المسؤولية السياسية أمام هيئة الناخبين في النظام الدستوري البريطاني
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص37-38
2025-12-07
35
بعد ذلك تطورت المسؤولية السياسية حتى بدأت في الاستقرار في أوائل القرن التاسع عشر ، مما أدى إلى ظهور قاعدة جديدة تتلخص في انه إذا حدث خلاف ما بين مجلس العموم والوزارة ، وكان المجلس قد سحب الثقة من الوزارة ، فتستطيع الأخيرة بدلا من الاستقالة أن تقوم بحل مجلس العموم وتحتكم إلى الشعب ليكون هو الحكم بينهما عن طريق الانتخابات التشريعية(1). وحدث هذا التطور في بريطانيا نتيجة الأسباب الآتية :-
1- الإصلاحات الانتخابية واتساع هيئة الناخبين ، ومنها إصلاحات السنوات (1832 و1867 و1884) ، بحيث أصبحت هيئة الناخبين لا مجلس العموم هي الجهة المختصة بالفصل في المسائل السياسية الهامة كمصير الوزارة ، ومن ثم فلم يعد المجلس في مركز أسمى من الوزارة ، وإنما أصبح الاثنان في مركز واحد يخضعان لهيئة الناخبين ، بحيث أصبحت الوزارة تتجه نحو إقناع الشعب بسياستها العامة ، متجاهلة بذلك مجلس العموم باعتبارها تستمد ثقتها من الشعب مباشرة ، ومن ثم فأنها لا تنتظر حتى يسحب المجلس الثقة منها ، وإنما يمكنها حله وتعرض الأمر على الشعب حتى يؤكد الأخير ثقته فيها(2).
2- نظام الثنائية الحزبية الذي تمتاز به بريطانيا ، أدى إلى تغير في الوضع التقليدي للنظام البرلماني فيها ، فلم يعد هذا النظام يقوم على أساس التوازن بين الوزارة والبرلمان ، وذلك لان الحكومة البريطانية عبارة عن لجنة من حزب الأغلبية البرلمانية في مجلس العموم , وبذلك أصبح الحزب الحاكم يسيطر على السلطتين التشريعية والتنفيذية ، فضلا عن أن المسؤولية السياسية لم تعد تنعقد أمام مجلس العموم من الناحية العملية ، لان الحزب الحاكم لن يخاطر بسحب الثقة من الحكومة المشكلة منه حتى لا يضر بمصالحه ، وإزاء ضعف الأقلية البرلمانية فلم يعد بوسعها سحب الثقة من الوزارة إلا في حالات نادرة(3).
لذلك ذهب بعض الفقه إلى القول بتقادم المسؤولية السياسية في بريطانيا ، وذلك لعدم استقالة أي حكومة على اثر اقتراع باللوم أو سحب الثقة منها من قبل مجلس العموم منذ أمد بعيد ، ومن ثم يكون حق المجلس في سحب الثقة قد سقط بعدم الاستعمال وأصبح الاقتراح بلوم الحكومة أو سحب الثقة منها مجرد وسيلة فنية في يد المعارضة لإرغام الحكومة على شرح سياستها ، كما انه يعتبر أداة لأثارة الرأي العام إزاء بعض المسائل المصيرية(4).
في حين ذهب رأي آخر إلى أن النظام البريطاني لا يزال نظاما برلمانيا خالصا ، يقوم على أساس التوازن بين مجلس العموم والوزارة ، فيكون للوزارة سلاح الحل في مواجهة المجلس ، وبالمقابل يكون للمجلس سلاحه المضاد للوزارة والمتمثل بسحب الثقة منها والدليل على ذلك انه قد تم حل المجلس بالفعل مرات عديدة (5). كما حدث سنة 1979 عندما سحب مجلس العموم الثقة من حكومة جيمس كالاهان (James Callaghan) العمالية مما دفع الأخيرة إلى حل المجلس وعرض النزاع القائم بينها وبين الأغلبية البرلمانية على هيئة الناخبين ، وكانت نتيجة الانتخابات فوز حزب المحافظين بزعامة مارجريت تاتشر (Margret Thatcher) بأغلبية قوية في المجلس ، ومنها تم تشكيل الوزارة بزعامة أول سيدة تشغل هذا المنصب في بريطانيا(6).
ونخلص مما تقدم : الى إن المسؤولية السياسية للحكومة في بريطانيا وسحب الثقة منها ، قد انتقل من الملك إلى البرلمان بمجلسيه (مجلس اللوردات مجلس العموم) عن طريق نظام الاتهام الجنائي Impeachment ، ثم إلى مجلس العموم لوحده عن طريق المسؤولية السياسية البحتة سواء كانت فردية لأحد الوزراء أم تضامنية تشمل الوزارة بكامل هيئتها ، ثم استقرت أخيرا بشكل غير مباشر أمام هيئة الناخبين .
______________
1- د. السيد صبري ، حكومة الوزارة بحث تحليلي لنشأة النظام البرلماني في انجلترا ، المطبعة العالمية ، القاهرة ، 1953، ص 154.
2- د. عبد الله ناصف ، مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981 ، ص 56 وما بعدها. وكذلك د. عصام سليمان ، الأنظمة البرلمانية بين النظرية والتطبيق (دراسة مقارنة) ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2010 ، ص 105.
3- د. طعيمة الجرف ، النظرية العامة للقانون الدستوري وتطور النظام السياسي والدستوري في جمهورية مصر العربية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2001 ، ص 247 . وكذلك د. محمد عبد الحميد أبو زيد ، حل المجلس النيابي (دراسة مقارنة) ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1988 ، ص 69 ، ود. محمد رفعت عبد الوهاب ، النظم السياسية ، الدار الجامعة الجديدة للنشر والتوزيع ، الإسكندرية ، 2007 ، ص 312-313.
4-G . Vedel : Institutions Politiques De monde Contemporains , Paris , 1972 , P. 352.
نقلا عن د. محمد عبد الحميد أبو زيد ، توازن السلطات ورقابتها (دراسة مقارنة) ، دار النهضة العربية ، القاهرة ،2003، ص 69.
5- د. خالد عباس مسلم ، حق الحل في النظام النيابي البرلماني ( دراسة مقارنة) ، مكتبة الثقافة الدينية ، القاهرة ، 1997، ص 32 .
6- د. محمد عبد الحميد أبو زيد ، توازن السلطات ورقابتها (دراسة مقارنة) ، دار النهضة العربية ، القاهرة ،2003 ، ص 138.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة