أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-8-2020
5180
التاريخ: 17-8-2020
3662
التاريخ: 17-8-2020
2952
التاريخ: 13-8-2020
5901
|
قال تعالى : {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُو إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر : 1 - 6] .
{حم} قد مضى ذكر الأقوال فيه وقيل أقسم الله بحلمه وملكه لا يعذب من عاذ به وقال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه عن القرظي وقيل هو افتتاح أسمائه حليم حميد حكيم حي حنان ملك مجيد مبدئ معيد عن عطاء الخراساني وقيل معناه حم أي قضي ما هو كائن عن الكلبي {تنزيل الكتاب} أي هذا تنزيل الكتاب {من الله} الذي يحق له العبادة {العزيز} في ملكه {العليم} الكثير العلوم {غافر الذنب} لمن يقول لا إله إلا الله وهم أولياؤه وأهل طاعته والذنب اسم جنس فالمعنى غافر الذنوب فيما مضى وفيما يستقبل {وقابل التوب} يقبل توبة من تاب إليه من المعاصي بأن يثيب عليها ويسقط عقاب معاص تقدمها على وجه التفضل منه لذلك كان صفة مدح ولوكان سقوط العقاب عندها واجبا لما كان فيه مدح قال الفراء معناهما ذي الغفران وذي قبول التوبة ولذلك صار نعتا للمعرفة {شديد العقاب} أي شديد عقابه وذكر ذلك عقيب قوله {غافر الذنب} لئلا يعول المكلف على الغفران بل يكون بين الرجاء والخوف {ذي الطول} أي ذي النعم على عباده عن ابن عباس وقيل ذي الغنى والسعة عن مجاهد وقيل ذي التفضل على المؤمنين عن الحسن وقتادة وقيل ذي القدرة والسعة عن ابن زيد والسدي وروي عن ابن عباس أنه قال غافر الذنب لمن قال ((لا إله إلا الله)) قابل التوب عمن قال ((لا إله إلا الله)) شديد العقاب لمن لم يقل ((لا إله إلا الله)) ذي الطول ذي الغنى عمن لم يقل ((لا إله إلا الله)) وقيل أنه إنما ذكر ذي الطول عقيب قوله {شديد العقاب} ليعلم أن العاصي أتي في هلاكه من قبل نفسه لا من قبل ربه وإلا فنعمة سابغة عليه دنيا ودينا .
{لا إله إلا هو} أي هو الموصوف بهذه الصفات دون غيره ولا يستحق العبادة سواه {إليه المصير} أي المرجع للجزاء والمعنى أن الأمور تؤول إلى حيث لا يملك أحد النفع والضر والأمر والنهي غيره تعالى وهو يوم القيامة {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا} أي لا يخاصم في دفع حجج الله وإنكارها وجحدها إلا الذين كفروا بالله وآياته وجحدوا نعمه ودلالاته {فلا يغررك} يا محمد {تقلبهم في البلاد} أي تصرفهم في البلاد للتجارات سالمين أصحاء بعد كفرهم فإن الله تعالى لا يخفى عليه حالهم وإنما يمهلهم لأنهم في سلطانه ولا يفوتونه ولا يهملهم وفي هذا غاية التهديد .
ثم بين أن عاقبتهم الهلاك كعاقبة من قبلهم من الكفار فقال {كذبت قبلهم قوم نوح} يعني رسولهم نوحا {والأحزاب من بعدهم} وهم الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب نحو عاد وثمود ومن بعدهم {وهمت كل أمة} منهم {برسولهم} أي قصدوه {ليأخذوه} أي ليقتلوه ويهلكوه عن ابن عباس وإنما قال برسولهم ولم يقل برسولها لأن المراد الرجال .
{وجادلوا بالباطل} أي خاصموا رسلهم بأن قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وهلا أرسل الله إلينا ملائكة وبأمثال هذا من القول {ليدحضوا به الحق} الذي بينه الله تعالى وجاءت به رسله أي ليبطلوه ويزيلوه يقال أدحض الله حجته أي أزالها {فأخذتهم} بالعقاب أي أهلكتهم ودمرت عليهم وعاقبتهم {فكيف كان عقاب} أي فانظر كيف كان عقابي لهم وهذا استفهام تقرير لعقوبتهم الواقعة بهم .
ثم قال سبحانه {وكذلك} أي ومثل ما حق على الأمم المكذبة من العقاب {حقت كلمة ربك} أي العذاب {على الذين كفروا} من قومك أي أصروا على كفرهم {أنهم} أي لأنهم أو بأنهم {أصحاب النار} عن الأخفش .
______________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص424-427 .
{حم} تقدم الكلام على مثله في أول سورة البقرة {تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ} لأنه ميزان الحق والعدل ، ونور يهدي من ظلمة الضلال والجهل {الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ} . كل وصف من هذه الصفات له صلة وتأثير في الكون والإنسان ومصيره ، فخلق الكون لا بد له من علم الخالق وقدرته ، ومن هنا جاء الوصف بالعزيز العليم ، والعزيز هو القادر الغالب . .
والذنب والتوبة من فعل الإنسان ، أما قبول هذه والغفران عن ذاك فمن اللَّه ، وهو سبحانه يغفر بالتوبة أو بطاعة جلَّى تمحو الذنب لأن الحسنات يذهبن السيئات وأيضا هو شديد العقاب لمن أصر على التمرد والعصيان ، وهو صاحب الفضل لأنه يعطي من سأله ومن لم يسأله ، ويضاعف لمن أحسن أضعافا كثيرة .
{لا إِلهً إِلَّا هُوَ} تفرد بوصف التوحيد وعلم الغيب ، والقدرة على كل شيء . . وجميع المذنبين في فاقة إلى عفوه ورحمته {إليه المصير} لا مفر من لقائه وحسابه وجزائه ، وطوبى لمن لا يرى مستحقا لهذه الصفات إلا اللَّه ولا يخاف أحدا سواه .
{ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} بالحق والعدل ، ولا يؤمنون إلا بأهوائهم ومصالحهم ، ومع هذا ينتحلون لأنفسهم الأعذار ، ويدّعون انهم المحقون ، فيجادلون في القرآن ، ويقولون : انه أساطير ، وان التوحيد تضليل ، والبعث حديث خرافة . . ودليلهم الأول والأخير تقاليد الآباء ووحي المصالح والأهواء .
{فلا يغررك - يا محمد - تقلبهم في البلاد} للتجارة وذهابهم إلى الشام في رحلة الصيف ، ولا إلى اليمن في رحلة الشتاء ، لا يغررك هذا وما إليه فإن نهايتهم الويل والثبور : {إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ولَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ} - 178 آل عمران ج 2 ص 208 .
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} . المراد بالأحزاب هنا كل قوم تحزبوا ضد الحق وأهله ، والمعنى ان معركتك يا محمد مع المشركين ليست معركة شخصية ، وانما هي صراع بين الحق والباطل ، والكفر والايمان ، سنّة اللَّه في السلف والخلف ، فقد كذبت الأمم الأنبياء والمصلحين ، وجادلتهم بالجهل والعناد ، وحاولت كل أمة أن تقتل نبيها ومنذرها ، تماما كما تآمرت قريش على قتلك ، وأنت نائم في فراشك . أنظر ج 3 ص 472 .
{فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ} ؟ كان شديدا ومدمرا {وكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ} . هذا تحذير وإنذار لقريش إن أصروا على الكفر والضلال أن يصيبهم ما أصاب قوم نوح وعاد وثمود . . وتخويف من لا يخاف اللَّه لا يجدي نفعا إلا قيام الحجة وقطع المعذرة .
_______________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص437-438 .
تتكلم السورة في استكبار الكافرين ومجادلتهم بالباطل ليدحضوا به الحق الذي يدعون إليه ولذلك نراها تذكر جدالهم وتعود إليه عودة بعد عودة ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد} {الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا} {أ لم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون} .
فتكسر سورة استكبارهم وجدالهم بذكر ما عاقب الله به الماضين من الأمم المكذبين وما أعد الله لهم من العذاب المهين بذكر طرف مما يجري عليهم في الآخرة .
وتدحض باطل أقاويلهم بوجوه من الحجج الناطقة بتوحده في الربوبية والألوهية وتأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصبر وتعده والمؤمنين به بالنصر ، وتأمرهم أن يؤذنهم أنه مسلم لربه غير تارك لعبادته فلييأسوا منه .
والسورة مكية كلها لاتصال آياتها وشهادة مضامينها بذلك ، وما قيل فيه من الآيات إنه نزل بالمدينة لا يعبأ به وسيجيء الإشارة إليها إن شاء الله .
قوله تعالى {حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم} التنزيل مصدر بمعنى المفعول فقوله : {تنزيل الكتاب} من قبيل إضافة الصفة إلى موصوفها والتقدير هذا كتاب منزل من الله .
وتخصيص الوصفين : {العزيز العليم} بالذكر قيل : للإشارة إلى ما في القرآن من الإعجاز وأنواع العلوم التي يضيق عنها نطاق الأفهام ، وقيل : هومن باب التفنن .
والوجه أن يقال : إن السورة لما كانت تتكلم حول جحد الجاحدين ومجادلتهم في آيات الله بالباطل جهلا وهم يحسبونه علما ويعتزون به كما حكى ذلك عنهم في خاتمة السورة بقوله : {فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم} وكما حكى عن فرعون قوله لقومه في موسى : {إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} وقوله لهم : {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} .
افتتح الكلام في السورة بما فيه إشارة إلى أن هذا الكتاب النازل عليهم تنزيل ممن هو عزيز على الإطلاق لا يغلبه غالب حتى يخاف على ما نزله من استعلائهم واستكبارهم بحسب أوهامهم ، عليم على الإطلاق لا يدخل علمه جهل وضلال فلا يقاوم جدالهم بالباطل ما نزله من الحق وبينه بحججه الباهرة .
ويؤيد هذا الوجه ما في الآية التالية من قوله : {غافر الذنب وقابل التوب} إلخ على ما سنبين .
قوله تعالى : {غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير} الإتيان بصيغة اسم الفاعل في {غافر الذنب وقابل التوب} - لعله - للدلالة على الاستمرار التجددي فإن المغفرة وقبول التوب من صفاته الفعلية ولا يزال تعالى يغفر الذنب ثم يغفر ويقبل التوب ثم يقبل .
وإنما عطف قابل التوب على ما قبله دون {شديد العقاب ذي الطول} لأن غافر الذنب وقابل التوب مجموعهما كصفة واحدة متعلقة بالعباد المذنبين يغفر لهم تارة بتوبة وتارة بغيرها كالشفاعة .
والعقاب والمعاقبة المؤاخذة التي تكون في عاقبة الذنب قال الراغب : والعقب والعقبى يختصان بالثواب نحو خير ثوابا وخير عقبا ، وقال تعالى : {أولئك لهم عقبى الدار ، والعاقبة إطلاقها يختص بالثواب نحو والعاقبة للمتقين ، وبالإضافة قد تستعمل في العقوبة نحو ثم كان عاقبة الذين أساءوا ، وقوله : فكان عاقبتهما أنهما في النار يصح أن يكون ذلك استعارة من ضده ، والعقوبة والمعاقبة والعقاب تختص بالعذاب . انتهى .
فشديد العقاب كذي انتقام من أسماء الله الحسنى تحكي صفته تعالى في جانب العذاب كما يحكي الغفور والرحيم صفته تعالى في جانب الرحمة .
والطول - على ما في المجمع ، - الإنعام الذي تطول مدته على صاحبه فذو الطول من أسمائه الحسنى في معنى المنعم لكنه أخص من المنعم لعدم شموله النعم القصار .
وذكر هذه الأسماء الأربعة : غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول بعد اسم العليم للإشارة إلى أن تنزيل هذا الكتاب المشتمل على دعوته الحقة المبني على العلم مبني على أساس ما تقتضيه مضامين هذه الأسماء الأربعة .
وذلك أن العالم الإنساني كما يتحد قبيلا واحدا في نيل الطول الإلهي والتنعم بنعمه المستمرة المتوالية مدى الحياة الدنيا ينقسم من حيث حياته الآخرة قسمين وينشعب إلى شعبتين : سعيد وشقي والله سبحانه عالم بتفاصيل خلقه وكيف لا يعلم وهو خالقها وفاعلها ، ومقتضى كونه غافرا للذنب قابلا للتوب أن يغفر لمن استعد للمغفرة وأن يقبل توبة التائب إليه ، ومقتضى كونه شديد العقاب أن يعاقب من استحق ذلك .
ومقتضى ذلك أن يهدي الناس إلى صراط السعادة كما قال : { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى} [الليل : 12 ، 13] ، وقال : {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل : 9] .
لينقسم الناس بذلك قسمين ويتميز عنده السعيد من الشقي والمهتدي من الضال فيرحم هذا ويعذب ذلك .
فتنزيل الكتاب من الله العزيز العليم مبني على علمه المحيط بخلقه أنهم في حاجة إلى دعوة يهتدي بها قوم ويضل بردها آخرون ليغفر لقوم ويعذب آخرين ، وفي حاجة إليها لينتظم بها نظام معاشهم في الدنيا فينعموا بطوله ونعمته في الدنيا ثم في دار القرار .
فهذا شأن كتابه المنزل بعلمه الذي لا يشوبه جهل والمبني على الحق الذي لا يداخله باطل ، وأين هومن تكذيب الذين لا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة وجدالهم بالباطل ليدحضوا به الحق .
وعلى هذا الذي ذكرنا من العناية بالعلم يشهد ما سيذكره تعالى من دعاء الملائكة للمؤمنين بالمغفرة : {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك} فتدبر فيه .
وقوله : {لا إله إلا هو إليه المصير} ذكر كلمة التوحيد للإشارة إلى وجوب عبادته وحده فلا تلغو الدعوة الدينية بتنزيل الكتاب ، وذكر كون مصير الكل ورجوعهم إليه وهو البعث للإشارة إلى أنه هو السبب العمدة الداعي إلى الإيمان بالكتاب واتباعه فيما يدعو إليه لأن الاعتقاد بيوم الحساب هو الذي يستتبع الخوف والرجاء خوف العقاب ورجاء الثواب الداعيين إلى عبادة الله سبحانه .
قوله تعالى : {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد} لما ذكر تنزيل الكتاب وأشار إلى الحجة الباهرة على حقيته ، المستفادة من صفاته الكريمة المعدودة في الآيتين ، الدالة على أنه منزل بعلمه الذي لا يشوبه جهل وبالحق الذي لا يدحضه باطل تعرض لحال الذين قابلوا حججه الحقة بباطل جدالهم فلوح إلى أن هؤلاء أهل العقاب وليسوا بفائتين ولا مغفولا عنهم فإنهم كما نزل الكتاب ليغفر الذنب ويقبل التوب كذلك نزله ليعاقب أهل العقاب فلا يسوأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جدالهم ولا يغرنه ما يشاهده من حالهم .
فقوله : {ما يجادل في آيات الله} لم يقل : ما يجادل فيه أي في القرآن ليدل على أن الجدال في الحق الذي تدل عليه الآيات بما هي آيات .
على أن طرف جدالهم هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو داع إلى الحق الذي تدل عليه الآيات فجدالهم لدفع الحق لا للدفاع عن الحق .
على أن الجدال في الآية التالية مقيدة بالباطل لإدحاض الحق .
فالمراد بالمجادلة في آيات الله هي المجادلة لإدحاضها ودفعها وهي المذمومة ولا تشمل الجدال لإثبات الحق والدفاع عنه كيف؟ وهو سبحانه يأمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك إذا كان جدالا بالتي هي أحسن قال تعالى : {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل : 125] .
قوله : {إلا الذين كفروا} ظاهر السياق أنهم الذين رسخ الكفر في قلوبهم فلا يرجى زواله ، وقد قيل : {ما يجادل} ولم يقل : لا يجادل ، وكذا ظاهر قوله : {فلا يغررك تقلبهم في البلاد} أن المراد بهم الكفار المعاصرون للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن لم يكونوا من أهل مكة .
وتقلبهم في البلاد انتقالهم من طور من أطوار الحياة إلى طور آخر ومن نعمة إلى نعمة في سلامة وصحة وعافية ، وتوجيه النهي عن الغرور إلى تقلبهم في البلاد كناية عن نهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الاغترار بما يشاهده منهم أن يحسب أنهم أعجزوه سبحانه .
قوله تعالى : {كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم} إلخ في مقام الجواب عما يسبق إلى الوهم أنهم استكبروا وجادلوا في آيات الله فلم يكن بهم بأس وسبقوا في ذلك .
ومحصل الجواب : أن الأمم الماضين كقوم نوح والأحزاب من بعدهم كعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم سبقوا هؤلاء إلى مثل صنيعهم من التكذيب والجدال بالباطل وهموا برسولهم ليأخذوه فحل بهم العقاب وكذلك قضي في حق الكفار العذاب فتوهم أن هؤلاء سبقوا الله إلى ما يريد توهم باطل .
فقوله : {كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم} دفع للدخل السابق ولذا جيء بالفصل ، وقوله : {وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه} يقال : هم به أي قصده ويغلب فيه القصد بالسوء أي قصدوا رسولهم ليأخذوه بالقتل أو الإخراج أو غيرهما كما قصه الله تعالى في قصصهم .
وقوله : {وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق} الإدحاض الإزالة والإبطال وقوله : {فأخذتهم} أي عذبتهم ، وفيه التفات من الغيبة إلى التكلم وحده والنكتة فيه الإشارة إلى أن أمرهم في هذا الطغيان والاستكبار إلى الله وحده لا يدخل بينه وبينهم أحد بنصرة أو شفاعة كما قال : {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر : 13 ، 14] .
وقوله : {فكيف كان عقاب} توجيه لذهن المخاطب إلى ما يعلمه من كيفية إهلاكهم وقطع دابرهم ليحضر شدة ما نزل بهم وقد قصه الله فيما قص من قصصهم .
قوله تعالى : {وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار} ظاهر السياق أن المشبه به هوما في الآية السابقة من أخذهم وعقابهم ، والمراد بالذين كفروا مطلق الكفار من الماضين ، والمعنى كما أخذ الله المكذبين من الماضين بعذاب الدنيا كذلك حقت كلمته على مطلق الكافرين بعذاب الآخرة ، والذين كفروا من قومك منهم .
وقيل : المراد بالذين كفروا كفار مكة ، ولا يساعد عليه السياق والتشبيه لا يخلو عليه من اختلال .
وفي قوله : {كلمة ربك} ولم يقل : كلمتي تطييب لنفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأييد له بالإشارة إلى أن الركن الذي يركن إليه هو الشديد القوي .
_____________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص246-250 .
صفات تبعث الأمل في النفوس :
تواجهنا في مطلع السورة الحروف المقطعة وهي هنا من نوع جديد لم نعهده في السور السابقة ، حيثُ افتتحت السورة بـ «حاء» و«ميم» .
وبالنسبة للحروف المقطعة في مطلع السور كانت لنا بحوث كثيرة في معانيها ودلالاتها ، تعرضنا إليها أثناء الحديث عن بداية سورة «البقرة» ، وسورة «آل عمران» و«الأعراف» وسور اُخرى .
الشيء الذي تضيفه هنا ، هو أنّ الحروف التي تبدأ به سورة المؤمن التي نحن الآن بصددها ، تشير ـ كما يستفاد ذلك من بعض الرّوايات ومن آراء المفسّرين ـ إلى أسماء الله التي تبدأ بحروف هذه السورة ، أي «حميد» و«مجيد» كما ورد ذلك عن الامام الصادق(عليه السلام) (2) .
البعض الآخر ذهب إلى أنّ «ح» إشارة إلى أسمائه تعالى مثل «حميد» و«حليم» و«حنان» ، بينما «م» إشارة إلى «ملك» و«مالك» و«مجيد» .
وهناك احتمال في أن حرف «الحاء» يشير إلى الحاكمية ، فيما يشير حرف «الميم» إلى المالكية الإلهية .
عن ابن عباس ، نقل القرطبي «في تفسيره» أن «حم» من أسماء الله العظمى (3) .
ويتّضح في نهاية الفقرة أنّ ليس ثمّة من تناقض بين الآراء والتفاسير الآنفة الذكر ، بل هي تعمد جميعاً إلى تفسير الحروف المقطعة بمعنى واحد .
في الآية الثّانية ـ كما جرى على ذلك الأُسلوب القرآني ـ ، حديث عن عظمة القرآن ، وإشارة إلى أنّ هذا القرآن بكل ما ينطوي عليه من عظمة وإعجاز وتحدّ ، إنّما يشتكّل في مادته الخام من حروف الألف باء . . . وهنا يكمن معنى الإعجاز .
يقول تعالى : {تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم} .
إنّ قدرته تعالى تعجز الأشياء الأُخرى عن الوقوف إزاءه ، فقدرته ماضية في كل شيء ، وعزته مبسوطة ، أمّا علمه تعالى فهو في أعلى درجات الكمال ، بحيث يستوعب كلّ احتياجات الإنسان ويدفعه نحو التكامل .
والآية التي بعدها تعدّد خمساً من صفاته تعالى ، يبعث بعضها الأمل والرجاء ، بينما يبعث البعض الآخر منها على الخوف والحذر .
يقول تعالى : {غافر الذنب} .
{قابل التوب} (4) .
{شديد العقاب} .
{ذي الطول} (5) .
{لا إله إلاّ هو إليه المصير} .
أجل إنّ من له هذه الصفات هو المستحق للعبادة وهو الذي يملك الجزاء في العقاب والثواب .
وقوله تعالى : {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر : 4 - 6] .
الأمر الإلهي الحاسم :
بعد أن تعرضت الآيات السابقة إلى نزول القرآن ، وإلى بعض الصفات الإلهية التي تستهدف بعث الخوف والرجاء ، ورد كلام في الآيات التي بين أيدينا عن قوم امتازوا بالمجادلة والمنازعة حيال آيات الله . . . الآية الكريمة توضح مصير هذه المجموعة ضمن تعبير قصير وقاطع ، فتقول : {ما يجادل في آيات الله إلاّ الذين كفروا} .
صحيح أنّ هذه المجموعة قد تملك العدة والعدد ، إلاّ أنّ ذلك لن يدوم إلاّ لفترة ، فلا تغتر وتنخدع إذاً لتحركهم في البلاد وتنقلهم في المدن المختلفة ، واستعراضهم لقوّتهم : {فلا يغررك تقلبهم في البلاد} .
إنّها أيّام تنقضي بين الكرّ والفرّ ، ثمّ تنتهي هذه الضجة لتزول معها هذه المجموعة وتمحى تماماً ، كما تزول الفقاعات من على سطح الماء ، أو كما يتلاشى الرماد عند هبوب العواصف!
«يجادل» مشتقّة من «جدل» وهي في الأصل تعني لف الحبل وإحكامه ، ثمّ عمّ استخدامها في الأبنية والحديد وما شابه ، ولهذا فإنّ كلمة (مجادلة) تطلق على عمل الاشخاص المتقابلين ويريد كلّ شخص أن يلقي حجته ويثبت كلامه ويغلب خصمه .
ولكن ينبغي الانتباه إلى أنّ كلمة (المجادلة) لا تعتبر مذمومة دائماً في اللغة العربية ، بل تعتبر إيجابية ومطلوبة إذا كانت المجادلة في طريق الحق وتستند على المنطق ، وتهدف إلى تبيين الحقائق وإرشاد الأشخاص الجهلة . . . أمّا إذا كانت على أُسس واهية من التعصب والجهل والغرور ، وتستهدف خداع هذا وذاك ، فتكون عند ذلك مذمومة .
القرآن الكريم استخدم كلمة (المجادلة) في كلا مورديها ، إذ نقرأ في الآية (125) من سورة النحل قوله تعالى : {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل : 125] .
إلاّ أنّه في موارد اُخرى ـ كما في الآية أعلاه وفيما بعدها ـ وردت (المجادلة) لغرض الذم ، وهناك بحث حول الجدال والمجادلة سنتعرض له فيما بعد إن شاء الله .
«تقلب» مشتقّة من «قلب» وتعني التغيير ، و «تقلّب» هنا بمعنى التصرّف في المناطق والبلاد المختلفة للسيطرة والتسلّط عليها ، وتعني الذهاب والإياب فيها أيضاً .
إنّ هدف الآية تحذير للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين به ـ في بداية البعثة ـ من الذين كانوا من الطبقة المستضعفة المحرومة ، بأن لا يركنوا إلى الإمكانات المالية أو القوّة السياسية والاجتماعية للكفار ، ويعتبرونها دليلا على حقانيتهم أو سبباً لقوّتهم الحقيقية ، إذ هناك الكثير منهم في تأريخ هذه الدنيا ، وقد انكشف ضعفهم وسقطت عنهم سرابيل القوّة المزعومة ليبيّن عجزهم حيال العقاب الإلهي ، ليسقطوا كما تسقط الأوراق الخريفية الذابلة في العواصف الهوجاء .
إنّنا في عالم اليوم نشاهد الكفار والمستكبرين والظالمين وهم يقومون بشتى المحاولات ، من زيارات ومؤتمرات وأحلاف وتكتّلات ومناورات عسكرية ، وتوقيع لإتفاقات سياسية وعسكرية ، واعتماد لوسائل القمع والإرهاب إزاء المستضعفين والمحرومين في العالم ، ولكي يسلكوا من خلال ذلك طريقاً إلى تحقيق أهدافهم المشؤومة . لذلك ينبغي للمؤمنين أن يكونوا يقظين وحذرين حتى لا يروحوا ضحية هذه الأساليب القديمة وحتى لا يسكتهم الرعب والخوف فيفتنون بهذا الوضع .
لذلك توضح الآية التي بعدها عاقبة بعض الأمم السابقة التي ضلّت الطريق وانكفأت عن جادة الحق والصواب ، فتقول في عبارات قاطعة واضحة تحكي عاقبة قوم نوح وحالهم ومن تلاهم من أقوام وجماعات : {كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم} .
المقصود من «الأحزاب» هم قوم عاد وثمود وحزب الفراعنة وقوم لوط ، وأمثال هؤلاء ممّن أشارت إليهم الآيتان (12 ـ 13) من سورة «ص» في قوله تعالى : {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ} [ص : 12 ، 13] .
هؤلاء هم «الأحزاب» الذين تآزروا ووقفوا ضدّ دعوات الأنبياء الإلهيين ، لتعارض مصالحهم مع روح هذه الدعوات ومضامينها الربانية .
إنّهم لم يقتنعوا بمجرّد الوقوف ضدّ الدعوات النبوية الكريمة ، بل خططت كلّ أُمّة منهم لأن تمسك بنبيّها فتسجنه وتؤذيه ، بل وحتى تقتله : {وهمّت كلّ أُمّة برسولهم ليأخذوه} .
ثم لم يكتفوا بهذا القدر أيضاً ، بل لجأوا إلى الكلام الباطل لأجل القضاء على الحق ومحوه ، وأصروا على إضلال الناس وصدّهم عن شريعة الله : {وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق} (6) .
إلاّ أنّ هذا الوضع لم يستمر طويلا ، ولم يبق لهم الخير دوماً ، إذ حينما حان الوقت المناسب جاء الوعد الإلهي : {فأخذتهم فكيف كان عقاب} .
لكم ـ أيّها الناس ـ أن تشاهدوا خرائب مدنهم حين سفركم وأثناء تجوالكم . . . انظروا عاقبتهم المشؤومة المظلمة مدونة على صفحات التأريخ وفي صدور أهل العلم ، فانظروا واعتبروا!
ليس هناك أفضل من هذا المصير الذي ينتظر أشقياء مكّة من الكفار والمشركين الظالمين; إلاّ أن يثوبوا إلى أنفسهم ويعيدوا تقييم أعمالهم .
إذاً ، الآية أعلاه تلخص برنامج «الأحزاب» الطاغية ومخططهم في ثلاثة أقسام هي : (التكذيب والإنكار) ثمّ (التآمر للقضاء على رجال الحق) وأخيراً (الدعاية المستمرة لإضلال عامّة الناس) .
أمّا مشركو العرب على عهد البعثة النّبوية فقد قاموا بتكرار هذه الأقسام الثلاثة حيال رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) وحيال رسالته ، لذلك فليس ثمّة من عجب أن يهددهم القرآن الكريم بما حلّ بأسلافهم وبمن سبقهم من الأحزاب . . . نفس العاقبة ونفس الجزاء!
الآية الأخيرة ـ في المقطع الذي بين أيدينا ـ تشير إلى الجزاء الأُخروي الذي ينتظر هؤلاء ، بالإضافة إلى قسطهم من العقاب الدنيوي {كذلك حقّت كلمة ربّك على الذين كفروا أنّهم أصحاب النّار} .
إنّ المعنى الظاهري للآية واسع ، يشمل جميع الكفار والمعاندين من جميع الأقوام ، والآية بهذا المعنى لا تختص بكفار مكّة ، كما يتصور بعض المفسّرين .
إنّ حتمية العقاب الإلهي لهؤلاء القوم يعود إلى ذنوبهم المستمرة ، والأعمال التي يقومون بها بملء إرادتهم خلافاً لرسالة الله . . . ولكن العجيب أنّ بعض المفسّرين ـ كالفخر الرازي ـ يتصور أنّ هذه الآية هي من أدلة عقيدة الجبر والمصير الجبري الإلزامي للأقوام المختلفة ، ودليل سلب الإرادة عنهم ، في حين أنّنا لو دققنا في نفس الآية مع ترك التعصّب المذهبي جانباً ، فسيتوضح لنا أنّ هذا المصير الإلهي الذي ينتظرهم هو بسبب سلوكهم لطريق الانحراف المظلم ، وبسبب إصرارهم على السير بهذا الطريق بأرجلهم وبكامل حريتهم وملء إرادتهم .
_________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص11-18 .
2 ـ يلاحظ «معاني الأخبار» للشيخ الصدوق ، صفحة 22 ، باب معنى الحروف المقطعة في أوائل السور .
3 ـ تفسير القرطبي أثناء تفسير الآية .
4 ـ «توب» يمكن أن تكون جمع «توبة» وأن تكون مصدراً (يلاحظ مجمع البيان) .
5 ـ «طول» على وزن «قول» بمعنى النعمة والفضل ، وبمعنى القدرة والقوة والمكنة وما يشبه ذلك . بعض المفسّرين يقول : إنّ «ذي الطول» هو الذي يبذل النعم الطويلة والجزيلة للآخرين ، ولذلك فإن معناها أخص من معنى «المنعم» كما يقول صاحب مجمع البيان .
6 ـ «ليدحضوا» مصدرها ثلاثي (إدحاض) وتعني الإزالة والإبطال .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
مركز الثقافة الأسرية ينظم برنامج (ربيع الثقافة المعرفي) لطالبات ثانوية الزهراء في بغداد
|
|
|