المسؤولية السياسية التضامنية
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص 19-22
2025-12-07
42
تتمثل الصورة الثانية لمسؤولية الحكومة السياسية بالمسؤولية التضامنية ، ويراد بها مسؤولية الحكومة بكامل أعضائها عن تصرفاتها العامة المتعلقة بإدارة شؤون الدولة أمام البرلمان ، وإن عليها إن تكون حائزة على ثقة البرلمان أو أغلبية أعضائه ، إذ يجب إن تتقدم باستقالتها إذا ما فقدت هذه الثقة بكامل أعضائها تطبيقاً لمبدأ التضامن الوزاري المقرر في النظام البرلماني(1).
وبمقتضى هذه المسؤولية يكون جميع الوزراء متضامنين في تحمل المسؤولية عن القرارات التي تصدر عن مجلس الوزراء ، يستوي في ذلك من أيدها ومن عارضها ، لأن من واجبات الوزير في ظل هذا النظام إن يتضامن مع زملائه في تحمل المسؤولية حتى ولو لم يوافق على سياسة المجلس وقراراته ، لأن البديل الوحيد المتاح له إذا أراد إن يخلي نفسه من المسؤولية هو بتقديم استقالته(2). وتتحقق هذه المسؤولية عن الأعمال المتعلقة بسياسة الحكومة العامة أو عن أعمال رئيس الوزراء باعتباره رئيساً للحكومة وممثلاً لسياستها العامة (3). وتتحقق أيضا عندما تتحول المسؤولية الفردية إلى مسؤولية تضامنية عند تضامن الحكومة مع الوزير المراد سحب الثقة منه ، وذلك عندما يكون التصرف الموجب للمسؤولية صادر عن أحد الوزراء ومع ذلك يتم سحب الثقة من الوزارة بكامل هيئتها إذا أعلن رئيس الوزراء إن الحكومة متضامنة مع الوزير الذي ينسب إليه ذلك التصرف ، بشرط إن تعلن الحكومة عن ذلك صراحة(4). ومن ثم فإن مساءلة أحد الوزراء لتصرف يتعلق بوزارته قد يؤدي إلى تضامن الحكومة معه ، فإذا أقتنع رئيس الوزراء بسلامة تصرف ذلك الوزير فله إعلان التضامن معه وبذلك تتحول المسؤولية الفردية إلى مسؤولية تضامنية ، إذ إن من حق رئيس مجلس الوزراء إن يعتبر ما قام به الوزير من الامور المتعلقة بالسياسة العامة للحكومة . وهذا يعني إن علاقة الوزير بزملائه من أعضاء الحكومة الاخرين من حيث المسؤولية ترتبط بتكييف الفعل الذي تقوم عليه المسؤولية فيما إذا كان يتعلق بالسياسة العامة للحكومة أم خاص بالسياسة الداخلية لوزارة الوزير المسؤول(5). وأحيانا أخرى تدفع الحكومة المسؤولية التضامنية عنها وتحصرها بمسؤولية أحد أعضائها وذلك عندما يكون تصرف أحد الوزراء محلاً لمؤاخذته من البرلمان ، فمن الممكن الا تتعدى المسؤولية ذلك الوزير فقط إذا بادر بالإعلان عن تحملها لوحده أو رفض رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة الآخرين التضامن معه( ). كل ذلك يؤكد إن المسؤولية التضامنية للحكومة هي جوهر النظام البرلماني وأحد أهم ملامحه الرئيسية أي إنه يوجد بوجودها وينعدم بانعدامها ، فإذا وجدت كان النظام برلمانياً حتى ولو لم تتوافر بعض خصائصه الأخرى - كحق الحل - لأن عدم توافرها يعني أننا أمام نظام برلماني مشوه ولا يعني عدم وجوده أصلا(6). هذا وتعتبر بريطانيا أيضا المهد الأول لنشأة مسؤولية الحكومة التضامنية ، إذ تعاقبت الوزارات والأحداث في بريطانيا بعد استقالة روبرت والبول (Robert Walpole) ، إلى إن وصل الأمر لوزارة اللورد نورث (Lord North) الذي كان من المؤيدين لسياسة الملك ، فبدأ البرلمان يهاجم سياسة نورث وخصوصا السياسة التي أتبعها حيال المستعمرات الأمريكية ، وكان نتيجة هذا الصراع والهجوم المتبادل انتصار البرلمان واضطرار نورث إلى الاستقالة سنة 1782 ، فقد أصدر البرلمان قرارين متعاقبين بسحب الثقة من نورث ووزرائه ، والجديد بالنسبة لهذه الاستقالة أنها كانت تضامنية شملت الوزارة كلها بعكس استقالة (روبرت والبول) التي كانت فردية اقتصرت عليه وحده دون بقية الوزراء(7). ومن هذا التاريخ استقر مبدأ المسؤولية السياسية على وجه التضامن(8). ومن التطبيقات على تلك المسؤولية في القرن العشرين ، ما حدث عندما أقيل الوزير الاول (Stanley Baldwin) من منصبه في 22 يناير 1924(9). وبظهور المسؤولية التضامنية إلى جانب المسؤولية الفردية استقرت قواعد المسؤولية السياسية بشقيها التضامني والفردي في النظام البرلماني البريطاني ومنها انتقلت إلى الدول الاخرى التي سارت على نهج هذا النظام كالكويت في دستورها لسنة 1962 والعراق في دستوره لسنة 2005.
أما بالنسبة للدستور الكويتي لسنة 1962 فلم يأخذ بالمسؤولية التضامنية – بمعنى سحب الثقة من الحكومة بكاملها المعروفة في الانظمة البرلمانية الاخرى – فهي صورة لا يعرفها هذا الدستور و استعاض عنها بصورة أخرى تؤدي إلى ذات النتائج التي تنتج عن سحب الثقة من الحكومة ككل(10). وهذه الصورة هي (بتقرير عدم أمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء)(11). إذ أن هذا الدستور قد وضع نظاماً خاصاً للمسؤولية التضامنية ، ففي حالة الخلاف بين مجلس الأمة ورئيس مجلس الوزراء فبدلا من استقالة الحكومة يعرض الامر على الامير (رئيس الدولة) الذي يكون أمام خياران :-
1- أما إن يقبل وجهة نظر مجلس الأمة ويعفي رئيس مجلس الوزراء ويعين حكومة جديدة لا يرأسها رئيس الوزراء نفسه ، وإن جاز أن يكون فيه بعض الوزراء الذين كانوا في الوزارة المعفاة .
2- وأما إن يحل مجلس الأمة :- فإذا اختار الامير هذا الخيار فإن الوزارة تبقى ويُحل المجلس الذي قرر عدم أمكان التعاون معها وتجري انتخابات جديدة ويجتمع مجلس الأمة الجديد ، فإذا رأى المجلس الجديد أن التعاون ممكن سارت الامور سيرها الطبيعي ، وإذا وجد بإن التعاون غير ممكن مع رئيس مجلس الوزراء ففي هذه الحالة يعتبر الأخير معتزلا منصبه من تاريخ قرار المجلس الجديد(12). وما ذهب إليه الدستور الكويتي يتناسب مع تطور المسؤولية السياسية في الوقت الحاضر فلم تعد هذه المسؤولية تثار أمام البرلمان فقط ، بل أصبحت تثار أيضا أمام هيئة الناخبين ، إذ إن الوزارة أصبحت لا تنتظر حتى يسحب البرلمان الثقة منها ، وأنما يمكنها بدلا من الاستقالة إن تطلب حل البرلمان ليتم بعدها الاحتكام إلى الشعب ليكون هو الحكم بينهما - وهذه هي المرحلة الأخيرة التي وصل إليها تطور المسؤولية السياسية في بريطانيا كما سنرى ذلك - وهناك العديد من التطبيقات الحديثة على المسؤولية السياسية التضامنية للحكومة في الكويت(13).
أما بالنسبة لمسؤولية الحكومة التضامنية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، فيلاحظ إن المشرع الدستوري العراقي قد تناول تنظيمها ايضا بموجب المادة (83) منه التي نصت على إن " تكون مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء أمام مجلس النواب تضامنية وشخصية ". ويتضح من هذا النص إن الحكومة مسؤولة بالتضامن عن رسم السياسة العامة للدولة وتنفيذها(14). أو التصرفات الصادرة عن الوزراء والمتعلقة بهذه السياسة(15). والتي يجب على الحكومة إن تتحمل نتائجها استنادا لمبدأ التضامن الوزاري الذي يقتضي مباشرة الحكومة لاختصاصاتها كهيئة متجانسة ومتضامنة . ولكن يؤاخذ على المادة المذكورة ما يأتي :-
1- انها لم تدرج نواب رئيس مجلس الوزراء ضمنها رغم انهم يدخلوا ضمن المعنى الضيق للحكومة ، ورغم كونهم مسؤولين امام مجلس النواب وفقا للمواد (32و50و56)من النظام الداخلي للمجلس(16).
2- لم تؤكد وتفصل بإن المسؤولية التضامنية لرئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء تكون عن الأعمال المتعلقة بالسياسة العامة للدولة ، فيما تكون مسؤولية نواب رئيس مجلس الوزراء(17). والوزراء الفردية عن أعمال وزاراتهم او الهيئات التابعة لهم .
هذا ولم يشهد الواقع الدستوري العراقي في ظل هذا الدستور تحريك مسؤولية الحكومة التضامنية ما عدا بعض المحاولات خلال الدورتين الانتخابيتين الأولى والثانية لتحريك تلك المسؤولية من قبل بعض الكتل السياسية في مجلس النواب ، الا أنها باءت بالفشل بسبب التوافقات السياسية من جهة ، ووجود أغلبية برلمانية داعمة لحكومة الشراكة من جهة أخرى . فضلا عن عدم وجود معارضة برلمانية فاعلة لوجود ما يسمى " بحكومة الشراكة الوطنية " التي ألغت وجود معارضة قوية داخل مجلس النواب ، لان تشكيلها يضم جميع أو اغلب الكتل البرلمانية في المجلس . ناهيك عن غياب الاحزاب السياسية المنظمة التي يجب إن تؤدي دورا فعالا في علاقة الشعب بالبرلمان بما تبرزه تلك الاحزاب من خيارات سياسية وما تحرزه داخل البرلمان من مقاعد تسهم بقدر تأثيرها في قرار البرلمان من الناحيتين التشريعية والرقابية(18).
_______________
1- د. عبد الله ناصف ، مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981 ، ص 96.
2- د. حسين عثمان محمد عثمان ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، الدار الجامعية ، الإسكندرية ، 1988 ، ص 256.
3- د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، سلطة ومسؤولية رئيس الدولة في النظام البرلماني ، ط (1) ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 1995 ، ص 29 وما بعدها.
4- د. رأفت دسوقي ، هيمنة السلطة التنفيذية على أعمال البرلمان ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2006 ، ص 141.
5- د. إبراهيم عبد العزيز شيحا ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، منشأة المعــــارف ، الإسكندرية ، دون سنة نشر ، ص 59.
6- ومن التطبيقات على ذلك ما حدث في بريطانيا عندما قدم المجلسان – العموم واللوردات – في سنة 1858 اقتراح بلوم الوزارة بالكامل لقيام اللورد رئيس الرقابة بإرسال برقية إلى الحاكم العام في الهند ، لكن رئيس الوزراء دفع هذه المسؤولية عن الوزارة بناء على المبادرة الفردية من هذا الوزير بتحملها وحده ووافق على ذلك مجلس العموم . أبو الحجاج عبد الغني السيد ، المسؤولية الوزارية في النظم الوضعية المعاصرة وفي النظم الإسلامية ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق - جامعة عين شمس ، 2009 ، ص 182.
7- د. حسين عثمان محمد عثمان ، مصدر سابق ، ص 256.
8- د. محمد كامل ليلة ، النظم السياسية (الدولة والحكومة) ، دار النهضة العربية ، بيروت ، لبنان ، 1969 ، ص 909 - 910.
9- د. السيد صبري ، مبادئ القانون الدستوري ، مكتبة عبد الله وهبة ، القاهرة ، 1944 ، ص 199.
10- Twentieth Century Prime Ministers and Their Governments , 25 March 2013 , p.3 , Research published on the Website : http://www.parliament.uk/briefing-papers/SN05650/pil-twentieth-century-prime-ministers-and-their-governments . logged in 10/2/2014 , (6)Pm.
11- د. عادل الطبطبائي ، النظام الدستوري في الكويت (دراسة مقارنة) ، مؤسسة دار العلوم ،الكويت ،1985، ص 822.
12- ينظر المادة (102) من دستور الكويت لسنة 1962.
13- د. يحيى الجمل ، النظام الدستوري في الكويت مع مقدمة في دراسة المبادئ الدستورية العامة ، مطبوعات جامعة الكويت ، كلية الحقوق والشريعة ، 1970-1971 ، ص 387 - 388.
14- مثل ذلك الحكومة الكويتية التي تضامنت مع وزير الصحة الشيخ (احمد العبد الله الصباح) في 4/3/2007 بعد استجوابه من قبل مجلس الأمة فيما يتعلق بقضية (التجاوزات الادارية والفنية وهجرة الاطباء والعلاج في الخارج والتدهور العام للخدمات الصحية) حيث قدمت الحكومة استقالتها قبل يوم واحد من الجلسة المحددة لسحب الثقة من الوزير في 5/3/2007 . تاريخ الاستجوابات في الكويت ، الفصل التشريعي (11) ، دور الانعقاد (2) . ينظر الموقع الالكتروني لمجلس الأمة الكويتي تاريخ تسجيل الدخول في 17/ 1/2014 ، الساعة (7) مساء : http://www.kna.kw .
15- تنص المادة (78) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 على ان " رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة ... ويقوم بإدارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته ....." .
16- تنص المادة (80) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 على ان " يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الاتية :
اولا : تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة والخطط العامة والاشراف على عمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة " .
17- د. مصدق عادل طالب ، نائب رئيس مجلس الوزراء في النظام السياسي (دراسة تحليلية مقارنة في الدساتير العراقية) ، ط (1) ، مكتبة السنهوري ، بغداد ، 2014، ص 176 وما بعدها .
18- لم يرد في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النص على منصب نائب رئيس مجلس الوزراء الا المادة (139) منه التي تنص على ان " يكون لرئيس مجلس الوزراء نائبان في الدورة الانتخابية الاولى " . بعكس قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (24/اتحادية/2011) في 16/5/2011 الذي ذهب الى ان وجود نواب لرئيس مجلس الوزراء بعد انتهاء الدورة الاولى لمجلس النواب امر متروك لتقدير رئيس مجلس الوزراء في الدورات اللاحقة ، وحسب ما يتطلبه برنامجه الوزاري والمهام المنوطة به والصلاحيات المخولة له في المادتين (78و80) من الدستور . القرار منشور على الموقع الالكتروني لمجلس القضاء الاعلى ، مصدر سابق ، تم تسجيل الدخول في 20/2/2014 الساعة (6) مساء.
19- د. احمد فتحي ســرور ، منهج الاصلاح الدستوري ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2006 ، ص 128.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة