المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
عمليات خدمة الثوم بعد الزراعة
2024-11-22
زراعة الثوم
2024-11-22
تكاثر وطرق زراعة الثوم
2024-11-22
تخزين الثوم
2024-11-22
تأثير العوامل الجوية على زراعة الثوم
2024-11-22
Alternative models
2024-11-22



عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع  
  
3935   03:10 مساءً   التاريخ: 9-7-2019
المؤلف : د .شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : تاريخ الأدب العربي ـالعصر العباسي الثاني
الجزء والصفحة : ص: 470ـ473
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /

 

عبد الله (1) بن العباس بن الفضل بن الربيع

حفيد الفضل بن الربيع وزير الرشيد والأمين، نشّئ في الحلية والترف والنعيم، وقد عنى أبوه بتعليمه وتثقيفه حتى أحسن الشعر، وكان يقوله على الطبيعة مرسلا نفسه على سجيتها، لا يتكلف فيه ولا يتعمّل. ويقول أبو الفرج شعره مطبوع ظريف مليح المذهب من أشعار المترفين وأولاد النعم، ويقول: كما كان شاعرا مطبوعا كان مغنيا محسنا جيد الصنعة. ويقال إن سبب تعلمه الغناء أنه تعلق بجارية لعمّته رقيّة كانت تتقن الغناء، تسمى عاليج، شغفت قلبه حبّا. فكان يلزمها بعلة الغناء. وكان يأخذ عنها وعن صواحبها ما أحسنّه من الأصوات والأدوار، حتى أقررن له بالحذق. وصار يلازم من يختلفون إلى بيته من المغنين أمثال إسحق الموصلي. وكاد لا يترك لهم صوتا دون أن يأخذه. وكان جواري الحارث بن بسخنّر وابنه محمد يدخلن إلى داره فيطرحن على الجواري بها ما ليس عندهن من غناء.

وكل ذلك أتاح له أن يتثقف بالغناء، بل أن يصبح ماهرا فيه. وترتفع شهرته في إحسانه إلى آذان الخلفاء، فيطلبونه اسماع أغانيه، وكان أول من طلبه الواثق، وله فيه أصوات مدحه بها. وغنّاه فيها فملأه طربا، من ذلك ما يروى من أن الواثق عوفي من مرض ألمّ به فطلبه مع طائفة من المغنين، فلما صار قريبا من مجلسه بحيث يسمع صوته ضرب على عود مغنيا بيتين قالهما في طريقه إليه على هذا النمط:

  1.  

اسلم وعمّرك الإله لأمة … بك أصبحت قهرت ذوي الإلحاد

لو تستطيع وقتك كلّ أذيّة … بالنفس والأموال والأولاد

وكان الواثق يغمره بجوائزه وصلاته، وغمره من بعده المتوكل بالأموال، ويقصّ صاحب الأغاني من ذلك بعض أخبار، وله فيه أيضا مدائح قصيرة كان يغنيه بها فيهتز طربا، وفيه يقول:

أكرم الله الإمام المرتضى … وأطال الله فينا عمره

سرّه الله وأبقاه لنا … ألف عام وكفانا الفجره

وكان يغني الخليفتين والمنتصر من بعدهما في غزل كثير من أشعار السابقين وفي كثير من غزله الذي نظمه في عساليج وفي غيرها من الجواري اللائي فتنّ قلبه وفي مقدمتهن مصابيح جارية الأحدب المقيّن وكانت تغني في كثير من شعره.

وهي جارية نصرانية هام بها قلبه هياما شديدا، ويقال إنه كان يلزم بيع النصارى في أعيادهم من أجلها شغفا بها، وفيها يقول:

تتثنّى بحسن جيد غزال … وصليب مفضّض آبنوس

كم رأيت الصليب في الجيد منها … كهلال مكلّل بشموس

وتتردّد في غزله أسماء الأعياد المسيحية كما يتردد ذكر كثير من الديارات مثل دير سرجس ودير قوطا القريب من بغداد، وكان ينزل فيهما أياما مع بعض رفاقه، يشربون ويقصفون ويمجنون، وله يصوّر ما كان من هذا المجون والقصف والشراب مع بعض صحبه في دير قوطا، إذ يقول:

يا دير قوطا لقد هيجت لي طربا … أزاح عن قلبي الأحزان والكربا

كم ليلة فيك واصلت السرور بها … لما وصلت لها الأدوار والنّخبا

في فتية بذلوا في القصف ما ملكوا … وأنفقوا في التّصابي المال والنّشبا (2)

  1.  

وهو يكثر من الحديث عن صاحبته النصرانية وعن جواري البيع والأديرة، وكأنما كان قلبه يتبعهن جميعا ويتمنى لو استطاع أن يجنى معهن زهرات الحب، أو لو أتيح له ذلك من حين إلى حين، ومن قوله في إحدى جواري الدير السالف:

وشادن ما رأت عيني له شبها … في الناس لا عجما منهم ولا عربا

إذا بدا مقبلا ناديت واطربا … وإن مضى معرضا ناديت: واحربا

ويصرّح مرارا بأنه لا يحب سوى خمر الأديرة المعتقة، لما كان يخامره فيها من سكرين: سكره بالخمر الحقيقية وسكره برؤية الراهبات المتبتلات ومن يراهن هناك من العذارى الفاتنات. وله يتحدث عن خمر قرية من قراهن تسمى كركين وعن يوم الشعانين وهو العيد المسيحي الذي يقع في يوم الأحد قبل عيد الفصح:

ألا اصبحاني يوم الشّعانين … من قهوة عتّقت بكركين

عند أناس قلبي بهم كلف … وإن تولّوا دينا سوى ديني

ومن الحق أنه لم يكن يبقي لنفسه شيئا من الحشمة في مجونه، وهو من هذه الناحية شبيه بأبي الشبل، بعيد الشبه من الحسين بن الضحاك مع أنه كان مثله يعاشر الخلفاء والأمراء، وكأن هذه العشرة كانت شيئا سطحيّا، وهو نفسه كان حفيد وزير ومن أسرة رفيعة أو أرستقراطية. وربما جاءه ذلك من أنه كان لا يفيق من الخمر، إذ يقول أبو الفرج إنه كان يشرب الصّبوح كل يوم من دهره ما عدا أيام الجمع وشهر رمضان، فهو نهاره سكران، وكذلك كان ليله. ومثله يسفّ ويهبط إلى الدنيّات، لذلك لا نعجب إذا رأينا الشابشتي يقول عنه: «كان صاحب غزل ومجون كثير التطرح في الديارات والحانات والاتّباع لأهل اللهو والخلاعة». ومع ذلك له غزل كثير رقيق اشتهر به بين معاصريه، ويروى أن ابن الزيات وزير الواثق وكان أديبا بارعا في الشعر والنثر قال له: أنشدني شيئا من شعرك، فقال إنما أعبث ببعض الأبيات، ولست بمكان من ينشدك شعره، فقال له: أتقول هذا وأنت القائل:

ص472

يا شادنا رام إذ م‍ … رّ في الشعانين قتلى

تقول لي كيف أصبح‍ … ت كيف يصبح مثلى

أنت والله أغزل الناس وأرقهم شعرا، ولو لم تقل غير البيت الأخير لكفاك ولكنت شاعرا مجيدا. وروى له الأغاني أشعارا كثيرة كان يغنى فيها هو وعساليج ومصابيح وغيرهما من مغنيات العصر ومغنيه. ومن الأصوات التي طرب لها الواثق طربا شديدا حين غنّاه بها قوله:

بأبي زور أتاني بالغلس … قمت إجلالا له حتى جلس

فتعانقنا جميعا ساعة … كادت الأرواح فيها تختلس

قلت يا سؤلي ويا بدر الدّجى … في ظلام الليل ما خفت العسس

قال: قد خفت ولكنّ الهوى … آخذ بالروح منى والنّفس

زارني يخطر في مشيته … حوله من نور خدّيه قبس

والقطعة بديعة في خواطرها وفي تصويرها للهيام بالمعشوق، وللمعشوق نفسه وجماله الساحر الوضئ، وأيضا في صياغتها وموسيقاها. وشعر عبد الله كله شعر وافر الموسيقى، وهو شيء طبيعي لأنه كان يغنيه ويوقعه على آلات الطرب، وكان الجواري والمغنون من حوله يغنون فيه، فكان يضعه في نسق موسيقي، تشترك فيه آذانه الداخلية: أذن الشاعر وأذن المغنى وأذن الموسيقىّ، شركة تصفيه من كل الأدران، فإذا ألفاظ الشعر متلاحمة مع قوافيه تلاحما إلى أبعد حدود الدقة، فلا عوج ولا انحراف لا في لفظ بل لا عوج ولا انحراف في حرف ولا في حركة، إذ يعمّ الانسجام والإحكام.

وهذا الأثر الموسيقى في الألفاظ والحروف والحركات كان يرافقه أثر آخر في الأوزان إذ نرى عبد الله يشغف بالأوزان المجزوءة والأخرى القصيرة حتى يوفر لأغانيه أو قل لبعضها كل ما يريد من خفة ورشاقة موسيقية.

ص473

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر في عبد الله وحياته وأشعاره الأغاني (طبعة الساسي) 17/ 121 وتاريخ بغداد 10/ 36 والديارات ص 63 وما بعدها وذيل زهر الآداب ص 115

(2) النشب: المال والعقار.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.