أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-12-26
1126
التاريخ: 22-4-2019
1752
التاريخ: 26-4-2019
1904
التاريخ: 2-5-2021
1926
|
نقد التاريخ الاسلامي
الخصائص العامة :
ان المدونات التاريخية الاسلاميه تحمل بمجموعها اشياء كثيره، وكثيره جدا من حقائق التاريخ، موجزه ومطوله، وقائع واحداثا، مشاهدات ونقولا، نصوصا ووثائق، ارقاما ومحاكمات ..
وقد لا نجد بين سائر الامم من سبق مؤرخي الاسلام فى طبيعة التدوين التاريخي، اصاله، وعمقا، وسعه، وتطورا.
لقد امتاز التاريخ عند المسلمين، فى المرتبة الاولى: برساليته، فلم يكن دافع المؤرخ نحو التدوين هواية ورغبه شخصيه وحبا للشهرة ونحوها، انما كان استلهاما من دروس القرآن الكريم وهو يسلط الاضواء على حقب من تواريخ الامم السالفة، فيبرز اهم الاحداث فيها واسباب نموها وتدهورها، ثم بدافع الحب لتدوين وحفظ سير الرسول (صلى الله عليه وآله) ودعوته وجهاده وانتصاراته، فكان من هذا وذاك تاريخا اسلاميا فى منطلقه، وفى اهدافه، وفى مضامينه.
ذلك حين نستثنى، ولا بد ان نستثنى، فصيلتين اقحمتا نفسيهما فى هذا الميدان اقحاما:
اولاهما: فصيله اهل الكتاب الذين اسلموا فاهتموا بتاريخ ما قبل الاسلام، فكانوا مصدر الاسرائيليات فى التاريخ.
والثانية: فصيله القصاصين والوضاعين الذين دفعتهم الشهوات او الاهواء والعصبيات، او الكيد للاسلام، دفعتهم الى الوضع والدس، اما لتزيين الاخبار، او لتشويش الحقائق، او قلبها اظهارا للباطل.
-وحين كان تاريخ الرسول (صلى الله عليه وآله) والرسالة هو اهم واول ما اولاه المؤرخون عنايتهم، فقد سلكوا فيه مسلكا فريدا فى التعمق والتتبع، فاثبتوا كل شى ء يتصل بالرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله) منذ ارهاصات ولادته، ثم مولده ونشاته، ثم سيرته فى اهله وفى بيته، ولم تشغلهم الاحداث الكبرى عن تتبع سيرته الشخصية وآدابه وسجاياه، بل وصفاته البدنية، وصفه سلاحه، واسماء ما كان عنده مده حياته من سلاح ودواب، وحين تابعوا غزواته لم يتركوا حتى اسماء من اصيب فيها من اصحابه جرحا او قتلا، ومن اصابه من المشركين، واسماء من اصيب من المشركين ومن اصابه من المسلمين، كل ذلك محفوظ.
كما نقلوا من مواقف الصحابة واحوالهم ما يعطيك صوره واضحه عن المجتمع الإسلامي ومستوى الوعى الديني والحضاري فيه، اضافه الى السيرة الفردية لكثير من الصحابة، مما يقلل من مساحه التكهنات والتحميلات التى قد تشط بعيدا عن الصواب.
ثم توسع التدوين التاريخى، فدخلت فتره ما بعد الرسول(صلى الله عليه وآله)، فسلكوا فيها المنهاج ذاته عمقا وتفصيلا، فنقلت الاحداث الجزئية، والمساجلات بين رجلين او امراتين او رجل وامراه، الى جنب الاحداث الكبرى فى التغيرات السياسيه والفتوح، وتناولوا سير الخلفاء بتتبع شديد، فلم يرحموا احدا منهم، فدونوا خصالهم وسجاياهم ومدى عزوفهم عن الدنيا او اقبالهم عليها، وحظوظهم من العلم والاجتهاد فى امور الدين والسياسه، فوضعوا بين ايدينا لوحه بيانيه دقيقه الى حد كبير، تجد عليها منحنى السلوك والسيرة الشخصية والعلم والفضيلة وسائر المؤهلات لقاده الدوله والامه الاسلاميه، ابتداء بالرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله) وانتهاء باخر خلفاء بنى العباس وامراء الطوائف وسلاطين بنى عثمان.
وان هذا النهج الذي لا يرحم احدا خصوصا من الحكام والولاة لهو النهج الإسلامي القويم، وليس كما يراه بعض المتأخرين نهجا قاسيا على الخلفاء عامه حين يضعهم الى جنب النبي المعصوم(ص)، وقاسيا على المتأخرين منهم مره اخرى حين يضعهم امام الخلفاء الاولين.. فهذه رويه تنم عن انعطاف خطير يريد ان يبرر للحاكم سقطاته بل وانحرافاته ايضا لانه لم يكن نبيا، ويعتذر للمتأخرين اذا انحدروا فى السلم لانهم لم يكونوا كالذين صحبوا النبى وعاشوا ايام نزول الوحى، فى الايمان والاستقامة سواء! هذه رويه تجاوبت مع الواقع، لا مع ميزان الاسلام وضوابطه، فالإسلام الذى يقول {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] (1) لم يعذر متأخرا من هذا التآسي لتأخره، ولا ميز فيه متقدما لتقدمه! والاسلام الذى قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } [النساء: 58] (2) لم يخاطب جيلا من الاجيال، ويعفو عن اللاحقين.
وثمة رويه مستحدثه اخرى قريبه من هذه، وجهت الادانه للتاريخ لانه لم يستر عيوب واخطاء الحكام وما شجر بين الكبار وما وقع من فتن ونزاعات.. رويه تريد ان تختزل التاريخ، وترتضى بكل ما سوف يصحب هذا الاختزال من تشويه وتحريف للحقيقه، لا دفاعا عن الاسلام فكرا وعقيده ومنهاجا، ولكن دفاعا عن رجال حكموا وسياسات انتهجت، بغض النظر عن مدى قربهم وقربها او بعدهم وبعدها عن الاسلام فى منهاجه ورواه.
وفى ذلك كله كان التدوين التاريخى هو الموفق، وما هذه الادانات الاروى مصلحيه قاصره.
ومضى التدوين التاريخى عند المسلمين صعدا، فى تطور ظاهر وسريع، فظهرت تباعا المدونات التاريخية المتكاملة قبل منتصف القرن الثانى، اى بعد ما يقرب من نصف قرن فقط من بدايات التدوين التاريخى، فكانت سيره ابن اسحاق، المتوفى سنه 151 هـ ، انموذجا فريدا للعمل التاريخى الموسوعي، ثم ظهر التطور بعد المئة الثانية فى مناهج جديده ومتنوعه على ايدى مؤرخين عمالقة، كابن سعد الزهري فى (الطبقات الكبرى)، واليعقوبي فى تاريخه، وابن قتيبة فى (المعارف) و(عيون الاخبار) و(الإمامه والسياسة)(3)، وابى حنيفه الدينوري فى(الاخبار الطوال) وآخرين، ثم كان القرن الرابع، قرن الطبري والمسعودي، الذى ترك اهم واوسع دواوين التاريخ، ليأخذ التاريخ فى ما بعد ميدانه الجديد: علما وفلسفه، عند ابن الطقطقي (709 هـ ) وابن خلدون (808 هـ ) والسخاوى (902 هـ ) ونظرائهم.
-ومما ميز التدوين التاريخى عند المسلمين: اعتماد اسلوب المحدثين فى الرواية واسانيدها، وهذا الاسلوب قد اغنى التاريخ بلا شك بعنصر هام من عناصر القوه والتوثيق. لكن هذا الاسلوب نفسه قد ساعد فى الوقت ذاته على تشتت الحقيقة التاريخية وتوزعها، اذ ظهرت روايات كثيره موضوعه، لا اصل لها، تحت تاثير اغراض متعددة، بعضها بحسن نيه، وبعضها بعكس ذلك، فلما كان هم المؤرخ ان يجمع كل ما روى او ما بلغه فى الحادثة الواحدة، فقد جمع الروايات المختلفة والمتناقضة والمتنافرة فى القضية الواحدة التى لا بد وانها قد وقعت بصوره واحده فى حينها، ولم تقع بهذه الصور المتعددة، فاصبح تمييز الصورة الصادقة من بين هذه الصور مشكله عسيره امام المؤرخ وامام الناقد والقاري..
فاذا كان المؤرخون قد سلكوا سلوك المحدثين، فحفظوا للروايات اسانيدها، فينبغي ان يبقى قبولها او ردها رهن بهذه الاسانيد وبالقرائن الصادقة التى لا ينازع فيها، ولكن المشكلة تصبح اكثر تعقيدا حين تكون الاهواء والميول هى قانون الترجيح الاول، بل الاوحد! والذى زاد فى تعزيز هذا القانون: ان هذه الاهواء والتحزبات ذاتها هى دائما الاصل الاول فى توثيق الرواه وجرحهم، لا سيما فى ما يخص التاريخ والعقائد!! فحين دخلت هذه الروايات المكذوبة دواوين التاريخ، وصارت اساسا لمتبنيات ومواقف قرائها، بحكم وجودها فى مصادر التاريخ المهمة، فتمسك كل بما يلائم ميوله وتحزبه المذهبي، ثم وصف سائر ما يخالف ذلك بانه مكذوب موضوع، حتى ولو كان العكس هو الصحيح، ودون ادنى رجوع الى الاسانيد والى القرائن الصادقة، الا فى ما يوفر المصلحة فى الانتصار للمذهب! نشأت اثر ذلك بيننا هذه الاتجاهات المختلفة والمتنافرة، وكل يتسلح بطائفه من تلك المرويات ويرد بها على الاخرين! وهذه الاخبار ايضا كانت اساسا لتحميلات المستشرقين وتمحلاتهم التى جاء اكثرها فاسدا ومفسدا، لكنه لم يات من الهواء، انما اتى من الاهواء التى وجدت ما يوفر لها مادتها فى هذه المرويات.
.. وهذه واحده من مشاكل النقد التاريخى.
______________
(1) الاحزاب 33: 21.
(2) النساء 4: 58.
(3) هناك كلام على صحه نسبه هذا الكتاب الى ابن قتيبه، مصدره ان الكتاب يذكر تفاصيل فى نزاعات حدثت حول الخلافه، كما جاء الكتاب (قليل العطف على معاويه وخلفائه اوقليل الاعجاب بهم)!!ونقاد الكتاب لا يرتضون ذكر ذلك، ويحرجهم ثبوته عن ابن قتيبه، فكذبوا بنسبه الكتاب اليه .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|