أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-8-2022
1879
التاريخ: 13-4-2019
2340
التاريخ: 13-4-2019
2128
التاريخ: 2-04-2015
3585
|
مقدّمة[1]
منذ سنوات وأنا أفكّر في ترويج تفسير القرآن, وفي هذا الإطار فقد منَّ الله عليّ بالعديد من التوفيقات. وشجّعني على هذا الأمر، الاقتراح الذي قدّمه بعض الأصدقاء في مركز التفسير عام 1380هـ. ش, بعد العودة من سفر الحجّ، فبدأت التفكير في ليلة عيد الغدير ويومه وسألت نفسي: هل يمكن جعل توجيه مسير المحاضرات في محرّم لتكون قرآنيّة؟ وهل يمكن الحديث عن الأحداث التي جرت في كربلاء بدءاً من معالم الإمام الحسين عليه السلام وأهدافه وقضايا كربلاء والحوادث التي جرت فيها إلى الصلاة وقبول العذر وتوبة الحرّ، ومن ثمّ تقدّم الإمام الحسين عليه السلام لإرسال ولده إلى ساحة المعركة، قبل الجميع، وإلى الآيات التي تلاها الإمام عليه السلام, وإلى وفاء أصحابه، وأمثال هذه الأمور التي أشارت إليها مئات الآيات القرآنيّة, فهل يمكن الحديث عن ذلك كلّه في قالب قرآنيّ يكون فيه محتوى الحديث هو الآيات القرآنيّة ونماذجه العينيّة ومصاديقه من كربلاء؟
حدّثت نفسي: أنّني إذا تكلّمت حول القرآن عوضاً عن المسائل الأخرى، فسيترك ذلك في النفوس آثاراً نورانيّة, وسنساهم في رفع شيء عن مهجوريّة القرآن الكريم, وسنتلمّس قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتمام حقيقته عندما قال: "إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض".
قلت: إذا أردنا طرح هذا الفكر بشكل عميق لا نقص ولا عيب فيه، فهذا يتطلّب وقتاً طويلاً، ولكن من جهة أخرى فإنّ الابتعاد والتخلّي عن محرّم يبعث على الحسرة والأسف، من هنا - وفي ليلة ويوم - قمت بتدوين الآيات التي لها علاقة بحركة الإمام الحسين عليه السلام في عشرة أقسام، ويحتوي كلّ قسم منها ما بين العشر والعشرين آية شريفة، أردت بذلك تقديمها للإخوة المبلّغين والخطباء, وطبعاً فإنّهم سيضيفون عليها بعض الآيات والروايات المشابهة, ولتكون مقدّمة لزيادة علاقتنا وأنسنا بالقرآن الكريم شيئاً فشيئاً, وقربنا أكثر من قادتنا المعصومين عليهم السلام .
وكما أنّ بعض الأئمّة عليهم السلام كان يحدّث أصحابه بأنّهم لو سألوه عن كلّ ما يقول وأين أصله في القرآن الكريم، لأجابهم بأنّه من الآية الفلانيّة[2].
فكلّنا أمل أن يأتي ذلك اليوم الذي تصبح فيه كلّ قصصنا قرآنيّة, واستدلالاتنا قرآنيّة, ودروس العرفان, والأخلاق, والعقائد, قرآنيّة, وأن يصبح القرآن الكريم هو المحور في شؤون حياتنا وقضايانا الدوليّة، وحتّى مجالس عزائنا التي ينبغي أن تتمحور حول القرآن والكلمات النورانيّة لأهل بيت النبيّ، عليهم السلام (عدل القرآن) ولا نجد فيها حديثاً عن المنامات، أو الألفاظ الفارغة والقصص الضعيفة، ولنتحرّك نحو النور الواقعيّ. وحتّى لا نشاهد ضعف عشّاق الإمام الحسين في الاستفادة من القرآن الكريم، كما نشاهد ضعف الاستفادة من أهل البيت عليهم السلام لدى فريق آخر, وحتّى لا نصل عمليّاً إلى إيجاد الفصل بين جلسات حفظ وقراءة القرآن وليالي الأنس بالقرآن, وبين مجالس العزاء والهيئات الدّينيّة حيث يؤدّي هذا الأمر، شيئاً فشيئاً، إلى التقليل من أهمّيّة تاريخ وملحمة كربلاء المهمّة جدّاً. ولنعلم أنّ أمثال العلّامة الأمينيّ قدس سره كانوا يعتلون المنبر في يوم من الأيّام، لكن كيف يجب أن نكون مع الأجيال الجديدة المتعلّمة التي تحمل الكثير من الأسئلة والاستفسارات؟
اللهمّ اجعل القرآن نور فكرنا وعقيدتنا وقلمنا وبياننا وعملنا، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع.
القرآن والإمام الحسين عليه السلام
- إذا كان القرآن سيّد الكلام[3] فإنّ الإمام الحسين عليه السلام سيّد الشهداء[4].
- وإذا كنّا نقرأ في الصحيفة السجّاديّة حول القرآن: "وميزان القسط"، فإنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يقول: "أمرت بالقسط"[5].
- إذا كان القرآن موعظة من الله تعالى: ﴿مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ[6]﴾، فإنّ الإمام الحسين عليه السلام يقول في عاشوراء: "لا تعجلوا حتّى أعظكم بالحقّ"[7].
- إذا كان القرآن يهدي إلى الرشد: ﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾[8]، فالإمام الحسين عليه السلام يقول: "أدعوكم إلى سبيل الرشاد"[9].
- إذا كان القرآن عظيماً: ﴿وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾[10]، فإنّ للإمام الحسين سوابق عظيمة: "عظيم السوابق"[11].
- إذا كان القرآن حقّاً ويقيناً: ﴿وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ﴾[12]، فإنّنا نقرأ في زيارة الإمام الحسين عليه السلام : "وعبدته مخلصاً حتّى أتاك اليقين"[13].
- إذا كان للقرآن مقام الشفاعة: "نعم الشفيع القرآن"[14]، فللإمام الحسين مقام الشفاعة أيضاً: "وارزقني شفاعة الحسين"[15].
- إذا كنّا نقرأ في الدعاء الثاني والأربعين من الصحيفة السجّاديّة أنّ القرآن هو علم نجاة: "وعلم نجاة"، نقرأ في زيارة الإمام الحسين عليه السلام أنّه كان علم الهداية: "أنّه راية الهدى"[16].
- إذا كان القرآن شفاء: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء﴾[17]، فتراب الإمام الحسين عليه السلام شفاء أيضاً: "طين قبر الحسين شفاء"[18].
- إذا كان القرآن منار الحكمة، فالإمام الحسين باب الحكمة الإلهيّة: "السلام عليك يا باب حكمة ربّ العالمين"[19].
- إذا كان القرآن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر: "فالقرآن آمر وزاجر"[20]، فالإمام الحسين عليه السلام قال: "أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"[21] حول الهدف من ذهابه إلى كربلاء.
- إذا كان القرآن نوراً: ﴿نُورًا مُّبِينًا﴾[22]، فالإمام الحسين نور أيضاً: "كنت نوراً في الأصلاب الشامخة"[23].
- إذا كان القرآن للناس ولجميع الناس: "لم يجعل القرآن لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس"[24]، فنقرأ حول الإمام الحسين عليه السلام : "لا يُدرس أثره ولا يُمحى اسمه"[25].
- إذا كان القرآن كتاباً مباركاً: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ[26]، كانت شهادة الإمام الحسين عليه السلام سبب بركة ورشد للإسلام: "اللهمّ بارك لي في قتله"[27].
- إذا كان لا يوجد أيّ اعوجاج في القرآن: ﴿غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾[28]، نقرأ حول الإمام الحسين عليه السلام أنّه لم ينحرف لحظة عن الحقّ: "لم تمل من حقّ إلى الباطل"[29].
- إذا كان القرآن كريماً: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾[30]، فالإمام الحسين ذو أخلاق كريمة: "وكريم الخلائق"[31].
- إذا كان القرآن عزيزاً: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾[32]، فالإمام الحسين عليه السلام تحدّث عن أنّه لن يخضع للذلّ مطلقاً: "هيهات منّا الذلّة"[33].
- إذا كان القرآن هو العروة الوثقى: "إنّ هذا القرآن ... العروة الوثقى"[34]، فالإمام الحسين عليه السلام هو سفينة النجاة والعروة الوثقى: "إنّ الحسين سفينة النجاة والعروة الوثقى"[35].
- إذا كان القرآن هو البيّنة والدليل الواضح: ﴿جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾[36]، فالإمام الحسين عليه السلام كان على هذا النحو أيضاً: "أشهد أنّك على بيّنة من ربّك"[37].
- إذا كان ينبغي قراءة القرآن بهدوء وتأنٍّ: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾[38]، كذلك ينبغي التقدّم نحو قبر الإمام الحسين عليه السلام بهدوء: "وامش مشي العبد الذليل"[39].
- إذا كان ينبغي تلاوة القرآن بحالة من الحزن: "فاقرؤوه بالحزن"[40]، كذلك ينبغي زيارة الإمام الحسين عليه السلام والإنسان بحالة الحزن: "وزره وأنت كئيب شعث"[41].
نعم ! الحسين عليه السلام هو القرآن الناطق وصورة للكلام الإلهيّ.
حركة الإمام الحسين عليه السلام على أساس القرآن
الآيات التي استند إليها الإمام الحسين عليه السلام أثناء الطريق:
الآية الأولى: عندما قرّر رسول يزيد (مروان) أخذ البيعة من الإمام ليزيد في المدينة، خاطبه الإمام قائلاً: "ويلك يا مروان! إليك عنّي فإنّك رجس، وإنّا أهل بيت الطهارة الذين أنزل الله عزَّ وجلّ على نبيّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾[42].
الآية الثانية: أشار الإمام الحسين عليه السلام في نهاية وصيّته التي كتبها قبل التحرّك نحو كربلاء، إلى الآية الآتية: ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾[43].
الآية الثالثة: "عندما قرّر عدم إعطاء البيعة ليزيد، خرج من المدينة قاصداً مكّة (28 رجب)، ثمّ تلا الآية الشريفة: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾[44].
الآية الرابعة: "يشير الشيخ المفيد قدّس سرّه إلى أنّ الإمام الحسين عليه السلام عندما تحرّك نحو مكّة، حضرت مجموعات من الجنّ والملائكة عارضة عليه المساعدة، إلّا أنّ الإمام تلا الآية الشريفة: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾[45]. وقال أيضاً: ﴿لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾[46].
الآية الخامسة: عندما دخل الإمام الحسين عليه السلام مكّة ليلة الجمعة في الثالث من شعبان (قبل التحرّك نحو كربلاء)، تلا الآية الشريفة: ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ﴾[47].
الآية السادسة: عندما كان في مكّة يتحدّث إلى ابن عبّاس حول بني أميّة، تلا قوله تعالى: ﴿أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى﴾[48]. وتلا قوله تعالى أيضاً: ﴿يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾[49]، وقال أيضاً: ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾[50]، وقال أيضاً: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ﴾[51].
الآية السابعة: في أجواء عيد الأضحى حيث كان الإمام الحسين عليه السلام يتحرّك نحو كربلاء، قام عامل يزيد في مكّة بقطع الطريق على الإمام عليه السلام, إذ كان يخشى، كما قال، أن تؤدّي حركة الإمام إلى إيجاد حالة الشقاق بين الناس، في هذه الأثناء تلا الإمام عليه السلام الآية الشريفة: ﴿لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾[52].
الآية الثامنة: عندما سمع الإمام الحسين عليه السلام في مسيره إلى كربلاء، خبر شهادة مسلم، قال: ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾[53].
الآية التاسعة: عندما خاطب الحرُّ الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، سائلاً إيّاه عن سبب قدومه، أجابه الإمام بأنّه جاء بعد أن جاءته رسائلهم، ثمّ تلا قوله تعالى: ﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾[54].
الآية العاشرة: عندما سمع الإمام الحسين عليه السلام خبر شهادة قيس بن مسهّر الصيداويّ، بكى وتلا الآية الآتية: ﴿فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾[55].
الآية الحادية عشرة: تلا الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء على مسامع ابنته سكينة، الآية الآتية حيث كان يشير إلى جيش يزيد: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾[56].
الآية الثانية عشرة: عندما أرسل ابن زياد إلى الحرّ طالباً منه قطع الطريق على الإمام الحسين عليه السلام, نقل الحرّ ما يريده ابن زياد إلى الإمام الذي تلا الآية الشريفة: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ... ﴾[57].
الآية الثالثة عشرة: تلا الآية الشريفة: ﴿فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ﴾[58]، يوم العاشر على مسمع جيش يزيد. وتلا أيضاً: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾[59]، وكذلك تلا قوله تعالى: ﴿وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ﴾[60] وكذلك: ﴿عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾[61].
تجلّيات القرآن في كربلاء
حثّ القرآن الكريم الناس على التفكير بالمنطق والحقّ، وليس بعدد الأشخاص، واستعمل بعض العبارات أمثال: ﴿أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾[62] ﴿وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾[63] و ﴿وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾[64].
جاء في القرآن الكريم: ﴿أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾[65]. وفي اليوم العاشر قدّم الإمام الحسين عليه السلام وأبو الفضل والأصحاب عشر مواعظ لأجل إرشاد الناس.
وتحدّث القرآن الكريم بإجلال عن المضحّين: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾[66]، وفي كربلاء الكثير من مظاهر التضحية ولعلّ أبرز نماذجها تضحية أبي الفضل العبّاس.
وأوصى القرآن الكريم بالعفو وقبول عذر الناس ومن أبرز مصاديقها في كربلاء العفو عن الحرّ بن يزيد الرياحيّ.
يقول القرآن: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾[67] و ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾[68]، وإذا كان في كربلاء عشرات آلاف المجرمين الذين لا يُذْكَرون بالحسنى، إلّا أنّ ذكر أصحاب الإمام الحسين عليه السلام الـ 72 لا يزال حيّاً.
وجاء في القرآن الكريم حول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾[69]، وفي كربلاء أصبح اسم الإمام الحسين عليه السلام مرفوعاً إلى الأبد.
وجاء في القرآن الكريم: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾[70]، أي أنّ القائد ينبغي أن يكون في المقدّمة، وفي كربلاء قدّم الإمام الحسين عليه السلام ابنه عليّاً الأكبر عليه السلام وأرسله إلى ساحة الحرب قبل فتية بني هاشم.
وجاء في القرآن الكريم: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ﴾[71]، وفي كربلاء تتجلّى أفضل صور الاستقامة في الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه.
القرآن الكريم لا يأتي على ذكر الأفراد عادة بل يذكر المعايير، مثلاً يتحدّث عن أنّ مولاكم هو الذي يتصدّق بخاتمه أثناء الصلاة، وهو الذي يجمع في لحظة واحدة بين الصلاة والزكاة، ثمّ يترك للناس الحريّة في التفتيش عن المصداق، وفي كربلاء، لم يقل الإمام الحسين عليه السلام : أنا لا أبايع يزيد، بل قال: "مثلي لا يبايع مثله". فالحقّ والباطل كانا متعارضين طوال التاريخ وسيبقيان على هذا الحال.
وجاء في القرآن الكريم: ﴿وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾[72]، وفي كربلاء قطع الحرّ الطريق على الإمام الحسين عليه السلام, ولكن الإمام عليه السلام سمح بالماء لجيش الحرّ وخيولهم.
أوصى القرآن الكريم باتّباع الحقّ وأوليائه والوفاء، وأمّا ظهر يوم عاشوراء، فقد كان أصحاب الإمام عليه السلام يتلقّون سهام العدوّ، ومع ذلك كانوا يصرّون على الصلاة، حتّى إذا ما قضوا كان يأتي الإمام الحسين عليه السلام يقف عند رؤوسهم فيقول الواحد منهم: هل وفيت؟ وكأنّهم كانوا حتّى تلك اللحظة يشكّون في وفائهم للإمام عليه السلام .
يوصي القرآن الكريم في الكثير من الأماكن بالتوحيد، ويقول الإمام الحسين عليه السلام : "لا معبود سواك"، وهي أفضل تجلّيات آيات القرآن.
ويوصي القرآن الكريم بالنهي عن المنكر والغيرة في الدّين والدفاع عن الحريم وفي كربلاء وقف الإمام الحسين عليه السلام يخاطب جيش يزيد يطلب منهم عدم التعرّض للخيم والنساء: "فإن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم".
أوصى القرآن الكريم بالرضا والتسليم أمام الله تعالى، وهكذا كان الإمام الحسين عليه السلام بين الرضا والتسليم، كان في يوم من الأيّام على كتف الرسول وفي يوم تطؤه خيل الأعداء، وكان راضياً مسلّماً.
القرآن، الصلاة، والإمام الحسين عليه السلام
- إذا كان القرآن الكريم يتحدّث في بداية أكبر سوره: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾[73]، وتحدّث في أصغر السور أيضاً عن الصلاة، فالإمام الحسين عليه السلام هو الذي أقامها: "أشهد أنّك قد أقمت الصلاة"[74].
- وإذا جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾[75]، فإنّ الإمام الحسين عليه السلام أقام صلاة الجماعة على مرأى الأعداء.
- وإذا علّم الله تعالى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كيفيّة إقامة الصلاة في ساحة الحرب: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ...﴾[76] ، فالإمام الحسين عليه السلام أقام الصلاة في ساحة الحرب.
- إذا كانت الصلاة في القرآن عبارة عن مصدر طاقة غيبيّة وقد دعا المؤمنين للاستعانة بها: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾[77]، فالإمام الحسين عليه السلام قد استعان بالصلاة في أوج الحرب.
- وإذا أوصى القرآن بإقامة الصلاة أوّل وقتها: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾[78]، فالإمام الحسين عليه السلام أقام صلاة ظهر يوم العاشر أوّل الوقت.
- وإذا كان عيسى مأموراً بالصلاة حتّى آخر نفس من حياته: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ
وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾[79]، فالإمام الحسين عليه السلام كان برفقة الصلاة حتّى نهاية حياته.
- وإذا امتدح القرآن الكريم الذين ﴿لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾[80]، فماذا ينبغي القول حول الإمام الحسين عليه السلام الذي لم يجعله شيء، حتّى روحه ونفسه، غافلاً عن الصلاة؟!
- لم يصلِّ الإمام الحسين عليه السلام الصلاة بمفرده، بل صلّى مع ذلك صلاة المصلّين الآخرين، جاء في الحديث: ثلاثة تبعث على قبول الصلاة: حضور القلب، وصلاة النافلة, وتربة سيّد الشهداء.
- الإمام الحسين عليه السلام يطلب من أخته زينب أن تدعو له في صلاتها.
- يجب إقامة الصلاة في المجتمع بشكل علنيّ: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ﴾، والإمام الحسين أقام الصلاة أمام أنظار الجميع، مع أنّ بإمكانه إقامتها في خيمته.
- أُلقي ثلاثون سهماً على الإمام عند إقامته صلاة الظهر في عاشوراء، وهذا يعني سهماً مقابل كلّ كلمة من الحمد والركوع والسجود.
- في الواقع، ما هي هذه الصلاة التي أجّل الإمام الحسين عليه السلام الحرب بسببها من التاسع إلى العاشر من المحرّم حيث كان يقول: "إنّي أحبّ الصلاة" ولم يقل: أريد أن أصلّي، بل قال: إنّي أحبّ الصلاة؟ الكثير منّا يصلّي، ولكن كم نحبّ الصلاة؟
قال زرارة: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلني الله فداك أسألك في الحجّ منذ أربعين عاماً فتفتيني، فقال عليه السلام : "يا زرارة بيت يُحجّ قبل آدم عليه السلام بألفي عام, تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاماً؟!"[81].
لا يمكن خلاصة أسرارها ببضع كلمات.. مع العلم أنّ الكعبة وجميع أسرارها ورموزها التي أشار إليها الإمام عليه السلام, هي قبلة الصلاة فقط, والقبلة إحدى شروط الصلاة!!
كان الإمام الحسين عليه السلام حاضراً ليقطّع جسده إرباً إرباً، وأن لا تفقد الصلاة قيمتها. كان رأس الإمام الحسين عليه السلام يتمتم بآيات القرآن وهو على رأس الرمح، فالرأس كان مفصولاً عن البدن، ولكن القلب لم يكن لينفصل عن القرآن.
من هنا ينبغي دعوة محبّي الإمام الحسين عليه السلام أن لا ينسوا الصلاة، صلاة ظهر يوم العاشر وصلاة الإمام الأخيرة. عليكم إقامتها بإخلاص وعظمة.
[1] حجّة الإسلام والمسلمين الأستاذ الشيخ محسن قراءتي, أحد أشهر المبلّغين في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.
[2] عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر عليه السلام : "إذا حدّثتكم بشيء فاسألوني من كتاب الله"، ثمّ قال في بعض حديثه: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن القيل والقال، وفساد المال، وكثرة السؤال"، فقيل له: يا ابن رسول الله أين هذا من كتاب الله؟ قال: "إنّ الله عزَّ وجلّ يقول: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ) (النساء/ 114), وقال: (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً) (النساء/ 5), وقال: (لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (المائدة/ 101)," ( الكليني: الكافي ج 1 ص 60).
[3] الطبرسيّ, مجمع البيان، ج 2، ص 361.
[4] ابن قولويه, كامل الزيارات.
[5] البروجرديّ, جامع أحاديث الشيعة، ج 12، ص 481.
[6] سورة يونس الآية 57.
[7] الأمين السيّد محسن, لواعج الأشجان، ص 26.
[8] سورة الجنّ الآية 1.
[9] الأمين السيّد محسن, لواعج الأشجان، ص 128.
[10] سورة الحجر الآية 87.
[11] المجلسيّ, بحار الأنوار، ج 98، ص 239.
[12] سورة الحاقّة الآية 51.
[13] ابن قولويه, كامل الزيارات، ص 202.
[14] نهج الفصاحة، الجملة 662.
[15] زيارة عاشوراء.
[16] ابن قولويه, كامل الزيارات، ص 70.
[17] سورة الإسراء الآية 82.
[18] الصدوق, من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 446
[19] القمّي الشيخ عبّاس, مفاتيح الجنان.
[20] نهج البلاغة، الخطبة 182.
[21] الخوارزميّ, مقتل الحسين عليه السلام, ج 1، ص 188.
[22] سورة النساء الآية 174.
[23] ابن قولويه, كامل الزيارات، ص 200.
[24] القمّي الشيخ عبّاس, سفينة البحار، ج 2، ص 413.
[25] المقرّم السيّد عبد الرزّاق, مقتل الحسين عليه السلام .
[26] سورة ص الآية 29.
[27] المقرّم السيّد عبد الرزّاق, مقتل الحسين عليه السلام (هذا الكلام منقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
[28] سورة الزمر الآية 28.
[29] الكلينيّ, فروع الكافي، ج 4، ص 561.
[30] سورة الواقعة الآية 77.
[31] القمّي الشيخ عبّاس, نفس المهموم، 7.
[32] سورة فصّلت الآية 41.
[33] ابن طاووس, اللهوف، 54.
[34] المجلسيّ, بحار الأنوار، ج 92، ص 31.
[35] برتوى از عظمت حسين، ص 6.
[36] سورة الأنعام الآية 157.
[37] الكلينيّ, فروع الكافي، ج 4، ص 565.
[38] سورة المزّمّل الآية 4.
[39] ابن قولويه, كامل الزيارات.
[40] الحرّ العامليّ, وسائل الشيعة، ج 4، ص 857.
[41] ابن قولويه, كامل الزيارات.
[42] سورة الأحزاب الآية 33.
[43] سورة هود الآية 88.
[44] سورة القصص الآية 21.
[45] سورة النساء الآية 78.
[46] سورة آل عمران الآية 154.
[47] سورة القصص الآية 22.
[48] سورة التوبة الآية 54.
[49] سورة النساء الآية 142.
[50] سورة النساء الآية 143.
[51] سورة آل عمران الآية 185.
[52] سورة يونس الآية 41.
[53] سورة البقرة الآية 156.
[54] سورة الفتح الآية 10.
[55] سورة الأحزاب الآية 23.
[56] سورة المجادلة الآية 19.
[57] سورة القصص الآية 41.
[58] سورة يونس الآية 71.
[59] سورة الأعراف الآية 196.
[60] سورة الدخان الآية 20.
[61] سورة غافر الآية 27.
[62] سورة الأنفال الآية 34.
[63] سورة التوبة الآية 8.
[64] سورة الشعراء الآية 223.
[65] سورة يوسف الآية 108.
[66] سورة الحشر الآية 9.
[67] سورة الأعراف الآية 128.
[68] سورة طه الآية 132.
[69] سورة الإنشراح الآية 4.
[70] سورة الزمر الآية 12.
[71] سورة هود الآية 112.
[72] سورة الرعد الآية 22.
[73] سورة البقرة الآية 3.
[74] زيارة عاشوراء.
[75] سورة البقرة الآية 43.
[76] سورة النساء الآية 102.
[77] سورة البقرة الآية 153.
[78] سورة الإسراء الآية 78.
[79] سورة مريم الآية 31.
[80] سورة النور الآية 37.
[81] الحرّ العامليّ: وسائل الشيعة, كتاب الحجّ, الباب 1 من أبواب وجوب الحجّ, ح 12.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|