أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-05-2015
5703
التاريخ: 3-06-2015
5859
التاريخ: 23-10-2014
5554
التاريخ: 5-4-2016
5786
|
بيد أنّ
المعضلة ليست معرفية صرفة، وإنّما تنتظمها عوامل اخر ربما لا تقل عن هذه أهمّية في
دفع هذا الاتجاه إلى لغة الإشارة والرمز، تتمثّل هذه المرة بالظنّ بالمعرفة
وكتمانها والتوصية بسترها وعدم إفشائها لغير أهلها، وكذلك الخوف من تكفير أهل
الظاهر أو إنكارهم على أقل تقدير. وهذه في الحقيقة سجية مضى عليها رموز هذا التيار
قديما وحديثا بمن فيهم الإمام الخميني، ففي رسالة وجيزة تكررت الوصية بالكتمان
وعدم إذاعة الأسرار، وعدم الإذن للكاتب نفسه بالجهر ببعض المعارف قرابة عشر مرّات.
يشير الإمام
في غير موضع من هذه الرسالة إلى أنّ المنهج فيها هو لغة الرمز والإشارة، وأنّ :
«بناءها على الاختصار والإجمال، والرمز والإشارة في المقال» (1).
وأنّها
موضوعة : «للرمز والإشارة» (2). ليؤكّد في مواضع اخرى مسألة السرّ :
«و هاهنا
أسرار اخرى لا يسعها المقام، والأولى طي الكلام» (3)، ثمّ يوصي
بقوله : «واحتفظ بهذا وتبصّر» (4)، وعلى نحو أوضح : «وهذا من الأسرار فاحتفظ به ودعه يبقى
تحت الأستار، ولا تذعه على أهل هذه الدار، فإنّهم من الأغيار» (5). وفي
المفاد نفسه الذي يبدي فيه خوفه من إذاعة هذه الأسرار إلى الناس : «و هاهنا أسرار
ورموز نتركها خوفا من أبناء الزمان والإطالة في البيان، فإيّاك أن تفشو هذه
الأسرار عند أهل هذه الديار» (6) ، بل يزيد على ذلك بأنّه غير مأذون له بالبوح بها : «و
هاهنا أسرار لا رخصة لإفشائها» (7) ، كما قوله : «و هاهنا أسرار ورموز ... ليس هاهنا محل
ذكرها ورخصة إفشاء أمرها، ولعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمرا» (8).
لذلك يصف
الإمام طريقته في إعطاء هذه المعارف بأنّها أشبه ما تكون بتسريبها سرا وبهدوء، من
دون أن يكون ذلك مصحوبا بإعلان وضجّة : «والآن نذكر الوجهين بطريق الاختصار، ونتلو
عليك سرا دون الجهار» (9). ثمّ لا ينسى الإمام الشكوى من الزمان وأهله وأنّ أوضاع
أهله لا تسمح بفشوّ هذه المعارف : «لقد سلكنا في هذه الأوراق طريق الإيجاز، ورفضنا
التفصيل والتطويل بالإغماز، فإنّ المجال ضيّق، والحال غير موافق، وأهل الزمان غير
شائق لهذه الحقائق» (10).
هذه الشكوى
من الزمان والتظلّم من أهله والخشية من أهل الظاهر وتكفيرهم لأهل اللّه، وما تمليه
من لوذ بلغة الإشارة والرمز، وتدثّر بالكتمان، تبرز بحذافيرها عند بقية أقطاب هذه
المدرسة. فعند ابن عربي مثلا تحوّلت إلى موضوع أمعن الرجل في تحليله وإشباعه من
مختلف الجوانب، حيث مرّ على دواعيه المعرفية
وأبرزها
الجمود على الظاهر وعدم معرفة غيره (11) ، والنفسية
وأبرزها الحسد (12) ، من دون أن يهمل مطلقا بواعثه السياسية والاجتماعية
وما تمنحه علوم الظاهر بنظره من وجاهة لأهلها تبوئهم لمواقع اجتماعية تنال رضا
الجمهور ومباركة السلطة (13) ، على النحو الذي يعزّ على بعضهم التخلّي عنها وعمّا
تهبه لهم من شأنية ووجاهة (14) .
فيرون حينئذ
أنّ أهل اللّه وأصحاب المعرفة منافسون لهم في ذلك، فيدخلون في تحالف ضدّهم يرتكز
في طرفيه إلى سلطة الجمهور وسلطة السياسة والدولة مضافا لسلطة المعرفة (15) .
على ضوء هذه
الشكوى وانطلاقا ممّا تحمله من مبرّرات في الواقع الموضوعي المعاش، جنح هذا التيار
إلى لغة الإشارة : «فلمّا رأى أهل اللّه أنّ اللّه جعل الدولة في الحياة الدنيا
لأهل الظاهر من علماء الرسوم ... سلّم أهل اللّه لهم أحوالهم ... وصانوا عنهم
أنفسهم بتسميتهم الحقائق إشارات، فإنّ علماء الرسوم لا ينكرون الإشارات» (16) .
نلحظ
المسوغات ذاتها التي ترجع ظاهرة التعبير الرمزي إلى طبيعة الواقع الاجتماعي
وملابساته العلمية والسياسية وتفسيره على هذا الأساس؛ نلحظها عند قطب آخر من أقطاب
المدرسة هو صدر الدين الشيرازي الذي يبدأ هو الآخر بالشكوى من الزمان، وما عليه :
«من نكائب الحدثان، ونوائب الحرمان، وما عليه أبناؤه من ملازمة أغراض النفس
والهوى، والانكباب على تمشية دواعي الجسم والقوى، والإعراض عن اكتساب العلم والهدى
... والصمم عن مشاهدة أنوار هذا الوحي الذي يوحى، والنسيان عن ذكر اللّه وملكوت
ربنا الأعلى» (17) . بيد أنّ الأنكى من ذلك هو ما عبر عنه بقوله : «ولقد
نشأ في زماننا هذا قوم يرون التعمّق في العلوم الإلهية والتدبّر في الآيات
الربانية بدعة ووبالا، ومخالفة أوضاع الجماهير خدعة وضلالا، لأنّه لم يتعدّ نظرهم
عن ظهور هذه الاجسام، ولم يرتق فكرهم وقصدهم عن عمارة هذه الهياكل والأبدان ...
فانكروا العلم وأهله، واسترذلوا العرفان وفضله» (18) .
لذلك تراه
يلتزم الحذر العتيد فيما أراد بثّه من المعارف والأسرار في مقدمات
تفسيره، دون
أن ينسى وصيته بصونها عن الأغيار وعدم إفشائها إلّا لأهلها، حيث يعبّر عن ذلك
بقوله : «ولقد أتيتك بما يمكنني من الأسرار التي ما زالت العرفاء الكبار والحكماء
أولي الأيدي والأبصار، كتموها عن أهل الاغترار. ولما كثرت الأغيار وجب صون الأسرار
عن الأشرار، إلّا أنّي لم أناج بها إلّا الصدور المنشرحة بالنور، لا القلوب
القاسية بظلمات عالم الغرور ... فعليك يا خليلي بتقديسها عن القلوب القاسية
الميتة، وأحذر عن استيداعها إلّا الصدور المنشرحة والأنفس الزكية الحية» (19).
__________________________
(1)-
التعليقة على الفوائد الرضوية : 133.
(2)- نفس
المصدر : 136.
(3)- نفس
المصدر : 92.
(4)- نفس
المصدر : 117.
(5)- نفس
المصدر : 108.
(6)- نفس
المصدر : 110.
(7)- نفس
المصدر : 116.
(8)- نفس
المصدر : 140.
(9)- نفس
المصدر : 157.
(10)- نفس
المصدر : 159.
(11)- قوله
: «و أكثر علماء الرسوم عدموا علم ذلك ذوقا وشربا». (راجع : الفتوحات المكّية 1 :
272)
(12)- قوله
: «فأنكروا مثل هذا من العارفين، حسدا من عند أنفسهم». (راجع : الفتوحات المكّية 1
: 272)
(13)- يومئ
إلى هذا التحالف بين بعض علماء الظاهر والسلطة بقوله : «و أمّا الملوك فالغالب
عليهم عدم الوصول إلى مشاهدة هذه الحقائق ... فساعدوا علماء الرسوم فيما ذهبوا
إليه» من التكفير لأهل اللّه. (راجع : الفتوحات المكّية 1 : 272)
(14)- كما
في قوله حين يأخذ على بعض هؤلاء العلماء : «انكبابهم على حطام الدنيا وهم في غنى
عنه، وحبّ الجاه والرئاسة، وتمشية أغراض الملوك فيما لا يجوز». راجع : الفتوحات
المكّية 1 : 272)
(15)- مثل
قوله : «و لكن علماء الرسوم لما آثروا الدنيا على الآخرة، وآثروا جانب الخلق على
الحقّ ... حجبهم ذلك على أن يعلموا أنّ للّه عبادا تولى اللّه تعليمهم في سرائرهم».
(راجع : الفتوحات المكّية 1 : 279)
يرى ابن
عربي بشكل عام : «و ما خلق اللّه أشق ولا أشد من علماء الرسوم على أهل اللّه ...
فهم لهذه
الطائفة مثل الفراعنة للرسل عليهم السّلام». (راجع : الفتوحات المكّية : 279)
(16)-
الفتوحات المكّية 1 : 280.
(17)-
مفاتيح الغيب : 3. والجدير بالذكر أنّ المؤلف أراد لكتابه هذا أن يكون مقدمة
لتفسيره.
(18)- نفس
المصدر : 4.
(19)- نفس
المصدر : 8.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
وفد كلية الزراعة في جامعة كربلاء يشيد بمشروع الحزام الأخضر
|
|
|