أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-6-2016
4679
التاريخ: 13-4-2016
5066
التاريخ: 25-5-2017
8711
التاريخ: 2-8-2017
25674
|
وهنا ندخل في مرحلة ثانية للعقد الفاسد، حيث يشتد ويقوى أثره. فإذا كان العقد الفاسد باختياره وبإذنه ، أن يجعل المشتري يقبض المبيع قبضة صحيحة.
ويجب أن يكون القبض بإذن البائع، فلا يصح القبض بغير إذنه بأن ينهي المشتري عن القبض أو بأن يقبض المشتري المبيع بغير محضر منه ودون إذنه، فإن لم ينهه ولا إذن له في القبض صريحة، فقبض المشتري المبيع بحضرة البائع فهناك رأي يذهب إلى أن قبض المشتري المبيع بحضرة البائع دون أن ينهاه عن القبض يكون إذنا دلالة فيعتد بالقبض والرأي المشهور أنه لا بد من الإذن الصريح، وإلا كان القبض غير صحيح(1) ولا يشترط إذن البائع إذا قبض المشتري المبيع في مجلس العقد ولم يمنعه البائع من قبضه، لأن البيع تسليط منه على القيض، فإذا قبضه بحضرته قبل الافتراق ولم ينهه كان يحكم التسليط السابق الخانية، (2/169 ) ، " فتح القدير" (5/230 ) ، الزيلعي، (4/61) البحر (926 )
يبقى العقد الفاسد بعد القبض قابلا للفسخ
ومتي تم نبض المبيع صحيحة بإذن البائع، فإن العقد الفاسد يقوى عما كان عليه قبل القبض، فقد أكد العاقدان نيتهما في تنفيذه بالرغم من فساده ، على أن هذا التنفيذ لا يعتبر إجازة للعقد، فقد قدمنا أن العقد الفاسد لا تلحقه الإجازة، ويبقى العقد قابلا للفسخ.
ولكن هنا بعد القبض، يجب التمييز بين حالتين: فإما أن يكون الفساد راجعة إلى البدل ، وإما أن يكون راجعة إلى غير البدل مما هو ليس في صلب العقد كشرط فاسد.
فإن كان راجعة إلى البدل، كالبيع بالخمر وبالخنزير، كان لكل من العاقدين حق الفسخ، كما كان ذلك لهما قبل القبض . الأن الفساد الراجع إلى البدل - كما يقول الكاساني - فساد في صلب العقد. ألا ترى أنه لا يمكن تصحيحه بخلاف هذا المفسد، لما أنه لا قوام للعقد لا بالبدلين . فكان الفساد قويا، فيؤثر في صلب العقد بسلب اللازم عنه، فيظهر عدم اللزوم في حقهما جميعا،، البدائع، (5/300)
وإن كان راجعا إلى شرط فاسد، فهناك رأي يذهب إلى أن كلا من العاقدين بملك حق الفسخ أيضا كما في الحالة الأولى. وهناك رأي آخر يذهب إلى أن صاحب المنفعة في الشرط هو وحده الذي يملك الفسخ، فإن أسقط شرطه زال سبب الفساد وانقلب العقد صحيحة، ولا يملك الطرف الآخر حق فسخ العقد. ويقول الكاساني في هذا الصدد: إن كان بعد القبض، فإن كان الفساد راجعة إلى البدل، فالجواب فيه وفيما قبل القبض سواء .... ولو لم يكن راجعة إلى البدل، فقد ذكر الإمام الأسبيجاني في" شرحه مختصر الطحاوي " أن ولاية الفسخ لصاحب الشرط لا لصاحبه، ولم يحك خلافة، لأن الفساد الذي لا يرجع إلى البدل لا يكون قويا لكونه محتملا للحذف والإسقاط ، فيظهر في حق صاحب الشرط لا غير، ويؤثر في سلب اللزوم في حقه لا في حق صاحبه. وذكر الكرخي الاختلاف في المسألة، فقال في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله يملك كل منهما الفسخ، وعلى قول محمد رحمه الله حق الفسخ لمن شرط له المنفعة لا غير . وجه قوله على نحو ما ذكرنا أن من له شرط المنفعة قادر على تصحيح العقد بحذف المفسد وإسقاطه، فلو فسخه الآخر لأبطل حقه عليه، وهذا لا يجوز . وجه قولهما أن العقد في نفسه غير لازم لما فيه من الفساد، بل هو مستحق الفسخ في نفسه رفعا للفساد. وقوله : المفسد ممكن الحذف فنعم، لكنه إلى أن يحذف فهو قائم، وقيامه بمنع لزوم العقد. وبه تبين أن الفسخ من صاحبه ليس بإبطال لحق صاحب الشرط، لأن إبطال الحق قبل ثبوته محاله البدائع، (5/300) .
ويتبين من ذلك أن العقد الفاسد الذي يرجع سبب فساده إلى اقترانه بشرط فاسد عقد قابل للانتقاص بالمعنى المعروف في الفقه الغربي ، فيستطيع صاحب الشرط الفاسد أن يسقط الشرط ، فيجزىء العقد، ويتمسك بالجزء الصحيح منه ويطالب الآخر بتنفيذه، دون أن يستطيع هذا الطرف الآخر أن يتمسك بفسخ العقد بعد أن انتقص، والتزام الطرف الآخر بالعقد ليس إعمالا للعقد الفاسد ولكنه انتقاص لهذا العقد، فالذي أنتج أثرة هو العقد الفاسد في مجموعه ، بل هو الشطر الصحيح منه وقد أصبح عقدة مستقلا بفضل هذا الانتقاص .
ويخلص مما قدمناه في حق العاقدين في فسخ العقد الفاسد أنه إذا كان الفساد في صلب العقد كان لكل من العاقدين فسخه قبل القبض وبعده، أما إذا كان الفساد لشرط فاسد، فقبل القبض يكون لكل من العاقدين فسخه إلا إذا زال المفسد بتراضيهما. وبعد القبض يستقل بالفسخ من له منفعة في الشرط على قول محمد، وأما على قول أبي حنيفة وأبي يوسف فلكل من العاقدين حق الفسخ إلى أن ينزل صاحب الشرط عن شرطه. وقد جاء في "فتح القدير" : إذا كان الفساد في صلب العقد... فيملك كل فسخه .. وإن كان الفساد بشرط زائد، كالبيع على أن يقرضه ونحوه أو إلى أجل مجهول. فكل واحد يملك نسخه قبل القبض، وأما بعد القبض فيستقل من له منفعة الشرط والأجل بالفسخ، كالبائع في صورة الإقراض والمشتري في الأجل، "فتح القدير" (5/231) ، انظر أيضا " الفتاوى الخانية " (2/167 ).
ولكن يثبت نوع من الملك بالقبض في العقد الفاسد:
على أن العقد الفاسد بعد القبض يثبت الملك في الجملة ، ولكنه ملك من نوع خاص. فهو ليس ملكة مطلقة كالملك الذي يفيده العقد الصحيح، بل هو ملك يستحق الفسخ، ومضمون بالقيمة لا بالمسمى، ويفيد انطلاق التصرف دون الانتفاع بعين المملوك. أما التصرف الذي فيه انتفاع بعين المملوك، كأكل الطعام ولبس الثوب وركوب الدابة وسكني الدار والاستمتاع بالجارية، فلا يحل .
وهنا نرى تيارين متباينين بعض التباين في نصوص الفقه الحنفي، فمن النصوص ما يؤكد أن المشتري بعقد فاسد يملك العين بعد القبض كما يملك التصرف فيها، ومن النصوص ما يبرز أن المشتري بعد القبض إنما يملك التصرف دون العين وإن الملك الذي ينتقل إليه بالقبض هو ملك خبيث لا يفيد إطلاق الانتفاع بعين المملوك.
جاء في "البحر الرائق،، تأكيده لأن المشتري يملك العين كما يملك التصرف، ما يأتي : وفي قوله ملك المبيع رد على من قال: إنه يملك التصرف دون العين وهم: العراقيون. وما ذكره فول أمل بلخ وهو المنصوص عليه في كلام محمد، وهو الصحيح المختار . فإنه قال : إن المشتري خصم لمن يدعيه لأنه يملك رقبته، كذا في جامع الفصولين، بدليل أن المشتري إذا أعتقه بعد قبضه صح وكان الولاء له، ولو باعه كان الثمن له، ولو بيعت دار إلى جنبها فالشفعة للمشتري، ولو أعتقه البائع لم يعتق، ولو سرقه البائع من المشتري بعد قبضه قطع، كما في " الجوهرة" ، فهذه كلها ثمرات الملك. وبدليل وجوب الاستبراء على البائع إذا ردت الجارية عليه، ولولا خروجها عن ملكه لم يجب. وقوله : إنه يملك التصرف فقط بتسليط البائع منقوض بما إذا كان البائع وصي ينيم باع عبده فاسدة فأعتقه المشتري فإنه يصح، ولو كان على وجه التسليط لن بصح، كذا في جامع الفصولين». وأما ما استدل به العراقيون من عدم حل أكله لو كان طعاما، وعدم حل لبسه لو كان قميصا، وعدم حل وطنها لو كانت جارية واستبرأها ولو وطنها وجب العقر إذا فسخ، وعد وجوب الشفعة لشفيعها، فلا دليل فيه. لأن عدم الحل لا يدل على عدم الملك، بدليل أن ربح ما لم يضمن مملوك ولا يحل، والأخت رضاعة إذا ملكها لا يحل له وطؤها. وإنما لم تجب الشفعة لأن حق البائع لم ينقطع عنها وهي إنما تجب بانقطاع حقه لا يملك المشتري بدليل أن من أقر ببيع داره وجحد المشتري وجبت الشفعة. هذا وقد ذكر العمادي في " فصوله " خلافا في حرمة وطنها، فقيل: يكره ولا يحرم، وقيل: يحرم. وفيه إشارة أيضا إلى أن البائع يملك الثمن بشرط قبضه لأنه كالبيع، كما في " القنينة " " لبحر الرائق" (6/92-93)
وجاء في " البدائع" ، تأكيده لأن الملك الذي ينتقل إلى المشتري بالقبض هو ملك خبيث لا يفيد إطلاقة الانتفاع بعين المملوك، ما يأتي: «لأن الثابت بهذا البيع ملك خبيث، والملك الخبيث لا يفيد إطلاق الانتفاع لأنه واجب الرفع، وفي الانتفاع به تقرر له، وفيه تقرير الفساد»، " البدائع " (5/304)
ومهما يكن من أمر، فإن الملك الذي ينتقل إلى المشتري بالقبض، خبيثة كان أو غير خبيث، هو ملك من نوع خاص. فهو كما قدمنا، ملك مستحق الفسخ ومضمون بالقيمة، ولا يفيد حل الانتفاع بعين المملوك. ففيم يفيد هذا الملك إذن؟.
يفيد في أمرين : (۱) في تصرف المشتري في المبيع (۲) وعند تغير المبيع بالزيادة أو بالنقص أو في الصورة .
تصرف المشتري في المبيع المقبوض بعقد فاسد:
إذا باع المشتري المبيع المقبوض بعقد فاسد أو وهبه أو تصدق به، بطل حق الفسخ، وانتقل الملك للمشتري الثاني أو للموهوب له أو للمتصدق عليه. ولا يستطيع البائع أن يسترد المبيع من تحت يد أحد من هؤلاء، كما كان يستطيع استرداده من المشتري. ولكنه لا يرجع على
المشتري بالثمن المسمى بل يرجع بقيمة الشيء أو بمثله (2) وهذا يدل على أننا نعمل العقد الفاسد هنا لا كتصرف شرعي وإلا لوجب الثمن المسمى، ولكن كواقعة مادية جعل لها الشرع هذا الأثر.
ويعلل الفقهاء نفاذ تصرف المشتري للغير في حق البائع بأن المشتري قد انتقل إليه بالعقد الفاسد ملكية تفيد التصرف في المملوك دون الانتفاع بعينه كما سبق القول، ولا يجوز للبائع نقض تصرف المشتري لأنه حصل عن تسليط منه. ويقول الكاساني : " إذا باع المشتري (أي العين المبيعة بيعا فاسدا ) او هبة او تصدق به بطل حق الفسخ وعلى المشتري القيمة او المثل لانه تصرف في محل مملوك له، فنفذ تصرفه. ولا سبيل للبائع إلى نقضه، لأنه حصل عن تسليط منه. ويطيب للمشتري الثاني لأنه ملكه بعقد صحيح، بخلاف المشتري الأول فإنه لا يطيب له لأنه ملكه بعقد فاسد... وخرج المبيع من أن يكون مستحق الرد على البائع لحصول البيع من المشتري بتسليطه والله عز وجل أعلم. ولو باعه فرد عليه بخيار شرط أو رؤية أو عيب بقضاء قاض، وعاد حكم الملك الأول، عاد حق الفسخ، لأن الرد بهذه الوجوه فسخ محض، فكان دفعة للعقد من الأصل وجعلا له كأن لم يكن. ولو اشتراه ثانية أو عاد إليه بسبب مبتدأ، لا يعود الفسخ، لأن الملك اختلف الاختلاف السبب، فكان اختلاف الملكين بمنزلة اختلاف العقدين ... وكذلك لو كاتبه، لأن الكتابة قد صحت لوجودها في الملك، ولا سبيل للبائع إلى نقضها لحصولها من المشتري بتسليط البائع، فلا يكون له حق النقض عليه، وعلى المشتري قيمة العبد، فإن أدى بدل الكتابة وعنق، تقرر على المشتري ضمان القيمة وإن عجز ورد في الرق قبل القضاء بالقيمة، فقد زال العارض والتحق بالعدم كأنه لم يكن، فعاد مستحق الرد على المشتري، كما كان . وإن كان بعد ما قضى عليه بالقيمة، لا سبيل للبائع على العبد، لأنه بالقضاء بالقيمة تقرر ملك المشتري في العبد، ولزم من وقت وجوده، فيعود إليه لازمة، والملك اللازم لا يحتمل الفسخ، والله عز وجل أعلم. وكذلك لو رهنة المشتري، بطل حق الفسخ وولاية الاسترداد لما ذكرنا، ولو افتكه المشتري فهو على التفصيل الذي ذكرنا في الكتابة. ولو أجره صحت الإجارة لما قلنا، ولكن لا يبطل حق الفسخ، لأن الإجارة وإن كانت عقدة لازمة إلا أنها تفسخ بالعذر، ولا عذر أقوى من رفع الفساد، فتنفسخ به، وسلمت الأجرة للمشتري، لأن المنافع على أصل أصحابنا لا تقوم إلا بالعقد، والعقد وجد من المشتري فكانت الأجرة له. وهل تطيب له؟ ينظر، وإن كان قد أدى ضمان القيمة ثم اجر، طابت الأجرة له لأن الضمان بدل المضمون قائم مقامه ، فكانت الأجرة ربح ما قد ضمن، وإن أجر ثم أدى الضمان، لا تطيب له، لأنها ربح ما لم يضمن. ولو أوصى به، صحت الوصية لما قلنا. ثم إن كان الموصي حيا بعد، فللبائع حق الاسترداد، لأن الوصية تصرف غير لازم حال حياة الموصي بل محتمل. وإن مات، بطل حقه، لأن الثابت للموصي له ملك جديد، بخلاف الثابت للوارث، "البدائع" (5/301-302) ، وجاء في البحر الرائق، لابن نجيم: الو باعه فاسدة ، فإنه لا يمنع النقض، وأطلقه فشمل ما إذا قبضه المشتري الثاني أولا... ويستثنى من لزومه بالبيع مسألتان : الأولى لو باعه لبائعه، فقدمنا أنه يكون رذا ونسخة للبيع. والثانية لو كان فاسدة بالإكراه ، فإن تصرفات المشتري كلها تنفض بخلاف سائر البياعات الفاسدة، كذا في "البزازية"، فبد بالبيع الفاسد احترازا عن الإجارة الفاسدة لما في جامع الفصولين، نيل: ليس للمستأجر فاسدة أن يؤجره من غيره إجارة صحيحة استدلالا بما ذكر إلى آخره، وقيل: يملكها بعد قبضه كمشتر فاسدة له البيع جائز وهو الصحيح، إلا أن للمؤجر الأول نقض الثانية لأنها تنفسخ بالأعذار»، " البحر " (6/95 )
ونرى من ذلك أن التصرف الذي يبطل حق الفسخ هو تصرف لازم غير قابل للفسخ ولم ينفسخ بالفعل. فإذا كان التصرف غير لازم كالبيع الفاسد، أو كان قابلا للفسخ كالإجارة تفسخ بالعذر، أو انفسخ بالفعل بخيار رؤية أو شرط أو عيب، بقي حق الفسخ. وإذا نقص التصرف. كالمكاتب بعجز عن تأدية بدل الكتابة فيعود إلى الرق، وكالرهن يفتك فتعود العين خالية من حق المرتهن، عاد حق الفسخ لكل من العاقدين إذا لم يكن المشتري قد قضى عليه بالقيمة، وإلا كان ملكه لازمة وبطل حق الفسخ، أما إذا استقر التصرف الصادر من المشتري، فقد بطل حق الفسخ، حتى لو عادت العين إليه بسبب مبتدأ، كان اشتراها ممن باعها منه أو ورث هذا المشتري أو نحو ذلك. وهذا بخلاف ما إذا كان تصرف المشتري قد صدر للبائع نفسه فإن العين تكون قد ردت على البائع، ويعتبر هذا الرد فسخا للبيع الفاسد. فلو باع المشتري العين للبائع أو وهبها إياه أو تصدق بها عليه أو أعارها له أو أودعها عنده، كان هذا فسخة للبيع، ويبرا المشتري من ضمان القيمة أو المثل، ولا يرجع على البائع بثمن أو نحوه،" البدائع " ، (5/ 300). ذلك أن الأصل في المستحق بجهة إذا وصل إلى المستحق بجهة أخرى، اعتبر واصلا بجهة الاستحقاق الأولى لو وصل إليه من المستحق عليه البحر(6/93)
تغير المبيع المقبوض بعقد فاسد:
وقد يتغير المبيع وهو في يد المشتري بعد قبضه قبضة صحيحة على الوجه المتقدم الذكر ، ويكون التغير إما بالزيادة أو بالنقص أو في الصورة. وفي جميع هذه الأحوال يعتبر المشتري في حكم الغاصب، بالرغم من أن القبض قد تم بإذن البائع، وقد ينبغي هنا . كما كان ينبغي في البيع الباطل على ما قدمنا . أن تعتبر بد المشتري بد أمانة إذا لم نعتد بالعقد الفاسد. ولكن القبض بإذن البائع، وهو واقعة مادية، إذا اقترن بواقعة مادية أخرى وهي البيع الفاسد، يجعل يد المشتري يد
ضمان لا بد أمانة، إذ يجعل التسليم لتحقيق مصلحة للمشتري، ويكون هذا قابضة للعين كمالك، ومن ثم يكون ضامنة للهلاك وللنقص وللزيادة، شأنه في ذلك شأن الغاصب، إلا أن المشتري بعقد فاسد قد قبض المبيع بإذن البائع وبتسليط منه ، أما الغاصب فقد أخذ العين بغير إذن المالك ودون تسليط منه، فكانت يد المشتري يد ضمان بسبب اقتران القبض بالبيع الفاسد، وكانت يد الغاصب پد ضمان بسبب الغصب ذاته. وستظهر فروق قليلة بين المشتري والغاصب ترجع إلى اختلاف الأساس الذي بني عليه ضمان المشتري عن الأساس الذي بني عليه ضمان الغاصب. ونستعرض الآن الأحكام التفصيلية لتغير المبيع في يد المشتري .
اولا: فإذا تغير المبيع بالزيادة: (أ) فإن كانت الزيادة متولدة من الأصل - متصلة كانت كالسمن أو منفصلة كالولد والثمرة . فإنها لا تمنع الفسخ، وللبائع أن يسترد الأصل والزيادة، لأن الزيادة تابعة للأصل ومتولدة عنه، والأصل مضمون الرد فكذلك التبع، كما في الغصب . ولو هلكت الزيادة دون تعد، فلا ضمان على المشتري، لأن القبض وهو سبب الضمان لم يشملها فهي في يد أمانة . ولو استهلك المشتري الزيادة ، ضمن. ولو هلك المبيع والزيادة قائمة، فللبائع أن يسترد الزيادة ويضمن المشتري قيمة المبيع وقت القبض، لأنهما كانا مضموني الرد، إلا أنه تعذر استرداد المبيع لفوات المحل وصار مضمون القيمة، وبقيت الزيادة على حالها مضمونة الرد كما كانت. (ب) وإذا كانت الزيادة غير متولدة من الأصل وجب التمييز: (۱) فإن كانت متصلة بالمبيع، كما إذا كان المبيع سويقة فلته المشتري بعسل أو سمن فإنها تمنع الفسخ. ويرجع البائع بقيمة المبيع أو مثله، لأنه لو نسخ، إما أن يفسخ على الأصل وحده ولا سبيل إلى ذلك لتعذر الفصل، وإما أن يفسخ على الأصل والزيادة جميعا ولا سبيل إلى ذلك أيضا لأن الزيادة لم تدخل تحت البيع لا أصلا ولا تبعة فلا تدخل تحت الفسخ. (۲) وإن كانت الزيادة منفصلة عن المبيع، كما إذا كان المبيع رقيقة وكسب مالا من عمل أو هبة أو صدقة أو غير ذلك، فإنها لا تمنع الفسخ، وللبائع أن يسترد الأصل مع الزيادة، لأن الأصل مضمون الرد بالرد ينفسخ العقد من الأصل، فتبين أن الزيادة حصلت على ملكه، ولو هلكت الزيادة دون تعد، فلا ضمان على المشتري كما في الزيادة المنفصلة المتولدة من المبيع وإن استهلكها المشتري ضمن عند الصاحبين كما في الزيادة المنفصلة المتولدة من المبيع، ولم يضمن عند أبي حنيفة لأنه ملك الزيادة بسبب على حدة لا بسبب الأصل. ولو هلك المبيع وهذه الزيادة قائمة في يد المشتري، تقرر عليه قيمة المبيع والزيادة له، وهذا بخلاف الزيادة المنفصلة المتولدة من المبيع، لأن المشتري لم يرد المبيع حتى يرد معه الزيادة بل رد القيمة، وقد ملك الزيادة بسبب على حدة لا بسبب الأصل، وهذا كما في الغصب انظر في كل ذلك البدائع، (5/302-203)
ثانيا: وإذا تغير المبيع بالنقص: (أ) فإن كان النقصان بآفة سماوية أو بفعل المبيع أو بفعل المشتري، فإنه لا يمنع الاسترداد، للبائع أن يأخذ المبيع مع أرش النقصان، لأن المبيع بيعة فاسدة يضمن بالقبض كالمغصوب على ما قدمنا، والقبض ورد عليه بجميع أجزائه وأوصافه فصار مضمونة في جميع الأجزاء والأوصاف. (ب) وإن كان النقصان بفعل البائع فلا شيء على المشتري، لأن البائع صار مسترا بفعله. حتى أنه لو هلك المبيع في يد المشتري ولم يوجد منه حبس على
البائع ، يهلك على البائع. وإن وجد منه حبس ثم ملك بنظر: إن هلك من سراية جناية البائع فعلي المشتري ضمانه ولكن بطرح منه حصة النقصان بالجنابة لأنه استرد ذلك القدر بجنايته. (ح) وإن كان النقصان بفعل أجنبي فالبائع بالخيار : إن شاء أخذ الأرش (قيمة النقصان ) من المشتري والمشتري برجع به على الجاني، وإن شاء اتبع الجاني وهو لا يرجع على المشتري، كما في الغصب، لأنه لما أخذ قيمة النقصان من المشتري ، فقد تقرر ملكه في ذلك الجزء من وقت البيع فيه، فتبين أن الجنابة حصلت على ملك مقرر له، فيرجع عليه، والأجنبي لم يملك، فلا يرجع.
وكالنقصان الهلاك الكلي . فلو ملك المبيع في يد المشتري كان الهلاك عليه، وضمن للبائع القيمة أو المثل. وإذا كان المشتري قد قبض البيع بإذن البائع فإن هذا القبض قد اقترن بواقعة مادية أخرى هي البيع الفاسد، فصارت يده يد ضمان، كما تقدم القول.
ويضمن المشتري قيمة المبيع يوم القبض، لأنه إنما دخل في ضمانه بالقبض . وقال محمد: عليه فيمنه يوم الهلاك؛ لأن الهلال هو الذي تقرر به الضمان " فتح القدير" (5/231) ، الزيلعي (4/62) ، "البحر، (6/93) ، وحق البائع إنما هو في المبيع لا في القيمة، وإنما ينتقل حقه إلى القيمة عند الهلاك ، فإذا أبرا المشتري عن القيمة قبل الهلاك، فقد أبرأه قبل الوجوب، فلا يصح الفتاوى الخانية، (168)
ثالثا : وإذا تغيرت صورة المبيع : كما لو كان المبيع ثوبة نقطعه المشتري وخاطه قميصا أو بطنه وحشاه، بطل حق الفسخ، وتقررت عليه قيمته يوم القبض. «والأصل في هذا - كما يقول الكاساني - أن المشتري إذا أحدث في المبيع صنعا لو أحدثه الغاصب في المغصوب يقطع حق المالك يبطل حق الفسخ، ويتقرر حقه في ضمان القيمة أو المثل. كما إذا كان المبيع نطنا فغزله، أو غزلا فنسجه، أو حنطة فطحنها، أو سمسمة أو عنبة فعصره، أو ساحة فبنى عليها، أو شاة فذبحها وشواها أو طبخها ونحو ذلك. وإنما كان كذلك لأن القبض في البيع الفاسد كنبض الغصب، ألا ترى أن كلا منهما مضمون الرد حال قيامه ومضمون القيمة أو المثل حال ملاكه ، فكل ما يوجب انقطاع حق المالك هناك يوجب انقطاع حق الفسخ للبائع هنا. ولو كان المبيع أرضا فبنى عليها، بطل حق الفسخ عند أبي حنيفة وعلى المشتري ضمان قيمتها وقت القبض، وعندهما لا يبطل وينقض البناء، وجه قولهما أن هذا القبض معتبر بقبض الغصب، ثم هناك بنقض البناء فكذا هنا، لأن البناء بنقض بحق الشفيع بالإجماع وحق البائع فوق حق الشفيع بدليل أن الشفيع لا باخذ إلا بقضاء، والبائع ياخذ من غير نضاء ولا رضاء، فلما أنقض لحق الشفيع فلحق البائع أولى. وجه قول أبي حنيفة أنه لو ثبت للبائع حق الاسترداد لكان لا يخلو إما أن يسترده بدون البناء أو مع البناء، لا سبيل إلى الثاني لأنه لا يمكن. ولا سبيل إلى الأول لأن البناء من المشتري تصرف حصل بتسليط البائع وأنه بمنع النقض كتصرف البيع والهبة ونحو ذلك، بخلاف الغصب والشفعة لأن هناك لم يوجد التسليط على البناء وكذا لا يمنعان نقض البيع والهبة، البدائع، (5/303 -304) ، وانظر ايضا "فتح القدير"(5/235-336 ) ، البحر(6/96) وفي هذه الجزئية الأخيرة . البناء على الأرض - نجد حكم العقد الفاسد يختلف عن حكم الغصب عند أبي حنيفة. ففي الغصب لا يمنع البناء على الأرض المالك من استرداد أرضه مع نقص البناء. أما في العقد الفاسد، ففي رأي أبي حنيفة . دون الصاحبين - أن نعتد بالبيع الفاسد مقترنة بالقبض بإذن المالك، ونستخلص من هاتين الواقعتين معا تسليط البائع للمشتري في البناء على الأرض المبيعة بعقد فاسد، فيسقط البناء حق الفسخ، وعلى المشتري ضمان قيمة الأرض وقت القبض (3) .
تأصيل المصدر الذي تترتب عليه آثار البيع الفاسد بعد القبض:
رأينا أن العقد الفاسد، بعد القبض الصحيح بإذن العاقد، تترتب عليه آثار معينة ، فإذا كان العقد الفاسد بيعة وقبض المشتري المبيع قبضة صحيحة بإذن البائع، انتقلت إليه ملكية تفيد انطلاق التصرف ولا تفيد الانتفاع بعين المملوك. فهذه الملكية لا يظهر أثرها إذن إلا عندما يتصرف المشتري في المبيع للغير، وإلا عندما يتغير المبيع.
والمتأمل في كل هذه الأحكام يستطيع أن يستخلص النتائج الآتية :
أولا: العقد الفاسد ذاته - كتصرف شرعي لا كواقعة مادية . لا ينتج أثرة، فهو والعقد الباطل في هذا سواء. وإذا كان العقد الفاسد، على خلاف العقد الباطل، له وجود قانوني لأنه قد انعقد فإن هذا وجود على خطر الزوال، إذ العقد الفاسد كتصرف شرعي مستحق الفسخ، ويستطيع كل من العاقدين أن يفسخه قبل القبض وبعده دون حاجة إلى رضاء العاقد الأخر ودون حاجة إلى حكم القضاء (4)
ثانيا : ولكن لما كان العقد الفاسد قد يرجع فساده إلى وجود شرط فاسد، فبفضل انتقاص العقد وإسقاط الشرط، أي بإزالة المفسد، ينتج العقد الفاسد أثره كتصرف شرعي لا كواقعة مادية . ولكن الذي أنتج الأثر هنا كتصرف شرعي ليس هو العقد الفاسد في مجموعه، بل هو العقد الصحيح الذي استخلص من العقد الفاسد بعد انتقاصه
ثالثا: على أن العقد الفاسد له وجود فعلي كواقعة مادية ، وهو بهذا الاعتبار ينتج آثارة قانونية. من هذه الآثار أثر يتمشى مع طبيعة الواقعة المادية ويتفق فيه العقد الفاسد مع العقد الباطل، وهذا الأثر هو انتقال الضمان إلى المشتري . ذلك أن العقد الفاسد، كالعقد الباطل، إذا اقترن بالقبض وكان القبض بإذن البائع، جعل المشتري يقبض المبيع لتحقيق مصلحته يتصرف فيه تصرف المالك، فتصبح بده بد ضمان لا بد أمانة، فإذا هلك المبيع في يده ضمن القيمة أو المثل.
رابعا : ثم بعد ذلك يتميز العقد الفاسد عن العقد الباطل، في وجوده الفعلي كواقعة مادية ، في أنه ينتج أثرة لا تقتضيه طبيعة هذا الوجود الفعلي كواقعة مادية . بل إن الشرع هو الذي تولى ترتيب هذا الأثر على العقد الفاسد لمصلحة قصد إلى تحقيقها. وهذه المصلحة هي حماية الغير الذي يتصرف له المشتري، فحتى يكفل الشرع حماية هذا الغير من أن يسترد البائع المبيع من تحت بده باستعماله حق الفسخ . وليست هناك وسيلة للشهر تنبه الغير إلى فساد العقد مع كثرة أسباب الفساد وتنوعها . لجا الفقه الحنفي إلى ضرب من الصناعة الفقهية يستوقف النظر. فتصور ملكية تنتقل إلى المشتري بالبيع الفاسد، لا لغرض أن ينتفع المشتري بعين المملوك كما يفعل المالك عادة ، بل ليصحح التصرف الذي يصدر من المشتري إلى الغير، فيمنع البائع من حق الفسخ، ويجعل الغير الذي تصرف له المشتري تنتقل إليه ملكية صحيحة بفضل هذه الملكية التي صورتها الصناعة الفقهية منتقلة إلى المشتري. فالمشتري إذا تصرف إلى الغير، اعتبر مالكة لكي يستطيع أن يملك الغير ، ولكن إذا كانت الملكية التي انتقلت إلى الغير مصدرها عقد البيع الصحيح الذي صدر للغير من المشتري، فإن ملكية المشتري ليس مصدرها عقد البيع الفاسد باعتباره تصرفا شرعيا، فقد قدمنا أن البيع الفاسد باعتباره تصرفا شرعيا لا ينتج أثرة. ولكن الذي نقل الملكية إلى المشتري هو البيع الفاسد المقترن بالقبض بإذن البائع باعتبارهما معه واقعة مادية . وهذه الواقعة المادية لا تقتضي حتما، بالنظر إلى طبيعتها، نقل الملكية إلى المشتري، ولكن الشرع رتب عليها هذا الأثر لأنها تتضمن تسليطا من البائع للمشتري على التصرف في الشيء المبيع، فجعلها تنقل الملكية، حماية للغير كما قدمنا، حتى لا يفسخ البائع البيع الفاسد ويسترد العين من يد الغير . ولو كان البيع الفاسد هو الذي نقل الملكية إلى المشتري باعتباره تصرفا شرعيا، لنقلها بالثمن المسمى فيه، ولكنه نقلها بالقيمة أو بالمثل. فهو دليل على أنه نقلها لا باعتباره تصرفا شرعيا، بل باعتباره واقعة مادية رتب عليها الشرع هذا الأثر الخاص حماية الحق الغير. ولم عند الشرع في ترتيبه هذا الأثر بالثمن المسمى لفساد العقد، وجعل الملكية تنتقل في مقابلها الطبيعي وهو القيمة أو المثل(5).
ومالك يتخفف، فيجعل تصرف المكره نافذة غير لازم، أسوة بالغلط والتدليس والغبن .
والحنابلة يبطلون تصرف المكره، وهذا هو المذهب عندهم. على أن هناك قوة بأنه نافذ غير لازم (6) .
وقد سبق أن أوردنا حجج كل فريق (7) فلا نعود إلى ذلك .
نصوص المذهب الحنفي في فساد بيع المكره:
ونقتصر هنا على رأي أبي حنيفة وصاحبيه، وهم يقولون بفساد تصرف المكره لنبين خصوصية هذا الفساد، فهو في بعض أحكامه يختلف عن الفساد.
يقول الكاساني في بيان حكم تصرف البائع المكره على البيع والتسليم مع ما يأتي: «فإما إذا كان مكرهة عليهما جميعا، فباع مكرهة وسلم مكرها، كان البيع فاسدة... ويثبت الملك للمشتري الما قلنا، حتى لو كان المشتري عبدة فأعتقه نفذ إعتاقه، وعليه قيمة العبد، لأن بالإعتاق تعذر عليه الفسخ إذ الإعتاق مما لا يحتمل الفسخ، فتقرر الهلاك، فتقررت عليه القيمة، فكان له أن يرجع بقيمة العبد عليه كالبائع والمكره بالخيار، إن شاء رجع على المكره بقيمته ثم المكره يرجع على المشتري، وإن شاء رجع على المشتري، ولو أعتقه المشتري قبل القبض لا ينفذ إعتاقه ، لأن البيع الفاسد لا يفيد الملك قبل القبض والإعتاق لا ينفذ في غير الملك. فإن أجاز البائع البيع بعد الإعتاق، نفذ البيع ولم ينفذ الإعتاق. وهذه المسألة من حيث الظاهر تدل على أن الملك يثبت بالإجازة، فكانت الإجازة في حكم الإنشاء، ولكنا نقول إن الملك يثبت بالبيع السابق عند الإجازة بطريق الاستناد، والمستند مقتصر من وجه ظاهر من وجه، فجاز ألا يظهر في حق المعلق بل يقتصر . وللبائع خيار الفسخ والإجازة قبل القبض وبعده دفعة للفساد، وأما المشتري فله حق الفسخ قبل القبض، لأنه لا حكم لهذا البيع قبل القبض. وليس له حق الفسخ.
خامسا: ويتميز العقد الفاسد عن العقد الباطل أخيرة، في وجوده الفعلي كواقعة مادية ، في أنه ينتج أثرا أخر لا تقتضيه هو أيضا طبيعة هذا الوجود الفعلي كواقعة مادية ، والشرع هو الذي تولي ترتيب هذا الأثر لمصلحة قصد إلى تحقيقها. وهذه المصلحة هنا هي حماية المشتري نفسه ،
لا حماية الغير كما هو الأمر في الأثر السابق، بحمي الشرع المشتري إذا زاد المبيع في بده بعد قبضه نبضة صحيحة بإذن البائع، زيادة غير متولدة من المبيع ولكنها متصلة به، فبمنع البائع من حق الفسخ. كذلك يحمي الشرع المشتري إذا غير من صورة المبيع تغييرة يخرجه عن حالته الأولى، فقد كان مسلطة على ذلك من البائع إذ قبض المبيع بإذنه، فاعند الشرع بذلك ومنع البائع من حق الفسخ. ففي هاتين الحالتين تثبت ملكية المشتري وتستقر بعد أن كانت مزعزعة مهددة بالفسخ، وتصير ملكية باتة . وقد انتقلت هذه الملكية الباتة إلى المشتري بالعقد الفاسد، ولكن لا باعتباره تصرفا شرعيا فهو كتصرف شرعي لا ينتج أثر، كما قدمنا، بل باعتباره واقعة مادية اقترنت بها واقعتان ماديتان أخريان، القبض الصحيح وتغير صورة المبيع. فهذا في نظر الشرع كاف لتثبيت ملكية المشتري، إذ البائع هو الذي سلطه على المبيع حتى غير صورته . وتنتقل الملكية إلى المشتري لا بالثمن المسمى إذ هي لم تنتقل بتصرف شرعي، بل بالقيمة أو بالمثل كما في الحالة السابقة، إذ أن الملكية قد انتقلت بواقعة مادية .
____________
1- ويقول الكاساني في هذا الصدد: والثاني أن يكون القبض بإذن البائع، فإن قبض بغير إذنه أصلا لا يثبت صريحة، فقبضه بحضرة البائع، ذكر في الزيادات أنه يثبت الملك، وذكر الكرخي في الرواية المشهورة : أنه لا يثبت. وجه رواية الزيادات": أنه إذا قبض بحضرته ولم ينهه، كان ذلك إذنا منه بالقبض دلالة مع ما في العقد الثابت من دلالة الإذن بالقبض، لأنه تسليط له على القبض فكأنه دليل الإذن بالقبض ، والإذن بالقبض قد يكون صريحة وقد يكون دلالة، كما رأينا في الهبة إذا قبض الموهوب له بحضرة الواهب ما لم ينهه صح نبضه وكذلك ههنا. وجه الرواية المشهورة أن الإذن بالقبض لم يوجد نصا، ولا سبيل إلى إثباته بطريق الدلالة. لما ذكرنا أن في القبض تقرير الفساد، فكان الإذن بالقبض إذنا بما فيه تقرير الفساد فلا يمكن إثباته بطريق الدلالة. وبه تبين أن العقد الفاسد لا يقع تسليطا على القبض، لوجود المانع من القبض على ما بينا، بخلاف الهبة، لأن هناك لا مانع من القبض فأمكن إثباته بطريق الدلالة ما دام المجلس قائمة، وإنما شرط المجلس لأن القبض في الهبة بمنزلة الركن فيشترط له المجلس كما يشترط القبول،. "البدائع، (5/304-305 )
2- جاء في البدائع: " الثابت بالبيع الفاسد ملك مضمون بالقيمة أو بالمثل لا بالمسمى بخلاف البيع الصحيح. لأن القيمة هي الموجب الأصل في الساعات لأنها مثل المبيع في المالية، إلا أنه بعدل عنها إلى المسمى إذا | صحت التسمية فإذا لم تصح وجب المصير إلى الموجب الأصلي ، خصوصا إذا كان الفساد من قبل المسمى ، لأن التسمية إذا لم نصح لم يثبت المسمى. فصار كأنه باع وسكت عن ذكر الثمن، ولو كان كذلك كان بيعة بقيمة المبيع ، لأن البيع مبادلة بالمال ، فإذا لم يذكر البدل صريحا صارت القيمة أو المثل مذكورة دلالة ، فكان مبيعا بقيمة المبيع أو بمثله إذا كان من قبيل الأمثال"، "البدائع " ( 5/304) . والأولى في رأينا أن يقال : إنه لما انتقلت ملكية المبيع إلى من تصرف له المشتري، صار المشتري عاجزة عن رد المبيع إلى البائع كما لو كان المبيع قد هلك ، فوجب عليه الضمان ، والضمان يكون بالقيمة أو بالمثل لا بالمسمى
3- هذا وقد قدمنا أن المذاهب الثلاثة الأخرى لا فرق عندها بين البيع الباطل، والبيع الفاسد، فالبيع الفاسد حكمه حكم البيع الباطل في تصرف المشتري وفي المبيع المقبوض . وفي تغير المبيع وهو في يد المشتري بالزيادة أو بالنقصان أو في الصورة. انظر في مذهب الشافعي اشرح البهجة، لزكريا الأنصاري (2/435) وفي مذهب أحمد بن حنبل المغني (طبعة ثالثة) (4/231-232) أما عند مالك فتصرف المشتري في المبيع المقبوض وتغير المبيع وهو في يد المشتري يمنعان الفسخ في البيع الباطل والبيع الفاسد معا، فكأن الباطل كالفاسد لا الفاسد كالباطل. ثم يميز في البيع الفاسد او معه البيع الباطل، بين المحرم والمكروه، فالمحرم إذا فات مضى بالقيمة، أما المكروه فإنه إذا فات انقلب صحيحا، وربما انقلب صحيحة بالقبض أيضا الخفة الكراهة ، قال ابن رشد في بداية المجتهد: «اتفق العلماء على أن البيوع الفاسدة إذا وقعت ولم تفت بأحداث عقد فيها أو نماء نقصان أو حوالة سوق أن حكمها الرد، أعني أن يرد البائع الثمن المشتري المثمون، واختلفوا إذا قبضت وتصرف فيها بعتق أو هبة أو بيع أو رهن أو غير ذلك من سائر التصرفات ، هل ذلك فوت يوجب القيمة؟ وكذلك إذا نمت أو نقصت؟ فقال الشافعي: ليس ذلك كله نوتة ولا شبهة ملك في البيع الفاسد، وأن الواجب الرد، وقال مالك كل ذلك فوت بوجب القيمة ... ومثل ذلك أبو حنيفة والبيوع الفاسدة عند مالك تنقسم إلى محرمة ومكروهة. فأما المحرمة فإنها إذا فاتت، مضت بالقيمة. وأما المكروهة فإنها إذا فاتت صحت عنده، وربما صح عنده بعض البيوع الفاسدة بالقبض لخفة الكراهة عنده في ذلك "بداية المجتهد " طبعة الخانجي (2/161)
4- وهذا لا يمنع من أن يتضمن العقد الفاسد تصرفا شرعية آخر ينتج أثره، ولا يكون هذا تحولا للعقد الفاسد، فإن التصرف الشرعي الآخر، يقوم على إرادة حقيقية لا على إرادة احتمالية. جاء في البحر الرائق: "وفي المازية باع منه صحيحة ثم باعه فاسدة منه، انفسخ الأول، لأن الثاني لو كان صحيحا ينفسخ الأول به ، فكذا و كان فاسدة لأنه يلحق بالصحيح في الكثير من الأحكام. وكذا لو باع المؤجر المستأجر من المستأجر فاسدة، تنفسخ الإجارة كما إذا باعه صحيحة، والبحر الرائق، (6/94) وانفساخ البيع الصحيح أو الإجارة الصحيحة بالبيع الفاسد إنما يأتي عن طريق أن البيع الفاسد يتضمن اتفاق آخر بين البائع والمشتري على العدول عن العقد السابق . البيع الصحيح أو الإجارة الصحيحة . فيتضمن البيع الفاسد فسخا بالتراضي لهذا العقد السابق. وسنعود إلى هذه المسألة في مكان آخر.
5-انظر في هذا المعنى الأستاذ شفيق شحاتة في النظرية العامة للالتزامات في الشريعة الإسلامية» فقرة (170-172)
6- جاء في الإنصاف، للمرداوي (4/265) : فإن كان أحدهما مكرهة لم يصح هذا البيع. هذا المذهب بشرطه، وعليه الأصحاب. وقال في الفائق : قلت : ويحتمل الصحة وثبوت الخيار عند زوال الإكراه .
7- انظر الجزء الثاني من " مصادر الحق في الفقه الإسلامي " .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|