المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



خبر فتح الأندلس من الكتاب الخزائني  
  
2595   03:42 مساءً   التاريخ: 26-6-2022
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني
الكتاب أو المصدر : نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة : مج1، ص: 250-279
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاندلسي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-28 445
التاريخ: 4-7-2016 2583
التاريخ: 2024-08-18 364
التاريخ: 2024-08-29 233

ملخص خبر الفتح من الكتاب الخزائني

وفي الكتاب الخزائني وغيره سياقة فتح الأندلس على أتم الوجوه، فلنذكر ملخصه، قالوا: استعمل أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك - رحمه الله تعالى - موسى بن نصير مولى عمه عبد العزيز بن مروان، ويقال: بل هو بكري، وذلك أن أباه نصيرا أصله من علوج أصابهم خالد بن الوليد في عين التمر، فادعوا أنهم رهن، وأنهم من بكر بن وائل، فصار نصير وصيفا لعبد العزيز بن مروان، فأعتقه، فمن هذا يختلف فيهن وقيل: إنه لخمي، وعقد له على إفريقية وما خلفها في سنة ثمان وثمانين، فخرج إلى ذلك الوجه في نفر قليل من المطوعة، فلما ورد مصر أخرج معه من جندها بعثا، وأتى إفريقية عملهن فأخرج من أهلها معه ذوي القوة والجلد، وصير على مقدمته طارقبن زياد، فلم يزل يقاتل البربر ويفض جموعهم، ويفتح بلادهم ومدائنهم، حتى بلغ طنجة، وهي قصبة ملك البربر وأم مدائنهم، فحصرها حتى افتتحها - وقيل: إنها لم تكن افتتحت قبله، وقيل: افتتحت ثم ارتجعت - فأسلم أهلها، وخطها قيروانا للمسلمين، ثم ساروا إلى مدائن على شط البحر فيها عمال لصاحب الأندلس قد غلبوا عليها وعلى ما حولها، ورأس تلك المدائن سبتة، وعليها علج يسمى يليان، قاتله موسى فألفاه في نجدة وقوة وعدة فلم يطقه، فرجع إلى مدينة طنجة فأقام بمن معه، وأخذ في الغارات على ما حولهم والتضييق عليهم، والسفن تختلف إليهم بالميرة والأمداد من الأندلس من قبل ملكها غيطشة، فهم يذبون عن جريمهم ذبا شديدا، ويحمون بلادهم حماية تامة، إلى أن هلك غيطشة ملك الأندلس، وترك أولادا لم يرضهم أهلها للملك، فاضطرب حبل أهل (1) الأندلس، ثم تراضوا بعلج من كبارهم يقال له لذريق مجرب شجاع بطل، ليس من بيت أهل الملك، إلا

(250)

أنه من قوادهم وفرسانهم، فولوه أمرهم، وكانت طليطلة دار الملك بالأندلس حينئذ، وكان بها بيت مغلق متحامى الفتح على الأيام، عليه عدة من الأقفال يلزمه قوم من ثقات القوط، قد وكلوا به لئلا يفتح، وقد عند الأول في ذلك إلى الآخر، فكلما قعد منهم ملك أتاه أولئك الموكلون بالبيت فأخذوا منه قفلا وصيروه على ذلك الباب من غير أن يزيلوا قفل من تقدمه، فلما قعد لذريق هذا، وكان متهمما يقظا ذا فكر، أتاه الحراس يسألونه أن يقفل على الباب، فقال لهم: لا أفعل أو أعلم ما فيه، ولابد لي من فتحه، فقالوا له: أيها الملك، إنه لم يفعل هذا أحد ممن قبلك، وتناهوا عن فتحه، فلم يلتفت إليهم، ومشى إلى البيت، فأعظمت ذلك العجم وضرع إليه أكابرهم في الكف فلم يفعل، وظن أنه بيت مال، ففض الأقفال عنه ودخل، فأصابه فارغا لا شيء فيه، إلا تابوتا عليه قفل، فأمر بفتحه يحسب أن مضمونه يقنعه نفاسة، فألفاه أيضا فارغا ليس فيه إلا شقة مدرجة قد صورت فيها صور العرب عليهم العمائم وتحتهم الخيول العراب متقلدي السيوف متنكبي القسي رافعي الرايات على الرماح، وفي أعلاها أسطر مكتوبة بالعجمية، فقرئت فإذا فيها: إذا كسرت الأقفال عن هذا البيت وفتح هذا التابوت فظهر ما فيه من الصور فإن هذه الأمة المصورة في هذه الشقة تدخل الأندلس، فتغلب عليها وتملكها، فوجم لذريق وندم على ما فعل، وعظم غمه وغم العجم بذلك، وأمر برد الأقفال وإقرار الحرس على حالهم، وأخذ في تدبير الملك، وذهل عما أنذر به.

وقد كان من سير أكابر العجم بالأندلس وقوادهم أني بعثوا أولادهم الذين يريدون منفعتهم والتنويه بهم إلى بلاد الملك الأكبر بطليطلة ليصيروا في خدمته، ويتأدبوا بأدبه، وينالوا من كرامته، حتى إذا بلغوا أنكح بعضهم بعضا استئلافا لآبائهم، وحمل صدقاتهم، وتولى تجهيز إناثهم إلى أزواجهن. فاتفق أن فعل ذلك يليان عامل لذريق على سبتة، وكانت يومئذ في يد صاحب الأندلس، وأهلها على النصرانية، ركب الطريقة بابنة له بارعة الجمال تكرم عليه، فلما

(251)

صارت عند لذريق وقعت عينه عليها فأعجبته وأحبها حبا شديدا، ولم يملك نفسه حتى استكرهها وافتضها، فاحتالت حتى أعلمت أباها بذلك سرا، بمكاتبة خفية، فأحفظه شأنها جدا، واشتدت حميته، وقال: ودين المسيح لأزيلن سلطانه (2) ، ولأحفرن تحت قدميه، فكان امتعاضه من فاحشة ابنته هو السبب في فتح الأندلس بالذي سبق من قدر الله تعالى.

ثم إن يليان ركب بحر الزقاق من سبتة في أصعب الأوقات في ينير (3) قلب الشتاء، فصار بالأندلس، وأقبل إلى طليطلة نحو الملك لذريق، فأنكر عليه مجيئه في مثل ذلك الوقت، وسأله عما لديه (4) ولم جاء في مثل وقته؟ فذكر خيرا، واعتل بذر زوجته، وشدة شوقها إلى رؤية بنتها التي عنده، وتمنيها لقاءها قبل الموت، وإلحاحها عليه في إحضارها، وأنه أحب إسعافها، ورجا بلوغها أمنيتها منه، وسأل الملك إخراجها إليه، وتجيل إطلاقه للمبادرة بها، ففعل، وأجاز الجارية، وتوثق منها الكتمان عليه، وأفضل على أبيها، فانقلب عنه. وذكوا أنه لما ودعه قال له لذريق: إذا قدمت علينا فاستفره لنا من الشذانقات (5) التي لم تزل تطرفنا بها فإنها آثر جوارحنا لدينا، فقال له: أيها املك، وحق المسيح لئن بقيت لأدخلن عليك شذانقات ما دخل عليك مثلها قط ؟ عرض له بالذي أضمره من السعي في إدخال رجال العرب عليه وهو لا يفطن ؟ فلم يتنهنه يليان عندما استقر بسبتة عمله أن تهيأ للمسير نحو موسى بن نصير الأمير، فمضى نحوه بإفريقية، وكلمه في غزو الأندلس، ووصف له حسنها وفضلها، وما جمعت من أسباب (6) المنافع، وأنواع المرافق،

 (252)

وطيب المزارع، وكثرة الثمار،وثرارة (7) المياه وعذوبتها، وهون عليه مع ذلك حال رجالها، ووصفهم بضعف البأس وقلة الغناء، فشوق موسى إلى ما هناك، وأخذ بالحزم فيما دعاه إليه يليان، فعاقده على الانحراف إلى المسلمين، واستظهر عليه بأن سامه مكاشفة أهل ملته من الأندلس المشركين والاستخراج إليهم بالدخول إليها وشن الغارة فيها، ففعل يليان ذلك، وجمع جمعا من أهل عمله، فدخل بهم في مركبين وحل بساحل الجزيرة الخضراء، فأغار وقتل وسبى وغنم، وأقام بها أياما، ثم رجع بمن معه سالمين، وشاع الخبر عند المسلمين، فأنسوا بيليان واطمأنوا إليه، وكان ذلك عقب سنة تسعين، فكتب موسى بن نصير إلى أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك يخبره بالذي دعاه إليه يليان من أمر الأندلس، ويستأذنه في اقتحامها، فكتب إليه الوليد: أن خضها بالسرايا حتى ترى وتختبر شأنها، ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال، فراجعه أنه ليس ببحر زخار، وإنما هو خليج منه يبين للناظر ما خلفه، فكتب إليه: وإن كان فلابد من اختباره بالسرايا قبل اقتحامه. فبعث موسى عند ذلك رجلا من مواليه من البرابرة اسمه طريف يكنى أبا زرعة في أربعمائة رجل معهم مائة فرس سار بهم في أربعة مراكب، فنزل بجزيرة تقابل جزيرة الأندلس المعروفة بالخضراء التي هي اليوم معبر سفائنهم ودار صناعتهم، ويقال لها اليوم جزيرة طريف لنزوله بها، وأقام بها أياما حتى تتام (8) إليه أصحابه، ثم مضى حتى أغار على الجزيرة فأصاب سبيا لم ير موسى ولا أصحابه مثله حسنا، ومالا جسيما، وأمتعة، وذلك في شهر رمضان سنة إحدى وتسعين، فلما رأى الناس ذلك تسرعوا إلى الدخول، وقيل: دخل طريف في ألف رجل، فأصاب غنائم وسبيا، ودخل بعده أبو زرعة شيخ من البرابرة، وليس بطريف، في ألف رجل منهم أيضا فأصابوا أهل الجزيرة قد تفرقوا عنها، فضرموا عامتها بالنار،

 (253)

وحرقوا كنيسة بها كانت عندهم معظمة، وأصابوا سبيا يسيرا، وقتلوا وانصرفوا سالمين.

وقال الرازي: هو أبو زرعة طريف بن مالك المعافري، الاسم طبق الكنية.

قالوا: ثم عاود يليان القدوم على موسى بن نصير محركا في الاقتحام على أهل الأندلس، وخبره بما كان منه ومن طريف وأبي زرعة، وما نالوه من أهلها، وباشروه من طيبها، فحمد الله على ذلك، واستجد عزما في إقحام المسلمين فيها، فدعا مولى له كان على مقدمته يسمى طارق بن زياد بن عبد الله فارسيا همذانيا - وقيل: إنه ليس بمولى لموسى، وإنما هو رجل من صدف، وقيل: مولى لهم، وقد كان بعض عقبه بالأندلس ينكرون ولاء موسى إنكارا شديدا، وقيل: إنه بربري من نفزة - فعقد له موسى، وبعثه في سبعة آلاف من المسلمين جلهم البربر والموالي، وليس فيهم عرب إلا قليل، ووجه معه يليان، فهيأ له يليان المراكب، فركب في أربع سفن لا صناعة له غيرها، وحط بجبل طارق المنسوب إليه يوم سبت في شعبان سنة اثنتين وتسعين، في شهر أغشت (9) ، ثم صرف المراكب إلى من خلفه من أصحابه، فركب من بقي من الناس، ولم تزل السفائن تختلف إليهم حتى توافى جميعهم عنده بالجبل، وقيل: حل طارق بجبله يوم الاثنين لخمس خلون من رجب من السنة في اثني عشر ألفا غير ستة عشر رجلا من البرابرة (10) ، ولم يكن فيهم من العرب إلا يسير، أجازهم يليان إلى ساحل الأندلس في مراكب التجار من حيث لم يعلم بهم، أولا أولا، وركب أميرهم طارق آخرهم.

قيل (11) : وأصاب طارق عجوزا من أهل الجزيرة، فقالت له في بعض قولها: إنه كان لها زوج عالم بالحدثان فكان يحدثهم عن أمير يدخل إلى بلدهم هذا،

 (254)

ويغلب عليه، ويصف من نعته أنه ضخم الهامة، فأنت كذلك، ومنها أن في كتفه الأيسر شامة عليها شعر، فإن كان بك هذه العلامة فأنت هو، فكشف طارق ثوبه فإذا بالشامة في كتفه على ما ذكرته العجوز، فاستبشر بذلك هو ومن معه.

وذكر عن طارق أنه كان نائما في المركب فرأى في منامه النبي، صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الأربعة أصحابه عليهم السلام يمشون على الماء حتى مروا به، فبشره النبي، صلى الله عليه وسلم، بالفتح، وأمره بالرفق بالمسلمين، والوفاء بالعهد. وقيل: إنه لما ركب البحر غلبته عينه فكان يرى النبي، صلى الله عليه وسلم، وحوله المهاجرون والأنصار قد تقلدوا السيوف وتنكبوا القسي، فيقول له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يا طارق، تقدم لشأنك، ونظر إليه وإلى أصحابه قد دخلوا الأندلس قدامه، فهب من نومه مستبشرا، وبشر أصحابه، وثابت إليه نفسه ثقة ببشراه، فقويت نفسه، ولم يشك في الظفر، فخرج من البلد، واقتحم بسيط البلاد شانا للغارة.

قالوا: ووقع على لذريق الملك خبر اقتحام العرب ساحل الأندلس، وتوالي غاراتهم على بد الجزيرة، وأن يليان السبب فيها، وكان يومئذ غائبا بأرض بنبلونة في غزاة له إلى البشكنس لأمر كان استصعب عليه بناحيتهم، فعظم عليه، وفهم الأمر الذي منه أتي، وأقبل مبادرا الفتق في جموعه، حتى احتل بمدينة قرطبة من الموسطة (12) ، ونزل القصر المدعو بها ببلاط لذريق المنسوب إليه، وليس لأنه بناه أو اخترعه - وه بناء من تقدمه من الملوك اتخذوه لمنزلهم في قرطبة إذا أتوها - إلا أن العرب لما غلبوا لذريق وهذا القصر من مواطنه نسبوه إليه، إذ لم يعرفوا من بناه. ويزعم العجم أن الذي بناه ملك منهم كان ساكنا بحصن المدور أسفل قرطبة، وخرج يوما يتصيد حتى

 (255)

انتهى إلى مكان قرطبة، وهي يومئذ خراب، وكان في موضع قصرها غيضة عليق ملتفة أشبة، فأرسل الملك بازيا له يكرم عليه على حجلة عنت له من ناحية الكدية (13) المنسوبة بعد إلى أبي عبدة (14) ، فتخبت في ذلك العليق، ولج البازي في الانقضاض عليها، فركض الملك خلفه حتى وقف على مكانه بالحرجة، فأمر بقطعها لاستنقاذ بازيه ضنا منه به، فقطعت، وبدا له تحتها أساس فصر عظيم راقه رصه، وقد كان ذا همة، فأمر بالكشف عنه، وتقصي حدوده طولا وعرضا، وتتبع أسه وأصله، فوجده مبنيا من وجه الماء بصم الحجارة فوق زرجون وضع بينها وبين الماء بأحكم صناعة، فقال: هذا أثر ملك كريم، وأنا أولى من جدده، فأمر بإعادته إلى هيأته، واتخاذه منزلا من منازل راحاته، فكان إذا طاف بعمله أو مضى في متصيده نزل فيه، وصار السبب في بناء قرطبة إلى جنبه، ونزول (15) الناس فيها، وتوارث الملوك قصرها من بعد، ونزله لذريق في زحفه إلى العرب أياما، والحشود من أعماله تتوافى إليه، ثم مضى نحو كورة شذونة يبغي لقاءهم في حشوده الكثيرة.

وقيل: إن آخر ملوك الأندلس الذين تلتهم العرب غيطشة، وإنه هلك عن أولاد ثلاثة صغار لم يصلحوا للملك، فضبطت أمهم عليهم ملك والدهم بطليطلة، وانحرف لذريق قائد الخيل لوالدهم فيمن تبعه عنهم، فصار بقرطبة، فلما اقتحم طارق الأندلس نفر إليه لذريق واستنفر إليه أجناد أهل الأندلس، وكتب إلى أولاد غيطشة - وقد ترعرعوا، وركبوا الخيل، واتخذوا الرجال - يدعنهم إلى الاجتماع معه على حرب العرب، ويحذرهم من القعود عنه، ويحضهم على أن يكونوا على عدوهم يدا واحدة، فلم يجدوا بدا، وحشدوا، وقدموا عليه بقرطبة، فنزلوا أكناف قرية شقندة بعدوة

 (256)

نهرها قبالة القصر، ولم يطمئنوا إلى الدخول على لذريق أخذا بالحزم، إلى أن استتب جهاز لذريق وخرج، فانضموا إليه، ومضوا معه وهم مرصدون لمكروهه. والأصح - والله أعلم - ما سبق أن ملك القوط اجتمع للذريق، واختلف في اسمه فقيل: رذريق - بالراء أوله - وقيل: باللام لذريق وهو الأشهر، وقيل: إن أصله من أصبهان ويسمى الإشبان، والله أعلم (16) .

قالوا: وعسكر لذريق في نحو مائة ألف ذوي عدد وعدة، فكتب طارق إلى موسى يستمده ويعرفه أنه فتح الجزيرة الخضراء فرضة الأندلس، وملك المجاز إليها، واستولى على أعمالها إلى البحيرة، وأن لذريق زحف إليه بما لا قبل له به، إلا أن يشاء الله، وكان موسى منذ وجه طارقا لوجهه، قد أخذ في عمل السفن حتى صار عنده منها عدة كثيرة، فحمل إلى طارق فيها خمسة آلاف من المسلمين مددا كملت بهم عدة من معه اثني عشر ألفا أقوياء على المغانم، حراصا على اللقاء، ومعهم يليان المستأمن إليهم في رجاله وأهل عمله يدلهم على العورات، ويتجسس لهم الأخبار، وأقبل نحوهم لذريق في جموع العجم، وملوكها وفرسانها، فتلاقوا فيما بينهم وقال بعضهم لبعض: إن هذا ابن الخبيثة قد غلب على سلطاننا، وليس من أهله، وإنما كان من أتباعنا، فلسنا نعدم من سيرته خبالا في أمرنا، وهؤلاء القوم الطارقون لا حاجة لهم في استيطان بلدنا، وإنما مرادهم أن يملأوا أيديهم من الغنائم، ثم يخرجوا عنا، فهلم فلنهزم بابن الخبيثة إذا نحن لقينا القوم لعلهم يكفوننا إياه، فإذا انصرفوا عنا أقعدنا في ملكنا من يستحقه، فأجمعوا على ذلك، والقضاء يبرم ما ارتأوه.

وكان لذريق ولى ميمنته أحد ابني غيطشة، ميسرته الآخر، فكانا

 (257)

رأسي الذين أداروا عليه الهزيمة، وأداهما إلى ذلك طمع رجوع ملك والدهما إليهما.

وقيل: لما تقابل الجيشان أجمع أولاد غيطشة على الغدر بلذريق، وأرسلوا إلى طارق يعلمونه أن لذريق كان تابعا وخادما لأبيهم فغلبهم على سلطانه بعد مهلكه وأنهم غير تاركي حقهم لديه، ويسألونه الأمان على أني يميلوا إليه عند اللقاء فيمن يتبعهم، وأن يسلم إليهم إذا ظفر ضياع والدهم بالأندلس كلها، وكانت ثلاثة آلاف ضيعة نفائس مختارة، وهي التي سميت بعد ذلك صفايا الملوك، فأجابهم إلى ذلك، وعاقدهم عليه، فالتقى الفريقان من الغد، فانحاز الأولاد إلى طارق، فكان ذلك أقوى أسباب الفتح، وكان الالتقاء على وادي لكة من كورة شذونة، فهزم الله الطاغية لذريق وجموعه، ونصر المسلمين نصرا لا كفاء له، ورمى لذريق نفسه في وادي لكة وقد أثقلته السلاح (17) ، فلم يعلم له خبر ولم يوجد.

وقيل: نزل طارق بالمسلمين قريبا من عسكر لذريق منسلخ شهر رمضان سنة 92، فوجه لذريق علجا من أصحابه قد عرف نجدته ووثق ببأسه ليشرف على عسكر طارق فيحزر عددهم ويعاين هيئاتهم ومراكبهم، فأقل ذلك العلج حتى طلع العسكر، ثم شد في وجوه من استشرفه من المسلمين، فوثبوا إليه، فولى منصرفا راكضا، وفاتهم بسبق فرسه، فقال العلج للذريق: من لا يريد إلا الموت أو إصابة ما تحت قدميك، قد حرقوا مراكبهم يأسا لأنفسهم من التعلق بها، وصفوا في السهل موطنين أنفسهم على الثبات، إذ ليس لهم في أرضنا مكان مهرب، فرعب وتضاعف جزعه، والتقى العسكران بالبحيرة، واقتتلوا قتالا شديدا، إلى أن انهزمت ميمنة لذريق وميسرته،

 (258)

انهزم بهما أبناء غيطشة، وثبت القلب بعدهما قليلا وفيه لذريق، فعذر (18) أهل بشيء من قتال، ثم انهزموا ولذريق أمامهم، فاستمرت هزيمتهم، وأذرع المسلمون القتل فيهم، وخفي أثر لذريق فلا يدرى أمره، إلا أن المسلمين وجدوا فرسه الأشهب الذي فقد وهو راكبه، وعليه سرج له من ذهب مكلل بالياقوت والزبرجد، ووجدوا أحد خفيه وكان من ذهب مكلل بالدر والياقوت (19) ، وقد ساخ الفرس في طين وحمأة، وغرق العلج، فثبت أحد خفيه في الطين فأخذ، وخفي الآخر، وغاب شخص العلج ولم يوجد حيا ولا ميتان والله أعلم بشأنه.

وقال الرازي: كانت الملاقاة يوم الأحد لليلتين بقيتا من شهر رمضان، فاتصلت الحرب بينهم إلى يوم الأحد لخمس خلون من شوال بعد تتمة ثمانية أيام، ثم هزم الله المشركين، فقتل منهم خلق عظيم (20) ، أقامت عظامهم بعد ذلك بدهر طويل ملبسة لتلك الأرض، قالوا: وحاز المسلمون من عسكرهم ما يجل قدره، فكانوا يعرفون كبار العجم وملوكهم بخواتم الذهب يجدونها في أصابعهم ويعرفون من دونهم بخواتم الفضة، ويميزون عبيدهم بخواتم النحاس، فجمع طارق الفيء وخمسه، ثم اقتسمه أهله على تسعى آلاف من المسلمين سوى العبيد والأتباع، وتسامع الناس من أهل بر العدوة بالفتح على طارق بالأندلس وسعة المغنم (21) فيها، فأقبلوا نحوه من كل وجه، وخرقوا البحر على كل ما قدروا عليه من مركب وقشر، فلحقوا بطارق، وارتفع أهل الأندلس عند ذلك إلى الحصون والقلاع، وتهاربوا من السهل ولحقوا بالجبال، ثم أقبل

 (259)

طارق حتى نزل بأهل مدينة شذونة، فامتنعوا عليه، فشد الحصر عليهم حتى نهكهم وأضرهم، فتهيأ له فتحها عنوة، فحاز منها غنائم، ثم مضى منها إلى مورور (22) ، ثم عطف إلى قرمونة فمر بعينه المنسوبة إليه، ثم مال على إشبيلية فصالحه أهلها على الجزية، ثم نازل أهل إستجة وهم في قوة ومعهم فل عسكر لذريق، فقاتلوا قتالا شديدا حتى كثر القتل والجراح بالمسلمين، ثم إن الله تعالى أظهر المسلمين عليهم، فانكسروا، ولم يلق المسلمون فيما بعد ذلك حربا مثلها، وأقاموا على الامتناع إلى أن ظفر طارق بالعلج صاحبها، وكان مغترا سيئ التدبير، فخرج إلى النهر لبعض حاجاته وحده، فصادف طارقا هناك قد أتى لمثل ذلك، وطارق لا يعرفه، فوثب عليه طارق في الماء، فأخذه وجاء به إلى العسكر، فلما كاشفه اعترف له بأنه أمير المدينة، فصالحه طارق على ما أحب، وضرب عليه الجزية، وخلى سبيله، فوفى بما عاهد عليه، وقذف الله الرعب في قلوب الكفرة لما رأوا طارقا يوغل في البلاد، وكانوا يحسبونه راغبا في المغنم عاملا على القفول، فسقط في أيديهم، وتطايروا عن السهول إلى المعاقل، وصعد ذوو القوة منهم إلى دار مملكتهم طليطلة، قيل: وكان من إرهاب طارق لنصارى الأندلس وحيله أن تقدم إلى أصحابه في تفصيل لحوم القتلى بحضرة أسراهم وطبخها في القدور، يرونهم أنهم يأكلونها، فجعل من انطلق من الأسرى يحدثون من وراءهم بذل فتمتلئ منه قلوبهم رعبا ويجفلون فرارا، قالوا: وقال يليان لطارق: قد فضضت جيوش القوم رعبوا، فاصمد لبيضتهم، وهؤلاء أدلاء من أصحابي مهرة، ففرق جيوشك معهم في جهات البلاد، واعمد أنت إلى طليطلة حيث معظمهم، فاشغل القوم عن النظر في أمرهم والاجتماع إلى أولي رأيهم، ففرق طارق جيوشه من إستجة، فبعث مغيثا الرومي مولى الوليد بن

 (260)

عبد الملك إلى قرطبة، وكانت من أعظم مدائنهم، في سبعمائة فارس، لأن المسلمين ركبوا جميعا خيل العجم، ولم يبق فيهم راجل، وفضلت عنهم الخيل، وبعث جيشا آخر إلى مالقة، وآخر إلى غرناطة مدينة إلبيرة، وسار هو في معظم الناس إلى كورة جيان يريد طليطلة، وقد قيل: إن الذي سار لقرطبة طارق بنفسه، لا مغيث، قالوا: فكمنوا بعدوة نهر شقندة في غيضة أرز شامخة، وأرسلت الأدلاء فأمسكوا راعي غنم فسئل عن قرطبة فقال: رحل عنها عظماء أهلها إلى طليطلة، وبقي فيها أميرها في أربعمائة فارس (23) من حماتهم مع ضعفاء أهلها، وسئل عن سورها فأخبر أنه حصين عال فوق أرضها إلا أنه فيه ثغرة ووصفها لهم (24) ، فلما أجنهم الليل أقبلوا نحو المدينة ووطأ الله لهم أسباب الفتح بأن أرسل السماء برذاذ أخفى دقدقة حوافر الخيل، وأقبل المسلمون رويدا حتى عبروا نهر قرطبة ليلا، وقد أغفل حرس المدينة احتراس السور، فلم يظهروا عليه ضيقا بالذي نالهم من المطر والبرد، فترجل القوم حتى عبروا النهر، وليس بين النهر والسور إلا مقدار ثلاثين ذراعا أو أقل (25) ، وراموا التعلق بالسور فلم يجدوا متعلقا، ورجعوا إلى الراعي في دلالتهم على الثغرة التي ذكرها، فأراهم إياها، فإذا بها غير مستهلة التسنم، إلا أنه كانت في أسفلها شجرة تين مكنت أفنانها من التعلق بها، فصعد رجل من أشداء المسلمين في أعلاها، ونزع مغيث عمامته فناوله طرفها، وأعان بعض الناس بعضا حتى كثروا على السور، وركب مغيث ووقف من خارج، وأمر أصحابه المرتقين للسور بالهجوم على الحرس، ففعلوا، وقتلوا نفرا منهم، وكسروا أقفال الباب، وفتحوه، فدخل مغيث ومن معه وملكوا المدينة عنوة، فصمد إلى البلاط منزل الملك ومعه أدلاؤه، وقد بلغ الملك دخولهم

 (261)

المدينة فبادر بالفرار عن البلاط في أصحابه، وهم زهاء أربعمائة، وخرج إلى كنيسة بغربي المدينة، وتحصن بها، وكان الماء يأتيها تحتالأرض من عين في سفح جبل، ودافعوا عن أنفسهم، وملك مغيث المدينة وما حولها؛ وقال من ذهب إلى أن طارقا لم يحضر فتح قرطبة وأن فاتحها مغيث: إنه كتب إلى طارق بالفتح، وأقام على محاصرة العلج بالكنيسة ثلاثة أشهر، حتى ضاق من ذلك وطال عليه، فتقدم إلى أسود من عبيده اسمه رباح، وكان ذا بأس ونجدة، بالكمون في جنان إلى جانب الكنيسة ملتفة الأشجار، لعله أن يظفر له بعلج يقف به على خبر القوم، ففعل، ودعاه ضعف عقله إلى أن صعد في بعض تلك الأشجار، وذلك أيام الثمر، ليجني ما يأكله، فبصر به أهل الكنيسة، وشدوا عليه، فأخذوه فملكوه (26) ، وهم في ذلك هائبون له منكرون لخلقه، إذ لم يكونوا عاينوا أسود قبله، فاجتمعوا عليه، وكثر لغطهم وتعجبهم من خلقه، وحسبوا أنه مصبوغ أو مطلي ببعض الأشياء التي تسود، فجردوه وسط جماعتهم، وأدنوه إلى القناة التي منها كان يأتيهم الماء، وأخذوا في غسله وبتدليكه بالحبال الحرش، حتى أدموه وأنتوه، فاستغاثهم، وأشار إلى أن الذي به خلقة من بارئهم، عز وجل، ففهموا إشارته (27) ، وكفوا عن غسله (28) واشتد فزعهم منه، ومكث في إسارهم سبعة أيام لا يتركون التجمع عليه والنظر إليه إلى أن يسر الله له الخلاص ليلا، ففر وأتى الأمير مغيثا فخبره بشأنه وعرفه بالذي اطلع عليه من موضع (29) الماء إليها ينتابونه، ومن أي ناحية يأتيهم، فأمر أهل المعرفة بطلب تلك القناة في الجهة التي أشار إليها الأسود حتى أصابوها، فقطعوها عن جريتها إلى الكنيسة، وسدوا منافذها، فأيقنوا

 (262)

بالهلاك حينئذ، فدعاهم مغيث إلى الإسلام أو الجزية، فأبوا عليه، فأوقد النار عليهم حتى أحرقهم فسميت كنيسة الحرقى، والنصارى تعظمها لصبر من كان فيها على دينهم من شدة البلاء؛ غير أن العلج أميرهم رغب بنفسه عن بليتهم عند إيقان الهلاك، ففر عنهم وحده، وقد استغفلهم ورام اللحاق بطليطلة، فنمي (30) خبره إلى مغيث، فبادر الركض خلفه وحده، فلحقه بقرب قرية تطليرة (31) هاربا وحده، وتحته فرس أصفر ذريع الخطو، وحرك مغيث خلفه، فالتفت العلج ودهش لما رأى مغيثا قد رهقه، وزاد في حث فرسه فقصر به، فسقط عن الفرس واندقت عنقه، فقعد على ترسه مستأسرا قد هاضته السقطة، فقبض عليه مغيث، وسلبه سلاحه، وحبسه عنده ليقدم به على أمير المؤمنين الوليد، ولم يؤسر من ملوك الأندلس غيره، لأن بعضهم استأمن وبعضه هرب إلى جليقية. وفي رواية أن مغيثا استنزل أهل الكنيسة بعد أسره لملكهم، فضرب أعناقهم جميعا، فمن أجل ذلك عرفت بكنيسة الأسرى وأن مغيثا جمع يهود قرطبة فضمنهم إلى مدينتها استنامة إليهم، دون النصارى، للعداوة بينهم، وأنه اختار القصر لنفسه، والمدينة لأصحابه.

وأما من وجه إلى مالقة ففتحوها، ولجأ علوجها إلى جبال هنالك ممتنعة، ثم لحق ذلك الجيش بالجيش المتوجه إلى إلبيرة، فحاصروا مدينتها غرناطة، فافتتحوها (32) عنوة، وضموا اليهود إلى قصبة غرناطة، وصار ذلك لهم سنة متبعة (33) في كل بلد يفتحونه أن يضموا يهوده إلى القصبة مع قطعة من المسلمين لحفظها، ويمضي معظم الناس لغيرها، وإذا لم يجدوا يهودا وفروا عدد المسلمين المخلفين لحفظ ما فتح، ثم صنعوا عند فتح كورة رية التي منها مالقة مثل ذلك.

 (263)

ومضى الجيش إلى تدمير، وتدمير: اسم العلج صاحبها، سميت به، واسم قصبتها أريولة، ولها شأن في المنعة، وكان ملكها علجا داهية، وقاتلهم مضحيا (34) ، ثم استمرت عليه الهزيمة في فحصها، فبلغ السيف في أهلها مبلغا عظيما أفنى أكثرهم ولجأ العلج إلى أريولة في يسير من أصحابه لا يغنون شيئا، فأمر النساء بنشر الشعور وحمل القصب والظهور على السور في زي القتال متشبهات بالرجال، وتصدر قدامهن في بقية أصحابه يغالط المسلمين في قوته على الدفاع عن نفسه، فكره المسلمون مراسه لكثرة من عاينوه على السور، وعرضوا عليه الصلح، فأظهر الميل إليه، ونكر زيه، فنزل إليهم بأمان على أنه رسول، فصالحهم على أهل بلده، ثم على نفسه، وتوثق منهم، فلما تم له من ذلك ما أراد عرفهم بنفسه، واعتذر إليهم بالإبقاء على قومه، وأخذهم بالوفاء بعهده، وأدخلهم المدينة، فلم يجدوا فيها إلا العيال والذرية، فندموا على الذي أعطوه من الأمان، واسترجحوه فيما احتال به، ومضوا على الوفاء له، وكان الوفاء عادتهم، فسلمت كورة تدمير من معرة المسلمين بتدبير تدمير، وصارت كلها صلحا ليس فيها عنوة، وكتبوا إلى أميرهم طارق بالفتح، وخلفوا بقصبة البلد رجالا منهم، ومضى معظمهم (35) إلى أميرهم لفتح طليطلة.

قال ابن حيان: وانتهى طارق إلى طليطلة دار مملكة القوط، فألفاها خالية قد فر أهلها عنها (36) ولجأوا إلى مدينة بها خلف الجبل، فضم اليهود إلى طليطلة، وخلف بها رجالا من أصحابه (37) ، ومضى خلف من فر من أهل طليطلة فسلك إلى وادي (38) الحجارة، ثم استقبل الجبل فقطعه من فج سمي به

 (264)

بعد، فبلغ مدينة المائدة خلف الجبل، وهي المنسوبة لسليمان بن داود عليهما السلام، وهي خضراء من زبرجدة (39) حافاتها منها وأرجلها، وكان لها ثلاثمائة وخمس وستون رجلا، فأحرزها عنده، ثم مضى إلى المدينة التي تحصنوا بها خلف الجبل، فأصاب بها حليا ومالا، ورجع ولم يتجاوزها إلى طليطلة سنة ثلاث وتسعين. وقيل: إنه لم يرجع، بل اقتحم أرض جليقية واخترقها حتى انتهى إلى مدينة استرقة، فدوخ الجهة، وانصرف إلى طليطلة، والله أعلم. وقيل: إن طارقا دخل الأندلس بغير أمر مولاه موسى بن نصير، فالله أعلم. قال بعضهم: وكانت إقامته في الفتوح وتدويخ البلاد إلى أن وصل سيده موسى بن نصير سنة، وكان ما سيذكر.

وأنشد في " المسهب " وابن اليسع في " المعرب " لطارق من قصيدة قالها في الفتح:

ركبنا سفينا بالمجاز مقيرا ... عسى أن يكون الله منا قد اشترى

نفوسا وأموالا وأهلا بجنة ... إذا ما اشتهينا الشيء فيها تيسرا

ولسنا نبالي كيف سالت نفوسنا ... إذا نحن أدركنا الذي كان أجدرا قال ابن سعيد: وهذه الأبيات مما يكتب لمراعاة قائلها ومكانته، لا لعلو طبقتها (40) ، انتهى.

وأما أولاد غيطشة فإنهم لما صاروا إلى طارق بالأمان، وكانوا سبب الفتح حسبما تقدم، قالوا لطارق (41) : أنت الأمير أمير عظيم، فاستأذنوه باللحاق بموسى بن نصير بإفريقية ليؤكد سببهم به، وسألوه الكتاب إليه بشأنهم معه، وما أعطاهم من عهده، ففعل، وساروا نحو موسى فتلقوه في انحداره إلى الأندلس بالقرب (42)

 (265)

من بلاد البربر وعرفوه بشأنهم، ووقف على ما خاطبه به طارق في ذمتهم وسابقتهم، فأنفذهم إلى أمير المؤمنين الوليد بالشام بدمشق، وكتب إليه بما عرفه به طارق من جميل أثرهم، فلما وصلوا إلى الوليد أكرمهم وأنفذ لهم عهد طارق في ضياع والدهم، وعقد لكل واحد منهم سجلا، وجعل لهم أن لا يقوموا لداخل عليهم، فقدموا الأندلس، وحازوا ضياع والدهم أجمع، واقتسموها على موافقة منهم، فصار منهم لكبيرهم ألمند (43) ألف ضيعة في غرب الأندلس، فسكن من أجلها إشبيلية مقتربا منها، وصار لأرطباش (44) ألف ضيعة، وهو تلوه في السن، وضياعه في موسطة الأندلس، فسكن من أجلها قطرطبة، وصار لثالثهم وقلة (45) ألف ضيعة في شرقي الأندلس وجهة الثغر، فسكن من أجلها مدينة طليطلة، فكانوا على هذه الحال صدر الدولة العربية، إلى أن هلك ألمند كبيرهم، وتخلف (46) ابنته سارة المعروفة بالقوطية وابنين صغيرين، فبسط يده أرطباش على ضياعهم، وضمها إلى ضياعه، وذلك في خلافة أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك، فأنشأت سارة بنت ألمند مركبا بإشبيلية حصينا كامل العدة، وركبت فيه مع أخويها الصغيرين تريد الشام حتى نزلت بعسقلان من ساحلها ثم قصدت باب الخليفة هشام بداره بدمشق، فأنهت خبرها، وشكت ظلامتها من عمها واستعدت عليه (47) ، واحتجت بالعهد المنعقد لأبيها وأخويه (48) على الخليفة الوليد بن عبد الملك، فأوصلها هشام إلى نفسه، وأعجبه صورتها (49) وحزمها،

 (266)

وكتب إلى حنظلة بن صفوان عامله بإفريقية بإنصافها من عمها أرطباش وإمضائها وأخويها (50) على سنة الميراث فيما كان في يد والدها مما قاسم فيه أخويه، فأنفذ لها الكتاب بذلك إلى عامله بالأندلس أبي الخطار ابن عمه، فتم لها ذلك وأنكحها الخليفة هشام من عيسى بن مزاحم (51) ، فابتنى بها بالشام، ثم قدم بها إلى الأندلس، وقام لها في دفاع عمها أرطباش عن ضياعها، فنال بها نعمة عظيمة، وولد له منها ولداه إبراهيم وإسحاق فأدركا الشرف المؤثل والرياسة بإشبيلية، وشهرا ونسلهما بالنسبة إلى أمهما سارة القوطية. وكانت أيام وفادتها على الخليفة هشام رأت عنده حفيده عبد الرحمن بن معاوية الداخل بعد إلى الأندلس، وعرفها، فتوسلت بذلك (52) إليه لما ملك الأندلس ووفدت إليه، فاعترف بذمامها وأكرمها، وأذن لها في الدخول إلى قصره متى جاءت إلى قرطبة فيجدد تكرمتها ولا يحجب عياله منها، وتوفي زوجها عيسى (53) في السنة التي ملك فيها عبد الرحمن الأندلس، فزوجها عبد الرحمن من عمير بن سعيد.

وكان لها ولأبيها ألمند وعمها أرطباش في صدر الدولة العربية بالأندلس أخبار ملوكية: فمنها ما حكاه الفقيه محمد بن عمر بن لبابة المالكي (54) أنه قصد أرطباش يوما إلى منزله عشرة من رؤساء رجال الشاميين فيهم الصميل وابن الطفيل وأبو عبدة وغيرهم، فأجلسهم على الكراسي، وبالغ في تكريمهم، ودخل على أثرهم ميمون العابد جد بني حزم، وكان في عداد الشاميين، إلا أنه كان شديد الانقباض عنهم لزهده وورعه، فلما بصر به أرطباش قام إليه دونهم إعظاما، ورقاه إلى كرسيه الذي كان يجلس عليه، وكان ملبسا صفائح الذهب، وجذبه

 (267)

ليجلسه مكانه، فامتنع عليه ميمون، وقعد على الأرض، فقعد أرطباش معه عليها، وأقبل عليه قبلهم، فقال له:يا سيدي، ما الذي جاء بك إلى مثلي؟ فقال له: ما تسمعه، إنا قدمنا إلى هذا البلد غزاة نحسب أن مقامنا فيه لا يطول، فلم نستعد للمقام ولا كثرنا من العدة، ثم حدث (55) بعدنا على موالينا وفي أجنادنا ما قد أيسنا معه من الرجوع إلى أوطاننا، وقد وسع الله عليك، فأحب أن تدفع إلي ضياعا من ضياعك أعتمرها بيدي، وأؤدي إليك الحق منها وآخذ الفضل لي طيبا أتعيش منه، فقال: لا أرضى لك بالمساهمة، بل أهب لك هبة مسوغة، ثم دعا بوكيل له فقال له: سلم المجشر (56) الذي لنا على وادي شوش بما لنا فيه من العبيد والدواب والبق وغير ذلك، وادفع إليه الضيعة التي بجيان، فتسلم ميمون الضيعتين وورثهما ولده، وإليهم نسبت قلعة حزم، فشكره ميمون وأثنى عليه، وقام عنه. وقد أنف الصميل من قيامه إليه، فأقبل على أرطباش وقال له: كنت أظنك أرجح وزنا، أدخل عليك وأنا سيد العرب بالأندلس في أصحابي هؤلاء، وهم سادة الموالي، فلا تزيدنا من الكرامة على الإقعاد على أعوادك هذه، ويدخل هذا الصعلوك فتصير من إكرامه إلى حيث صرت؟ فقال له: يا أبا جوشن، إن أهل دينك يخبروننا أن أدبهم لم يرهفك ولو كان لم تنكر علي ما فعلته، إنكم أكرمكم الله إنما تكرمون لدنياكم وسلطانكم، وهذا إنما أكرمته لله تعالى، فقد روينا عن المسيح، عليه السلام، أنه قال: من أكرمه الله تعالى من عباده بالطاعة له وجبت كرامته على خلقه، فكأنما القمه حجرا. وكان الصميل أميا، فلذلك عرض به، فقال له القوم: دعنا من هذا، وانظر فيما قصدنا له، فحاجتنا حاجة الرجل الذي قصدك فأكرمته، فانظر في شأننا، فقال له: أنتم ملوك الناس، وليس يرضيكم إلا الكثير، وها أنا أهب لكم مائة ضيعة تقتسمونها عشرا عشرا، وكتب لهم بها، وأمر وكلاءه بتسليمها

 (268)

إليهم، فكان القوم يرونها من أطيب أملاكهم، انتهى.

قال ابن حيان وغيره: ولما بلغ موسى بن نصير ما صنعه طارق بن زياد وما أتيح له من الفتوح حسده، وتهيأ للمسير إلى الأندلس فعسكر وأقبل نحوها ومعه جماعة الناس وأعلامهم، وقيل: إنهم كانوا ثمانية عشر ألفا، وقيل: أكثر، فكان دخوله إلى الأندلس في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين، وتنكب الجبل الذي حله طارق، ودخل على الموضع المنسوب إليه المعروف الآن بجبل موسى، فلما احتل الجزية الخضراء قال: ما كنت لأسلك طريق طارق، ولا أقفو أثره، فقال له العلوج الأدلاء أصحاب يليان: نحن نسلك بك (57) طريقا هو أشرف من طريقه، وندلك على مدائن هي أعظم خطرا وأعظم خطبا وأوسع غنما (58) من مدائنه، لم تفتح بعد، يفتحها الله عليك إن شاء الله تعالى، فملئ سرورا. وكان شفوف طارق قد غمه، فساروا به في جانب ساحل شذونة، فافتتحها عنوة، وألقوا بأيديهم إليه، ثم سار إلى مدينة قرمونة، وليس بالأندلس أحصن منها، ولا أبعد على من يرومها بحصار أو قتال، فدخلها بحيلة توجهت بأصحاب يليان، دخلوا إليهم كأنهم فلال وطرقهم موسى بخيله ليلا ففتحوا لهم الباب وأوقعوا بالأحراس، فملكت المدينة. ومضى موسى إلى إشبيلية جارتها فحاصرها، وهي أعظم مدائن الأندلس شأنا، وأعجبها بنيانا، وأكثرهم آثارا، وكانت دار الملك (59) قبل القوطيين، فلما غلب القوطيون على ملك الأندلس حولوا السلطان إلى طليطلة، وبقي رؤساء الدين فيها أعني إشبيلية، فامتنعت أشهرا على موسى، ثم فتحها الله عليه، فهرب العلوج عنها إلى مدينة باجة، فضم موسى يهودها إلى القصبة، وخلف بها رجالا، ومضى من إشبيلية إلى

 (269)

لفنت (60) إلى مدينة ماردة، وكانت أيضا دار مملكة لبعض ملوك الأندلس في سالف الدهر، وهي ذات عز ومنعة، وفيها آثار وقصور ومصانع وكنائس جليلة القدر فائقة الوصف، فحاصرها أيضا، وكان في أهلها منعة شديدة وبأس عظيم، فنالوا من المسلمين دفعات، وآذوهم، وعمل موسى دبابة دب المسلمون تحتها إلى برج من أبراج سورها جعلوا ينقبونه، فلما قلعوا الصخر أفضوا بعده إلى العمل المدعو بلسان العجم ألاشه ماشه (61) ، فنبت عنه معاولهم وعدتهم، وثار بهم العدو على غفلة، فاستشهد بأيديهم قوم من المسلمين تحت تلك الدبابة، فسمي ذلك الموضع برج الشهداء، ثم دعا القوم إلى السلم، فترسل إليه في تقريره قوم من أماثلهم أعطاهم الأمان واحتال في توهمهم في نفسه، فدخلوا عليه أول يوم، فإذا هو أبيض الرأس واللحية كما نصل خضابه، فلم يتفق لهم معه أمر، وعاودوه قبل الفطر بيوم، فإذا به قد قنأ لحيته بالحناء فجاءت كضرام عرفج، فعجبوا من ذلك،وعاودوه يوم الفطر، فإذا هو قد سود لحيته، فازداد تعجبهم منه، وكانوا لا يعرفون الخضاب ولا استعماله، فقالوا لقومهم: إنا نقاتل أنبياء يتخلقون كيف شاءوا، ويتصورون في كل صورة أحبوا؛ كان ملكهم شيخا فقد صار شابا، والرأي أن نقاربه ونعطيه ما يسأله، فما لنا به طاقة، فأذعنوا عند ذلك، وأكملوا صلحهم مع موسى على أن أموال القتلى يوم الكمين وأموال الهاربين إلى جليقية وأموال الكنائس وحليها للمسلمين (62) ، ثم فتحوا له المدينة

 (270)

يوم الفطر سنة أربع وتسعين فملكها، ثم إن عجم إشبيلية انتقضوا على المسلمين، واجتمعوا من مدينتي باجة ولبلة إليهم، فأوقعوا بالمسلمين وقتلوا منهم نحو ثمانين رجلا، وأتى فلهم الأمير موسى وهو بماردة فلما أن فتحها وجه ابنه عبد العزيز بن موسى في جيش إليهم ففتح إشبيلية وقبل أهلها، ونهض إلى لبلة ففتحها، واستقامت الأمور فيما هنالك، وعلا الإسلام، وأقام عبد العزيز (63) بإشبيلية، وتوجه الأمير موسى من ماردة عقب شوال من العام المؤرخ يريد طليطلة، وبلغ طارقا خبرهن فاستقبله في وجوه الناس، فلقيه في موضع من كورة طلبيرة؛ وقيل: إن موسى تقدم من ماردة فدخل جليقية من فج نسب إليه، فخرقها حتى وافى طارق بن زياد صاحب مقدمته بمدينة استرقة، فغض منه علانية، وأظهر ما بنفسه عليه من حقد، والله أعلم؛ وقيل: لما وقعت عينه عليه نزل إليه إعظاما له، فقنعه موسى بالسوط، ووبخه على استبداده عليه ومخالفته لرأيه. وساروا إلى طليطلة، فطالبه موسى بأداء ما عنده من مال الفيء وذخائر الملوك، واستعجله بالمائدة، فأتاه بها وقد خلع من أرجلها رجلا وخبأه عنده، فسأله موسى عنه، فقال: لا علم لي به، وهكذا أصبتها، فأمر موسى فجعل لها رجل من ذهب جاء بعيد الشبه من أرجلها يظهر عليه التعمل، ولم يقدر على أحسن منه، فأخل بها. جاء بعيد الشبه من أرجلها يظهر عليه التعمل، ولم يقدر على أحسن منه، فأخل بها.

وقال ابن الفرضي (64) : موسى بن نصير صاحب فتح الأندلس لخمي يكنى أبا عبد الرحمن، يروي عن تميم الداري، وروى عنه يزيد بن مسروق اليحصبي.

وقيل: غزا موسى بن نصير في المحرم سنة ثلاث وتسعين، فأتى طنجة، ثم عبر إلى الأندلس، فأداخها، لا يأتي على مدينة إلا فتحها نزل أهلها على حكمه، ثم سار إلى قرطبة، ثم قفل عن الأندلس سنة أربع وتسعين، فأتى إفريقية، وسار عنها سنة خمس وتسعين إلى الشام يؤم الوليد بن عبد الملك يجر الدنيا بما

 (271)

احتمله من غنائم الأندلس من الأموال والأمتعة يحملها على العجل والظهر، ومعه ثلاثون ألف رأس من السبي، فلم يلبث أن هلك الوليد بن عبد الملك (65) وولي سليمان، فنكب موسى نكبا أداه إلى المتربة، فهلك في نكبته تلك بوادي القرى سنة سبع وتسعين.

قال ابن حيان: وهذه المائدة المنوه باسمها المنسوبة إلى سليمان النبي عليه الصلاة والسلام لم تكن له فيما يزعم رواع العجم، وإنما أصلها أن العجم في أيام ملكهم كان أهل الحسنة منهم إذا مات أحدهم أوصى بمال الكنائس، فإذا اجتمع عندهم ذلك المال صاغوا منه الآلات الضخمة من الموائد والكراسي وأشباهها من الذهب والفضة، تحمل الشمامسة والقسوس فوقها مصاحف الأناجيل إذا أبرزت في أيام المناسك، ويضعونها (66) على المذابح في الأعياد للمباهاة بزينتها، فكانت تلك المائدة بطليطلة مما صيغ (67) في هذه السبيل، وتأنقت الأملاك في تفخيمها، يزيد الآخر منهم فيها على الأول، حتى برزت على جميع ما اتخذ من تلك الآلات، وطار الذكر مطاره عنها، وكانت مصوغة من خالص الذهب، مرصعة بفاخر الدر والياقوت والزمرد، لم تر الأعين مثلها، وبولغ في تفخيمها من أجل دار المملكة، وأنه لا ينبغي أن تكون بموضع آلة جمال أو متاع مباهاة إلا دون ما يكون فيها، وكانت توضع على مذبح كنيسة طليطلة، فأصابها المسلمون هناك، وطار النبأ الفخم عنها. وقد كان طارق ظن بموسى أميره مثل الذي فعله من غيرته على ما تهيأ له ومطالبته له بتسليم ما في يده إليه، فاستظهر بانتزاع رجل من أرجل هذه المائدة خبأه عنده، فكان من فلجه به على موسى عدوه عند الخليفة إذ تنازعا عنده بعد الأثر في جهادهما ما هو مشهور، انتهى.

 (272)

وقال بعض المؤرخين (68) : إن المائدة كانت مصنوعة من الذهب والفضة، وكان عليها طوق لؤلؤ طوق ياقوت وطوق زمرد، وكلها مكللة بالجواهر، انتهى.

وما ذكره ابن حيان من أن الذي يكب موسى بن نصير هو سليمان بن عبد الملك صواب، وأما ما حكاه ابن خلكان من أن المنكب (69) له الوليد فليس بصحيح، والله أعلم.

رجع إلى كلام ابن حيان

قالوا: ثم إن موسى اصطلح مع طارق، وأظهر الرضى عنه، وأقره على مقدمته على رسمه، وأمره بالتقدم أمامه في أصحابه، وسار موسى خلفه في جيوشه، فارتقى إلى الثغر الأعلى، وافتتح سرقسطة وأعمالها، وأوغل في البلاد، وطارق أمامه لا يمران بموضع إلا فتح عليهما، وغنمهما الله تعالى ما فيه. وقد ألقى الله الرعب في قلوب الكفرة فيم يعارضهما أحد إلا بطلب الصلح (70) ، وموسى يجيء على أثر طارق في ذلك كله، ويكمل ابتداءه، ويوثق للناس ما عاهدوه عليه، فلما صفا القطر كله وطامن نفوس من أقام على سلمهن ووطأ لأقدام المسلمين في الحلول به، أقام لتمييز ذلك وقتا، وأمضى المسلمين إلى إفرنجة ففتحوا وغنموا وسلموا وعلوا وأوغلوا، حتى انتهوا إلى وادي رودنة (71) ، فكان أقصى أثر العرب ومنتهى موطئهم من أرض العجم. وقد دوخت بعوث طارق وسراياه بلد إفرنجة فملكت مدينتي برشلونة وأربونة

 (273)

وصخرة أبنيون (72) وحصن لوذون (73) على وادي رودنة، فبعدوا عن الساحل الذي منه دخلوا جدا، وذكر أن مسافة ما بين قرطبة وأربونة من بلاد إفرنجة ثلاثمائة فرسخ وخمسة وثلاثون فرسخا، وقيل: ثلاثمائة فرسخ وخمسون فرسخا، ولما أوغل المسلمون إلى أربونة ارتاع لهم قارله (74) ملك الإفرنجة بالأرض الكبيرة، وانزعج لانبساطهم، فحشد لهم، وخرج عليهم في جمع عظيم، فلما انتهى إلى حصن لوذون وعلمت العرب بكثرة جموعه زالت عن وجهه، وأقبل حتى انتهى إلى صخرة لوذون، فلم يجد بها أحدا، وقد عسكر المسلمون قدامه فيما بين الأجبل المجاورة لمدينة أربونة، وهم بحال غرة لا عيون لهم ولا طلائع، فما شعروا حتى أحاط بهم عدو الله قارله، فاقتطعهم عن اللجإ إلى مدينة أربونة، وواضعهم الحرب، فقاتلوا قتالا شديدا استشهد فيه جماعة منهم، وحمل جمهورهم على صفوفه حتى اخترقوها، ودخلوا المدينة ولاذوا بحصانتها، فنازلهم بها أياما أصيب له فيها رجال، وتعذر عليه المقام، وخامره ذعر وخوف مدد للمسلمين، فزال عنهم راحلا إلى بلده، وقد نصب في وجوه المسلمين حصونا على وادي رودنة شكها بالرجال فصيرها ثغرا بين بلده والمسلمين، وذلك بالأرض الكبيرة خلف الأندلس.

وقال الحجاري في المسهب: إن موسى بن نصير نصره الله نصرا ما عليه مزيد، وأجفلت ملوك النصارى بين يديهن حتى خرج على باب الأندلس الذي في الجبل الحاجز بينها وبين الأرض الكبيرة، فاجتمعت الإفرنج إلى ملكها الأعظم قارله، وهذه سمة لملكهم، فقالت له: ما هذا الخزي الباقي في الإعقاب؟ كنا نسمع بالعرب ونخافهم من جهة مطلع الشمس، حتى أتوا من مغربها، واستولوا على بلاد الأندلس وعظيم ما فيها من العدة والعدد بجمعهم القليل،

 (274)

وقلة عدتهم، وكونهم لا دروع لهم، فقال لهم ما معناه: الرأي عندي أن لا تعترضوهم في خرجتهم هذه، فإنهم كالسيل يحمل من يصادره، وهم إقبال أمرهم، ولهم نيات تغني عن كثرة العدد،وقلوب تغني عن حصانة الدروع، ولكن أمهلوهم حتى تمتلئ أيديهم من الغنائم، ويتخذوا المساكن ويتنافسوا في الرياسة، ويستعين بعضهم ببعض (75) ، فحينئذ تتمكنون منهم بأيسر أمر، قال: فكان والله كذلك بالفتنة التي طرأت بين الشاميين والبلديين والبربر والعرب والمضرية واليمانية، وصار بعض المسلمين يستعين على بعض بمن يجاورهم من الأعداء، انتهى.

وقيل: إن موسى بن نصير أخرج ابنه عبد الأعلى إلى تدمير ففتحها، وإلى غرناطة ومالقة وكورة رية ففتح الكل، وقيل: إنه لما حاصر مالقة - وكان ملكها ضعيف الرأي قليل التحفظ - كان يخرج إلى جنان له بجانب المدينة طلبا للراحة من غمة الحصار من غير نصب عين وتقديم طليعة، وعرف عبد الأعلى بأمره، فأكمن له في جنبات الجنة التي كان ينتابها قوما من وجوه فرسانه ذوي رأي وحزم، وأرصدوا له ليلا فظفروا به وملكوه، فأخذ المسلمون المدينة (76) عنوة، وملأوا أيديهم غنيمة.

وقيل: كانت نفس موسى بن نصير في ذلك كله تنزعج (77) إلى دخول دار الكفر جليقية، فبينما هو يعمل في ذلك ويعد له إذ أتاه مغيث الرومي رسول الوليد بن عبد الملك ومولاه يأمره بالخروج عن الأندلس (78) والإضراب عن التوغل فيها، وأخذه بالقفول إليه، فساءه ذلك، وقطع به عن إرادته؛ إذ لم يكن في الأندلس بلد لم تدخله العرب إلى وقته ذلك غير جليقية، فكان شديد الحرص

 (275)

على اقتحامها، فلاطف موسى مغيثا رسول الخليفة، وسأله إنظاره إلى أن ينفذ عزمه في الدخول إليها والمسير معه في البلاد أياما ويكون شريكه في الأجر والغنيمة، ففعل، ومشى معه حتى بلغ المفازة، فافتتح حصن بارو (79) وحصن لك (80) ، فأقام هناك، وبث السرايا حتى بلغوا صخرة بلاي (81) على البحر الأخضر، فلم تبق كنيسة إلا هدمت، ولا ناقوس إلا كسر، وأطاعت الأعاجم فلاذوا بالسلم وبذل الجزية،وسكنت العرب المفاوز، وكان العرب والبربر كلما مر قوم منهم بوضع استحسنوه حطوا به ونزلوه قاطنين، فاتسع نطاق الإسلام بأرض الأندلس، وخذل الشرك، وبينما موسى كذلك في اشتداد الظهور وقوة الأمل إذ قدم رسول آخر من الخليفة يكنى أبا نصر أردف به الوليد مغيثا لما استبطأ موسى في القفول، وكتب إليه يوبخه، ويأمره بالخروج، وألزم رسوله إزعاجه، فانقلع (82) حينئذ من مدينة لك بجليقية، وخرج على الفج المعروف بفج موسى (83) ، ووافاه طارق في الطريق منصرفا من الثغر الأعلى، فأقفله مع نفسه ومضيا جميعا ومعهما من الناس من اختار القفول، وأقام من آثر السكنى في مواضعهم التي كانوا قد اختطوها واستوطنوها، وقفل معهم الرسولان مغيث وأبو نصر حتى احتلوا بإشبيلية، فاستخلف موسى ابنه عبد العزيز على إمارة الأندلس، وأقره بمدينة إشبيلية لاتصالها بالبحر نظرا لقربه من مكان (84) المجاز،

 (276)

وركب موسى البحر إلى المشرق بذي حجة سنة خمس وتسعين وطارق معه، وكان مقام طارق بالأندلس قبل دخول موسى سنة وبعد دخوله سنتين وأربعة أشهر، وحمل موسى الغنائم والسبي، وهو ثلاثون ألف رأس والمائدة منوها بها ومعها من الذخائر والجواهر ونفيس الأمتعة ما لا يقدر قدره، وهو مع ذلك متلهف على الجهاد الذي فاته، أسيف على ما لحقه من الإزعاج، وكان يؤمل أن يخترق ما بقي عليه من بلد (85) إفرنجة، ويقتحم الأرض الكبيرة حتى يتصل بالناس إلى الشام مؤملا أن يتخذ مخترقه بتلك الأرض طريقا مهيعا يسلكه أهل الأندلس في مسيرهم وجيئهم من المشرق وإليه على البر لا يركبون بحران وقيل: إنه أوغل في أرض الفرنجة حتى انتهى إلى مفازة كبيرة وأرض سهلة ذات آثار، فأصاب فيها صنما عظيما قائما كالسارية مكتوبا فيه بالنقر كتابة عربية (86) قرئت، فإذا هي: يا بني إسماعيل، انتهيتم فارجعوا، فهاله ذلك، وقال: ما كتب هذا إلا لمعنى كبير، فشاور أصحابه في الإعراض عنه وجوازه إلى ما وراءه، فاختلفوا عليه، فأخذ برأي جمهورهم، وانصرف الناس، وقد أشرفوا على قطع البلاد وتقصي الغاية.

وحكى الرازي: أن موسى خرج من إفريقية إلى الأندلس في رجب سنة ثلاث وتسعين، واستخلف على إفريقية أسن ولده عبد الله بن موسى، وكان موسى في عشرة آلاف، قال: وكان عبد الملك بن مروان هو الذي أغزى موسى المغرب في خلافته، ففتح له في أهله البرابرة فتوح كبار، حتى لقد بعث إلى عبد الملك في الخمس بعشرين ألف سبية، ثم أردفها بعشرين ألفا أخرى، كل ذلك من البربر، فعجب عبد الملك يومئذ من كثرة ذلك.

وزعم ابن حبيب (87) : أنه دخل الأندلس رجل واحد من أصاغر الصحابة، وهو

 (277)

المنيذر، قال: ودخلها من التابعين ثلاثة: موسى الأمير، وعلي بن رباح اللخمي، وحيوة بن رجاء التميمي، وقيل: إن ثالثهم إنما هو حنش بن عبد الله الصنعاني، صنعاء الشام، وإنهم قفلوا عنها بقفول موسى، وأهل سرقسطة يزعمون أن حنشا مات عندهم ولم يقفل للمشرق، وقبره لديهم مشهور يتبركون به ولا يختلفون فيه، فالله أعلم.

وقيل: إن التابعين أربعة بأبي عبد الرحمن الحبلي الأنصاري، واسمه عبد الله بن يزيد، والله أعلم، وخمسهم بعضهم بحبان (88) بن أبي جبلة مولى بني بعد الدار وكان في ديوان مصر، فبعث به عمر بن عبد العزيز إلى إفريقية في جماعة من الفقهاء ليفقهوا أهلها، وكان روى عن عمرو بن العاص وابن عباس وابن عمر، وحدث عنه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وغيره، وغزا مع موسى حين افتتح الأندلس، وانتهى معه إلى حصن من حصون العدو يقال له قرقشونة، وقيل: بل قفل إلى إفريقية (89) فتوفي بها بعد العشرين ومائة.

وقال بعضهم: إن بين قرقشونة هذه وبين برشلونة مسافة خمسة وعشرين يوما، وفيها الكنيسة المعظمة عند الفرنج المسماة شنت مرية، وقد حكى ابن حيان أن فيها سبع سوار من فضة خالصة لم ير الراؤون مثلها لا يحيط الإنسان بذراعيه على واحدة منها مع طول مفرط.

وحنش الصنعاني المذكور تابعي (90) جليل، كان مع علي رضي الله عنه بالكوفة، وقدم مصر بعد قتله، فصار عداده في المصريين، وكان فيمن قام مع ابن الزبير على عبد الملك بن مروان فعفا عنه، وكفى الأندلس شرفا دخوله لها.

وعلي بن رباح بصري تابعي، يكنى أبا عبد الله،وهو لخمي، ولد عام اليرموك سنة خمس عشرة، قال ابن معين: أهل مصر يقولونه بفتح العين،

 (278)

وأهل العراق يقولونه بضمها، وروى الليث عن ابنه موسى بن علي، وكانت لعلي بن رباح عند عبد العزيز بن مروان مكانة، وهو الذي زف ابنته أم البنين لزوجها الوليد، ثم عتب عليه عبد العزيز فأغزاه إفريقية.

وأما المنيذر الإفريقي فلم ينسبه ابن حبيب، وذكره ابن عبد البر في الصحابة (91) وقال: إنه المنيذر الإفريقي، وروى عنه أبو عبد الرحمن الحبلي، قال: حدثنا المنيذر الإفريقي (92) ، وكان سكن إفريقية، وكان صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه سمعه صلى الله عليه وسلم يقول: " من قال: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، فأنا الزعيم له، فلآخذن بيده، فلأدخلنه الجنة " ورواه عنه ابن عبد البر بسنده إليه، وسيأتي إن شاء الله تعالى في حق المنيذر مزيد بيان (93) .

ولما قفل موسى بن نصير إلى المشرق وأصحابه سأل مغيثا أن يسلم إليه العلج صاحب قرطبة الذب كان في إساره، فامتنع عليه، وقال: لا يؤديه للخليفة سواي، وكان يدل بولائه من الوليد، فهجم عليه موسى فانتزعه منه، فقيل له: إن سرت به حيا معك ادعاه مغيث، والعلج لا ينكر قوله، ولكن اضرب عنقه، ففعل، فاضطغنها عليه مغيث، وصال إلبا مع طارق الساعي عليه، واستخلف موسى على طنجة وما يليها من المغرب ابنه الآخر عبد الملك، وقد كان - كما مر - استخلف بإفريقية أكبر أولاده عبد الله، فصار جميع الأندلس والمغرب بيد أولاده؛ وابنه بعد الله الذي خلفه بإفريقية هو الفاتح لجزيرة ميورقة. وسار موسى فورد الشام، واختلف الناس: هل كان وروده قبل موت الوليد أو بعده؟ فمن يقول بالثاني قال: قدم على سليمان حين استخلف، وكان منحرفا عنه، فسبق إليه طارق ومغيث بالشكية

 (279)

منه، ورمياه بالخيانة، وأخبراه بما صنع بهما من خبر المائدة والعلج صاحب قرطبة، وقالا له: إنه قد غل جوهرا عظيم القدر أصابه لم تحو الملوك من بعد فتح فارس مثله، فلما وافى سليمان وجده ضغينا عليه، فأغلظ له، واستقبله بالتأنيب والتوبيخ، فاعتذر له ببعض العذر، وسأله عن المائدة، فأحضرها، فقال له: زعم طارق أنه الذي أصابها دونك، قال: لا، وما رآها قط إلا عندي، فقال طارق: فليسأله أمير المؤمنين عن الرجل التي تنقصها، فسألهن فقال هكذا أصبتها، وعوضتها رجلا صنعتها لها، فحول طارق يده إلى قبائه فأخرج الرجل، فعلم سليمان صدقه وكذب موسى، فحقق جميع ما رمي به عنده، وعزله عن جميع أعماله، وأقصاه وحبسه، وأمر بتقصي حسابه، فأغرمه غرما عظيما كشفه فيه، حتى اضطره إلى أن سأل العرب معونته، فيقال: إن لخما حملت عنه في أعطيتها تسعين ألفا ذهبا، وقيل: حمله سليمان غرم مائتي ألف، فأدى مائة ألف، وعجز، فاستجار بيزيد بن المهلب أثير سليمان، فاستوهبه من سليمان، فوهبه إياه، إلا أنه عزل ابنه عبد الله عن إفريقية.

وقال الرازي: إن الذي أزعج موسى عن الأندلس أبو نصر رسول الوليد فقبض على عنانه وثناه قافلا، وقفل معه من أحب المشرق،وكان أكثر الناس قطنوا ببلاد الأندلس لطيبها، فأقاموا فيها.

 

__________

(1) أهل: سقطت من ق.

(2) ك: ملكه وسلطانه.

(3) " ينير " اسم الشهر: (Enero) كانون الثاني، وفي ك: صنبر، وصنبر: تعني شدة البرد.

(4) زاد في ك: وما جاء فيه.

(5) الشذانقات: الصقور.

(6) ك: أشتات.

(7) ج: وغزارة.

(8) ك: التأم.

(9) ك: أغسطس.

(10) ق: البربر.

(11) انظر ما تقدم ص: 231.

(12) ك: المتوسطة.

(13) الكدية: الأرض المرتفعة.

(14) ك ق ج: عبيدة.

(15) ك: ونزل.

(16) وقيل... أعلم: هذه الجملة موجودة في جميع الأصول وهي قلقة ولا تلتئم مع ماتقدم من حديث عن إشبان.

(17) ك: الجراح.

(18) ق ك ط ودوزي: فغدر. وعذر: دفع عن نفسه اللوم بفعل كأنه تقصير؛ وسقط من ج: فعذر... وخفي أثر لذريق.

(19) زاد في ك: والزبر جد.

(20) ك: خلق كثير عظيم.

(21) ج: الغنائم.

(22) مدور؛ ومورور: (Moron) كورة متصلة بأحواز قرمونة.

(23) فارس: سقطت من ق ط ج.

(24) لهم: سقطت من ط ج ق.

(25) أو أقل: سقطت من دوزي.

(26) دوزي: وملكوه.

(27) ق ط ج: ففهموا عنه.

(28) ك: وكفوا عنه وعن غسله.

(29) ك: اطلع عليه من شأنهم وموضع.

(30) ك: قبلغ.

(31) كذا في ق ك ط ج، ولعلها: طلبيرة.

(32) ك: فاقتحموها.

(33) متبعة: سقطت من ك.

(34) ق ك ط ج ودوزي: مصحيا، واللفظة تحتاج تصويبا، واقترح مراجع ط. ليدن أن تقرأ " مضحيا " بمعنى " في وقت الضحى " .

(35) ق ط ج: المعظم.

(36) ك: عنها أهلها.

(37) من أصحابه: سقطت من ق.

(38) ك: فسلك وادي.

(39) ك: زبرجد.

(40) ق ط ج ودوزي: لعلو طبقته.

(41) انظر ابن القوطية: 29 - 30.

(42) في ق " بالعرب " وفي بعض الأصول " بالمغرب " ولعل الصواب " بالمغرب " وهو ما ثبت في ك ط.

(43) ألمند: (Olmundo).

(44) أرطباس ويكتب أحيانا " أرطبان " وهو أردبست بن غيطشة: (Ardabast).

(45) دوزي: رمله على أنها تعريب (Romulus) وكذلك هي عند ابن القوطية ولكن يبدو أن الصواب " وقلة " وهو تعريب أخيلا: (Aquila).

(46) ك: وخلف.

(47) ك: وتعديه عليها.

(48) ق ك ط ج: وإخوته.

(49) صورتها: ليست كذلك في النسخ وإنما وردت في ق ط: ضروها، وفي أصول أخرى: ضروهما، صرمها؛ ولعل الأخيرة أصوب بمعنى " الحزم " .

(50) ق ك ط: وإخوتها.

(51) عيسى بن مزاحم: من موالي عمر بن عبد العزيز؛ انظر ترجمة ابن القوطية في ابن خلكان 4: 4 - 6 وفيه خبر سارة القوطية في إيجاز.

(52) بذلك: سقطت من ك.

(53) عيسى: سقطت من ق.

(54) انظر هذا الخبر في ابن القوطية: 61.

(55) ك: وحدثت، وفي بقية الأصول: ثم حدثت.

(56) المجشر: المرعى.

(57) ك: نسلكك.

(58) بعض الصول: هي أوسع خطرا وأعظم خطبا... الخ؛ وقد سقطت " أعظم خطرا " من ق ط؛ وفي ج: هي أعظم وأوسع مغنما.

(59) ق ك: المملكة.

(60) في ك ط: ألقنت والتصحيح عن دوزي، وهي تقابل (Fuente de Cantos) إذ لا يمكن أن تكون هي " لقنت " في جنوب الشاطئ الغربي من الجزيرة وقرأها بعدض الباحثين لاكانتوس، وهي تعني " عين كانتوس " .

(61) ألاشه ماشه: (Argamasa) أي الإسمنت، كما أثبت ذلك في حواشي ط. ليدن؛ وفي معجم بيدور دالكالا أن (Laxmax Argamasa).

(62) في هذا النص اضطراب إذ يبدو أن شروط الصلح على هذا النحو لا يمكن أن يقبل بها أهل ماردة؛ وقد جاء في أخبار مجموعة: 18 " فصالحوه على أن جميع أموال القتل يوم الكمين وأموال الهاربين إلى جلقية للمسلمين، وأموال الكنائس وحليها له " وإذا قرأت " لها " يدل " له " كان هذا النص أصوب، فيما أرى.

(63) ق: عبد العزيز بن موسى.

(64) ابن الفرضي 2: 144 وفيه: " يقال: مولى لخم " ، وهو عجيب.

(65) ابن عبد الملك: سقطت من ق ج ط.

(66) ق ودوزي: ويصفونها.

(67) صنع.

(68) ابن خلكان 4: 411.

(69) جزء 4: 412، وليس هناك كلمة " المنكب " وإنما قال ابن خلكان: " ويقال إن الوليد كان قد نقم عليه أمرا فلما وصل، وهو بدمشق، أقامه في الشمس يوما كاملا في يوم صائف حتى خر مغشيا عليه " وعندي أن المنكب تصحيف لكلمة " المكبت " .

(70) ط: صلح.

(71) في الأصول: ردونة، وهي تقابل نهر الرون، ويشك المؤرخون في أن يكون موسى قد تغلغل في هذه المناطق.

(72) ابنيون: (Avinionum)، إلى الشمال من آرل على نهر الرون.

(73) لودون: (Leon).

(74) Carlus Charle.

(75) الصواب: على بعض.

(76) ك: البلد.

(77) ق: فانزعج.

(78) عن الأندلس: سقطت من ق.

(79) بازو؛ وقد اختار هذه القراءة لتقابل (Viseu) الواقعة إلى الجنوب الشرقي من أوبورتو. ويرى بعض المؤرخين أن وصول موسى إليها حيث كان، وفي وقت قصير، أمر عسير جدا، ولذا قدروا أن تكون بارو في منطقة بلد الوليد أي البلدة المسماة (Yillabaruz) ويكون الاسم " باروز " .

(80) لك: هي (Lucus Asturum) وتسمى اليوم: (Maria de Lugo).

(81) صخرة بلاي: (Pena de pelayo) وهي أقصى نقطة من أشتريس على المحيط الأطلسي (البحر الأخضر).

(82) ق: فانخلع، وسقطت " حينئذ بعدها.

(83) فج موسى: (Valmusa) (أي وادي موسى).

(84) ك: مكاره.

(85) ك: بلاد.

(86) كذا في جميع الأصول.

(87) سيأتي الحديث عن التابعين الذين دخلوا الأندلس في أول الباب السادس.

(88) في جميع الأصول: بحيان (حيثما وقع)؛ وأثبته ابن حجر (التبصير 1: 278) بالباء الموحدة.

(89) وقيل.... إفريقية: سقطت من ك.

(90) تابعي: سقطت من ق، وهو سهو.

(91) انظر الاستيعاب: 1485.

(92) وروى... الإفريقي: سقطت سهوا من ق.

(93) يعني في أول الباب السادس.





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.