أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-02-2015
1389
التاريخ: 13-02-2015
1400
التاريخ: 5-10-2014
1711
التاريخ: 5-10-2014
1586
|
من المشهود أن في كل من الزوجين من الإنسان أعني الذكر و الأنثى إذا أدرك و صحت بنيته ميلا غريزيا إلى الآخر و ليس ذلك مما يختص بالإنسان بل ما نجده من عامة الحيوان أيضا على هذه الغريزة الطبيعية.
و قد جهز بحسب الأعضاء و القوى بما يدعوه إلى هذا الاقتراب و التمايل و التأمل في نوع تجهيز الصنفين لا يدع ريبا في أن هذه الشهوة الطبيعية وسيلة تكوينية إلى التوالد و التناسل الذي هو ذريعة إلى بقاء النوع، و قد جهز بأمور أخرى متممة لهذه البغية الطبيعية كحب الولد و تجهيز الأنثى من الحيوان ذي الثدي باللبن لتغذي طفلها حتى يستطيع التقام الغذاء الخشن و مضغه و هضمه فكل ذلك تسخير إلهي يتوسل به إلى بقاء النوع.
و لذلك نرى أن الحيوان مع عدم افتقاره إلى الاجتماع و المدنية لسذاجة حياته و قلة حاجته يهتدي حينا بعد حين بحسب غريزته إلى الاجتماع الزوجي - السفاد - ثم يلتزم الزوجان أو الأنثى منهما الطفل أو الفرخ و يتكفلان أو تتكفل الأنثى تغذيته و تربيته حتى يدرك و يستقل بإدارة رحى حياته.
و لذلك أيضا لم يزل الناس منذ ضبط التاريخ سيرهم و سننهم تجري فيهم سنة الازدواج التي فيها نوع من الاختصاص و الملازمة بين الرجل و المرأة لتجاب به داعية الغريزة و يتوسل به إلى إنسال الذرية، و هو أصل طبيعي لانعقاد المجتمع الإنساني فإن من الضروري أن الشعوب المختلفة البشرية على ما لها من السعة و الكثرة تنتهي إلى مجتمعات صغيرة منزلية انعقدت في سالف الدهور.
و ما مر من أن في سنة الازدواج شيء من معنى الاختصاص هو المنشأ لما كان الرجال يعدون أهلهم إعراضا لأنفسهم و يرون الذب عن الأهل و صونها من تعرض غيرهم فريضة على أنفسهم كالذب عن أنفسهم أو أشد، و الغريزة الهائجة إذ ذاك هي المسماة بالغيرة و ليست بالحسد و الشح.
و لذلك أيضا لم يزالوا على مر القرون و الأجيال يمدحون النكاح و يعدونه سنة حسنة ممدوحة، و يستقبحون الزنا و هو المواقعة من غير علقة النكاح و يستشنعونه في الجملة و يعدونه إثما اجتماعيا و فاحشة أي فعلا شنيعا لا يجهر به و إن كان ربما وجد بين بعض الأقوام الهمجية في بعض الأحيان و على شرائط خاصة بين الحرائر و الشبان أو بين الفتيات من الجواري على ما ذكر في تواريخ الأمم و الأقوام.
و إنما استفحشوه و أنكروه لما يستتبعه من فساد الأنساب و قطع النسل و ظهور الأمراض التناسلية و دعوته إلى كثير من الجنايات الاجتماعية من قتل و جرح و سرقة و خيانة و غير ذلك و ذهاب العفة و الحياء و الغيرة و المودة و الرحمة.
غير أن المدنية الغربية الحديثة لابتنائها على التمتع التام من مزايا الحياة المادية و حرية الأفراد في غير ما تعتني به القوانين المدنية سواء فيه السنن القومية و الشرائع الدينية و الأخلاق الإنسانية أباحته إذا وقع من غير كره كيفما كان، و ربما أضيف إلى ذلك بعض شرائط جزئية أخرى في موارد خاصة، و لم تبال بما يستتبعه من وجوه الفساد عناية بحرية الأفراد فيما يهوونه و يرتضونه و القوانين الاجتماعية تراعي رأي الأكثرين.
فشاعت الفاحشة بين الرجال و النساء حتى عمت المحصنين و المحصنات و المحارم حتى كاد أن لا يوجد من لم يبتل به و كثر مواليدها كثرة كاد أن تثقل كفة الميزان و أخذت تضعف الأخلاق الكريمة التي كانت تتصف بها الإنسانية الطبيعية و ترتضيها لنفسه بتسنين سنة الازدواج من العفة و الغيرة و الحياء يوما فيوما حتى صار بعض هذه الفضائل أضحوكة و سخرية، و لو لا أن في ذكر الشنائع بعض الشناعة ثم في خلال الأبحاث القرآنية خاصة لأوردنا بعض ما نشرته المنشورات من الإحصاءات في هذا الباب.
و الشرائع السماوية على ما يذكره القرآن الكريم - و قد مرت الإشارة إلى ذلك في تفسير الآيات 151 - 153 من سورة الأنعام - تنهى عن الزنا أشد النهي و قد كان محرما في ملة اليهود و يستفاد من الأناجيل حرمته.
و قد نهي عنه في الإسلام و عد من المعاصي الكبيرة و أغلظ في التحريم في المحارم كالأم و البنت و الأخت و العمة و الخالة، و في التحريم في الزنا، مع الإحصان و هو زنا الرجل و له زوجة و المرأة ذات البعل، و قد أغلظ فيما شرع له من الحد و هو الجلد مائة جلدة و القتل في المرة الثالثة أو الرابعة لو أقيم الحد مرتين أو ثلاثا و الرجم في الزنا مع الإحصان.
و قد أشار سبحانه إلى حكمة التحريم فيما نهى عنه بقوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] حيث عده أولا فاحشة ثم وصفه ثانيا بقوله: " وَسَاءَ سَبِيلًا " و المراد - و الله أعلم - سبيل البقاء كما يستفاد من قوله: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} [العنكبوت: 29] ، أي و تتركون إتيان النساء الذي هو السبيل فتنقطع بذلك و ليس إلا سبيلا للبقاء من جهة تسببه إلى تولد المواليد و بقاء النسل بذلك، و من جهة أن الازدواج و عقد المجتمع المنزلي هو أقوى وسيلة يضمن بقاء المجتمع المدني بعد انعقاده.
فمع انفتاح باب الزنا لا تزال الرغبات تنقطع عن النكاح و الازدواج إذ لا يبقى له إلا محنة النفقة و مشقة حمل الأولاد و تربيتها و مقاساة الشدائد في حفظها و القيام بواجب حياتها و الغريزة تقنع من سبيل آخر من غير كد و تعب، و هو مشهود من حال الشبان و الفتيات في هذه البلاد، و قد قيل لبعضهم: لم لا تتزوج؟ فقال: و ما أصنع بالازدواج و كل نساء البلد نسائي، و لا يبقى حينئذ للازدواج و النكاح إلا شركة الزوجين في مساعي الحياة الجزئية غير التناسل كالشركة في تجارة أو عمل و يسرع إليهما الافتراق لأدنى عذر، و هذا كله مشهود اليوم في المجتمعات الغربية.
و من هنا أنهم يعدون الازدواج شركة في الحياة منعقدة بين الزوجين الرجل و المرأة و جعلوها هي الغاية المطلوبة بالذات من الازدواج دون الإنسال و تهيئة الأولاد و لا إجابة غريزة الميل الطبيعي بل عدوا ذلك من الآثار المترتبة عليه إن توافقا على ذلك و هذا انحراف عن سبيل الفطرة و التأمل في حال الحيوان على اختلاف أنواعه يهدي إلى أن الغاية المطلوبة منه عندها هو إرضاء الغريزة الهائجة و إنسال الذرية و كذا الإمعان في حال الإنسان أول ما يميل إلى ذلك يعطي أن الغاية القريبة الداعية إليه عنده هو إرضاء الغريزة و يعقبه طلب الولد.
و لو كانت الغريزة الإنسانية التي تدفعه إلى هذه السنة الطبيعية إنما تطلب الشركة في الحياة و التعاون على واجب المأكل و المشرب و الملبس و المسكن و ما هذا شأنه يمكن أن يتحقق بين رجلين أو بين امرأتين لظهر أثره في المجتمع البشري و استن عليه و لا أقل في بعض المجتمعات في طول تاريخ الإنسان و تزوج رجل برجل أحيانا أو امرأة بامرأة و لم تجر سنة الازدواج على وتيرة واحدة دائما و لم تقم هذه الرابطة بين طرفين أحدهما من الرجال و الآخر من النساء أبدا.
و من جهة أخرى أخذ مواليد الزنا في الإزدياد يوما فيوما يقطع منابت المودة و الرحمة و تعلق قلوب الأولاد بالآباء و يستوجب ذلك انقطاع المودة و الرحمة من ناحية الآباء بالنسبة إلى الأولاد و هجر المودة و الرحمة بين الطبقتين الآباء و الأولاد يقضي بهجر سنة الازدواج للمجتمع و فيه انقراضهم و هذا كله أيضا مما يلوح من المجتمعات الغربية.
و من التصور الباطل أن يتصور أن البشر سيوفق يوما أن يدير رحى مجتمعه بأصول فنية و طرق علمية من غير حاجة إلى الاستعانة بالغرائز الطبيعية فيهيأ يومئذ طبقة المواليد مع الاستغناء عن غريزة حب الأولاد بوضع جوائز تسوقهم إلى التوليد و الإنسال أو بغير ذلك كما هو معمول بعض الممالك اليوم فإن السنن القومية و القوانين المدنية تستمد في حياتها بما جهز به الإنسان من القوى و الغرائز الطبيعية فلو بطلت أو أبطلت انفصم بذلك عقد مجتمعه، و هيئة المجتمع قائمة بأفراده و سننه مبنية على إجابتهم لها و رضاهم بها و كيف تجري في مجتمع سنة لا ترتضيها قرائحهم و لا تستجيبها نفوسهم ثم يدوم الأمر عليه.
فهجر الغرائز الطبيعية و ذهول المجتمع البشري عن غاياته الأصلية يهدد الإنسانية بهلاك سيغشاها و يهتف بأن أمامهم يوما سيتسع فيه الخرق على الراقع و إن كان اليوم لا يحس به كل الإحساس لعدم تمام نمائه بعد.
ثم إن لهذه الفاحشة أثرا آخر سيئا في نظر التشريع الإسلامي و هو إفساده للأنساب و قد بني المناكح و المواريث في الإسلام عليها.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|