أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-18
712
التاريخ: 22-7-2016
1080
التاريخ: 22-7-2016
1029
التاريخ: 22-7-2016
1069
|
قد كثرت الأخبار في مدح الحبّ في الله والبغض في الله، وعظم ثوابه وفضله، ومعناه لا يخلو عن إجمال وإبهام، فلا بدّ من الإشارة إلى ما يدلّ على مدحه وفضله في الجملة، ثمّ بيان ماهيته وأقسامه، وهذا وإن كان أنسب بالذّكر في باب صحبة الإخوان كما فعله أبو حامد وغيره الا أنّه لمّا كان متوقّعاً على معرفة معنى الحبّ وتفصيل الكلام فيه، والتكرير ينافي الاختصار المقصود من وضع الكتاب فلذا ألحقناه بهذا الباب، والله الموفّق للصّواب.
فنقول:
قال صلى الله عليه وآله: «ودّ المؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان، ألا ومن أحبّ في الله وأبغض في الله ومنع في الله فهو من أصفياء الله» (1).
وقال صلى الله عليه وآله لأصحابه: «أيّ عرى الإيمان أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم ـ إلى أن قال ـ: لكن أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله وتوالي أولياء الله والتبرّي من أعداء الله» (2).
وقال صلى الله عليه وآله: «المتحابّون في الله يوم القيامة على أرض زبرجدة خضراء في ظلّ عرشه عن يمينه ... وجوههم أشدّ بياضاً وأضوء من الشمس الطّالعة يغبطهم بمنزلتهم كلّ نبيّ مرسل وملك مقرّب... الحديث» (3).
وقال الباقر عليهالسلام: «إذا أردت أنّ تعلم أن فيك خيراً فانظر إلى قلبك، فإن كان يحبّ أهل طاعته ويبغض أهل معصيته ففيك خير، والله يحبّك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحبّ أهل معصيته فليس فيك خير، والله يبغضك، والمرء مع من أحبّ» (4).
وقال عليهالسلام: «لو أنّ رجلاً أحبّ رجلاً لله أثابه الله على حبّه إيّاه وإن كان المحبوب في علم الله من أهل النّار، ولو أنّ رجلاً أبغض رجلاً لله لأثابه الله على بغضه إيّاه ولو كان المبغض في علم الله من أهل الجنّة» (5).
وقال الصادق عليهالسلام: «[كلّ] من لم يحبّ على الدين ولم يبغض على الدين فلا دين له» (6) والأخبار أكثر من أن تحصى، ذكرنا هذا القدر تبرّكاً.
واعلم أنّ الحبّ بين إنسانين يحصل غالباً بمجرّد الصحبة الاتفاقيّة كصحبة الجار وأهل سوق واحد، أو مدرسة واحدة، أو سفر واحد، أو خدمة سلطان أو غير ذلك، وظاهر أنّ أمثال هذه لا تعدّ من الحبّ في الله، بل هو الحبّ الاتّفاقي، وربّما يحصل من سبب وباعث آخر، وهو على أقسام أربعة أشرنا إليها في صدر المبحث:
أحدها: الحبّ لذاته لا ليتوصّل إلى أمر محبوب ومفقود وراءه، بل يلتذّ برؤيته ومعيّته ومشاهدة أخلاقه استحساناً منه له، لما عرفت من لذّة الجمال في حقّ من أدركه، واللذّة فرع الاستحسان، وهو فرع المناسبة والملائمة بين الطّباع، والمناسبة إمّا ظاهرة كجمال الصورة، أو كمال العقل والعلم وحسن الأفعال والأخلاق، وإمّا خفيّة معنويّة بين شخصين بخصوصهما، فكثيراً ما يستحسن رجل آخر من غير حسن ظاهر فيه بوجه من الوجوه، بل لمناسبة باطنيّة أوجبت إلفهما، فإنّ شبه الشيء ينجذب إليه بالطّبع، والأشياء الباطنة خفيّة، ولها أسباب دقيقة ليس في قوّة البشر الاطّلاع عليها. وإلى هذا القسم أشير في قوله صلى الله عليه وآله: «الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» (7).
وهذا لا يدخل في الحبّ في الله، بل مرجعه إلى الطّبع وشهوة النّفس، ولذا يتصوّر من غير المؤمن مع المؤمن وبالعكس، فإن اتّصل به غرض مذموم كان مذموماً، والا كان مباحاً.
والثاني حبّه لينال منه محبوباً مفقوداً وراء ذاته من المحابّ الدنيويّة، ولا ريب في أنّ وسيلة المحبوب محبوب، وهذا أيضاً مثل الأوّل.
والثالث كذلك الا أنّه من المطالب الأخرويّة كحب التلميذ للأستاذ، فإنّ المقصود سعادة الآخرة، وهذا يعدّ من الحبّ لله، وكذلك العكس؛ لأنّه ينال بواسطته رتبة التعليم ويستحقّ به التعظيم في ملكوت السماء.
والضابط أنّ كلّ من يحبّ أحداً لصفته أو فعله الذي يوجب تقرّبه إلى الله فهو من المحبّين في الله كحبّ من يخدمه من حيث إنّه يفرغه لتحصيل العلم والعمل، وحبّ زوجته لأجل ذلك وما يضاهيه في القصد الصّحيح.
الرابع: حبّه لله وفي الله لا لينال منه علماً ولا عملاً أو يتوسّل به إلى شيء وراء ذاته، بل من حيث إنّه صنع الله ومنسوب إليه إمّا بنسبة عامّة تشمل كلّ الممكنات أو خصوصيّة نسبة من يقرّبه إليه بعلم أو عمل، وقد أشرنا إلى أنّ كلّ من يحبّ أحداً بالحبّ البالغ يسري حبّه إلى كلّ من ينتسب إليه حتّى من يمدحه ويحفظ غيابه، بل محلّه ومسكنه وبلده وطائفته، كما قيل:
أمّر على الديار ديار سلمى ** اقبّل ذا الجدار وذا الجدار
وما حبّ الديار شغفن قلبي ** ولكن حبّ من سكن الديارا
والبغض في الله بغضك كلّ من يعصي الله ويخالفه من حيث العصيان والمخالفة، وقد مرّ الخلاف في أنّ من تصادق مع أخ له في الله ثمّ رأى منه المخالفة والعصيان فهل يحسن حينئذ تركه وتبديل حبّه ببغضه ومهاجرته وقطع أخوّته لما ذكر، أو لا بل يهتمّ بكلّ ما يمكنه من القول والفعل حتّى رياضة نفسه في التضرّع والدعاء له ليهديه الله إلى ما كان عليه أوّلاً، وقد ذكرنا ما يغنيك في باب حقوق الإخوان.
ثمّ المعاصي لها درجات مختلفة بعضها أكبر وأشدّ من بعض، وكذا البغض والهجران له مراتب مختلفة شدّة وضعفاً، فينبغي أن يراعي الترتيب والمماثلة في الشدّة والضّعف. وهذا كلّه بعد النّصح والتلطيف في الكلام بالرفق واللّين بما سبق تفصيله في باب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وباب حقوق المعاشرة.
وكثيراً ما يتّصف الإنسان بصفتين: إحداهما محمودة والأخرى مذمومة، فلا بدّ من موازنة إحداهما بالأخرى فيرجّح الأشد على الأضعف، بل لا بدّ من ملاحظة الحيثّية، فيحبّه من حيث صفته المحمودة، بل من الجهة الكليّة العامّة المشتركة بين كلّ الممكنات في الانتساب إلى ربّ الأرباب، بل يكون ملاحظته لهذه الجهة أكثر وأدوم، ويبغضه من الجهة المذمومة، ويوازن إحداهما بالأخرى ويعمل بمقتضى الجهتين معاً في السعي في الهداية والإرشاد، والمنع بالكلام الطيّب والدّعاء والاستغفار له مهما أمكن، وبالجملة؛ لمّا كان المقصود من الحبّ والبغض شيء وراء ذات المحبوب والمبغوض، وإنّما تعلّق الحبّ والبغض به واطلق عليه بالتّبع، فالمعيار الكلّي مراعاة ما هو الأصل في ذلك.
واعلم أنّ من تمام الحبّ لله الوفاء، أي الثبات عليه والمواظبة على مقتضياته ولوازمه وإدامته إلى الموت وما بعده مع أولاده، وأصدقائه، وضدّه الجفاء وهو قطعه وترك لوازمه بالنسبة إليه أو إلى من ينتسب إليه في حياته أو بعد موته، ولولا الوفاء لما كان للحبّ فائدة؛ لأنّه إنّما يراد للآخرة، فإن انقطع قبل الوصول إليها ضاع السعي وحبط العمل، ولأنّها إن كانت لله فلا معنى لانقطاعها لأنّ انتفاء المسبب مع بقاء السبّب غير معقول، فهو يدلّ على كونه لله، وما قيل من أنّ قليله بعد الممات أحسن من كثيره في الحياة إنّما هو لأجل دلالته على الخلوص وكونه لله، وقد تقدّم من أحكام الصحبة وآداب الإخوّة ما يغنيك إن كنت طالباً.
ولنقطع الكلام على حبّ الله ورسوله وأوليائه الكرام حامدين له تعالى على التوفيق للإتمام والفوز بسعادة الاختتام مصلّين على محمّد صلى الله عليه وآله سيّد الأنام وآله أمناء الملك العلّام وشفعاء يوم القيامة، آملين من فضله العميم ومنّه الجسيم أن يوفّقنا وسائر إخواننا لطاعته ومرضاته وأن يسدّد قلوبنا وجوارحنا بتأييداته وتسديداته، ويحفظنا من شرّ نفوسنا الأمّارة بألطافه وكراماته ويميل قلوبنا ويصفّي عقولنا للتدبّر في بدائع الحكم المودعة في آياته بمحمّد سيّد رسله وبريّاته.
وكتب مؤلّفه الراجي رحمة ربّه الحيّ القيّوم، خادم طلبة العلوم محمّد حسن بن المرحوم الحاج معصوم القزويني أصلاً والحائري موطناً ومسكناً ـ وفّقه الله لسلوك مسالك مراضيه وجعل مستقبل أيّامه خيراً من ماضيه ـ.
وفرغ من تأليفه ضحوة يوم الاثنين الثاني من شهر شوّال المكرّم من سنة العاشرة بعد المأتين والألف من الهجرة النبويّة على مهاجرها ألف صلاة وثناء وتحيّة حامداً لله ومصلّياً على محمّد وآله سادات البريّة (8).
__________________
(1) الكافي: 2 / 125، كتاب الإيمان والكفر، باب الحبّ في الله والبغض في الله، ح 3.
(2) الكافي: 2 / 125 ـ 126 كتاب الإيمان والكفر، باب الحبّ في الله والبغض في الله، ح 6.
(3) الكافي: 2 / 126، كتاب الإيمان والكفر، باب الحبّ في الله والبغض في الله، ح 7.
(4) الكافي: / 126 ـ 127، كتاب الإيمان والكفر، باب الحبّ في الله والبغض في الله، ح 11.
(5) الكافي: 2 / 127، كتاب الإيمان والكفر، باب الحبّ في الله والبغض في الله، ح 12.
(6) الكافي: 2 / 127، كتاب الإيمان والكفر، باب الحبّ في الله والبغض في الله، ح 16.
(7) المحجة البيضاء: 3 / 249.
(8) في نسخة ج: هكذا كان في آخر نسخة ظاهرها بخطّ المصنّف ...
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|