أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-25
1384
التاريخ: 2023-06-05
967
التاريخ: 2023-04-01
916
التاريخ: 2023-04-20
1044
|
كان لإسقاط حكم داوود باشا المعادي للمصالح البريطانية وابعاد العراق عن مشاريع محمد علي في استقطابه إلى جانب دولته الجديدة في مصر والشام، بل واتخاذه قاعدة عثمانية لضرب الوجود العسكري المصري في اعالي الجزيرة الاثر الواضح في تزايد النفوذ البريطاني في ارضه إلى الحد الذي صرح فيه أحد الضباط البريطانيين في بغداد وهو فرنسيس جسني في تقرير كتبه في اوائل 1831م ان النفوذ البريطاني سائد ومهم الان في الباشوية. وكان الوالي علي رضا باشا قد اصدر في اعقاب استتباب الأمر له في العراق - قرارا الصالح البريطانيين في الثاني من تشرين الأول 1831 يؤكد فيه العمل وفق المعاهدات المعقودة بين الدولتين العثمانية والبريطانية، وفي مقابل ذلك طلب السفير البريطاني لدى الباب العالي من روبرت تايلر (الوكيل السياسي البريطاني في بغداد) ان يقدم المساعدات الممكنة لعلي رضا ليوطد اقدامه في الحكم واوصى تايلر حكومته بإمداد والي بغداد بالأسلحة، كما عرض على الوالي ان يتولى ضابط بريطاني قيادة جيشه، وكان ذلك في اطار العلاقات الوثيقة القائمة آنذاك بين بريطانيا والدولة العثمانية لمواجهة مشروعات محمد علي وما ترمي اليه من اهداف تشكل خطرا على وجودها في المنطقة. لقد تعددت المشروعات التي ترمي إلى توطيد النفوذ البريطاني في العراق، فقد أوفدت حكومة بومبي خلال الفترة (1830-1860) عدة بعثات لتقوم بأعمال المسح والتخطيط فيما بين النهرين بهدف ايجاد طريق للمواصلات بين الشرق والغرب يكون متمما للطريق القديم المار برأس الرجاء الصالح. فالضابط فرنسيس جسني قام بدراسة استطلاعية عن نهر الفرات وخليج البصرة استغرقت عاما كاملا (حزيران1830 - حزيران 1831) اعد بعدها تقريرا مفصلا رفعه إلى حكومته يبين فيه صلاحية الفرات لسير الفن التجارية وضرورة اتخاذه سبيلا للمواصلات بين البحر وخليج البصرة كما درس أحد مساعديه المدعو هـ. ب. لنج نهر دجلة خلال المدة (1887-1839) ومسح ما بين اعاليه وبغداد، ثم تقدم بالمسح والقياسات إلى شط العرب، وفي حوالي 1840 اسس شركة للملاحة في نهر دجلة وتمت اوسع دراسة تفصيلية عن العراق من قبل قائد في بحرية الهند هو جيمس فلكس جونز، الذي استغرق مكوثه في البلاد عدة سنوات (1850-1852) وتضمن تقريره الذي قدمه لحكومة بومبي جداول تفصيلية عن جميع ما يتصل بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالإضافة إلى المسح الطبوغرافي، واقترح بان تتخذ الاجراءات لجلب رؤوس الاموال وكذلك المهاجرين لاستعمار العراق وقد ورد في حديث احد مساعديه المسمى كولنكود وهو ضابط في البحرية الهندية، ما يشير إلى حراجة الظروف التي احاطت به وبزملائه من اتباع جونز، في اثناء قيامهم بتلك الدراسات، فهو يذكر متحدثا عن نفسه: "انني وحدي انجزت تخطيط ،بغداد، في ظروف جدا عصيبة، إذ كنت مضطرا إلى العمل خفية... وقد حدث احيانا ان قمت بتسجيل المواقع والمحلات على قميصي الابيض، مغتنما الفرصة إذا ما استطعت الحصول حينئذ على قلم الرصاص، وكثيرا ما اوشك امري ان يفتضح حتى انني توسلت بشتى انواع الحيل لدفع الريبة " . وكانت تلك المشروعات تمثل في حقيقتها سياسة استعمارية بعيدة المدى، والتي ادت إلى توطيد النفوذ البريطاني في العراق. في ستينيات القرن التاسع عشر بدأ البريطانيون يتطلعون لمد نفوذهم على الفاو نظرا لموقعها الاستراتيجي، اذ نظرا لاتساع التجارة البريطانية في الخليج العربي وايران في بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وما نجم عن ذلك من تشعب في المصالح البريطانية في المنطقة، ولكون العراق اقصر الطرق بين مستعمرات بريطانيا في الهند وبريطانيا نفسها من ناحية، ولان هذا الطريق اكثر امانا من طريق رأس الرجاء الصالح، فقد بادرت الدبلوماسية البريطانية التي تركيز نفوذها في منطقة الفاو، التي كانت تعد الموقع الاستراتيجي لحماية شط العرب من أي نفوذ اجنبي من طرف، والوقوف عن كثب على تحركات السلطات العثمانية من طرف اخر. ومن هنا بادرت حكومة الهند الى مفاتحة الدولتين العثمانية والايرانية بشأن اهمية مد اسلاك تلغراف عبر اراضيها من اجل تسهيل الاتصالات البرقية بين دولتيهما والعالم الخارجي، وكان قصد حكومة الهند ضمان الاتصال السريع والمباشر بين الهند وبريطانيا، لمواجهة التغلغل الاقتصادي والسياسي الاوربي في كل من ايران والدولة العثمانية، الذي بات يهدد المصالح الاقتصادية البريطانية ولاسيما بعد المباشرة بتنفيذ مشروع قناة السويس من لدن المهندسين الفرنسيين ولتزايد النفوذ الروسي في ايران وحصول روسيا على امتيازات تجارية فيها، وخشية بريطانيا من امتداد ذلك النفوذ الى الخليج العربي. ومن هنا جاء التفكير في انشاء دائرة تلغراف في الفاو لكي تربط دوائرها الرسمية في لندن مع مستعمراتها في الهند من جهة، والحفاظ على المنطقة من أي تدخل من جهة اخرى. ففي عام 1862 عهد الى الرائد باتريك ستيوارت ادارة عمليات البرق الهندية الأوربية، وبذلك أصبح اول مدير مسؤول عن دائرة البرق الهندي. لذا قام بدراسة مستفيضة حول مشروع مد اسلاك التلغراف من الهند الى الفاو، ومن ثم برا خلال العراق الى البحر المتوسط، وبعد مسح كامل للمنطقة رفع توصيته الى وزير الدولة الهندي شارحا فيها امكان مد خط تلغراف الى الفاو التي اختارها وفضلها على الكويت لتكون المكان المناسب التي تصل عند خطوط البرق. ويبدو ان توصية باترك مقبولة حيث قام الملازم ستيف عام 1863 بعملية المسح من جاسك الى الفاو، وكان الهدف من العملية هو التأكد من امكان مد الاسلاك الى منطقة الفاو، وفعلا تمت الاستعدادات في العام نفسه لمد حزمة الاسلاك (الكابل) الى الفاو، وقد افتتح الاتصال البرقي بين الفاو والهند في نيسان 1864. وعلى الرغم من اكمال هذه العملية فانه لم يكن هناك اتفاق رسمي بين الحكومة البريطانية والحكومة العثمانية الا في ايلول من العام نفسه، حيث وقعت الاتفاقية في 3 ايلول 1864 بين الحكومتين نصت على:
1- السماح لحكومة الهند تأسيس دائرة تلغراف في الفاو ويدير المحطة عدد من الموظفين البريطانيين لا يزيد عددهم على الخمسين.
2. مد كابل تحت مياه البحر من الهند البريطانية الى الفاو مار ببوشهر.
3. مد خط برق فوق الأرض من بغداد يتصل بكابل ارضي عند الفاو.
4. اقامة موظفي دائرة لتلغراف البريطاني في بناية ملاصقة ببناية دائرة التلغراف العثماني لتسهيل تبادل البرقيات المستلمة من موظفي كل منهما عبر نافذة بين البنايتين، على ان يتم مناصفة نفقات البناية بين ادارة التلغراف العثماني والبريطاني.
رغم انشاء البريطانيون للتلغراف الا ان الحكومة البريطانية لم تستطع فتح مكتب بريد في الفاو مستقلا عن مكتب دائرة التلغراف، وبدأت الخدمة البريدية في عام 1867 وهو العام الذي أصبح الفاو ميناء لرسو سفن البريد. حيث كانت الحقائب ترسل من مكاتب كراتشي وبوشهر والبصرة الى موظفي محطة التلغراف البريطانية في الفاو وتقوم الاخيرة بتسليمها الى بواخر البريد في اثناء مرورها. وفي نهاية 1893 اقترح الرائد موكلر المفوض في بغداد تعيين موظف من محطة التلغراف البريطانية في الفاو ليكون ممثلا قنصليا لبريطانيا هناك. وقد وافقت الحكومة البريطانية على مقترح موكلر، وفي عام 1896 أصدر موكلر امرا اداريا بتعيين منجافش التابع لقسم التلغراف الهندي البريطاني ليكون ممثلا قنصليا لبريطانيا في الفاو. وقد رفضت السلطات العثمانية هذا الاجراء، وفي 22 ايلول من العام نفسه قدمت الحكومة البريطانية مذكرة الى السلطات العثمانية تؤكد فيها ان في حالة عدم موافقتها، فان السلطات البريطانية سوف ترسل سفينة حربية بريطانية الى الفاو لحماية المصالح البريطانية، وفعلا وبعد شهر من رفع المذكرة ارسلت السلطات البريطانية سفينة لابونج. وفي الوقت نفسه سحبت السلطات البريطانية الطلب الخاص في انشاء فرع قنصلي بريطاني في الفاو بعد ان تلقت تأكيدات من الباب العالي بشأن معالمة السفن الهندية البريطانية معاملة حسنة، الا ان السفينة لابونج بقيت قرب الفاو حتى اذار 1897، وبعدها سحبت حينما حققت الهدف الذي ارسلت من اجله، وفي الوقت نفسه اقيم مركز مراقبة على شكل سفينة شراعية خشبية تحمل ثلاث بنادق بالقرب من الفاو . وفي عام 1912 وصل خبراء بريطانيين من اجل دراسة الامكانات المصرفية في العراق، واسفرت الزيارة عن تأسيس المصرف الشرقي مقره في لندن وفتح فرع له في بغداد، ومن ثم مجموعة فروع في كل من البصرة، والموصل، والعمارة، وكركوك، وتعزز موقع هذا المصرف الى درجة ان الحكومة العثمانية في العراق بدأت تعتمد عليه وتتعامل معه منذ لحظة تأسيسه. لم يقتصر النفوذ الأوروبي في العراق على البريطانيين فسرعان ما ظهر النفوذ الالماني، فقد بدأت المانيا تظهر على المسرح الدولي كقوة استعمارية تسعى بنشاط للحصول على مستعمرات، وبدأ ساستها يطالبون بذلك علنا فقد صرح بيلوف وزير الخارجية الألماني في نهاية القرن التاسع عشر في الرايخشتاغ بقوله: "لقد ذهب الوقت الذي كانت فيه الشعوب الأخرى تقتسم فيما بينها الارض والمياه في حين نكتفي نحن الالمان بالسماء الزرقاء فقط ... اننا نطالب لأنفسنا بمكان تحت الشمس". لكن ظهور المانيا على المسرح الاستعماري جاء متأخرا لان الدول الاستعمارية الاخرى كانت قد سبقتها في هذا المجال، واستولت على أكثر الاسواق اهمية واغنى المستعمرات وأفضلها. ولهذا تحتم على المانيا ان تفكر لا بالاستيلاء على اراضي شاغرة، بل انتزاع المستعمرات ومناطق النفوذ من الدول الرأسمالية الاخرى. وهكذا كان على المانيا ان تخوض صراعاً عنيفاً من اجل اقتسام الاسواق والمستعمرات واستطاعت ان تحقق في هذا المجال بعض النجاح منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، فاستولت على مناطق لا يستهان بها في افريقيا وآسيا وفي المحيط الهادي. لقد كانت الدولة العثمانية وعلى الاخص اقطار المشرق العربي الخاضعة لها تحتل مكان الصدارة في مخططات المانيا التوسعية. فقد كانت هذه الدولة حتى بعد ان اقتطعت الدول الاستعمارية الكثير من اقاليمها وفقدت مناطق واسعة نتيجة للثورات التحررية التي قامت بها كثير من الشعوب الخاضعة لها، لا تزال تمتلك اراضي واسعة جدا في بداية القرن العشرين. وكانت هذه الدولة والاقطار العربية التابعة لها بالذات تمتاز بثروات طبيعية هائلة، وموقعي استراتيجي مهم. فيما يخص العراق من هذه المخططات الألمانية نجد ان الالمان منذ وقت مبكر تنبهوا الى اهميته لمخططاتهم الاستعمارية، فقد أجهد الجنرال البروسي مولتكة نفسه عندما كان يعمل خبيرا في الجيش العثماني في الفترة 1835 - 1839 في نشر العديد من المقالات في الصحف الالمانية يدعو فيها الاوساط الحاكمة في برلين الى العمل على ان يستوطن الالمان في منطقة ازمير ووادي الفرات مشيرا الى الثروات الهائلة التي تتمتع بها هذه المناطق. وفي عام 1866 نشر البروفيسور شبرنجر وكان قد قام برحلة طويلة في الدولة العثمانية كتابا بعنوان: "بابل اغنى بلد في الماضي وأكثر المناطق ملاءمة للاستيطان في الحاضر". وقد اشاد فيه ببلاد ما بين النهرين وأسهب في وصف مناخها وجميع ما تمتاز به من خصائص، وخلص من ذلك كله الى التأكيد على انه لا يوجد في العالم كله منطقة اكثر ملاءمة لاستيطان الالمان. وقد زار الدولة العثمانية العديد من المستشرقين المختصين في تسعينيات القرن التاسع عشر بطلب من مختلف منظمات الاستيطان الالمانية وهدفهم البحث عن اكثر المناطق ملاءمة للاستيطان، وظهرت الدراسات التي قاموا بها على شكل تقارير وكتب تدعو الى التعجيل باستيطان اسيا الصغرى وشمال العراق، واشتهر في المجال كتابا زخاو: رحلة في سوريا وما ين النهرين)، و على دجلة والفرات)، وكتاب اوبنهايم (من البحر المتوسط الى الخليج العربي). فقد أكد الكاتبان ان شمال العراق هو أكثر المناطق ملاءمة للاستيطان نظرا لما يتمتع به من ثروات طبيعية كبيرة، ومناخ جيد بحيث ان استيطان الالمان فيه سيؤدي الى ان يسود هناك فردوس حقيقي للمزارع على حد تعبير زخاو. ومن اللافت للنظر ان كلا المؤلفين كانا يريدان من الدولة العثمانية ان تساعد الألمان وتمهد لهم ظروف الاستيطان في تلك المناطق، اذ اعتقدا بأن على الدولة العثمانية ان تعلم القبائل العربية العاصية على العقل والبصيرة وان تعلمها احترام التقدم. وبهذا الشكل اراد المؤلفان التخلص من المقاومة العربية التي لابد ان تشتعل ضد مشاريع الاستيطان الالمانية. ويبدو ان تلك المشاريع لم تكن غائبة عن اذهان المسؤولين العثمانيين ونجد ذلك واضحا بما قاله السلطان عبد الحميد حول مؤلف اوبنهايم: "الكتاب الذي الفه البارون فون اوبنهايم حول الهلال الخصيب يوضح بشكل جيد الاهمية الاقتصادية لوادي دجلة والفرات، هذا الكتاب الذي قرأت خلاصته، تؤيده التقارير التي ارسلها ولاتنا حول مستقبل هذه المنطقة". اما جنوب العراق الذي يمتاز بجو حار لا يفضله الالمان فأن لهؤلاء المفكرين خططا اخرى بشأنه، فشبرينجر يدعو الى انشاء مزارع المانية واسعة هناك يستغل فيها اصحابها الالمان عمل العرب اهل المنطقة. وقد طور باول رورباخ وهو احد ابرز ايديولوجي الامبريالية الالمانية هذه الافكار وتحمس للدعوة الى التوسع في انشاء تلك المزارع واستغلال عمل الاهالي في جنوب العراق وقد قدم تصورا كيف ان اهالي جنوب العراق السمر سينسابون الى السهل الواسع لكي يجلبوا للألمان الكثير من الغلال. ما ان حل القرن العشرين حتى كان الالمان قد حصلوا على اول امتياز لهم في العراق في عام 1900 منحت الدولة العثمانية امتياز سكة حديد الاناضول الى مجموعة شركات المانية. وكانت هذه القضية من اهم المشكلات العالمية التي شغلت الدول الكبرى ولاسيما بريطانيا والمانيا في مطلع القرن العشرين، وكان منح الامتياز اخيرا الى مجموعة الشركات الالمانية حصيلة عقد كامل من النشاط الاقتصادي الالماني في الشرق الادنى. وقد كانت هناك مشروعات ومقترحات لمد الخطوط الحديدية في الاناضول، ومن الساحل السوري الى بغداد والخليج العربي. ولما كان السلطان عبد الحميد الثاني حريصا على زيادة وارداته من الاقطار البعيدة التابعة له وربط اجزاء إمبراطورتيه بعضها ببعض استراتيجيا، فقد احدى الشركات الالمانية في 4/ تشرين الأول / 1888 امتيازا لبناء سكة حديد من اسطنبول الى انقرة مستهدفا امرار ذلك الخط من الاناضول الى بغداد. وقد انجز هذا الخط في عام 1892، بعد ذلك بدأت المنافسة للحصول على امتياز جديد، واضطر البريطانيين الى الانسحاب من الميدان بعد ان هدد الالمان بوقف تأييدهم لسياستها في مصر. وفي عام 1893 حصلت الشركة الالمانية على امتياز لإيصال الخط من انقرة الى قيصري، ولكن هذا الخط لم يتم انشاؤه، وكذلك لمد خط آخر يمر من المناطق الجنوبية من اسكي شهر الى قونية، وقد انجز هذا الخط في عام 1896 واصبحت قضية ايصال الخط الى بغداد مشكلة انية. وقد طرحت مشروعات عديدة، وقدمت طلبات كثيرة من قبل بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، ولكن الالمان كانوا في المقدمة بين المتنافسين، ولاسيما بعد الزيارة التي قام بها الامبراطور الالماني وليم الثاني الى اسطنبول، والاراضي المقدسة في فلسطين في تشرين الاول 1898، حيث اعلن خلالها صداقته للمسلمين واخيرا تخلى الفرنسيون عن معارضتهم ووافقوا على التعاون مع المصالح الالمانية. اما البريطانيون فكانوا مشغولين بأمور اخرى، وكانوا قد تمكنوا من الحفاظ على مصالحهم في الخليج العربي، باتفاقية عقدوها مع شيخ الكويت عام 1899، وافق الشيخ بموجبها على الامتناع عن ضم اية اراضي أو التخلي عنها بدون موافقة بريطانيا. اما روسيا فقد ظلت معارضة بشدة للمشروع الالماني، وشنت الصحافة الروسية انتقادات شديدة ضد السلطان عبد الحميد الثاني. ويعود سبب المعارضة الروسية للمشروع الى انها عدته وسيلة لتقوية النفوذ الالماني في الامبراطورية العثمانية، وانه سيسهل نقل وتصدير منتجات الحبوب من كافة ارجاء الامبراطورية العثمانية الى الاسواق العالمية. وفي نفس الوقت يسهل مهمة نقل المنتجات الصناعية الاوربية وخاصة الصناعات الالمانية الى اسواق الشرق، وهذا يهدد مصالح النبلاء الاقطاعيين الروس، واصحاب المصانع والتجار منهم في الوقت الذي يحول فيه الامبراطورية العثمانية الى مستعمرة المانية. ولم يكن المشروع ضد خطط روسيا القيصرية التوسعية في الشرق الادنى فقط بل جاء تهديدا مباشرا لحدودها الجنوبية كذلك. اما المخاطر العسكرية لهذا المشروع فتكمن في انه سيسهل على الدولة العثمانية نقل جيوشها من كافة ارجاء الامبراطورية الى حدود روسيا الجنوبية، وستقوي تركيا عسكريا وهي التي تحتفظ بمفتاح البحر الاسود. كما سيسهل المشروع نقل الجنود من اوروبا الى حدود القفقاس. ولكن الالمان تمكنوا مع ذلك من الحصول على امتياز مبدئي لمد خط قونية الى بغداد في 25 تشرين الثاني 1899. لقد وجد العثمانيون من مشروع خط سكة حديد بغداد فرصة جيدة لتنمية الموارد الاقتصادية للإمبراطورية العثمانية: "فبفضل خط حديد بغداد سيعود طريق اوروبا - الهند الى سابق نشاطه، فاذا اوصلنا هذا الخط بسوريا وبيروت
والاسكندرية وحيفا نكون قد اوجدنا طريقا تجاريا جديدا ولن يقتصر هذا الطريق على در الفوائد الاقتصادية العظيمة لإمبراطورتينا، بل سيتعداها إلى الناحية العسكرية فيدعم جيشنا هناك. واذا تمكنا من انشاء شبكة ري مدروسة للاستفادة من النهرين التوأمين: دجلة والفرات، لجعلنا هذه الاراضي القاحلة جنة من جنات الدنيا كما كانت قبل الاف السنين". بهذه الكلمات يعبر السلطان عبد الحميد الثاني عن اهمية هذه السكة. ويبدو ان السلطان عبد الحميد كان يريد ربط سكة حديد ،بغداد بخط حديد الحجاز. من جانب اخر طالب هو جو كروته وهو احد مفكري الامبريالية الالمانية عام 1902 بان يعترف بالمناطق التي تمتد فيها سكة حديد الاناضول وكذلك سكة حديد ،بغداد عندما يتم انشاؤها كمناطق نفوذ لألمانيا، وعد استيطان الألمان على نطاق واسع في الدولة العثمانية عاملا من عوامل ترسيخ النفوذ الالماني في الشرق الادنى، ولهذا نجده ينصح بالتعجيل بتأليف جمعية خاصة تعمل على استيطان الألمان فيما بين النهرين. وكان على هذه الجمعية حسب رأيه ان ترتبط بسكة حديد بغداد. وقد طرح كروته عددا من المطالب عد تنفيذها شرطا رئيسا للاستيطان هي:
1- اعفاء المستوطنين من الضرائب.
2- منح المستوطنين الحق في استيراد المواد التي يحتاجونها بدون ضرائب جمركية.
3- انشاء خطوط ثانوية تتفرع من الخط الرئيس لسكة حديد بغداد باتجاه البحر المتوسط.
واولي كروته اهتماما خاصا لقضية حماية المستوطنات التي سيقيمها الالمان فطالب بإنشاء سلسلة كاملة من المباني الصغيرة المجهزة بحاميات، وبذلك يكون المستوطنون الالمان في الدولة العثمانية قد تحولوا الى دولة داخل دولة، على حد تعبيره. ولم يغفل كروته الاعتبارات السياسية والاستراتيجية حيث نجده يلح على الحكومة الالمانية بان تسعى من اجل ان تحصل على محطة للفحم في الكويت تستخدمها لتجهيز الاسطول الحربي الالماني بالوقود، وطالب ايضا بمد خط تلغراف يربط الخط التلغرافي لسكة حديد بغداد بخط تلغراف الشرق الاقصى الالماني. وهكذا نجد انفسنا امام خطة متكاملة ومدروسة بعناية تهدف لا الى استيطان اغنى مناطق الدولة العثمانية، وانما تدعو صراحة لاقتسام تلك الدولة وضم اهم مناطقها واثراها ونعني ما بين النهرين الى المانيا، وهذا هو السر في اصرار كروته على ان يظل المستوطنون الالمان محتفظين بجنسيتهم الالمانية، وفي ربطه الاستيطان فيما بين النهرين بإنشاء سكة حديد بغداد، واقامة قاعدة عسكرية بحرية في الكويت. وقد ادخل مفكر الماني اخر هو سيغموند شنايدر بعض التعديلات على خطة كروته هذه حيث اقترح ان يشتمل النص النهائي لامتياز سكة حديد على بند خاص يقضي بمنح شركة الاناضول مناطق واسعة نسبيا بمحاذاة خط سكة حديد بغداد المقبل لكي يستوطنها الالمان على ان يؤلفوا من بينهم حرسا للسكك الحديد وهكذا ضرب شنايدر عصفورين بحجر واحد فهو باقتراحه هذه يضمن حصول الألمان على اراضي واسعة في اسيا الصغرى والعراق من جهة وانشاء قوة مسلحة في الدولة العثمانية من جهة اخرى. وقد دعت منظمة الاتحاد الجرماني عام 1904 الى ضرورة امتلاك ما بين النهرين، وان تأخذ الحكومة الالمانية على عاتقها الادارة المباشرة في وادي دجلة والفرات. من جانب آخر حقق امتياز سكة حديد بغداد لألمانيا فوائد اقتصادية كبيرة، ففي 1908 حصلت المانيا على امتياز في انشاء ميناءاً نهريا في بغداد وتسير سفنا في نهري دجلة والفرات، وكذلك الحق في التنقيب عن النفط، وقد بدأ بالفعل التنقيب في الموصل عام 1904.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|