أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-8-2020
4462
التاريخ: 13-8-2020
5109
التاريخ: 17-8-2020
2903
التاريخ: 13-8-2020
5474
|
قال تعالى : {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُو السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [غافر : 18 - 22] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1)
أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يخوف المكلفين يوم القيامة فقال {وأنذرهم يوم الآزفة} أي الدانية وهو يوم القيامة لأن كل ما هو آت دان قريب وقيل يوم دنو المجازاة {إذ القلوب لدى الحناجر} وذلك أنها تزول عن مواضعها من الخوف حتى تصير إلى الحنجرة ومثله قوله وبلغت القلوب الحناجر {كاظمين} أي مغمومين مكروبين ممتلئين عما قد أطبقوا أفواههم على قلوبهم من شدة الخوف {ما للظالمين من حميم} يريد ما للمشركين والمنافقين من قريب ينفعهم {ولا شفيع يطاع} فيهم فتقبل شفاعته عن ابن عباس ومقاتل .
{يعلم خائنة الأعين} أي خيانتها وهي مسارقة النظر إلى ما لا يحل النظر إليه عن مجاهد وقتادة والخائنة مصدر مثل الخيانة كما أن الكاذبة واللاغية بمعنى الكذب واللغو وقيل إن تقديره يعلم الأعين الخائنة عن مؤرج وقيل هو الرمز بالعين عن السدي وقيل هو قول الإنسان ما رأيت وقد رأى ورأيت وما رأى عن الضحاك .
{وما تخفي الصدور} ويعلم ما تضمره الصدور وفي الخبر : ((أن النظرة الأولى لك والثانية عليك)) فعلى هذا تكون الثانية محرمة فهي المراد بخائنة الأعين {والله يقضي بالحق} أي يفصل بين الخلائق بالحق فيوصل كل ذي حق إلى حقه {والذين يدعون من دونه} من الأصنام {لا يقضون بشيء} لأنها جماد {إن الله هو السميع البصير} أي الذي يجب أن يسمع المسموعات ويبصر المبصرات إذا وجدتا وهاتان الصفتان في الحقيقة ترجعان إلى كونه حيا لا آفة به وقال قوم معناهما العالم بالمسموعات والعالم بالمبصرات والأول هو الصحيح .
ثم نبههم سبحانه على النظر بقوله {أ ولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم} من المكذبين من الأمم لرسلهم {كانوا هم أشد منهم قوة} في أنفسهم {وآثارا في الأرض} أي وأكثر عمارة للأبنية العجيبة وقيل وأبعد ذهابا في الأرض لطلب الدنيا {فأخذهم الله بذنوبهم} أي أهلكهم الله بسبب ذنوبهم {وما كان لهم من الله من واق} أي دافع يدفع عنهم عذابه ويمنع من نزوله بهم {ذلك} لعذاب الذي نزل بهم {بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات} أي بالمعجزات الباهرات والدلالات الظاهرات {فكفروا} بها {فأخذهم الله} أي أهلكهم عقوبة على كفرهم {إنه قوي} قادر على الانتقام منهم {شديد العقاب} أي شديد عقابه .
__________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص433-435 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1)
{وأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ ولا شَفِيعٍ يُطاعُ} . الخطاب في أنذرهم لرسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) . وضمير الغائب لمشركي العرب ، والمعنى ما عليك يا محمد إلا أن تنذر المشركين عذاب يوم تذوب فيه القلوب والأبصار هلعا وجزعا ، حيث لا صديق يتوجع ، ولا الشفاعة تنفع . . وهذا اليوم آت لا محالة .
{يَعْلَمُ خائِنَةَ الأَعْيُنِ وما تُخْفِي الصُّدُورُ واللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} . ما أضمر الإنسان شيئا ، أو نظر إليه بخيانة وريبة إلا وكان اللَّه عليما بما أضمر وأبصر ، وهو يقضي غدا بعلمه وعدله على كل خائن ومجرم قضاء لازما لا مرد له ولا اعتراض عليه {والَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} . المراد بالذين يدعون الخ . . كل ما عدا اللَّه مما تعبده الناس صنما كان أو مالا أوجاها أو غير ذلك . . وبديهة انه لا قضاء في الآخرة إلا للَّه . {إِنَّ اللَّهً هُو السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} . هذا تعبير ثان عن قوله تعالى : {وأَنَّ اللَّهً قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} - 12 الطلاق .
{أَولَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وآثاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ} . هذا تحذير من اللَّه للمجرمين أن يكون مصيرهم مصير الذين من قبلهم ، فقد كانوا أكثر منهم مالا وعددا ، ولما نزل بهم العذاب لم يجدوا وليا ولا نصيرا . وتقدم مثله في الآية 109 من سورة يوسف و46 من سورة الحج و9 من سورة الروم و44 من سورة فاطر .
{ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ} . تقدم مرارا ان عاقبة الذين كذبوا بالرسل الخراب والدمار . ولا فرق غدا في حكم اللَّه وقضائه بين من كفر بالنبيين وبين من آمن بهم وخالف تعاليمهم وأطفأ سننهم وان عوملوا في الحياة الدنيا معاملة المسلمين .
__________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص444-445 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1)
قوله تعالى : {وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين} إلى آخر الآية .
الأزفة من أوصاف القيامة ومعناها القريبة الدانية قال تعالى : {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج : 6 ، 7] .
وقوله : {إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين} الحناجر جمع حنجرة وهي رأس الغلصمة من خارج وكون القلوب لدى الحناجر كناية عن غاية الخوف كأنها تزول عن مقرها وتبلغ الحناجر من شدة الخوف ، وكاظمين من الكظم وهو شدة الاغتمام .
وقوله : {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع} الحميم القريب أي ليس لهم قريب يقوم بنصرهم بحمية القرابة قال تعالى : { فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ} [المؤمنون : 101] ، ولا شفيع يطاع في شفاعته .
قوله تعالى : {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} قيل : الخائنة مصدر كالخيانة نظيرة الكاذبة واللاغية بمعنى الكذب واللغو ، وليس المراد بخائنة الأعين كل معصية من معاصيها بل المعاصي التي لا تظهر للغير كسارقة النظر بدليل ذكرها مع ما تخفي الصدور .
وقيل : {خائنة الأعين} من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف ، ولازمه كون العلم بمعنى المعرفة والمعنى يعرف الأعين الخائنة ، والوجه هو الأول .
وقوله : {وما تخفي الصدور} وهوما تسره النفس وتستره من وجوه الكفر والنفاق وهيئات المعاصي .
قوله تعالى : {والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء} إلخ هذه حجة أخرى على توحده تعالى بالألوهية أقامها بعد ما ذكر حديث انحصار الملك فيه يوم القيامة وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور تمهيدا وتوطئة .
ومحصلها أن من اللازم الضروري في الألوهية أن يقضي الإله في عباده وبينهم والله سبحانه هو يقضي بين الخلق وفيهم يوم القيامة والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء لأنهم عباد مملوكون لا يملكون شيئا .
ومن قضائه تعالى تدبيره جزئيات أمور عباده بالخلق بعد الخلق فإنه مصداق القضاء والحكم قال تعالى : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس : 82] ، وقال : { إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [آل عمران : 47] ، ولا نصيب لغيره تعالى في الخلق فلا نصيب له في القضاء .
ومن قضائه تعالى تشريع الدين وارتضاؤه سبيلا لنفسه قال تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء : 23] .
وقوله : {إن الله هو السميع البصير} أي له حقيقة العلم بالمسموعات والمبصرات لذاته ، وليس لغيره من ذلك إلا ما ملكه الله وأذن فيه لا لذاته .
في الآيات موعظتهم بالإرجاع إلى آثار الأمم الماضين وقصصهم للنظر والاعتبار فلينظروا فيها وليعتبروا بها ويعلموا أن الله سبحانه لا تعجزه قوة الأقوياء واستكبار المستكبرين ومكر الماكرين وتذكر منها من باب الأنموذج طرفا من قصص موسى وفرعون وفيها قصة مؤمن آل فرعون .
قوله تعالى : {أ ولم يسيروا في الأرض فينظروا} إلى آخر الآية الاستفهام إنكاري ، والواقي اسم فاعل من الوقاية بمعنى حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره .
والمعنى : أ ولم يسيروا هؤلاء الذين أرسلناك إليهم {في الأرض فينظروا} نظر تفكر واعتبار {كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم} من الأمم الدارجة المكذبين لرسلهم {كانوا هم أشد منهم قوة} أي قدرة وتمكنا وسلطة {وآثارا} كالمدائن الحصينة والقلاع المنيعة والقصور العالية المشيدة {في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم} وأهلكهم بأعمالهم {وما كان لهم من الله من واق} يقيهم وحافظ يحفظهم .
قوله تعالى : {ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات} إلخ الإشارة بذلك إلى الأخذ الإلهي ، والمراد بالبينات الآيات الواضحات ، والباقي ظاهر .
______________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص261-265 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1)
يوم تبلغ القلوب الحناجر :
هذه الآيات تستمر ـ كالآيات السابقة ـ في وصف القيامة ـ يوم التلاقي ـ وتحدّد سبع خصائص للقيامة والحوادث المهولة والمدهشة التي تدفع بكل انسان مؤمن نحو التفكير والتأمل بالحياة والمصير .
يقول تعالى : {وأنذرهم يوم الآزفة} .
«الآزفة» باللغة بمعنى (القريب) ويا لها من كناية عجيبة ، حيث أطلق سبحانه على يوم القيامة يوم الآزفة كي لا يظن الجهلة أن هناك فترة طويلة تفصلهم عن ذلك اليوم ، فلا ينبغي ـ والحال هذه ـ أن ينشغل المرء بالتفكير به!
وإذا نظرنا بتأمّل فسنجد أنّ عمر الدنيا بأجمعه لا يعادل سوى لحظة زائلة حيال يوم القيامة ، ولأنّ الله تبارك وتعالى لم يذكر أي تأريخ لهذا اليوم المهول ، حتى للأنبياء(عليهم السلام) ، لذا يجب الإستعداد دائماً لاستقبال ذلك اليوم .
الوصف الثّاني ليوم الأزقة هو : {إذ القلوب لدى الحناجر} من شدة الخوف . فعندما تواجه الإنسان الصعوبات يشعر وكأنّ قلبه يفر من مكانه ، وكأنّهُ يريد أن يخرج من حنجرته ، والعرب في ثقافتها اللغوية التي نزل بها القرآن تطلق على هَذِهِ الحالة وصف «بلغت القلوب الحناجر» .
ويمكن أن يكون (القلب) كناية عن (الروح) بمعنى أنّ روحه بلغت حنجرته هلعاً وخوفاً ، كأنما تريد أن تفارق بدنه تدريجياً ولم يبق منها سوى القليل .
إنّ هول الخوف من الحساب الإلهي الرباني الدقيق ، والخشية من الإفتضاح وانكشاف الستر والحجب أمام جميع الخلائق ، وتحمّل العذاب الأليم الذي لا يمكن الخلاص منه ، كلّ هذه أُمور سيواجهها الإنسان ولا يمكن وصفها وشرحها بأي بيان .
الصفة الثّالثة لذلك اليوم تعبر عنها الآية بـ (كاظمين) أي إنّ الهم والغم سيشمل كل وجودهم ، إلاّ أنّهم لا يستطيعون إظهار ذلك أوإبداءه .
«كاظم» مشتقّة من «كظم» وهي في الأصل تعني غلق فوهة القربة المملوءة بالماء; ثمّ أطلقت بعد ذلك على الأشخاص المملوئين غضباً إلاّ أنّهم لا يظهرونه لسبب من الأسباب .
قد يستطيع الإنسان المغموم المحزون أن يهدأ او يستريح بالصراخ ، لكن المصيبة حينما لا يستطيع هذا الإنسان حتى عن الصراخ . . . فماذا ينفع الصراخ في محضر الخالق جلّ وعلا وفي ساحة عدله وعندما تنكشف جميع الأسرار امام جميع الخلائق .
الصفة الرّابعة ليوم التلاقي هو يوم : {ما للظالمين من حميم} . أي صديق نعم ، أنّ تلك المجموعة من الأصدقاء الكذابين التي تحيط بالشخص كذباً وتملقاً ـ كما يحيط الذباب بالحلويات ـ طمعاً في مقامه وقدرته وجاهه وماله . إنّ هؤلاء في هذا اليوم مشغولون بأنفسهم لا ينفعون أحداً . . . وهو يوم لا تنفع فيه لا صداقة ولا خلّة .
الصفة الخامسة تقول عنها الآية : {ولا شفيع يطاع} .
ذلك أنّ شفاعة الشفعاء الحقيقيين كالأنبياء والأولياء إنّما تكون بإذن الله تعالى ، وعلى هذا الأساس لا مجال لتلك التصورات السقيمة لعبدة الأصنام ، الذين كانوا يعتقدون في الحياة الدنيا أنّ أصنامهم ستشفع لهم في حضرة الله جلّ وعلا .
وفي المرحلة السادسة تذكر الآية أحد صفات الخالق جلّ وعلا ، والتي تعتبر في نفس الوقت وصفاً لكيفية القيامة ، حيث تقول : {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} (2) .
إنّ الله تبارك وتعالى يعلم الحركات السرية للعيون وما تخفيه الصدور من أسرار ، وسيقوم تعالى بالحكم والقضاء العادل عليها ، وهو بعلمه سيجعل صباح الظالمين المذنبين مظلماً .
وعندما سئل الإمام الصادق(عليه السلام) عن معنى الآية فأجاب : «ألم تر إلى الرجل ينظر إلى الشيء وكأنّه لا ينظر إليه ، فذلك خائنة الأعين» (3) . أي يوهم أنّه لا ينظر إليه .
قد يتطاول البعض بنظره إلى أعراض الناس وإلى ما يحرم النظر إليه ، وقد يستطيع الفاعل أن يخفي فعلته عن الآخرين ، لكن ذلك لا يخفى عن علم الله المحيط بكل ذرات الوجود إذ : { لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [سبأ : 3]
وقد روي أنّه (لما جيء بعبد الله بن أبي سرح إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ما اطمأن أهل مكّة وطلب له الأمان عثمان صمت رسول الله طويلا ثمّ قال (نعم) فلما انصرف قال رسول الله لمن حوله : «ما صمتّ طويلا إلاّ ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه» فقال رجلٌ من الأنصار : فهلاً أومأت إليّ يا رسول الله ، فقال : «إن النّبي لا تكون له خائنة الأعين» (4) .
وبالطبع فإنّ لخيانة العين أشكال مختلفة ، إذ تتمثل في بعض الأحيان باستراق النظر إلى ما يحرم كالنساء وغيرهن ، وأحياناً تتمثل بإشارات معينة للعين تهدف تحقير الآخرين والإستهزاء بكلامهم . وقد تكون حركات العين مقدمة لمخططات شيطانية ضدّ الآخرين .
إنّ من يؤمن بالحساب الدقيق في الآخرة ، عليه أن يراعي حدود التقوى في خائنة الأعين وخطرات الفكر ، وواضح أنّ استحضار عناصر الرقابة هذه لها مؤدّاها التربوي الكبير في سلوك الإنسان وحياته .
وفي قصص الوعظ المتداولة في مجالس العلماء ، يقال أن أحد كبار العلماء عندما أنهى دراسته الدينية في النجف الأشرف ، طلب من أستاذه عندما أراد الرجوع إلى بلده أن يعظه وينصحه ، فقال له الأستاذ : بعد كلّ هذا التعب وتحمّل مضاق الدراسة والتحصيل فإنّ آخر نصيحتي لك هي أن لا تنسى أبداً قوله تعالى {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق : 14] .
المؤمن الحقيقي يعتبر العالم كلّه حاضراً عند الله تعالى ، وإنّ كلّ الأعمال تتمّ في حضوره ، وينبغي لهذا الحضور الإلهي أن يكون رادعاً كافياً للخجل والكف عن المعاصي والذنوب .
الآية التي تليها تتحدث عن صفة سابعة للقيامة تتمثل في قوله تعالى : {والله يقضي بالحق} .
أمّا غيره : {والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء} .
في ذلك اليوم يختص الله وحده بالقضاء ، وهوجلّ جلاله لا يقضي إلاّ بالحق ، لأنّ القضاء بغير الحق ـ بالظلم مثلا والإنحياز ـ إمّا أن يعود إلى الجهل وعدم المعرفة ، والله محيط بكل شيء ، حتى بما يموج في الضمائر وما تكنّه السرائر . أو أنّه يكون نتيجة للعجز والإحتياج ، وهذه صفات هي أبعد ما تكون عن ذات الله جلّ جلاله .
إنّ هذا التعبير يحمل في مؤدّاه دليلا كبيراً على توحيد المعبود والعبادة ، لأنّ من يكون له حق القضاء في النهاية يستحق العبادة حتماً أمّا الأصنام التي لا تنفع شيئاً في هذا العالم ، ولا تكون في القيامة مرجعاً للحكم والقضاء ، فكيف تستحق العبادة .
ومن الضروري أن نشير أيضاً إلى أنّ للحكم والقضاء بالحقّ معاني واسعة ، إذ هي تشمل عالم التكوين وعالم التشريع ، حيث وردت كلمة «قضى» في الآيات القرآنية لتشمل المعنيين ، ففي مكان نقرأ قوله تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء : 23] حيث تنطوي الآية على القضاء التشريعي . وفي آية اُخرى نقرأ قوله تعالى : {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [آل عمران : 47] .
وفي الختام وللتأكيد على المطالب المذكورة في الآيات السابقة تضيف الآية {إن الله هو السميع البصير} .
فهو تعالى سميع وبصير بمعنى الكلمة ، أي إنّ كلّ المسموعات والمبصرات حاضرة عنده ، وهذا تأكيد على إحاطته وعلمه بكل شيء ، وقضاوته بالحق ، إذ ما لم يكن الشخص سميعاً وبصيراً مطلقاً فلا يستطيع أن يقضي بالحق .
وقوله تعالى : {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [غافر : 21 ، 22] .
اعتبروا بعاقبة أسلافكم الظالمين :
إنّ أسلوب القرآن الكريم في كثير من الآيات أنّه بعد أن يتعرض لكليات القضايا الحساسة والمهمّة يمزجها ببعض المسائل الجزئية والمحسوسة ويأخذ بيد الانسان ليريه الحوادث الماضية والحالية . لذلك فإنّ الآيات التي بين أيدينا تتحدث عن أحوال الأمم الظالمة السابقة ومنهم فرعون والفراعنة وما حلّ بهم من جزاء أليم ، وتدعوا الناس للإعتبار بمصير أولئك ، بعد ما كانت الآيات السابقة قد حدّثتنا عن يوم القيامة وصفاته وطبيعة الحساب الدقيق الذي ينطوي عليه .
يقول تعالى : {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم} .
إنّ الذي تحكيه الآيات وتدعونا للإعتبار به ليس تأريخاً مدوناً نستطيع أن نشكّك في طبيعة الوثائق والنصوص المكوّنة له ، وإنّما هو تأريخ حي ينطق عن نفسه ، وينبض بالعبرة والعظة ، فهذه قصور الظالمين الخربة ، وما تركوه من جنات وعيون ، وهذه مدن الأشقياء التي نزل بساحتها العذاب والإنتقام الإلهي ، وها هي عظامهم النخرة التي يطويها التراب ، والقصور المدفونة تحت الأرض . . . ها هي كلّها تحكي عظة الدرس ، وعظيم العبرة ، خصوصاً وأنّ القرآن يزيدنا معرفةٌ بهؤلاء فيقول عنهم : {كانوا هم أشد منهم قوة وآثاراً في الأرض} .
كانوا يملكون السلطات القوية ، والجيوش العظيمة ، والمدنية الباهرة التي لا يمكن مقايستها بحياة مشركي مكّة .
إنّ تعبير (أشد منهم قوّة) يكشف عن قوتهم السياسية والعسكرية ، وعن قوته الإقتصادية والعلمية أيضاً .
أمّا التعبير في قوله تعالى : (آثاراً في الأرض) فلعله إشارة إلى تقدمهم الزراعي العظيم ، كما ورد في الآية (9) من سورة «الروم» في قوله تعالى : {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا } [الروم : 9] .
وقد يكون التعبير القرآني إشارة إلى البناء المحكم العظيم للأمم السابقة ، ممّا قاموا به في أعماق الجبال وبين السهول ، كما يصف القرآن ذلك في حال قوم «عاد» : {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء : 128 ، 129] .
ولكن عاقبة هؤلاء القوم ، بكل ما انطوت عليه حياتهم من مظاهر قوّة وحياة ونماء ، هي كما يقول تعالى : {فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق} .
فلم تنفعهم كثرتهم ولم تمنعهم أموالهم وقدرتهم وشوكتهم من العذاب الإلهي عندما نزل بساحتهم .
لقد وردت كلمة «أخذ» مراراً في القرآن الكريم بمعنى العقاب ، وهي إشارة إلى «أخذ» القوم أو الجماعة قبل أن يُنْزل بها العقاب ، تماماً كما يقبض أوّلا على الشخص المجرم ، ثمّ يتمّ عقابه .
الآية التي بعدها فيها تفصيل لما قيل سابقاً بإيجاز ، بقوله تعالى : {ذلك بأنّهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا} . فلم يكن الأمر أنّهم كانوا غافلين ولم يعرفوا الأمر ، ولم يكن كفرهم وارتكابهم الذنوب بسبب عدم إتمام الحجّة عليهم ، فلقد كانت تأتيهم رسلهم تترا ، كما يستفاد من قوله تعالى : (كانت تأتيهم) إلاّ أنّهم لم يخضعوا للأوامر الإلهية ، كانوا يحطمون مصابيح الهداية ، ويديرون ظهورهم للرسل ، وكانوا ـ أحياناًـ يقتلونهم !
وحينئذ : {فأخذهم الله} وعاقبتهم أشدّ العقاب ـ {إنّه قوي شديد العقاب} . إذ هو في مواطن الرأفة أرحم الراحمين وفي مواضع الغضب أشد المعاقبين .
_________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص50-55 .
2 ـ هناك احتمالان من حيث التركيب النحوي لجملة «يعلم خائنة الأعين» : الأول : أنّ (خائنة) لها معنى مصدري وتعني الخيانة (مثل كاذبة ولا غية بمعنى كذب ولغو) . ويحتمل أن تكون (اسم فاعل) من باب تقديم الصفة ، أي أنّها تعني في الأصل (الأعين الخائنة) .
3 ـ تفسير الصافي أثناء الحديث عن الآية .
4 ـ تفسير القرطبي ذيل الآية .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|