أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-5-2021
3220
التاريخ: 7-2-2017
1709
التاريخ:
2484
التاريخ: 2023-06-25
1259
|
رسالة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى هرقل
بعد صلح الحديبية كتب النبي ( صلى الله عليه وآله ) رسائله وبعثها مع موفديه ، إلى ملوك عصره وعدد من الحكام الصغار ورؤساء القبائل ، وأول من كتب لهم : هرقل وكسرى .
ويظهر أنه ( صلى الله عليه وآله ) لم يرسل إلى كسرى إلا رسالة واحدة ، بينما أرسل إلى هرقل عدة رسائل ، ولعل آخرها رسالته له من تبوك عندما انسحب هرقل بجيشه خوفاً من مواجهة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
أما رسالته الأولى فنصها : « بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإنما عليك أثم الأريسيين و « يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ » . ( مكاتيب الرسول للأحمدي : 2 / 390 )
وفي رواية : « إني أدعوك إلى الإسلام ، فإن أسلمت فلك ما للمسلمين وعليك ما عليهم . فإن لم تدخل في الإسلام فأعط الجزية ، فإن الله تبارك وتعالى يقول : قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ . وإلا فلا تَحُلْ بين الفلاحين وبين الإسلام أن يدخلوا فيه ، أو يعطوا الجزية » .
( مكاتيب الرسول للأحمدي : 2 / 290 و 397 ) . والأريسيون أهل الزراعة ، مقابل البدو ، وهو تعبير آخر عن الفلاحين . ( البكري : 1 / 21 ) .
وفي رواية ابن سعد ( 1 / 259 ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعث رسالته إلى هرقل مع دحية بن خليفة الكلبي ، وكان هرقل يومها في حمص ماشياً في نذر كان عليه إن انتصر على فارس أن يمشي حافياً من قسطنطنية إلى إيليا . فقرأ الكتاب ، وأذن لعظماء الروم في دسكرة له بحمص فقال : يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت لكم ملككم وتتبعون ما قال عيسى بن مريم ؟ قالت الروم : وما ذاك أيها الملك ؟ قال : تتبعون هذا النبي العربي ! قال : فحاصوا حيصة حُمُر الوحش وتفاخروا ، ورفعوا الصليب ! فلما رأى هرقل ذلك منهم يئس منهم وخافهم على نفسه وملكهم فسكنهم ثم قال : إنما قلت لكم ما قلت أختبركم ، لأنظر كيف صلابتكم في دينكم ، فقد رأيت منكم الذي أحب ، فسجدوا له » .
وروى ابن عباس عن أبي سفيان أنه قال : « خرجت للتجارة إلى الشام ، فبينا أنا بالشام إذ جئ بكتاب من رسول الله إلى هرقل ، فأرسل هرقل إليه في ركب من قريش فأتوه وهم بإيلياء ، فدعاهم في مجلسه وهو على رأسه تاج وحوله عظماء الروم ، ودعا بترجمانه فقال : أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان : أنا أقربهم نسباً ، فقال : أدنوه مني وقربوا أصحابه ، فاجعلوهم عند ظهره ، ثم قال : إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه ، فقال :حدثني عن هذا الذي خرج بأرضكم ما هو ؟ قلت : شاب ، قال : كيف نسبه فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب . قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله ؟ قلت : لا . قال : فهل كان من آبائه ملك ؟ قلت : لا .
قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ قلت : بل ضعفاؤهم . قال : أيزيدون أم ينقصون ؟ قلت : لا بل يزيدون ، قال : فهل يرتد أحد منهم عن دينه سخطة له ؟ قلت : لا .
قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال. قال: كيف عقله ورأيه؟ قلت: لم نعب له عقلاً ولا رأياً قط . قال : كيف حسبه فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو حسب .
قال لترجمانه : قل له : فما يأمركم به ؟ قلت : يأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة ، وأن نعبد الله وحده لا شريك له ، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ويأمرنا بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة والطهارة .
فقال لترجمانه : قل له : إني سألتك عن حسبه ، فزعمت أنه فيكم ذو حسب وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها . وسألتك هل كان في آبائه ملك فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان من آبائه ملك قلتُ رجل يطلب ملك آبائه . وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم فقلت بل ضعفاؤهم ، وهم أتباع الرسل . وسألتك هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ، فزعمت أن لا ، فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله . وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخله سخطة له فزعمت أن لا ، وكذلك الايمان إذا خالط بَشَاشة القلوب . وسألتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم . وسألتك هل قاتلتموه ، فزعمت أنكم قد قاتلتموه فيكون الحرب بينكم وبينه سجالاً ينال منكم وتنالون منه ، وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة . وسألتك هل يغدر فزعمت أنه لا يغدر ، وكذلك الرسل لا تغدر . وسألتك هل قال هذا القول أحد قبله فزعمت أن لا ، فقلت : لو قال هذا القول أحد قبله ، قلت : رجل ائتم بقول قيل قبله .
قال ثم قال: إن يكن ما تقول حقاً فإنه نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظنه منكم، ولو أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه، وليبلغن ملكه ما تحت قدمي.
قال : ثم دعا بكتاب رسول الله فقرأه . وذكر أن ابن أخ قيصر أظهر الغيظ الشديد ، وقال لعمه : قد ابتدأ بنفسه وسماك صاحب الروم !
فقال : والله إنك لضعيف الرأي ، أترى أرمي بكتاب رجل يأتيه الناموس الأكبر ، وهو أحق أن يبدأ بنفسه ، ولقد صدق أنا صاحب الروم ، والله مالكي ومالكه . قال أبو سفيان : فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده ، وكثر اللغط فأمر بنا فأخرجنا ، قال : قلت لأصحابي : لقد أمَرَ أمرُ ابن أبي كبشة ، إنه ليخافه ملك بني الأصفر » .
وردَّ قيصر على رسالة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأكرم مبعوثه وأرسل له هدية ، وكتب جوابا ليِّناً ، نصه : « إلى أحمد رسول الله الذي بشر به عيسى ، من قيصر ملك الروم : إنه جاءني كتابك مع رسولك ، وإني أشهد أنك رسول الله نجدك عندنا في الإنجيل ، بشرنا بك عيسى بن مريم ، وإني دعوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا ولو أطاعوني لكان خيراً لهم ، ولوددت أني عندك فأخدمك ، وأغسل قدميك ! فقال رسول الله : يبقى ملكهم ما بقي كتابي عندهم » . ( اليعقوبي : 2 / 77 ) .
وفي السنة التاسعة للهجرة قصد النبي ( صلى الله عليه وآله ) معسكر هرقل في تبوك بجيش من ثلاثين ألفاً ، فقرر هرقل أن ينسحب ولا يشتبك مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، مع أن ذلك تخاذلٌ منه ، لأن واجب الإمبراطور أن يبادر إلى قتال أي جيش معادٍ من ثلاثين ألفاً يدخل عمق بلاده ويعسكر في مكان قريب منه ، وقد أسر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أحد الملوك التابعين لهرقل وهو الأكيدر ، وألزمه أن يكتب معه معاهدة صلح يدفع بموجبها جزية كبيرة مرتين في السنة . كما خاف منه حكام محليون فجاؤوه طائعين أو مكرهين وكتبوا معه معاهدات ، يدفعون بموجبها الجزية .
لكن هرقل فضل أن يواصل استعمال الملاينة والدهاء الغربي ، لكسب الوقت ليُعِدَّ العدة لحرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وروت المصادر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أرسل إليه من تبوك رسالة قريبة من رسالته الأولى : فدعا هرقل رجلاً من عرب تجيب كان على نصارى العرب فقال : أدع لي رجلاً حافظاً للحديث عربي اللسان ، أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه ، فجاء بي ، فدفع إليَّ هرقل كتاباً وقال : إذهب بكتابي إلى هذا الرجل فما ضيعت من حديثه ، فاحفظ لي منه ثلاث خصال : أنظر هل يذكر صحيفته التي كتب إليَّ بشئ ، وانظر إذا قرأ كتابي فهل يذكر الليل ، وانظر في ظهره هل به شئ يريبك . فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك فإذا هو جالس بين ظهراني أصحابه محتبياً على الماء فقلت : أين صاحبكم ؟ قيل ها هوذا ، فأقبلت أمشى حتى جلست بين يديه فناولته كتابي فوضعه في حجره ثم قال : ممن أنت ؟ فقلت : أنا أحد تنوخ . قال : هل لك في الإسلام الحنيفية ملة أبيك إبراهيم ؟ قلت إني رسول قوم وعلى دين
قوم لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم ، فضحك وقال : إِنَّكَ لا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ .
يا أخا تنوخ إني كتبت بكتابي إلى كسرى فمزقه ، والله ممزقه وممزق ملكه ، وكتبت إلى النجاشي بصحيفة فخرَّقها والله مخرقه ومخرق ملكه ، وكتبت إلى صاحبك بصحيفة فأمسكها فلن يزل الناس يجدون منه بأساً ، ما دام في العيش خير . قلت : هذه إحدى الثلاثة التي أوصاني بها صاحبي ، وأخذت سهماً من جعبتي فكتبتها في جلد سيفي . ثم ناول الصحيفة رجلاً عن يساره . . فإذا في كتاب صاحبي : تدعوني إلى جنة عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، فأين النار ؟ فقال : سبحان الله ، أين الليل إذا جاء النهار ؟ قال فأخذت سهماً من جعبتي فكتبته في جلد سيفي » . ( سبل الهدى : 11 / 356 ) .
وقد علق النبي ( صلى الله عليه وآله ) على ادعاء هرقل أنه مسلم مؤمنه بنبوته ، فقال : كذب بل هو على نصرانيته » . (مكاتيب الرسول (صلى الله عليه وآله): 2 / 410، وفتح الباري: 1 / 35) .
وصدق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقد قتل هرقل حاكم عَمَّان لأنه أسلم ، وقتل مبعوث النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى حاكم بصرى ، وقتل يوحنا حاكم إيلات ، لأنه وقع مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) معاهدة صلح !
قال الواقدي في المغازي / 615 : « وقدم يُحَنَّه بن رؤبة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان ملك أيلة وأشفقوا أن يبعث إليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما بعث إلى أكيدر . وأقبل معه أهل جرباء وأذرح فأتوه فصالحهم ، فقطع عليهم الجزية جزية معلومة وكتب لهم كتاباً : بسم الله الرحمن الرحيم هذا أمَنَةً من الله ومحمد النبي رسول الله ، ليُحَنَّهْ بن رؤبة وأهل أيلة لسفنهم وسائرهم في البر والبحر ، لهم ذمة الله وذمة محمد رسول الله ، ولمن كان معه من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر . ومن أحدث حدثاً فإنه لا يحول ماله دون نفسه ، وإنه طيب لمن أخذه من الناس ، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يريدونه ، ولا طريقاً يريدونه من بر أو بحر » . ومعجم البلدان : 1 / 292 والطبري : 2 / 372 ، وابن هشام : 4 / 952 ، والتبيان : 5 / 172 .
وعن جابر قال : « رأيت يحنة بن رؤبة يوم أتى إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليه صليب من ذهب وهو معقود الناصية ، فلما رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) كفَّرَ وأومأ برأسه ( وضع يديه على بعضهما ، وذلك من فعل الفرس والروم في الخضوع لملكهم ) فأومأ إليه النبي إرفع رأسك ! وصالحه يومئذ وكساه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بُرداً يمنية » . ( مغازي الواقدي / 615 ) .
وبلغ خبر يوحنا إلى هرقل فأمر بقتله وصلبه عند قريته ! ( ابن خلدون : 2 / ق 1 / 224 ) .
رسالة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى كسرى
في السنة السادسة للهجرة بعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) رسالة إلى كسرى ، نصها : « بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس : سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، أدعوك بدعاية الله ، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ، ويحق القول على الكافرين . أسلم تسلم ، فإن أبيت فعليك إثم المجوس » . ( مكاتيب الرسول للأحمدي : 2 / 316 ) .
« فلما وصل إليه الكتاب مزقه واستخف به ، وقال : من هذا الذي يدعوني إلى دينه ، ويبدأ باسمه قبل اسمي ! وبعث إليه بتراب !
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : مزق الله ملكه كما مزق كتابي ، أما إنه ستمزقون ملكه ، وبعث إليَّ بتراب ، أما إنكم ستملكون أرضه ! فكان كما قال ( صلى الله عليه وآله ) . .
كتب في الوقت إلى عامله باليمن باذان ويكنى أبا مهران ، أن احمل إليَّ هذا الذي يذكر أنه نبي ، وبدأ بإسمه قبل اسمي ودعاني إلى غير ديني !
فبعث إليه فيروز الديلمي في جماعة مع كتاب يذكر فيه ما كتب به كسرى ، فأتاه فيروز بمن معه فقال له : إن كسرى أمرني أن أحملك إليه !
فاستنظره ليلة ، فلما كان من الغد حضر فيروز مستحثاً ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أخبرني ربي أنه قتل ربك البارحة ! سلط الله عليه ابنه شيرويه على سبع ساعات من الليل ! فأمسكْ حتى يأتيك الخبر .
فراع ذلك فيروز وهاله ، وعاد إلى باذان فأخبره فقال له باذان : كيف وجدت نفسك حين دخلت عليه ؟ فقال : والله ما هبت أحداً كهيبة هذا الرجل ! فوصل الخبر بقتله في تلك الليلة من تلك الساعة ، فأسلما جميعاً » . ( المناقب : 1 / 70 ) .
وفي مكاتيب الرسول : 2 / 329 : « فلما قدما عليه المدينة قالا له : شاهنشاه ( ملك الملوك ) كسرى بعث إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتي بك ، وقد بعثنا إليك لتنطلق معنا ، فإن فعلت كتب فيك إلى ملك الملوك بكتاب ينفعك ويكف عنك به ! وإن أبيت فهو من قد علمت ، فهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك ! وكانا دخلا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على زي الفرس وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما ، فكره النظر إليهما وقال : ويلكما من أمركما بهذا ؟ قالا : أمرنا ربنا يعنيان كسرى ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لكن أمرني ربي بإعفاء لحيتي وقص شاربي ثم قال لهما : إرجعا حتى تأتياني غداً . وأتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الخبر من السماء بأن الله قد سلط على كسرى ابنه فقتله في شهر كذا وكذا ، لكذا وكذا ، في ليلة كذا ، فلما أتاه الرسولان قال : إن ربي قد قتل ربكما ليلة كذا وكذا من شهر كذا وكذا ، بعد ما مضى من الليل سبع ساعات ، سلط عليه شيرويه فقتله ! وهي ليلة الثلاثاء لعشر ليان مضين من جمادى الأولى سنة سبع . . فقالا : هل تدري ما تقول ، إنا قد نقمنا منك ما هو أيسر من هذا فنكتب بها عنك فنخبر الملك أي باذان ؟ قال : نعم أخبرا ذلك عني وقولا له : إن ديني وسلطاني سيبلغ إلى منتهى الخف والحافر ، وقولا له : إنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك . . . فخرج الرسولان وقدما على باذان وأخبراه الخبر فقال : والله ما هذا كلام ملك وإني لأراه نبياً . . فلم يلبث باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه يخبر بقتل كسرى : أما بعد فقد قتلت كسرى ، ولم أقتله إلا غضباً لفارس فإنه قتل أشرافهم فتفرق الناس ، فإذا جاءك كتابي فخذ لي الطاعة ممن قبلك ، وانظر الرجل الذي كان كسرى يكتب إليك فيه فلا تزعجه ، حتى يأتيك أمري فيه !
فلما أتاه كتاب شيرويه أسلم ، وأسلم معه أبناء فارس الذين كانوا باليمن ، فبعث باذان بإسلامه وإسلامهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . .
ولما سمعت قريش بأمر كسرى واستخفافه بكتاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكتابه إلى باذان ليبعثه إلى كسرى أو يقتله ، فرحوا واستبشروا وقالوا نصب له كسرى ملك الملوك ، كفيتم الرجل . . ولكن لما سمعوا برجوع الرسولين وقتل كسرى ، وإسلام باذان وأبناء فارس معه ، صار رجاؤهم خيبة وقنوطاً » !
وروى القطب الراوندي في الخرائج : 1 / 78 ، أن ملك بابل رأى رؤيا فسأل عنها دانيال ( عليه السلام ) فأخبره بتفسيرها وأن ملكه سيزول ، وبعده يزول ملك الفرس وقال : « فتأويل الرؤيا مبعث محمد ( صلى الله عليه وآله ) تمزقت الجنود لنبوته ، ولم تنتقض مملكة فارس لأحد قبله ، وكان ملكها أعز ملوك الأرض وأشدها شوكة ، وكان أول ما بدأ فيه انتقاضه قتل شيرويه بن أبرويز أباه ، ثم ظهر الطاعون في مملكته وهلك فيه ، ثم هلك ابنه أردشير ، ثم ملك رجل لم يكن من أهل بيت الملك فقتلته بوران بنت كسرى ، ثم ملك بعده رجل يقال له كسرى بن قباد ولد بأرض الترك ، ثم ملكت بوران بنت كسرى ، فبلغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تمليكها فقال : لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة .
ثم ملكت ابنة أخرى لكسرى فسُمَّت وماتت، ثم ملك رجل ثم قتل! فلما رأى أهل فارس ما هم فيه من الانتشار أمَرَ ( كَبُرَ ) ابنٌ لكسرى يقال له : يزدجرد فملكوه عليهم ، فأقام بالمدائن على الانتشار ( تفرق المملكة ) ثماني سنين ، وبعث إلى الصين بأمواله ، وخلف أخاً بالمدائن لرستم فأتى لقتال المسلمين ، ونزل بالقادسية وقتل بها ، فبلغ ذلك يزدجرد فهرب إلى سجستان فقتل هناك » !
بشر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بانهيار أمبراطورية الفرس ؟
بشَّر النبي ( صلى الله عليه وآله ) الناس من أول بعثته بأن الله تعالى قد وعده أن ترث أمته أمبراطورية كسرى وقيصر ! وعرف كسرى ببعثة النبي (صلى الله عليه وآله) لكنه لم يحرك ساكناً، واعتبر أن الأمر بعيدٌ عنه والنبي (صلى الله عليه وآله) مشغول بصراعه مع قريش، وكسرى مشغولٌ بمعركته مع هرقل لاسترجاع مصر منه وفلسطين، فانتصر كسرى في معركة في أذرعات عند الحدود السورية الأردنية فأنزل الله فيها قوله: بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. اَلَمِ . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الأمر مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ . وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ . يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ . يقول عز وجل بذلك لقريش : لا تفرحوا بغلبة الفرس وتقولوا هؤلاء مثلنا وقد غلبوا أهل الكتاب ، ونحن سنغلب محمداً ( صلى الله عليه وآله ) وأتباعه المسلمين أهل الكتاب . فإن ميزان القوة سيتغير بعد قليل، ويغلب الروم الفرس!
ويقول لهم: إن ما ترونه من أسباب مادية في صراع الناس والدول ، هو ميزان الظاهر ، وفوقه الهيمنة الإلهية على الأسباب والمسببات ، فلا تغتروا بأنكم تملكون ظاهر أسباب النصر على النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
قال الحموي في معجم البلدان ( 5 / 140 ) : « ثم ظهرت فارس على الروم وغلبوهم على الشام ، وألحوا على مصر بالقتال ، ثم استقرت الحال على خراج ضرب على مصر من فارس والروم في كل عام . وأقاموا على ذلك تسع سنين . ثم غلبت الروم فارس وأخرجتهم من الشام ، وصار صلح مصر كله خالصاً للروم . وذلك في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أيام الحديبية وظهور الإسلام ، وكان الروم قد بنوا موضع الفسطاط الذي هو مدينة مصر اليوم ، حصناً سموه قصر اليون ، وقصر الشام ، وقصر الشمع . .
وفي التنبيه للمسعودي / 222 ، أن هذه الآيات نزلت في السنة السادسة للهجرة .
وفي مناقب آل أبي طالب : 1 / 93 : « إن قيصر حارب كسرى فكان هوى المسلمين مع قيصر لأنه صاحب كتاب وملة ، وأشد تعظيماً لأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان وضع كتابه على عينه ، وأمر كسرى بتمزيقه . . فلما كثر الكلام بين المسلمين والمشركين قرأ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ألم . غلبت الروم. ثم حدد الوقت في قوله بضع سنين، ثم أكده في قوله: وعد الله، فغلبوا يوم الحديبية وبنوا الرومية. وروي عنه (صلى الله عليه وآله): لفارس نطحة أو نطحتان، ثم لا فارس بعدها أبداً . والروم ذات القرون، كلما ذهب قرن خلَف قرنٌ هَبْهَبَ ، إلى آخر الأبد » .
وفي تاريخ اليعقوبي ( 1 / 187 ) : « ثم غلبت فارس على الشام في أيام أنوشروان فملكوهم عشر سنين ، ثم ظهرت الروم فكان أهل مصر يؤدون إلى الروم خراجاً وإلى فارس خراجاً يدفعون شر الفريقين . ثم خرجت فارس عن الشام وصار أمرهم إلى الروم، فدانوا بدين النصرانية » .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|