مناظرة السيد مصطفى مرتضى العاملي مع بعضهم في تفضيل الزهراء على مريم (عليهما السلام) |
618
09:28 صباحاً
التاريخ: 23-10-2019
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-10-2019
1211
التاريخ: 21-10-2019
8557
إحتجاج الإمام الصادق عليه السلام على من أنكر حديث رسول الله لفاطمة بان الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها
التاريخ: 2024-11-04
308
التاريخ: 23-10-2019
910
|
سألني سائل فقال: من أفضل فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم مريم بنت عمران (عليها السلام)؟
قلت: وما يعنيك من هذا، وماذا يفيدك، فإن لكل فضلها - صلوات الله وسلامه عليها -.
قال: أحب أن أعلم ذلك، لأن الله ذكر مريم في القرآن، ولم يذكر فاطمة (عليها السلام).
قلت: إن الله قص في القرآن أخبار الماضين، فذكر الأنبياء، وبعض الصلحاء، وذكر الملوك وذكر بعض من هم على شاكلتهم من المتمردين. كذلك ذكر من النساء الصالحات امرأة إبراهيم، وامرأة فرعون، ومريم بنت عمران، ولم يذكر أحدا ممن كان في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) إلا ما ذكره من قصة زيد بن حارثة مع زوجته، وذلك لحكم شرعي كان (صلى الله عليه وآله) مكلفا بتطبيقه عمليا بنفسه.
قال: وهل تظن أني أقنع منك بهذا، وألتزم السكوت عما سألتك عنه، إنني أحمق لو فعلت ذلك.
قلت: أنت أحمق بسؤالك، ولأنك أحمق لست تقتنع بما قلته لك، ولكن قبل الشروع في أيهما أفضل، لا بد من تقديم مقدمة تمهيدا للبحث.
قال: فهات.
قلت: إن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بعثه الله تعالى لهداية الناس إلى الصراط المستقيم، وليعرفهم ما كانوا يجهلون، فأورد فيه من الأمثال والقصص ما فيه معتبر للعاقل، فيتحصل بذلك فوائد:
منها: الدلالة على صحة الرسالة المحمدية، حيث إنه (صلى الله عليه وآله) لم يقرأ كتابا، ولم يختلف إلى معلم، بل كان أجيرا راعيا، فمن أين له معرفة هذه القصص التي يجهلها أهل التاريخ؟ ومن أين له بهذه القوانين والنظم الأخلاقية والاجتماعية التي قلبت العالم رأسا على عقب، وحولت الناس من همجية الجاهلية، ووحشية العصبية، إلى سعة العدل والإنصاف والمساواة، وجعلتهم بعد العداوة والبغضاء إخوانا.
ومنها: الترغيب في الأعمال الصالحة والصبر عليها مهما كان العمل فيها شاقا، والعناء شديدا، فإن من نظر في أحوال الأنبياء والصلحاء، وما عانوا من المشقات، وقاسوا من المحن، ليجد أن النصر والفلاح كان لهم أخيرا، وآبوا بحسن العاقبة، وباء غيرهم بالخسران.
ومنها: التحذير من بأس الله وانتقامه، وتأييد ذلك بما حصل في الأمم السالفة من أنواع العقوبات. والذي يبعث إلى الناس إنما يخبر عمن تقدمه قبلا، وعن قصصهم وأخبارهم، لا أن يحدث عن تاريخ ولادته وقصة حياته، وأحوال أهله وأولاده، فإن ذلك معلوم عند المعاصرين له، فحديثه عن كل هذا إنما يكون من قبيل تحصيل الحاصل، فلا معنى له إذا.
ومريم كانت ممن تقدم البعثة، وفي قصتها شبه وأحوال غريبة، فيحسن الحديث عنها لإزالة الشبهة، ورد الأمر إلى حقيقته، وفاطمة (عليها السلام) لم تكن كذلك، ولا حصلت معها أي شبهة. وقد ذكر في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 42، 43] ، اصطفاك : أي اختارك، وألطف لك، حتى تفرغت لعبادته واتباع مرضاته، وقيل: اصطفاك لولادة المسيح.. عن الزجاج، وطهرك ، بالإيمان عن الكفر، وبالطاعة عن المعصية.. عن الحسن وسعيد بن جبير، وقيل: طهرك من الأدناس والأقذار التي تعرض للنساء من الحيض والنفاس، حتى صرت صالحة لخدمة المسجد، عن الزجاج. وقيل: طهرك من الأخلاق الذميمة، والطبائع الردية، {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 42] ، أي على نساء زمانك، لأن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها - سيدة نساء العالمين، وهو قول أبي جعفر (عليه السلام).
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين، وقال أبو جعفر (عليه السلام): معنى الآية: اصطفاك من ذرية الأنبياء، وطهرك من السفاح، واصطفاك لولادة عيسى (عليه السلام) من غير فحل، وخرج بهذا من أن يكون تكريرا، إذ يكون الاصطفاء على معنيين مختلفين، { يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ } [آل عمران: 43] أي اعبديه، وأخلصي له العبادة... عن سعيد بن جبير، وقيل: معناه: أديمي الطاعة له... عن قتادة، وقيل: أطيلي القيام في الصلاة.. عن مجاهد، *(واسجدي واركعي مع الراكعين)*، أي كما يعمل الساجدون والراكعون، لا أن يكون ذلك أمرا لها بأن تعمل السجود والركوع معهم في الجماعة، وقدم السجود على الركوع، لأن الواو لا توجب الترتيب، فإنها في الأشياء المتغايرة نظيرة التثنية في المتماثلة، وإنما توجب الجمع والاشتراك، وقيل: معناه: واسجدي لله شكرا واركعي، أي وصلي مع المصلين، وقيل: معناه: صلي في الجماعة... عن الجبائي (1).
قال الرجل: أليس إطلاق العالمين يدفع كونها مصطفاة على نساء عالم عصرها.
قلت: الظاهر ما ذكرت، ولكن قد تقدم - عن مجمع البيان - أن الاصطفاء يكون على معنيين مختلفين، فالاصطفاء المطلق: معناه الاختيار، وهو يفيد معنى التسليم، والاصطفاء المتعدي بعلى أيضا معناه الاختيار ولكنه يفيد معنى التقديم، إذا نستطيع القول بأن اصطفاءها على نساء العالمين هو تقديم لها عليهن. ولكن هذا التقديم هل هو من جميع الجهات، أو من بعضها، فإن كان من جميع الجهات فلا مشاحة في فضلها، هي أفضل من الجميع، فاطمة فمن دونها، وإن كان هذا التقديم من بعض الجهات، فلنا فيه نظر. ظاهر الآيات التي تتعرض لقصة مريم تفيد التبعيض، فبعد آية بعد هذه الآية يقول: { يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ } [آل عمران: 65-46] الخ، وفي سورة الأنبياء: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 91] ، وفي سورة التحريم: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ... } [التحريم: 12] الخ، ونصوص هذه الآيات لم تشتمل إلا على شيء واحد، اختصت به من بين سائر النساء، وهو ولادة المسيح العجيبة منها من غير ملامسة ذكر، فإذا لا وجه لاصطفائها وتقديمها على نساء العالمين إلا هذا الوجه.
وأما غير ذلك مما اشتملت عليه الآيات، كالتطهير والتصديق بكلمات الله وكتبه، وكلام الملائكة معها والقنوت وغير ذلك، فلا يختص فيها، بل يوجد عند غيرها كما يوجد عندها.
وكذلك نداء الملائكة، وأمرهم لها بالقنوت والسجود والركوع، إنما هو أمر لها بالشكر وتعليم لها إياه، وتوجيه كيف تكون العبادة.
فمريم مصطفاة على نساء العالمين لأمر خاص، وهذا الأمر الخاص إنما كان لإزالة شبهة كانت في عصر مريم (عليها السلام) وهو رد دعوى الماديين بقدم العالم، وإنكارهم بدء الخليقة.
وإن لفاطمة (عليها السلام) من الفضل عليها استعانة النبي (صلى الله عليه وآله) بها لدفع الشبهة الحاصلة، من جراء ولادتها للمسيح، وقولهم إنه ابن الله، فقد جعلوها زوجة لله، تعالى الله عن ذلك، ومريم اتهمت بالسوء، فوجب حينئذ ذكر اسمها، والشهادة لها بالبراءة والطهارة والعصمة، ولولا شهادة القرآن لها بذلك لما استطاع أحد إثبات براءتها وطهارة نفسها.
قال: إني مقتنع بهذا الذي ذكرت، ولكن هل من دليل غير هذا يكون كالشاهد له. قلت: إن في قوله عز وجل: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] ، ما يعطي أن الله عز وجل لا يختار لرسالته إلا من علم منه الإخلاص له والاجتهاد في مرضاته، وعدم الهم بمعصيته كما ورد في بعض الأخبار أنه أوحى إلى موسى (عليه السلام): يا موسى أتدري لماذا اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي؟ فقال: لا يا رب، فقال: إني نظرت في قلوب عبادي فلم أجد أحدا أذل إلي نفسا منك (2)، وعلى هذا فالأنبياء هم أفضل الخلق وأشرفهم، وكل نبي فلا بد أن يكون أشرف أهل زمانه، فهو سيد أهل زمانه، وحيث إن محمدا (صلى الله عليه وآله) هو سيد النبيين، فذريته أشرف من ذراري الأنبياء السابقين، وأمته من الأمم الماضين. وإن الله عز وجل اختار مريم ليجعلها وابنها آية، وإن الذي حصلت لتصديقه الآية أو حصلت على يده الآية، لهو أفضل من الآية، فإن كانت المعجزات آيات، فأصحاب المعجزات آيات أعظم من الآيات، وإذا كان محمد (صلى الله عليه وآله) أشرف من أولي العزم، ومنهم عيسى (عليه السلام) ففاطمة (عليها السلام) أشرف من جميع نساء الأمم، ومنهم مريم (عليها السلام)، ومريم شرفت بعيسى، ففاطمة محاطة بالشرف من جميع نواحيها، أبوها النبي الأعظم، وأمها ساعدت ذلك النبي الأكبر، والإسلام لم يقم إلا بمال خديجة (عليها السلام) وسيف علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وبعلها سيد الوصيين، وولداها سيدا شباب أهل الجنة، وهي سيدة نساء العالمين، وأم الأئمة الميامين. إن في قوله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] ، دلالة هي أعظم الدلالات على شرفها العظيم وفضلها العميم، فالرجس، معناه: كل نجاسة حسية ومعنوية فهو يشمل كل ما يتعلق بذلك، ولو أنها باطلة، وإن ما اتهمت به مريم وإن كان كذبا وإفكا وزورا ولكن الناس قالوا: وإن الشاعر العربي يقول: قد قيل ذلك إن صدقا وإن كذبا * فما اعتذارك من قول إذا قيلا (3) وإن مريم طهرها الله، ولكن لم يذكر المصدر مؤكدا له، كما أكد التطهير بالمصدر في الآية الكريمة.
ولو أكد ذلك لمريم، بأن يقول: وطهرك تطهيرا، لما استطاع أحد أن ينسب إليها شيئا من القبيح.
وفي حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله): علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل (4)، وفي رواية أفضل من أنبياء بني إسرائيل، فإذا كان العلماء في هذه الأمة أفضل من الأنبياء وليس العلماء بالمعصومين، فلم لا تكون فاطمة (عليها السلام) أفضل، وهي الطاهرة الزكية النقية المعصومة، وفي هذا كفاية لمن تدبر، والحمد لله رب العالمين (5).
_________________
(1) مجمع البيان للطبرسي: ج 2 ص 745 - 746، بحار الأنوار للمجلسي: ج 14 ص 193.
(2) بحار الأنوار: ج 13 ص 8 ح 8.
(3) البيت للنعمان بن المنذر ضمن أبيات بعث بها إلى الربيع جوابا عن أبيات كتبها إليه، مشهورة أولها:
شمر برحلك عني حيث شئت ولا * تكثر علي ودع عنك الأقاويلا .
راجع: خزانة الأدب للبغدادي: ج 4 ص 10 وج 9 ص 552، شرح أبيات مغني اللبيب للبغدادي أيضا: ج 2 ص 8.
(4) بحار الأنوار: ج 2 ص 22 ح 67، كشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلوني: ج 2 ص 83 ح 1744، التذكرة في الأحاديث المشتهرة للزركشي: ص 167 ح 8، الأسرار المرفوعة للقاري: ص 247 ح 298، الفوائد المجموعة للشوكاني: ص 286 ح 47.
(5) الحقيبة، مناظرات ومحاورات للسيد مصطفى العاملي: ص 245 - 251.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|