أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-20
1092
التاريخ: 2023-07-06
1077
التاريخ: 2023-06-05
1038
التاريخ: 2023-03-28
1314
|
كان يوسف العظمة، وهو صنو أنور ومصطفى كمال في المدارس الحربية الألمانية، شديد البأس، شُجاعًا باسلا، صريح الكلمة، صادق، اللهجة ذا وطنية أجيبها من نار الشهداء. ولكنه في حماسته واندفاعه، وهو وزير الحربية في الحكومة السورية، أساء إلى معقوله ونسي حقيقة الحال التي توجب الحكمة والاعتدال. أما الملك فيصل فهو في سياسته وخصوصًا في المواقف الحرجة، ينسى أنَّ الحماسة روح الحقيقة، وأنَّ الضحية نورها. فلو رأى الواحد منهما ما في الآخر وتنزل إلى قبول شيء منه في الساعة الخطيرة، ساعة الجزم واليقين لما كانت تلك الثلمة التي انقضت منها روح الفوضى فساعدت الصائل على الأمة وذبحت فيها الحرية والأمل. كانت الثلمة، مهما قيل في حُسن الصَّلات بين الملك والمؤتمر السوري، وكانت الفوضى وكان الاستيلاء الأجنبي. ثَبَتَ المؤتمر في قراره الأخير فأعلن الحرب، على أثر وصول البلاغ النهائي، دفاعًا عن الوطن، وصدر الأمر من وزارة الحربية بإرسال الفرقة الأولى إلى مجدل عنجر في منطقة ميسلون لتكون هناك مستعدة للحرب. ولكن أعيان الأمة ورؤساءها الروحيين كانوا يميلون مثل الملك إلى قبول الشروط، فوكلوا الأمر إليه، فأرسل جلالته في 16 تموز برقيَّة إلى الجنرال غورو يقبل الشروط كلها، وأصدر أمرًا في تسريح الجيش وآخر إلى الجنود في منطقة ميسلون ليرجعوا إلى دمشق، إلَّا اللواء الرابع فيبقى محافظا على الحدود على أنَّ البرقية لم تصل إلى الجنرال إلَّا بعد انتهاء المدة المعينة في البلاغ؛ لأنَّ العُصاة، كما ادعت الحكومة، كانوا قد قطعوا الأسلاك البرقية في جهات الزبداني. هب أنَّها الحقيقة فإنَّ القيادة الفرنسية كانت عالمة بما كان يجري في تلك الأيام في دمشق، وقد حلَّقت طائرة في 18-تموز فوق المدينة، فألقت منشورا من الجنرال غورو مطلعه ما يلي: ( في هذه الساعة التي تقذفكم فيها حكومتكم إلى القتال وتستهدف بلادكم لأخطارالحرب وويلاتها أوجه إليكم الخطاب لأقول لكم السبب الذي من أجله تُقاتلون (فإذا كان عالما بما أقره المؤتمر السوري، أفلا يكون عالما كذلك بما أقره الملك بالاتفاق مع وزرائه وفريق من أعيان المدينة؟ أَوَمَا كان جديرًا به أن يَسأَلَ في الأقل ضابط الارتباط الفرنسي في دمشق ليبحث عن السبب في تأخير الجواب، وهو القائل في منشوره: «على أني ما زلتُ أملا بأنَّ السوريين الأذكياء المتنورين لن يرضوا بأن يُلقوا بأنفسهم إلى التهلكة عن الأقلية الأثيمة»؟ إذن هو عالم أنَّ الأقلية ترفضُ شروطه والأكثرية تقبل بها، وقد أرسلت الجواب الذي فيه فصل الخطاب، فلماذا فضَّل الجنرال العمل بظنه على العمل بيقينه؟ فبعد أن أرسل البلاغ النهائي زَحَفَ جيشه، وهو زهاء سِتَّة آلاف من الجنود السنغاليين والمراكشيين والجزائريين، على دمشق مُتَّخذا غير الطريق المعروفة، طريق وادي الحرير، فقطع سهل البقاع من جب جنين إلى وادي القلوح فمرَّ بقرية بكا، ثم بدير العشائر، فاستصحب أحد الرجال هناك دليلا، ودَارَ إلى الدِّيماس، فقطع خط الرجعة على السوريين المعسكرين في منطقة ميسلون، ووقف هناك ليؤمن مؤخّرته قبل أن يستأنف الزحف على دمشق. وقد دل المسلك في زحف الجيش على استعداده للقتال ورغبته فيه، فشاء عند وصوله إلى الديماس أن يخرج الجنود العرب من مراكزهم المحصَّنة ليضربهم في الفلاة ويحتل تلك الأماكن؛ لذلك بادَرَ إلى احتلال مجدل عنجر عندما انسحب الجنود العرب منها، وأخذوا يتراجعون بدون نظام إلى دمشق، بَيْد أنَّ اللواء الرابع ظلَّ مُحافظًا هناك بموجب الأمر الذي أصدره الملك، فتصدى للدفاع عندما تقدَّمَ الجنود الفرنسيون، فأُسقط في يده وأسر برمته. أما وزير الحربية يوسف العظمة، فكان قد أصدر أمرًا إلى الجنود المسرحيين يُناقض أمر جلالة الملك، فأوقف قائد اللواء الأول حسن الجندي، عددًا من جنوده يراوح بين الثلاثمائة والأربعمائة وعاد بهم إلى ساحة القتال فئة صغيرة وقفت وقوف الأبطال في وجه الفئة الكبيرة، فخشيت القيادة الفرنسية أن تكون القوات العربية التي انسحبت من مجدل عنجر متحصنة في جهات خان ميسلون، وأن تكون هذه الشرذمة طليعة جيش كبير، فرغبت إلى الملك فيصل بهدنة مُدَّتها ثمان وأربعون ساعة تنتهي في الساعة الأخيرة من 23 تموز. فكانت الهدنة، وجاء مندوب الحكومة العربية مصحوبًا بالمعتمد الفرنسي بالشام للمفاوضة مع الحكومة الفرنسية بعاليه. أعود بالقارئ إلى المسرح في دمشق؛ حيثُ الثلمة بين الحكومة والأمة كانت تزداد خطرًا واتساعا. فلما انتشر خبر الأمر بتسريح الجيش، نهض جمهور من الدمشقيين يحتجون، بل نهضوا للثورة في سبيل الاستقلال، وبادروا إلى الثَّكنة والقلعة يطلبون الذخيرة والسلاح، فأصدرت الحكومة أمرًا بتشتيتهم. وكان قد وصل إلى دمشق بعض الجنود المسرحين العائدين من ميسلون فازدادت نار الثورة تأججا، وكانت الفوضى تنفخ فيها على الدوام، فقام بعض الرعاع يصيحون مع الثَّائرين ويسلبون وينهبون. جاءت كتيبة من الجند لتشتيت هذه الجموع الهائجة، فنشب بين الفريقين القتال ووقع مئات من القتلى تحت نيران المدافع الرشاشة وكان يوسف العظمة لا يزالُ مُصِرًا على رأيه وعزمه، أمَّا الملك فيصل فبعد التردُّد والتحير، نهض يوم الجمعة يشد حقويه ويستل السيف باسم الله، وَقَفَ يومئذٍ في الجامع الأموي خطيبًا وطَفِقَ يدعو النَّاس للجهاد، ويعدهم بأنَّه سيكون في طليعة الجيش. ولكن وزير الحربية الباسل سبقه إلى الجهاد، فخرج بأربعمائة جندي ومائتين من الهجانة، يصحبهم ويتبعهم جيش من الأهالي والعربان يُراوح عدده بين أربعة وخمسة آلاف جاء ينجد تلك البقيَّة المستبسلة من اللواء الأول. ولكنه وهو وزير الحربية كان يعلم أنَّ الذخيرة والمعدات لديه لا تكفي لمعركة واحدة خطيرة؛ ففضّل الشهادة على الحكمة، والموت في سبيل الوطن على الحياة في ذله. اتخذ العظمة عقبة الطين جبهة للدفاع، ونشبت في 25-تموز نار الحرب بين الجيشين في واقعة دامية استمرت ست ساعات واستخدَمَ فيها الجنود الفرنسيون الطائرات والدبابات هي واقعة ميسلون المعروفة التي أضعفت القوات العربية، وأوقعت في صفوفها عوامل التفكك والانهيار. ووقف يوسف العظمة في مُقدِّمة رجاله يحثهم على القتال، فأصيب برصاصة في فخذه، وأُخرى في كَتِفِهِ، وظل يوجه ويُقاتِلُ حتَّى أصابته الثَّالثة في رأسه فَهَوَى إلى الأرض شهيدًا. رحم الله كلَّ مَن مات بطلا في سبيل الحرية والاستقلال. في اليوم التالي دخل الجنود الفرنسيون دمشق، وكان قد غادرها الملك فيصل ومعه بعضُ مَن لا يزالون في حاشيته من بغداد.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|