المسؤولية السياسية الخالصة في النظام الدستوري البريطاني
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص35-36
2025-12-08
30
بعد توسع سلطات البرلمان وتقييد سلطات الملك ، خفت حدة النزاعات بينهما مع بدايات القرن الثامن عشر ، وبعد إن فقد نظام الاتهام الجنائي قوته واخذ البرلمان يستخدم هذا النظام لأبعاد الوزراء عن مناصبهم ، فأصبحت العقوبة تقتصر على العزل دون إن يجرد الوزير من ماله أو شرفه ، وبذلك تغيرت وظيفة الاتهام الجنائي فلم تعد جنائية وأنما أصبحت سياسية بحتة ، كما اختفى أسلوب الاعدام المدني فلم يتم استخدامه منذ حكم أسرة (آل هانوفر) سنة 1714 ، ثم ندر بعد ذلك استخدام الاتهام الجنائي بمعناه الأصلي(1). إذ أصبح يكفي إن يهدد مجلس العموم باستخدامه حتى يستقيل الوزير من منصبه ، وهذا ما حدث سنة 1742 بشأن الخلاف ما بين المجلس والوزير الأول روبرت والبول (Robert Walpole) ، فعندما طالب مجلس العموم بإقالته من منصبه اعترض الأخير على ذلك باعتباره احد موظفي التاج ، وإن الوزير لا يترك عمله الا إذا تم عزله من قبل التاج نفسه أو من قبل البرلمان عن طريق توجيه اتهام جنائي له ، ولكنه اضطر في النهاية إلى الاستقالة من منصبه. عندما أدرك نية المجلس اللجوء إلى اتهامه بطريقة الاتهام الجنائي لارتكابه جرائم ضد الدولة(2). إذ أعلن زعيم الأغلبية البرلمانية في مجلس العموم في ذلك الوقت المستر بلتني (Mr.Pulteney) بأنه لا يهدف إلى محاكمة الوزراء شخصيا وإنما يريد أبعادهم عن الحكم فقط ، ويتضح من هذا التصريح الفرق بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية السياسية ، فالأولى ترمي إلى معاقبة الوزير بعقوبة جنائية ، وأما الثانية فترمي إلى إبعاد الوزير غير المرغوب فيه عن الحكم دون اتهامه جنائيا(3). وبتلك الاستقالة ظهرت الصورة الأولى للمسؤولية السياسية وهي المسؤولية السياسية الفردية ، لأنه على الرغم من ان (والبول) كان يشغل منصب الوزير الأول ، الا أن استقالته كانت فردية أما باقي أعضاء وزارته فقد ظلوا في مناصبهم ، لان المسؤولية السياسية التضامنية للوزارة لم تكن قد استقرت بعد في ذلك الوقت(4). ومن ثم تعاقبت الوزارات والأحداث في بريطانيا بعد استقالة (روبرت والبول) إلى إن وصل الأمر إلى وزارة (Lord North) (1770-1782) الذي كان من المؤيدين لسياسة الملك فبدأ البرلمان يهاجم سياسة (نورث) وخصوصاً السياسة التي أتبعها حيال المستعمرات الأمريكية(5). وكان نتيجة هذا الصراع والهجوم المتبادل انتصار البرلمان واضطرار (نورث) إلى الاستقالة سنة 1782 ، فقد أصدر البرلمان قرارين متعاقبين بسحب الثقة من (نورث) ووزرائه ، والجديد بالنسبة لهذه الاستقالة أنها كانت استقالة تضامنية شملت الوزارة كلها ، بعكس استقالة (روبرت والبول) التي كانت فردية اقتصرت عليه وحده دون بقية الوزراء . ومن هذا التاريخ استقرت المسؤولية السياسية على وجه التضامن ، وبظهور المسؤولية التضامنية إلى جانب المسؤولية الفردية استقرت قواعد المسؤولية السياسية بشقيها التضامني والفردي في النظام الدستوري البريطاني . وترتب على إقرار المسؤولية السياسية للوزارة بصورتيها التضامنية والفردية أمام مجلس العموم النتائج الآتية :-
1- استقرار النظام البرلماني وقيامه باركانه كافة المعروفة حاليا في النظام الدستوري البريطاني .
2- ظهور قاعدة دستورية جديدة تقضي بأحقية زعيم المعارضة في مجلس العموم بتشكيل الوزارة الجديدة ، كما حدث عندما دعا الملك (Pulteney) بعد استقالة (RobertWalpole) لتشكيل الوزارة الجديدة ، ثم تأكدت هذه القاعدة بعد استقالة (Lord North) عندما استدعى الملك روكنجهام (Rockingham) لتشكيل الوزارة الجديدة بعد استقالة نورث(6).
3- ظهور قاعدة دستورية جديدة أخرى لها أهميتها في النظام البرلماني سنة 1784 في عهد وزارة (وليم بت) ، مقتضاها الاعتراف للوزارة بحق حل مجلس العموم ، وذلك في حال حدوث نزاع بينها وبين المجلس فتستطيع بدلا من الاستقالة أن تطلب من الملك حل مجلس العموم واللجوء إلى الشعب ليكون هو الحكم بينهما(7). باعتبار ان سلاح الحل يحقق التوازن بينهما كمقابل لسلاح سحب الثقة الذي يملكه مجلس العموم في مواجهتها ، فلا يرجح كفة أحداهما على الأخرى(8). ويعد حق الحل من أنجع الوسائل التي تستخدمها الحكومة وأخطرها في مواجهة البرلمان لحفظ التوازن المنشود في النظام البرلماني , فكما أن البرلمان يملك حق تقرير المسؤولية السياسية للوزارة تملك الأخيرة حق الدفاع عن نفسها عن طريق حل البرلمان(9).
_____________
1- د. رمضان محمد بطيخ ، تزايد دور السلطة التنفيذية وأثره على الديمقراطية ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1988 ، ص 40 ، وكذلك د. عبد الله ناصف ، مصدر سابق ، ص 53.
2- A. H. Birch : The British System of Government , George Allen & Unwin LTD , London ,1970 , p . 55 .
3- د. السيد صبري ، مبادئ القانون الدستوري ، مكتبة عبد الله وهبة ، القاهرة ، 1944 ، ص 196.
4- د. وحيد رأفت و د. وايت إبراهيم ، الــــقـــــانون الــــــــــدستوري ، المطبعة العـــــصرية ، الـــــــــــــقاهرة ، 1937 ، ص 376 . وكذلك د. السيد صبري ، حكومة الوزارة بحث تحليلي لنشأة النظام البرلماني في انجلترا ، المطبعة العالمية ، القاهرة ، 1953، ص 216 .
5- John. P. Mackintosh : The British Cabinet , second edition , Stevens & sons Ltd , London , 1968 , p . 64 .
6- د. محمد كامل ليله ، النظم السياسية (الدولة والحكومة) ، دار النهضة العربية ، بيروت ، لبنان ، 1969 ، ص 909 - 910.
7- ميشيل ستيوارت ، نظم الحكم الحديثة ، ترجمة احمد كامل ، مراجعة د. سليمان الطماوي ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1962 ، ص 41.
8- د. يحيى الجمل ، الأنظمة السياسية المعاصرة ، دار النهضة العربية ، بيروت ، لبنان ، 1969 ، ص 198 .
9- مها بهجت يونس الصالحي ، حل المجالس النيابية في العراق ، رسالة ماجستير ، كلية القانون - جامعة بغداد ، 1995 ، ص 33 وما بعدها.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة