خيولهم منها ليمنع من يريد عبور الخندق من ذلك المكان فإنه لم يكن في الحسبان أن المشركين يعبرون الخندق فلما رأوهم عبروه على حين غفلة بادر علي بمن معه ليمنعوا غيرهم وليقاتلوهم إذا أرادوا الرجوع ، وهذه منقبة انفرد بها علي (عليه السلام) في هذه الغزاة بمبادرته لحماية الثغرة دون غيره حين بدههم هذا الأمر الذي لم يكن في الحسبان وعلموا أن هؤلاء الذين اقتحموا الخندق بخيولهم وأقدموا على ما كان يخال أنه ليس بممكن من أشجع الشجعان .

ويقول المفيد : إن عليا (عليه السلام) بعد قتله عمرا وهرب من معه انصرف إلى مقامه الأول يعني الثغرة التي اقحموا خيولهم منها وقد كادت نفوس الذين خرجوا معه إلى الخندق تطير جزعا وهذا يدل على أن الذين كانوا معه بخروجه خرجوا وإليه استندوا وعليه اعتمدوا وحينئذ يحتاج إلى الجمع بين ما مر وبين ما يأتي من أنه لما طلب عمرو المبارزة قام علي فقال أنا له يا رسول الله فإنه يدل على أنه كان مع النبي (صلى الله عليه واله) فالظاهر أنه لما سمع عمرا يطلب المبارزة جاء إلى النبي (صلى الله عليه واله) فقام بين يديه وقال أنا له يا رسول الله فإنه لم يكن ليبارزه بغير إذنه (صلى الله عليه واله) .

قال صاحب السيرة الحلبية : فقال عمرو من يبارز ؟ فقام علي وقال أنا له يا نبي الله ، قال اجلس أنه عمرو ثم كرر النداء وجعل يوبخ المسلمين ويقول أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها أ فلا يبرز إلي رجل وقال :

 ولقد بححت من النداء  *  بجمعكم هل من مبارز

 اني كذلك لم أزل        *   متسرعا نحو الهزاهز

 إن الشجاعة في الفتي  *  والجود من خير الغرائز

فقام علي وهو مقنع في الحديد فقال أنا له يا رسول الله قال أجلس أنه عمرو ثم نادى الثالثة فقام علي فقال أنا له يا رسول الله فقال أنه عمرو فقال وإن كان عمرا وفي رواية أنه قال له هذا عمرو بن عبد ود فارس يليل فقال وأنا علي بن أبي طالب فاذن له وأعطاه سيفه ذا الفقار وألبسه درعه وعممه بعمامته وقال اللهم أعنه عليه وفي رواية : أنه رفع عمامته إلى السماء وقال إلهي أخذت عبيدة مني يوم بدر وحمزة يوم أحد وهذا علي أخي وابن عمي فلا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فبرز إليه علي وهو يقول :

 لا تعجلن فقد أتا * ك مجيب صوتك غير عاجز

 ذو نية وبصيرة * والصدق منجي كل فائز

 إني لأرجو أن أقيم * عليك نائحة الجنائز

 من ضربة نجلاء ‍ * في صيتها بعد الهزاهز

فقال له عمرو من أنت ؟ قال أنا علي ، قال ابن من ؟ قال ابن عبد مناف أنا علي بن أبي طالب ، فقال غيرك يا ابن أخي من أعمامك من هو أشد منك فانصرف فاني أكره أن أهريق دمك فان أباك كان لي صديقا وكنت له نديما ، قال علي لكني والله ما أكره أن أهريق دمك فغضب ، وفي رواية أنه قال : إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك فارجع وراؤك خير لك .

قال ابن أبي الحديد : كان شيخنا أبو الخير يقول إذا مررنا عليه في القراءة بهذا الموضع : والله ما أمره بالرجوع إبقاء عليه بل خوفا منه فقد عرف قتلاه ببدر واحد وعلم أنه ان ناهضه قتله فاستحيا أن يظهر الفشل فاظهر الابقاء و الارعاء وأنه لكاذب فيهما .

قال ابن إسحاق : فقال له علي يا عمرو قد كنت تعاهد الله لقريش أن لا يدعوك رجل إلى خلتين إلا قبلت منه إحداهما قال أجل قال علي فاني أدعوك إلى الله عز وجل وإلى رسوله (صلى الله عليه واله) والاسلام فقال لا حاجة لي في ذلك قال فاني أدعوك إلى البراز وفي رواية إنك كنت تقول لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلا قبلتها قال أجل قال فاني أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتسلم لرب العالمين قال يا ابن أخي اخر عني هذه فقال له أما أنها خير لك لو أخذتها قال وأخرى ترجع إلى بلادك فان يك محمد صادقا كنت أسعد الناس به وإن يك كاذبا كان الذي تريد قال هذا ما لا تتحدث به نساء قريش أبدا كيف وقد قدرت على استيفاء ما نذرت فإنه نذر لما أفلت هاربا يوم بدر و قد جرح أن لا يمس رأسه دهنا حتى يقتل محمدا (صلى الله عليه واله) قال فالثالثة قال البراز قال إن هذه لخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يروعني بها ولم يا ابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك فقال علي ولكني والله أحب أن أقتلك فحمي عمرو فقال له علي كيف أقاتلك وأنت فارس ولكن انزل معي ، فاقتحم عن فرسه فعقره أو ضرب وجهه وسل سيفه كأنه شعلة نار وأقبل على علي فتنازلا وتجاولا فاستقبله علي بدرقته فضربه عمرو فيها فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه فضربه علي على حبل عاتقه فسقط .

وكان جابر بن عبد الله الأنصاري قد تبع عليا (عليه السلام) لينظر ما يكون منه ومن عمرو ، قال فثارت غبرة فما رأيتهما فسمعت التكبير تحتها فعلمت أن عليا قد قتله .

وفي رواية أنه لما قتله كبر المسلمون فلما سمع رسول الله (صلى الله عليه واله) التكبير عرف أن عليا قتل عمرا ، ولما قتل عمرو هرب الذين كانوا معه حتى اقتحمت خيلهم الخندق وتورطت بنوفل بن عبد الله بن المغيرة فرسه في الخندق فرموه بالحجارة ، فقال يا معشر العرب قتلة أجمل من هذه ينزل إلي بعضكم أقاتله فنزل إليه علي فقتله .

وروى ابن إسحاق في المغازي أن المشركين بعثوا إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) يشترون جيفة عمرو بعشرة آلاف درهم فقال هو لكم ولا نأكل ثمن الموتى .

وفيه من التعليم على تشريف النفس والآباء وكرم الغلبة أمر ظاهر ، ولحق علي (عليه السلام) هبيرة فاعجزه وضرب قربوس سرحه فسقطت درع كانت له قد احتقبها وفر عكرمة وضرار .

وفي ارشاد المفيد : روى يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال : لما قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) عمرا أقبل نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووجهه يتهلل ، فقال له عمر بن الخطاب هلا سلبته يا علي درعه فإنه ليس في العرب درع مثلها ؟ فقال إني استحييت أن أكشف سوأة ابن عمي .

وفي السيرة الحلبية عن السهيلي نحوه ، وفي الارشاد روى عمر بن الأزهر عنه عن عمرو بن عبيد عن الحسن أن عليا لما قتل عمرو بن عبد ود أخذ رأسه وحمله فألقاه بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) فقام أبو بكر وعمر فقبلا رأس علي ، قال ورجع علي (عليه السلام) إلى مقامه الأول وهو يقول :

 نصر الحجارة من سفاهة رأيه * ونصرت رب محمد بصواب

 فضربته فتركته متجدلا * كالجذع بين دكادك وروابي

 وعففت عن أثوابه ولو أنني * كنت المقطر بزني أثوابي

 لا تحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الأحزاب

وكان مع عمرو ابنه حسل بن عمرو فقتله علي (عليه السلام) رواه ابن هشام في سيرته عن ابن شهاب الزهري .

قال جابر فما شبهت قتل علي عمرا إلا بما قص الله من قصة قتل داود جالوت حيث يقول الله جل شانه فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وفيما رواه الحاكم بسنده أن قائل ذلك يحيى بن آدم ولا مانع من أن يكون كل منهما قال ذلك .

وقال النبي (صلى الله عليه وآله) قتل علي لعمرو بن عبد ود أفضل من عبادة الثقلين .

وروى الحاكم في المستدرك بسنده أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال : لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة .

وقال ابن تيمية على عادته في إنكار البديهيات ورد المتواترات والمسلمات في الحديث الأول أنه حديث موضوع وكيف يكون قتل كافر أفضل من عبادة الثقلين الأنس والجن ومنهم الأنبياء بل أن عمرو بن عبد ود هذا لم يعرف له ذكر إلا في هذه الغزوة (اه‍).

وقال الذهبي في تلخيص المستدرك بعد نقل الحديث الثاني قبح الله رافضيا أ فتراه وأقول قبح الله ناصبيا يرد حديث رسول الله (صلى الله عليه واله) بالهوى والعداوة لأخيه وابن عمه ويزعم في ميزانه أن النصب قد ارتفع في عصره وليس عجيبا أن يتكلم الذهبي بذلك وهو تلميذ ابن تيمية .
وفي السيرة الحلبية : يرد قول ابن تيمية أنه لم يعرف له ذكر إلا في هذه الغزوة ما روي من أنه

قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه أقول روى ذلك الحاكم في المستدرك بسنده إلى ابن إسحاق قال : كان عمرو بن عبد ود ثالث قريش وكان قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة ولم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مشهده .

 قال في السيرة الحلبية : ويرده أيضا ما مر من أنه نذر أن لا يمس رأسه دهنا حتى يقتل محمدا أقول ويرده أنه كان معروفا بفارس يليل اسم مكان كانت له فيه وقعة مشهورة وورد تسميته بذلك في شعر مسافع الآتي وفيما مر ؛ وفيما رثي به عمرو مما يأتي ما يدل على نباهته وشجاعته وأنه ذو مقام عال في قريش قال واستدلاله بقوله وكيف يكون ، فيه نظر لأن قتل هذا كان فيه نصرة للدين وخذلان للكافرين (اه)‍ .

أقول : تأبى لابن تيمية حاله المعلومة إلا أن يصادم البديهة فان أقل نظرة يلقيها الإنسان على تلك الغزوة فيرى عشرة آلاف محاصرين للمدينة حنقين أشد الحنق على أهلها وهم دون الثلث بينهم عدد كثير من المنافقين وبنو قريظة إلى جنبهم يخافون منهم على ذراريهم ونسائهم وما أصاب المسلمين من الخوف والهلع الذي اضطر النبي (صلى الله عليه واله) أن يصانع غطفان بنصف ثمار المدينة وتعظيم الله تعالى ذلك في القرآن الكريم بقوله إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ووقوف عمرو ينادي بالمسلمين ويقرعهم ويطلب البراز ولا يجيبه أحد إلا علي فيقتل عمرا وينهزم المشركون بقتله ويرتفع البلاء ويأتي الفرج أقل نظرة يلقيها الإنسان على تلك الحال توصله إلى اليقين بان ضربة علي يومئذ أفضل من عبادة الجن والأنس والملائكة وملايين من العوالم أمثالهم لو كانت سواء أ جاء الحديث بذلك عن رسول الله (صلى الله عليه واله) أم لم يجئ ومتى احتاج النهار إلى دليل ، ولولا تلك الضربة لما عبد الله بل عبدت الأوثان .

وقد يسال سائل هنا فيقول : لما عبر عمرو والأربعة معه الخندق لما ذا لم يقم إليهم المسلمون فيقتلوهم وهم خمسة نفر والمسلمون ثلاثة آلاف والمشركون يصعب عليهم أنجادهم لوجود الخندق .

والجواب : إن المسلمين كان قد استولى عليهم الخوف والهلع وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وذهبت بهم الظنون وكان عبور المشركين من ثغرة الخندق غير مأمون ولذلك بدر علي قبل قتله عمرا إلى الثغرة مع جماعة فحماها وقد كادت نفوس الذين معه تطير جزعا كما مر ورجع بعد قتل عمرو فحماها أيضا كل ذلك يدل على أن عبور الخندق كان محل الخوف والخطر وأن عليا وحده كان الثابت الجنان في هذه المواقف الرهيبة .

قال المفيد في الارشاد وروى قيس بن الربيع ثنا أبو هارون العبدي عن ربيعة السعدي قال أتيت حذيفة بن اليمان فقلت له يا أبا عبد الله إنا لنتحدث عن علي ومناقبه فيقول لنا أهل البصرة أنكم تفرطون في علي فهل أنت محدثي بحديث فيه فقال حذيفة يا ربيعة وما تسألني عن علي فوالذي نفسي بيده لو وضع جميع أعمال أصحاب محمد (صلى الله عليه واله) في كفة الميزان منذ بعث الله محمدا (صلى الله عليه واله) إلى يوم القيامة ووضع عمل علي في الكفة الأخرى لرجح عمل علي على جميع أعمالهم ، فقال ربيعة هذا الذي لا يقام له ولا يقعد ولا يحمل ، فقال حذيفة : يا لكع وكيف لا يحمل وأين كان فلان وفلان وحذيفة وجميع أصحاب محمد (صلى الله عليه واله) يوم عمرو بن عبد ود وقد دعا إلى المبارزة فأحجم الناس كلهم ما خلا عليا فإنه برز إليه وقتله الله على يده والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك أعظم أجرا من أعمال أصحاب محمد إلى يوم القيامة (اه‍ ).

قال الحاكم في المستدرك : ثم أقبل علي نحو رسول الله (صلى الله عليه واله) ووجهه يتهلل فقال عمر بن الخطاب هلا سلبته درعه فليس للعرب درع خير منها فقال ضربته فاتقاني بسوءته واستحييت ابن عمي أن استلبه (اه)‍ قال الرازي في تفسيره : إنه (صلى الله عليه واله) قال لعلي بعد قتله لعمرو بن عبد ود كيف وجدت نفسك معه يا علي ؟ قال وجدتها لو كان أهل المدينة كلهم في جانب وأنا في جانب لقدرت عليهم .

قال المفيد : وكان قتل علي (عليه السلام) عمرا ونوفلا سبب هزيمة المشركين وقال رسول الله (صلى الله عليه واله) بعد قتله هؤلاء النفر : الآن نغزوهم ولا يغزوننا وذلك قوله تعالى : {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}[الأحزاب: 25] .
وفي الارشاد : وروى علي بن الحكيم الأودي قال سمعت أبا بكر بن عياش يقول : لقد ضرب علي ضربة ما كان في الاسلام أعز منها يعني ضربه عمرو بن عبد ود ولقد ضرب (عليه السلام) ضربة ما ضرب في الإسلام أشام منها يعني ضربة ابن ملجم وفيه روى أحمد بن عبد العزيز حدثنا سليمان بن أيوب عن أبي الحسن المدائني قال لما قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود نعي إلى أخته واسمها عمرة وكنيتها أم كلثوم فقالت من ذا الذي اجترأ عليه ؟ فقالوا ابن أبي طالب فقالت لم يعد موته إن كان على يد كفو كريم لا رقأت دمعتي إن هرقتها عليه قتل الأبطال وبارز الاقران وكانت منيته على يد كفو كريم من قومه ما سمعت بأفخر من هذا يا بني

عامر ثم أنشأت تقول :

 لو كان قاتل عمرو غير قاتله * لكنت أبكي عليه آخر الأبد

 لكن قاتل عمرو لا يعاب به * من كان يدعى قديما بيضة البلد

وتتمة الأبيات :

 من هاشم ذراها وهي صاعدة * إلى السماء تميت الناس بالحسد

 قوم أبى الله إلا أن يكون لهم * كرامة الدين والدنيا بلا لدد

 يا أم كلثوم ابكيه ولا تدعي * بكاء معولة حرى على ولد

وقالت أيضا في قتل أخيها وذكر علي بن أبي طالب :

 أسدان في ضيق المكر تصاولا * وكلاهما كفو كريم باسل

 فتخالسا مهج النفوس كلاهما * وسط المذاد مخاتل ومقاتل

 وكلاهما حضر القراع حفيظة * لم يثنه عن ذاك شغل شاغل

 فاذهب علي فما ظفرت بمثله * قول سديد ليس فيه تحامل

ذلت قريش بعد مهلك فارس * فالذل مهلكها وخزي شامل

ثم قالت والله لا تارث قريش بأخي ما حنت النيب قال وفي قتل عمرو بن عبد ود يقول حسان بن ثابت :

 امسى الفتى عمرو بن عبد يبتغي * بجنوب يثرب غارة لم تنظر

 ولقد وجدت سيوفنا مشهورة * ولقد وجدت جيادنا لم تقصر

 ولقد رأيت غداة بدر عصبة * ضربوك ضربا غير ضرب الحسر

 أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة * يا عمرو أو لجسيم أمر منكر

فلما بلغ شعر حسان بني عامر اجابه فتى منهم فقال يرد عليه في افتخاره بالأنصار :

 كذبتم وبيت الله لا تقتلوننا * ولكن بسيف الهاشميين فافخروا

 بسيف ابن عبد الله أحمد في الوغى * بكف علي نلتم ذاك فاقصروا

 ولم تقتلوا عمرو بن عبد ببأسكم * ولكنه الكفو الهزبر الغضنفر

 علي الذي في الفخر طال بناؤه * فلا تكثروا الدعوى علينا فتحقروا

 ببدر خرجتم للبراز فردكم * شيوخ قريش جهرة وتأخروا

 فلما اتاهم حمزة وعبيدة * وجاء علي بالمهند يخطر

 فقالوا نعم أكفاء صدق فاقبلوا * إليهم سراعا إذ بغوا وتجبروا

 فجال علي جولة هاشمية * فدمرهم لما عتوا وتكبروا

 فليس لكم فخر علينا بغيرنا * وليس لكم فخر يعد فيذكر

وقال مسافع بن عبد مناف بن وهب الجمحي يبكي عمرو بن عبد ود ويذكر قتل علي بن أبي طالب إياه اورده ابن هشام :

 عمرو بن عبد كان أول فارس * جزع المذاد وكان فارس يليل

 ولقد تكنفت الأسنة فارسا * بجنوب سلع غير نكس أميل

 يسل النزال علي فارس غالب * بجنوب سلع ليته لم ينزل

 فاذهب علي فما ظفرت بمثله * فخرا فلا لاقيت مثل المعضل

وقال هبيرة بن أبي وهب الذي كان مع عمرو وهرب يرثي عمرو بن عبد ود ويذكر قتل علي إياه أورده ابن هشام :

 فلا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * فقد بنت محمود الثنا ماجد الأصل

 فمن لطراد الخيل تقرع بالقنا * وللفخر يوما عند قرقرة البزل

 هنالك لو كان ابن عبد لزارها * وفرجها حقا فتى غير ما وغل

 فعنك علي لا أرى مثل موقف * وقفت على نجد المقدم كالفحل

 فما ظفرت كفاك فخرا بمثله * امنت به ما عشت من زلة النعل

قال ابن هشام والطبري : وبعث الله على المشركين الريح في ليال شاتية شديدة البرد فجعلت تكفا قدورهم وتطرح ابنتيهم وذلك قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا } [الأحزاب: 9] فلما انتهى إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) ما اختلف من امرهم وما فرق الله من جماعتهم قال من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع يشرط له رسول الله (صلى الله عليه واله) الرجعة واسال الله أن يكون رفيقي في الجنة فما قام رجل من شدة الخوف والجوع والبرد ، قال حذيفة بن اليمان فلما لم يقم أحد دعاني فلم يكن لي بد من القيام فقال اذهب فادخل في القوم فانظر ما ذا يصنعون ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا فذهبت فدخلت في القوم والريح تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء فقام أبو سفيان فقال يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه ؟ فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت من أنت ؟ قال فلان ابن فلان ، ثم قال أبو سفيان انكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فاني مرتحل ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فوالله ما اطلق عقاله الا وهو قائم ولولا عهد رسول الله (صلى الله عليه واله) ان لا أجدث شيئا حتى آتيه لقتلته ثم رجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) فأخبرته .

وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم فلما كان الصباح انصرف رسول الله (صلى الله عليه واله) بالمسلمين عن الخندق راجعا إلى المدينة ووضعوا السلاح .

 

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.