تمييز المسؤولية السياسية عن المسؤولية المدنية
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص13-15
2025-12-06
96
إن فقهاء القانون المدني لم يتفقوا على تعريف موحد للمسؤولية المدنية ولكن يمكن تعريفها – بوجه عام – بأنها : التزام الذي يقع على الشخص بتعويض الضرر الذي ألحقه بالآخرين بفعله أو بفعل الأشخاص أو الأشياء التي يسأل عنها(1). في المسؤولية المدنية يكون الفاعل قد أخل بالتزام مقرر في ذمته وترتب على هذا الإخلال ضرر للغير فيصبح مسؤولاً قبل المتضرر ، وملتزماً بتعويضه عما أصابه من ضرر ، ويكون للمضرور وحده حق المطالبة بالتعويضات ، ويعتبر هذا الحق حقاً مدنياً خالصا له(2). والمسؤولية المدنية نوعان : عقدية وتقصيرية ، أما المسؤولية العقدية فهي الجزاء الذي يترتب على الإخلال بالتزام ناشئ عن العقد كالامتناع عن تسليم المبيع من قبل البائع . فيما يقصد بالمسؤولية التقصيرية انها الجزاء الذي يترتب على الإخلال بالتزام أي واجب يفرضه القانون على الكافة بعدم الأضرار بالغير كالالتزام بعدم تجاوز قدر معين من السرعة(3). وتتميز المسؤولية السياسية عن المسؤولية المدنية من عدة نواحي منها :-
1- من حيث الأشخاص الخاضعين للمسؤولية : يخضع للمسؤولية السياسية فقط كل من يمارس سلطة سياسية ، فلا يمكن ترتيبها في حق أشخاص لا يشغلون مناصب سياسية(4). أما فيما يتعلق بالمسؤولية المدنية فيخضع رئيس الوزراء والوزراء كل على حدة لقواعد المسؤولية المدنية كالأفراد تماماً ، ويلتزمون بتعويض ما يحدث من ضرر( للدولة أو الأفراد) طبقا للقواعد العامة ، شأنهم في ذلك شأن أي فرد من الأفراد العاديين(5).
2- من حيث الأفعال التي ترتبها : تقوم المسؤولية المدنية نتيجة الضرر الذي لحق فردا من الأفراد أو عددا منهم ، فهي تنهض في جميع الحالات التي تشكل عملا ضارا غير مشروع نجم عنه ضرر بالغير ، سواء كان العمل غير المشروع عمداً أم غير عمد ، لذا فإن الضرر الذي ينشأ عنه يجب إن يعوض تعويضاً كاملاً دون تفريق بين الحالتين ، وإن كان القضاء يميل ميلا طبيعياً إلى زيادة التعويض في الفعل العمد والى قياس التعويض بجسامة الخطأ في الفعل غير العمد(6). أما المسؤولية السياسية فأنها - كما بينا - ترد على جميع أعمال وتصرفات الوزراء ، سواء في ذلك الأعمال والتصرفات الايجابية والسلبية ، المشروعة وغير المشروعة ، العمدية وغير العمدية .
3- من حيث الجهات التي تتولى تحريك المسؤولية : فبالنسبة للجهات التي تتولى تحريك المسؤولية السياسية ، فهي الجهات المنصوص عليها في الدستور وتتم وفقاً للإجراءات التي ترسمها الأنظمة واللوائح الداخلية للبرلمان. وأما بالنسبة لتحريك المسؤولية المدنية فيكون المدعي فيها هو الشخص المتضرر نفسه وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في القوانين المدنية وقوانين المرافعات والإثبات وأمام المحاكم العادية.
4- من حيث الجزاء : تختلف المسؤوليتين من حيث الجزاء الذي يترتب على كل واحدة منهما ، فجزاء المسؤولية المدنية هو إلزام الشخص المسؤول بالتعويض للمضرور وهو عادة مبلغ من النقود(7). وأما جزاء المسؤولية السياسية فهو جزاء سياسي محض ، وهو ترك المناصب الوزارية والتخلي عنها إلى أشخاص آخرين حائزين على ثقة البرلمان(8).
فالخلاصة : إن مسؤولية الوزراء لا تقف عند حد مسؤوليتهم السياسية أمام البرلمان وإنما تكون مسؤوليتهم شاملة ، فهم يساءلون مدنيا - شأنهم في ذلك شأن الأفراد - عن الاضرار التي يسببونها للدولة أو للأفراد ، ومن ثم يلزمون بتعويض المتضرر عما أصابه من ضرر ويساءلون جنائي أيضا عما يرتكبونه من جرائم . اي إن المسؤوليتين المدنية والجنائية لا تخصان النظام البرلماني وحده ولكنهما مقررتان في النظم الاخرى ، وتبقى المسؤولية السياسية هي المميزة للنظام البرلماني وحده(9).
______________
1- د. حسن علي الذنون ، المبسوط في شرح القانون المدني ، دار وائل للنشر ، عمان ، الأردن ، 2006 ، ص 11.
2- د. سليمان مرقس ، الوافي في شرح القانون المدني (الالتزامات في الفعل الضار والمسؤولية المدنية) ، القسم الأول ، الأحكام العامة ، المجلد الأول ، دون دار نشر ، 1992 ، ص 5.
3- د. عبد المجيد الحكيم ، الموجز في شرح القانون المدني (مصادر الالتزام) ، المكتبة القانونية ، بغداد ، 2007 ، ص 466.
4- د. عبد الله ناصف ، مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981 ، ص 95.
5- د. محمد قدري حسن ، رئيس الوزراء في النظم البرلمانية المعاصرة (دراسة مقارنة) ، دار الــفكر العربي ، القاهرة ، 1987 ، ص 279.
6- د. عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد (نظرية الالتزام بوجه عام – مصادر الالتزام) ، الجزء الأول ، المجلد الثاني ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2009 ، ص 844.
7- د. حسن علي الذنون ، المبسوط في شرح القانون المدني (الضرر) ، المجلد الأول ، دار وائل للنشر ، عمان ، الأردن ، 2006 ، ص 15.
8- د. وحيد رأفت و د. وايت إبراهيم ، القانون الـدستوري ، المطبعة العـصرية ، الـقاهرة ، 1937 ، ص 458.
9- د. سعيد السيد علي ، المسؤولية السياسية في الميزان (دراسة مقارنة) ، أبو المجد للطباعة ، القاهرة ، 2008 ، ص 48.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة