المراجعة الدستورية في العالم العربي وعلاقتها بمبدأ شخصنة الدساتير |
2443
11:13 صباحاً
التاريخ: 27-9-2018
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-1-2023
1291
التاريخ: 23-10-2015
2717
التاريخ: 7-12-2017
1969
التاريخ: 2023-06-20
1013
|
تمثل ظاهرة شخصنة الدساتير " La personnalisation de la constitution ،" أخطر ظاهرة تصيب الدستور، لأنها تصيب استقراره وديمومته، وبالتالي سموه وعلوه على باقي التشريعات، هي عبارة حديثة المنشأ بالنسبة لعلم القانون الدستوري، فاستعملت لأول مرة من طرف الفقهاء الفرنسيين بمناسبة تعليقهم على دستور 1958 ، وهي تدل بأن المجتمع الذي تتفوق فيه السلطة التنفيذية عن سائر السلطات الأخرى، هو تعبير صادق عن أفكار ومناهج رئيس الدولة، الذي يقف وراء عملية المراجعة الدستورية، ذلك لأن رئيس الدولة باعتباره أعلى سلطة في الدولة، وصاحب المبادرة بالتعديل ،فإنه يصبو إلى صياغة وثيقة أساسية تكون على مقاسه، بمعنى أنها تستجيب لتكوينه السياسي من جهة، وأفكاره وطموحاته من جهة أخرى (1) وهكذا فحتى وان كان المشروع من صنع هيئات أخرى، فمع ذلك تظهر بصمة الرئيس واضحة، بسبب سلطته الفعلية والقانونية، التي يمارسها على سائر الأجهزة الأخرى. فالقاعدة أن الدساتير تمنح مركزا مرموقا للرئيس، ليس إلا لكونه موظفا ساميا، يسهر على احترام الدستور وضمان تطبيق القوانين، وليس لقضاء مصالحه الشخصية. وما يؤكد هذا الطرح هو الصلاحيات ذات الطابع السيادي الممنوحة للرئيس، وسلطاته الدستورية القوية والواسعة في الكثير من المواد الدستورية، تجعل الرئيس يصمم الدستور على مقاسه، خاصة ما يتعلق منها بالسلطة، وهذا ما يتيح للرئيس أن يلجأ إلى الدستور، كلما استدعت الضرورة وضمان استمرار النخب الحاكمة (2) .
وقد سارت الأمور بالنسبة للرئيس المصري الراحل "محمد أنور السادات" الذي خلف الرئيس السابق "جمال عبد الناصر"، بعد وفاته بتاريخ 28/9/1970 دستور جديد للبلاد في أقل من سنة من وصوله إلى الرئاسة، وهو دستور 11/9/1970، هذه الوثيقة التي أظهرت بجلاء ملامح الرئيس الجديد وسماته (3) . كذلك من بين أهم الشواهد على ذلك، التعديلات الدستورية التي جرت في تونس في جوان 2002 ، والتي كان هدفها رفع قيد تحديد العهدات الرئاسية، الذي كان حائلا دون تجديد ولاية الرئيس السابق "بن علي" سنة 2004 (4). نفس المشهد تكرر في الجزائر في نوفمبر 2008 ،إثر اعتماد التعديلات الدستورية التي ألغت مبدأ تجديد العهدات الذي أقره قبل ذلك دستور 1996 . وعليه لم تكن الغاية الأساسية للدساتير العربية، هي تقييد السلطة ووضع ضمانات فعلية للحقوق والحريات الأساسية، بل يمكن القول أن أقصى ما ابتغته تلك النصوص، هو تنظيم السلطة ووضع خلفية قانونية شكلية تستند إليها في محاولة بناء شرعية صورية، كتعويض عن المشروعية السياسية المفقودة (5) . زيادة على الدور الرمزي لتلك الوثائق الدستورية في إبراز السادة الوطنية للدولة الفتية، وتوفير سندا ايديولوجيا وعقائديا لبرنامج النخب الحاكمة (6) . وبالتالي ما يمكن وصفه بمحنة الدستور العربي، الذي هو تعبير واضح على قدرة الأنظمة المتسلطة في الوطن العربي على إعادة إنتاج نفسها وتجديد شرعيتها بأشكال مختلفة، فاعتماد الوثائق الدستورية في أغلب البلاد العربية، لم يكن هدفه توطيد الممارسة الديمقراطية بدعم الحكم الدستو ري، بل كانت غايتها إعادة إنتاج التسلطية بوجه ديمقراطي (7). هذه الظاهرة قد حظيت بصدى واسع في الوقت الحاضر، من قبل صنف كبير من الدساتير المعاصرة لا سيما تلك المتعلقة الدول النامية، حيث نجد في كل مرة رجل قوي ذو طبيعة استثنائية يأخذ النظام بقبضة واحدة، ثم يرتبه على طبعه وسماته، قبل أن يوجهه بإرادته المنفردة نحو الأهداف التي يراها ملائمة، والتي تضمن مستقبله السياسي. وعليه فإن على مستوى الدول المعاصرة، فقد أصبحت الدساتير خاضعة لإرادة بعض الرجال الذين يصنعونها، يحدث ذلك عندما أمام شخصية سياسية استثنائية تتمتع بشرعية تاريخية، هذه الشخصية ومباشرة بعد وصولها إلى السلطة، فإنها تحتكر باقي الرجال والمؤسسات. في هذه الحالة يفقد الدستور جزء كبير من معناه التأسيسي، وكذلك طابعه التوجيهي بصفته الوثيقة الأساسية لتنظيم نشاط السلطات العامة، طالما أن أحكامه مازالت خاضعة لإرادة الرئيس وحده، وفي جميع الحالات، فإن الرئيس يملك في أي وقت حق تعديل المعيار الأساسي أو تجميده أوإلغاءه أو تعويضه بمعيار تنظيمي آخر، دون وجود ما يناقض هذا الإختصاص طالما أن هذا الحق بيده يتحكم فيه كما يشاء (8) . ومن هذا المنطلق ومن جهة نظر محايدة، أن هذه التعديلات الدستورية التي تخضع لرغبات ومشيئة الحكام، تتناقض مع إرساء دعائم الحكم الدستوري، طالما أن الدستور نفسه غير محمي من التوظيف السياسي من جانب السلطة التنفيذية، وتغيره لخدمة أهدافها السياسية والطبقية. كما أن مجتمعنا العربي يفتقر إلى ثقافة الإقرار بمبدأ التداول السلمي للسلطة، تلك العملية التي تسمح لأمر ما بحلول بديل محله، ويجعل الشخص يعقب نظيره في المسؤولية والقيادة، فمنطق التداول على السلطة يرفض الجمود والديمومة والرئاسة مدى الحياة، وبالتالي يحبذ التجديد في الأشخاص والأفكار والممارسات السياسية، هذا ما نلمسه في الدول الديمقراطية العريقة التي تتمتع بثقافة تداول السلطة، أصبحت جزء لا يتجزا من النسيج المجتمعي والتفافي للمجتمع، وتصدق في هذه الحالة مقولة الرئيس الروسي بوتين "دستور دولة كبيرة لا يمكن أن يتغير لأجل أي شخص كان" (9) . لذلك تأسست ثقافة التداول في الدول التي تأصلت فيها الظاهرة، واستقرت على قاعدة الاعتراف بشرعية الاختلاف، الذي يكلفه وجود أغلبية ومعارضة، ويضمنه الحوار المتبادل، فبمقدار ما للأغلبية من مشروعية التوجيه والإدارة، بالقدر نفسه للأقلية حق المساهمة في النقد والتعبير عن الراي الحر، الذي أعطى للتداول السلمي على السلطة شرعية الوجود، تلك هي قواعد الديمقراطية. واذا كانت هذه الضمانات تشكل مرجعية حقيقية لبناء دولة القانون، فإن العالم العربي يفتقر إليها، حيث أن الدولة السائدة بالمعنى الفعلي، لا تستند إلى مرجعية الثقافة الدستورية والديمقراطية، التي تعطي حيزا واضحا للقانون لكي يسري على الجميع. لذلك تأتي التعديلات الدستورية تعبيرا عن رغبة الحاكم، حيث يعتبر القانون مجرد وسيلة عمل للدولة وليس أداة لتقييد سلطتها، فالأصل أن الدولة بتعبير "كاري دومالبرغ" :تهدف إلى حماية المواطن والدفاع عنه ضد استبداد سلطات الدولة (10) . لذلك يعتبر من قبيل الفساد السياسي إجراء تعديلات دستورية تخضع لرغبات السلطة الحاكمة، بعيدا عن ضمانات الحكم الدستوري ودولة القانون، بمعنى أن الفساد السياسي في هذا الإطار يتجلى في استعمال القوة لتحقيق غرض يختلف عن الغرض الذي على أساسه، تم منح هذه القوة أي التظاهر بالمشروعية في ممارسة السلطة الرسمية، إلا أن الغرض الحقيقي من هذه الممارسة هو تحقيق المصلحة الخاصة وليس المصلحة العامة باسم المشروعية، وفي هذا المجال يقول الفقيه ( HUNTINGTON ) "الفساد هو وسيلة لقياس مدى غياب المؤسساتية السياسية الفاعلة" (11)، أي أنه ع رف الفساد من خلال وجود المؤسسات السياسية أو عدمها، بمعنى ربط بين التنمية السياسية في شكل تعديل دستوري وما بين الفساد. وبناء على ما تقدم يمكن القول بأن عملية التعديل الدستوري عملية تتحكم فيها السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية في كل مراحله، هي التي تتحكم في عملية الاقتراح وحماية الدستور بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما أنها توقف العمل بالدستور كما شاءت. وعليه فإن التعديل الدستوري كما يحصل حاليا تمليه متطلبات شخصية تخضع لرغبات السلطة الحاكمة، تعبر عن استيراتيجية الاستمرار والبقاء في السلطة، مما يتناقض مع مبدأ التداول السلمي على السلطة، في حين أن عملية المراجعة الدستورية من حيث المبدأ، إنما تعني مشاركة القوى الاجتماعية التي تعبر عنها السلطات السياسية في صنع عملية التعديل، وفي مقابل هذه السيطرة التامة والسلطات الواسعة للمؤسسات الرئاسية، نلاحظ أن التعديلات الدستورية لم تستطع إخضاع الرؤساء للمساءلة في جل الدول العربية، وحتى و إن استطاعت ذلك في بعض الدول، فالأمر يبقى حبيس الدستور ولم ينتقل إلى الممارسة العملية (12) . السلطات الكبيرة والصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية سواء على مستوى السلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية، في مقابل عدم وجود مسؤولية ومحاسبة، تجعل منه نظام حكم أكتر قوة، كل ذلك ينعكس سلبا على استقرار وثبات أسمى القوانين في الدولة "الدستور"؟.
__________________
1- ابراهيم أبو خزام، الوافي في شرح القانون الدستوري، المطبعة العالمية للنشر والتوزيع، طرابلس، 2002 ، ص 346
2- عمر صادوق، آراء سياسية و قانونية في بعض القضايا الأزمة، د.م.ج، الجزائر، 1995 ، ص 95
3- عماد الفقي، الدستور الحالة المصرية على ضوء الدساتير المقارنة ، دار المعرفة، الاسكندرية، 2012، ص 56
4- الأزهر بوعوني، الأنظمة السياسية والنظام السياسي التونسي، مركز النشر الجامعي، تونس،2002 ص 267
-cf, Rafaà BEN ACHOUR et Sana BEN ACHOUR, La transition democratique en Tunisie entre legalité constitutionnelle et legitimité revolutionnaire, R.F.D.C, N92, 2012.
5- صلاح الدين فوزي، واقع السلطة التنفيذية في دساتير العالم، دار النهضة العربية، مصر، 2006 ، ص 245
6- حسين الصديق، الانسان والسلطة "اشكالية العلاقة وأصولها"، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2001 ، ص 34
7- ابراهيم أبو خزام، المرجع السابق، ص 56.
8- ابراهيم أبو خزام، المرجع السابق، ص 56
9- سامي جمال الدين، القانون الدستوري و الشرعية الدستورية على ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا ، ص 67 .
10- موسى الزعبي، دراسات في الفكر الاستراتيجي والسياسي، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2001
-Haques CHEVALIER, L’état de droit, Montchrestien, 3eme edition, Paris, 2001.
11- حسنين توفيق ابراهيم، النظم السياسية العربية "الاتجاهات الحديثة في دراستها"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005، ص 59 ؛ خميس حزام والي، إشكالية الشرعية في الأنظمة السياسية العربية، مركز دراسات الوحدة العربية ، 2008ص 60
12- للمزيد من المعلومات، راجع، موسى الزعبي، المرجع السابق، ص 89 ؛ حسنين توفيق ابراهيم، المرجع السابق، ص 123
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|