مبدأ الفصل بين السلطات
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص23-26
2025-12-08
22
يعد هذا المبدأ من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها النظم الديمقراطية ، وينسب هذا المبدأ عادة إلى الفقيه (مونتسكيو) ، على الرغم من إن عددا من المفكرين والفقهاء قد سبقوه في الدعوة إليه ، ومن أشهر هؤلاء (أرسطو) في العصور القديمة و(لوك) في عصر النهضة ، ويبرر مونتسكيو هذا المبدأ بحجتين : الأولى : مستمدة من الظروف التاريخية التي أثبتت إن تركيز السلطة في يد فرد واحد أو هيئة واحدة يؤدي إلى إساءة استعمالها ، طالما لم يجد أيا منهما من يقف في وجهه ، فيجنح نحو الاستبداد والطغيان(1). إذ يقول مونتسكيو (إذا اجتمعت في قبضة شخص واحد أو هيئة واحدة السلطتان التشريعية والتنفيذية انعدمت الحرية) ثم يقول (وكذلك إذا اجتمعت السلطات الثلاث في يد واحدة ولو كانت يد الشعب ذاته) ، بحيث ينتهي إلى نتيجة حتمية في عبارته الشهيرة (يجب إن توقف كل سلطة عند حدها بواسطة غيرها بحيث لا تستطيع واحدة إن تسيء استعمال سلطتها أو إن تستبد بالسلطة)(2). وأما الثانية : فمستمدة من وظائف الدولة التي تختلف الواحدة عن الاخرى في طبيعتها، وهو ما يستوجب توزيع تلك الوظائف بين هيئات مختلفة .
والفصل بين السلطات اما إن يكون فصلا مطلقا وأما يكون فصلا نسبيا ، أما الفصل المطلق نظريا فقد قررته بعض الدساتير ، كالدستور الأمريكي لسنة 1787 ودستور الجمهورية الفرنسية الأولى لسنة 1791 ، ولكن الواقع لم يعرف من تطبيقات الفصل بين السلطات الا أنظمة تأخذ بالفصل النسبي لا بالفصل المطلق ، والفصل النسبي هو الآخر يكون على درجات مختلفة ، فإذا أبقى على مبدأ التعاون والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية يكون النظام برلمانياً ، وأما إذا اختل التوازن بين هاتين السلطتين – ولازلنا في مجال الفصل النسبي – فقد يكون هذا الاختلال لصالح السلطة التنفيذية ، فيكون النظام هنا نظاما رئاسيا ، وهناك نظام يسمى " حكومة الجمعية " وذلك إذا كانت الهيئة التشريعية هي المهيمنة على غيرها من الهيئات(3). ويضيف بعض الفقه نظاما رابعا للأنظمة أعلاه ويطلق عليه تسمية " النظام المختلط " وهو نظام يجمع ما بين مظاهر النظامين الرئاسي والبرلماني(4). ومن ثم فإن النظام البرلماني يعتنق التفسير الصحيح لمبدأ الفصل بين السلطات كما تبناه دعاة هذا المبدأ ، ذلك التفسير الذي يقوم في جوهره على أساس الفصل النسبي المرن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، أي الفصل المشوب بروح التعاون والتوازن(5). فالتعاون المتبادل بينهما يتحقق عن طريق مجموعة من الوسائل (كجواز الجمع بين عضوية البرلمان والحكومة وحق السلطة التنفيذية باقتراح القوانين وغيرها) ، وأما التوازن فيتحقق بوجود رقابة متبادلة بينهما بحيث لا تكون أحداهما خاضعة للأخرى ولا ترجح كفة أحداهما على الاخرى ، وإنما تكونان في مستوى واحد في كفتي الميزان فلا ترجح كفة السلطة التنفيذية كما هو الحال في النظام الرئاسي ، ولا ترجح كفة السلطة التشريعية كما هو الحال في نظام حكومة الجمعية . وما يكفل هذا التوازن بينهما هو تمتع كل واحدة منها بحق أو سلاح تستعمله تجاه السلطة الاخرى ، فحق السلطة التشريعية (أو سلاحها) في الاحتفاظ بهذا التوازن يتمثل (بحقها في سحب الثقة من الحكومة) ، وأما حق السلطة التنفيذية (أو سلاحها) المقابل الذي يحفظ لها التوازن هو(حق الحل)(6). ومن ثم يعد مبدأ الفصل بين السلطات بصورته النسبية القائمة على التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية هو الأساس الأول لـوجود المسؤولية السياسية للحكومة ، باعتبارها أحدى الوسائل التي تكفل تحقيق التوازن بينها وبين البرلمان في الأنظمة البرلمانية ، فبريطانيا تأخذ بالنظام البرلماني القائم على الفصل النسبي المرن بين السلطات العامة فيها ، إذ يملك مجلس العموم سحب الثقة من الوزارة وإسقاطها ورقابة أعمالها بتوجيه الاسئلة والاستجوابات وأجراء التحقيقات البرلمانية وغيرها من الوسائل(7). وبالمقابل تملك الوزارة الحق بحل مجلس العموم عند اختلافها معه والاحتكام إلى هيئة الناخبين(8). فسلاح طرح الثقة في يد المجلس النيابي يقابل سلاح الحل في يد الوزارة ، وتعتبر هاتين الوسيلتين أداتي تحقيق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية(9).
وكذلك الحال بالنسبة للنظام الدستوري الكويتي الذي يقوم على أساس فصل السلطات مع تعاونها ، ذلك أن هذا النظام يميل ميلا واضحا إلى منطق النظام البرلماني وإن لم يأخذ بكل خصائصه(10). وهذا ما نصت عليه المادة (50) من الدستور بقولها " يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقاً لأحكام الدستور.... " . إذ إن هذا الدستور قرر لمجلس الامة الحق في سحب الثقة من الوزراء منفردين وفقا للمادة 101منه ، كما قرر له حق تقرير عدم إمكانية التعاون مع رئيس مجلس الوزراء وفقا للمادة 102 ، وفي المقابل ولغرض تحقيق التوازن بين السلطتين فقد أعطى للسلطة التنفيذية الحق في حل مجلس الامة وفق ضوابط معينة(11). وهذا ما نصت عليه المادة (107) بقولها " للأمير إن يحل مجلس الامة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل ، على إنه لا يجوز حل المجلس لذات الاسباب مرة أخرى ، وإذا حل المجلس وجب أجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل ، فإذا لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن ويستمر في أعماله إلى إن ينتخب المجلس الجديد " . وكـذلك ورد حـق الحل في المادة (102) من الدستور المتعلقة بحل مجلس الامة في حالة عدم إمكانية التعاون بين المجلس وبين رئيس مجلس الوزراء (12).
أما بالنسبة للنظام الدستوري العراقي في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، فيلاحظ أنه قد اخذ كذلك بمبدأ الفصل بين السلطات ، وهذا ما نصت عليه المادة (47) منه بقولها " تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات ". وكذلك اخــذ بالنظام البرلماني وفقــا للمادة (1) منه التي نصت على أن " جمهورية العراق ، دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق ". ولكن يلاحظ بأن هذا النظام لا يتفق مع منطق مبدأ الفصل بين السلطات والنظام البرلماني من حيث أنه يميل إلى ترجيح كفة السلطة التشريعية (مجلس النواب) على السلطة التنفيذية (الحكومة) ، وذلك من خلال اعطائه مجلس النواب سلطة سحب الثقة من الحكومة عند قيام مسؤوليتها السياسية الفردية أو التضامنية وفقا للمادة (83) منه دون إن يقابل ذلك أعطاء الحكومة الحق في حل المجلس كما هو معمول في النظم البرلمانية الاخرى(13). إذ إن هذا الدستور قد أعطى أمر حل مجلس النواب للمجلس ذاته ، أي إنه اخذ بالحل الذاتي ، اذ يستطيع مجلس النواب إن يحل نفسه بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بناء على طلب يقدم من ثلث أعضائه أو من رئيس مجلس الوزراء بعد موافقة رئيس الجمهورية ، ولا يتم حل المجلس أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء(14). مما يترك خللا واضحا في موضوع التوازن بين السلطتين ، ويؤدي لرجحان كفة السلطة التشريعية على كفة السلطة التنفيذية ويخل بمبدأ الفصل بين السلطات(15).
____________
1-O . Hood Philips : Constitution And Administrative law , Sweet and Maxwell LTD, London , 1973 , p. 14.
2- د. عبد الحميد متولي ، القانون الدستوري والأنظمة السياسية (مع مقارنة بالمبادئ الدستورية في الشريعة الإسلامية) ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1975-1976 ، ص 167.
3- د. ثروت بدوي , النظم السياسية ، الجزء الأول ، النظرية العامة للنظم السياسية ، دار النهضة الـــعربية ، الـــقاهرة ، 1964 ، ص 283 .
4- د. حميد حنون خالد ، الأنظمة السياسية ، شركة العاتك للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 2010 ، ص 98 وما بعدها .
5- د. عدنان حمودي الجليل ، مبدأ الفصل بين السلطات وحقيقة أفكار مونتسكيو ، بحث منشور بمجلة الحقوق ، كلية الحقوق ، جامعة الكويت ، السنة التاسعة ، العدد الثاني ، 1985 ، ص 121 - 122.
6- د. إبراهيم عبد العزيز شيحا ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، دون سنة نشر ، ص 416 - 418 .
7- D. C. M . Yardley : Introduction To The British Constitutional law , Fourth Edition , Butter worth's , London , 1974 , p. 68.
8- كسحب مجلس العموم الثقة من حكومة (James Callaghan) العمالية سنة 1979 ، مما دفع الأخيرة إلى حل المجلس وعرض النزاع القائم بينها وبين الأغلبية البرلمانية على هيئة الناخبين ، وكانت نتيجة الانتخابات فوز حزب المحافظين بزعامة (Margret Thatcher) بأغلبية قوية في المجلس ومنها تم تشكيل الوزارة بزعامة أول سيدة تشغل هذا المنصب في بريطانيا د. محمد عبد الحميد أبو زيد ، توازن السلطات ورقابتها (دراسة مقارنة) ، دار النهضة العربية ، القاهرة ،2003 ، ص 138.
9- د. سعد عصفور ، المبادئ الأساسية في القانون الدستوري والنظم السياسية ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، دون سنة نشر ، ص 258.
10- د. يحيى الجمل ، النظام الدستوري في الكويت مع مقدمة في دراسة المبادئ الدستورية العامة ، مطبوعات جامعة الكويت ، كلية الحقوق والشريعة ، 1970-1971 ، ص 367.
11- د. عبد الفتاح حسن ، مبادئ النظام الدستوري في الكويت ، دار النهضة العربية ، بيروت ، لبنان ، 1968 ، ص 390 - 391 .
12- كاستقالة حكومة الشيخ (ناصر المحمد الصباح) في 16/3/2009 والتي قبلت في نفس اليوم وصدر مرسوم أميري بحل مجلس الأمة في 18/3/2009 . ينظر تاريخ الاستجوابات في الكويت ، الفصل التشريعي (12) ، دور الانعقاد (2).
13- د. حميد حنون خالد ، السلطات الاتحادية في دستور العراق لسنة 2005 ، بحث منشور بمجلة العلوم القانونية ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، المجلد (24) ، العدد الأول ، 2009 ، ص 66 - 67.
14- تنص المادة (64) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 على ان " يحل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه ، بناء على طلب يقدم من ثلث أعضائه ، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية ، ولا يجوز حل المجلس في أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء " .
15- د. عامر عياش ، طبيعة النظام البرلماني في العراق في ظل دستور جمهورية العراق لعام 2005 النافذ ، بحث منشور بمجلة الحقوق ، كلية القانون ، الجامعة المستنصرية ، السنة (6) ، المجلد (4) ، العدد (13-14) ، 2011 ، ص 26.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة