المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



الغناء  
  
2968   11:58 صباحاً   التاريخ: 4-7-2016
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة : ص51
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاندلسي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-29 285
التاريخ: 24-3-2016 2981
التاريخ: 2024-01-07 1067
التاريخ: 2024-02-24 733

كان الغناء يشيع في الأندلس منذ وفود زرياب غلام إسحق الموصلي على الأمير عبد الرحمن الأوسط و احتفاله به احتفالا عظيما، إذ جعل له راتبا مائتي دينار في الشهر و أقطعه من الدور و الضياع ما يقدر بأربعين ألف دينار غير صلات سنية. و أقام زرياب في قرطبة معهدا يتدرب فيه الفتيان و الفتيات على الغناء، و اشتهر بأنه أضاف إلى أوتار العود وترا خامسا اخترع له مضرابا من قوادم النسر (1)، و جعل للغناء تقاليد انفردت بها الأندلس فكان يبدأ بالنشيد و يخرج منه إلى البسيط و يختم بالمحركات و الأهازيج (2)، و ينقل التيفاشي عن ابن سعيد أنه لم يكن بالأندلس قبله سوى طريقة حداة العرب و ترانيم الكنائس دون قانون(3)فيها أي دون رقم (نوت) موسيقية. و زرياب بذلك يفتتح حركة الغناء و الموسيقى في الأندلس. و خرّج زرياب كثيرين من الشباب و الجواري منهن منفعة أهداها إلى الأمير عبد الرحمن الأوسط و منهن بنانة و قلم و علم و شفاء. و أخذ الغناء في الأندلس يزدهر بعده و ممن أتقنوه عباس بن فرناس المتوفى سنة ٢٧4 و اتسع التعلق به، حتى أصبح الشغل الشاغل لكثير من المدن، و يحكي التجيبي شارح أشعار كتاب المختار من شعر بشار للخالديين في مقدمة شرحه أنه بات ليلة في سنة 4٠6 بمالقة ساهرا لما كان يخفق حوله من أوتار العيدان و الطنابير و المعازف من كل ناحية. و كل بلاد الأندلس كانت مثل مالقة عزفا و غناء، و اتسعت الموجة زمن أمراء الطوائف و خاصة في إشبيلية و طليطلة. و ممن اشتهر بعد زمنهم بجودة التلحين أبو الصلت أمية بن عبد العزيز، و هو الذي أخذ أهل إفريقية الألحان الأندلسية عنه، و كان يعاصره الفيلسوف ابن باجة و كان إمام الأندلس الأعظم في الموسيقى و الألحان، و خلفه عليها تلميذه أبو عامر بن الحمارة و كان يصنع عود الغناء بيده و ينظم الشعر و يلحّنه عليه و يغنى (4) به، شأن المغنين الأوربيين المعاصرين الذين ينظمون الشعر و يلحنونه و يغنونه. و يبدو أنه كان يقترن الرقص بالغناء منذ زرياب، و قد رقى بدوره فنونا من الرقي حتى لنجد ابن كسرى المالقي المتوفى سنة 603 للهجرة يصف حركات راقصة تسمى نزهة على هذا النمط (5)

5٢إذا رقصت أبصرت كلّ بديعة    ترى ألفا حينا، و حينا هي النون 
فهي تتحرك في رقصها حركات شتى، تارة ترى معتدلة، و تارة تتثنى و تبالغ في الثنى حتى لتصبح مثل القوس أو مثل النون. و يرسم لنا علي بن يوسف بن خروف القرطبي نفس الصورة فيقول في راقص و لعلها راقصة(6):

و منوّع الحركات يلعب بالنّهى    لبس المحاسن عند خلع لباسه 
متأوّدا كالغصن وسط رياضه      متلاعبا كالظبى عند كناسه )7)
بالعقل يلعب مقبلا أو مدبرا      كالدّهر يلعب كيف شاء بناسه 
و يضمّ للقدمين منه رأسه       كالسيف ضمّ ذبابه لرآسه )8)
و اشتهر في القرن السابع أبو الحسن المرسي و كل تلحين بالأندلس و المغرب في شعر متأخر فهو من صنعته. و قد أخذ ملوك قشتالة منذ القرن الخامس الهجري يجذبون إليهم بعض المغنين و المغنيات الأندلسيات و يقيمون لهم الحفلات و كان لذلك أثره البعيد في نشأة الموسيقى عند الاسبان، إذ لم يكن يعرفون قبل الغناء العربي و ما صحبه من موسيقى سوى ترانيم الكنائس كما يقول ابن سعيد، فعرفوا آلات الموسيقى العربية الكثيرة و رقمها الموسيقية، تدل على ذلك أكبر الدلالة أسماء تلك الآلات في اللغة الإسبانية، فقد انتقلت إليها بأنغامها و ألحانها العربية و هو دين كبير للموسيقى الأندلسية العربية على الموسيقى الأوربية فقد أخرجتها من عالم الترانيم الكنسية إلى عالم الموسيقى المؤلفة في رقم (نوت) موسيقية بتقديرات لحنية زمنية دقيقة.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــ

1) النفح ٣/١٢6.

2) النفح ٣/١٢٨.

3) انظر كتاب ورقات عن الحضارة العربية بإفريقية التونسية (طبع تونس)٢/١٧٩.

4) المغرب ٢/١٢٠.

5 (تحفة القادم نشر الفريد البستاني بمجلة المشرق ببيروت العدد 4٠،4١ سنة ١٩4٧ م رقم 5٧.

 

6) المغرب ١/١٣٧.

7 ( متأودا: متثنيا-كناس الظبى: مأواه في الشجر.

8) ذباب السيف: طرفه القاطع-رآس السيف: مقبضه.

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.