أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-4-2016
3449
التاريخ: 12-4-2016
3461
التاريخ: 7-2-2019
2654
التاريخ: 12-4-2016
3767
|
إذا كانت السقيفة وبيعة أبي بكر فلتة وقى اللّه المسلمين شرها - كما قال عمر - ؛ فإنّ الشورى أشدّ فتنة وأكبر انحرافا عن مسير الرسالة الإسلامية ، فقد امتحن المسلمون فيها امتحانا عسيرا ، وزرعت لهم الفتن والمصاعب وجلبت لهم الويلات والخطوب ، وألقتهم في شرّ عظيم ، إذ تبيّن التآمر علنا لإقصاء الإمام عليّ عن الحكم وتسليم زمام الامّة الإسلامية بيد المنحرفين من دون واعز من الضمير أو حرص على المصير .
فلمّا يئس عمر من حياته وأيقن برحيله عن الدنيا أثر الطعنات التي أصابته قيل له : استخلف علينا ، قال : واللّه لا أحملكم حيّا وميّتا ، ثمّ قال : إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي - يعني أبا بكر - وإن ادع فقد ودع من هو خير منّي - يعني النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) - [1]، ثمّ أبدى أسفه وحسرته على بعض من شاركه مسيرته للخلافة فقال : لو كان أبو عبيدة حيّا لاستخلفته لأنّه أمين هذه الامّة ، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّا لاستخلفته لأنّه شديد الحبّ للّه ، فقيل له : يا أمير المؤمنين لو عهدت عهدا .
قال : قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر فاولّي رجلا أمركم هو أحراكم أن يحملكم على الحقّ - وأشار إلى الإمام عليّ ( عليه السّلام ) - ورهقتني غشية فرأيت رجلا دخل جنّة قد غرسها ، فجعل يقطف كلّ غضّة ويانعة فيضمّه إليه ويصير تحته ، فعلمت أنّ اللّه غالب أمره ، ومتوفّ عمر ، فما أريد أن أتحمّلها حيّا وميّتا عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) عنهم : إنّهم من أهل الجنّة ، وهم : عليّ وعثمان وعبد الرحمن وسعد والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد اللّه ، فليختاروا منهم رجلا ، فإذا ولّوا واليا فأحسنوا مؤازرته وأعينوه[2] ، وأمرهم أن يحبس هؤلاء الستّة حتى يولّوا أحدهم خلال أيام ثلاثة وأن يضرب عنق المخالف لاتّفاق الأغلبية أو الجناح المخالف للذي فيه عبد الرحمن بن عوف ، وأن يصلّي صهيب بالناس ثلاثة أيام حتى تجتمع الامّة على خليفة ، وطلب أن يحضر شيوخ الأنصار وليس لهم من الأمر شيء[3].
وحين اجتمع أعضاء الشورى لدى عمر ، وجّه إليهم انتقادات لاذعة لا تدلّ على وضوح توجّه صحيح أو ارشاد إلى انتخاب يعين الامّة في أزمتها ، فقال : واللّه ما يمنعني أن استخلفك يا سعد إلّا شدّتك وغلظتك مع أنّك رجل حرب ، وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إلّا أنّك فرعون هذه الامّة ، وما يمنعني منك يا زبير إلّا أنّك مؤمن الرضا كافر الغضب . وما يمنعني من طلحة إلّا نخوته وكبره[4] ، ولو وليها وضع خاتمه في إصبع امرأته . وما يمنعني منك يا عثمان إلّا عصبيتك وحبّك قومك وأهلك . وما يمنعني منك يا عليّ إلّا حرصك عليها ، وإنّك أحرى القوم إن وليتها أن تقيم على الحقّ المبين والصراط المستقيم[5].
مؤاخذات على الشورى :
نظام الشورى الذي وضعه عمر كان عاريا عن الصحّة والصواب يحمل التناقض بين خطواته ، فإنّنا نلاحظ فيه أمورا يبعده عن الدقّة والموضوعية :
1 - إنّ الأعضاء المقترحين للشورى لم يحصلوا على هذا الامتياز بالأفضلية وفق ضوابط الانتخاب حيث لم تشترك القواعد الشعبية في الترشيح والانتخاب ، وإطلاق كلمة الشورى على هذا النظام جزاف ، لأنّه لم يكن إلّا ترشيح فرد لجماعة وفرضهم على الامّة ومن ثمّ أمر باجتماعهم تحت التهديد بالقتل والسلاح حتى يختاروا أحدهم .
2 - عناصر الشورى متنافرة في تركيب شخصياتها وأفكارها ، ولا يمثّل كلّ فرد فيهم إلّا رأيه الشخصي ، فكيف يمكن أن يعبّر عن رأي الامّة ؟ وقد نشب الخلاف فيما بينهم من بعد الشورى ممّا فرّق شمل المسلمين[6].
3 - الاستهانة بالأنصار ودورهم ، فقد طلب عمر حضورهم ولا شيء لهم بل ولا رأي ، فالأمر منحصر في الستّة فما معنى حضور الأنصار ؟ بل إنّ عمر استهان بالامّة كلّها حين تمنّى حياة سالم وأبي عبيدة .
4 - إنّ عمر ناقض نفسه في عمليّة اختيار العناصر ، ففي السقيفة كان يدّعي ويصرّ على أنّ الخلافة في قريش ، بينما نجده في هذا الموقف يتمنّى حياة سالم مولى أبي حذيفة ليوليه الأمر ، كما أنّه استدعى أصحاب الشورى دون غيرهم من الصحابة بدعوى أنّ الرسول ( صلّى اللّه عليه وآله ) مات وهو راض عنهم أو أنّهم من أهل الجنّة ، ولكنّه نسب إليهم عيوبا لا تجتمع مع الرضا عنهم ويتنزّه عنها أهل الجنة . ثم إنّه أمر صهيبا أن يصلّي بالناس ثلاثة أيام ، لأنّ إمامة المصّلين لا ترتبط بالخلافة ولا تستلزمها ، وقد كان يناضل يوم السقيفة من أجل استخلاف أبي بكر ، وكانت صلاته المزعومة دليله الأول على أهليّة أبي بكر للخلافة .
5 - إنّه أراد أن يستخلف عليّا ( عليه السّلام ) لأنّه سيحمل الامّة على النهج القويم والمحجّة البيضاء ، ولكنّه رأى في المنام ما رأى ، فأعرض عن الإمام ( عليه السّلام ) وكأنّه أراد بذلك التشويش على مكانة الإمام وأهليّته .
6 - إنّ عمر قال : أكره أن أتحمّلها - يقصد الخلافة - حيّا وميّتا ، ولكنّه عاد فحدّد ستّة أشخاص من امّة كبيرة ، فأكّد بذلك نزعته في الاستعلاء على الامّة وقدراتها .
7 - اختيار العناصر الستّة يبدو مبيّتا بحيث يصل الأمر إلى عثمان باحتمالية أكبر من وصولها إلى الإمام عليّ ( عليه السّلام ) وهو العنصر المؤهّل من اللّه ورسوله لخلافة الامّة ، فترشيح طلحة هو إثارة وتأكيد لأحقاد تيم ، لأنّ الإمام نافس وعارض أبا بكر في خلافته وها هو الآن ينافس مرشّحها الجديد طلحة ، وترشيحه لعثمان تأكيد منه على أحقاد اميّة وإثارة نزعة السلطان والوجاهة لديها ، وأمّا ترشيحه لعبد الرحمن وسعد فهو فتح جبهة سياسية جديدة منافسة للإمام عليّ ( عليه السّلام ) فهما من بني زهرة ولهما نسب أيضا مع بني اميّة ، فسوف يكون ميلهما لصالح عثمان لو تنافس مع الإمام ( عليه السّلام ) .
8 - إنّه أمر بقتل أعضاء الشورى في حالة عدم التوصّل إلى اتّفاق أو إبداء معارضة وإصرار ، وكيف يمكن التوفيق بين هذا وبين قوله : إنّ النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) مات وهو راض عنهم ؟ وهل تكون مخالفة رأي عمر موجبة لقتل الصحابة[7] ؟
[1] الإمامة والسياسة : 41 . قد عرفت سابقا أنّ النبي ( صلّى اللّه عليه وآله ) لم يدع . . . وقد عيّن خليفته مرارا كيوم الإنذار لعشيرته الأقربين وغدير خم وغيرهما .
[2] تأريخ الطبري : 3 / 293 ط مؤسسة الأعلمي ، الكامل في التأريخ : 3 / 66 .
[3] تاريخ الطبري : 3 / 294 ط مؤسسة الأعلمي ، طبقات ابن سعد : 3 / 261 ، والإمامة والسياسة : 42 ، والكامل في التأريخ : 3 / 68 .
[4] كيف هم يدخلون الجنة - حسب نقل عمر عن النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) - مع أنّ عبد الرحمن فرعون هذه الامّة وطلحة صاحب الكبر والنخوة والزبير مؤمن الرضا كافر الغضب ؟ !
[5] الإمامة والسياسة : 43 .
[6] أنساب الأشراف : 5 / 57 ، وتذكرة الخواص : 57 ، والنص والاجتهاد : 168 .
[7] تاريخ الطبري : 3 / 293 ط مؤسسة الأعلمي .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|