موقف الفقه والقانون والقضاء من فحص الدم والبول في التحقيق الجنائي |
12422
01:36 مساءً
التاريخ: 11-12-2017
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-4-2016
3348
التاريخ: 8-4-2016
3459
التاريخ: 8-4-2016
3074
التاريخ: 8-4-2016
2410
|
لقد اختلف موقف الفقه والقانون ومن ثم القضاء من استخدام تحاليل الدم والبول في العملية الإثباتية، لذلك سنحاول استظهار هذا الموقف بشكل جلي على النحو التالي:
1- موقف الفقه: لقد أثار أمر اللجوء إلى انتزاع عينة من دم المشتبه به لتحليلها اختلافا فقهيا كبير أدى إلى انقسام الفقه إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول: يرفض أنصار هذا الاتجاه أخذ عينة من دم المشتبه به أو بوله، لأن مثل هذا الإجراء يمثل اعتداء على الحرية الشخصية والسلامة الجسدية للمتهم، وعلى أساس ذلك يشترط أصحاب هذا الاتجاه أن أخذ عينة من دم المشتبه به تتحقق وفق شرطين أولهما الموافقة المبدئية للمشتبه به، وثانيهما الحصول على إذن من القاضي.(1)
الاتجاه الثاني: ويمثله أغلبية الفقهاء، التي تأخذ بجواز اللجوء إلى أخذ عينة من دم المشتبه به أو بوله، لضرورة ذلك في انجاز عملية المضاهاة التي تتطلب المقارنة بين بقع الدم التي تم العثور عليها ودم المشتبه به، باعتبار أن نتائج هذه العملية تكاد تكون مؤكدة(2)، وبالرغم من أن أنصار هذا الاتجاه اتفقوا على جواز أخذ عينة من دم المشتبه به إلا أنهم اختلفوا في الأساس الذي يستند إليه تفسير جواز هذا الفعل، فمنهم من يرى أخذ عينة من دم المشتبه به يعتبر عملا من أعمال التفتيش وهو رأي الفقه الفرنسي، في حين ذهب الاتجاه الآخر إلى القول أن هذا الإجراء يندرج في نطاق أعمال الخبرة إذ يتم إجراءه من ذوي الاختصاص، أي من قبل طبيب مختص، وليس من قبل مأمور الضبط القضائي.(3) ومن هذا المنطلق يرى أنصار هدا الاتجاه أن اخذ عينات من دم أو بول المشتبه به لا يترتب عليه أي ضرر يستحق، بالموازنة مع مصلحة المجتمع فهي تعد من قبيل الإجراءات التي اقرها العرف واطمئن القضاء لنتائجها باعتبارها وسيلة علمية مؤكدة(4)
2- موقف القانون من فحص الدم :
- موقف التشريعات المقارنة: لقد كان للقانون موقفا اتجاه اخذ عينة من دم المشتبه به لمقارنتها بالدماء التي وجدت في مكان الجريمة، فلقد اتجهت كثير من الدول الغربية والعربية إلى جواز الاستعانة بهذه الوسيلة العلمية في المجال الجنائي. إذ نص المشرع الفرنسي على جعل اخذ عينات الدم وجوبا في حوادث وسائل النقل وفي كل حالة تبدو فيها حالة السكر على سائق العربة، ويعاقب بالحبس كل من يمتنع الخضوع لفحص الدم(5) في حين نصت القوانين الأمريكية بضرورة خضوع السائقين الذين يشتبه في وقوعهم تحت تأثير المخدر الخضوع لفحص الدم، وإذا رفضوا تعرضوا لسحب رخصة القيادة، ويجب أن يتم فحص الدم من قبل أشخاص مرخص لهم بذلك وإلا اعتبر هذا الإجراء ماسا بحرمة الحياة الخاصة(6) أما بالنسبة للمشرع المصري نجده ينص في المادة 66 من القانون رقم 66 لسنة 1973 المتعلق بتنظيم المرور على أنه: " يحظر قيادة أي مركبة على من كان واقعا تحت تأثير خمر أو مخدر، وإلا سحبت رخصة قيادته إداريا لمدة 90 يوما ولضباط وأمناء ومساعدي الشرطة والمرور عند الاشتباه فحص حالة قائد المركبة بالوسائل الفنية التي يحددها وزير الداخلية مع الاتفاق مع وزير الصحة، أو إحالته إلى أقرب مقر شرطة مرور لإحالته إلى اقرب جهة طبية مختصة لفحصه، فإذا امتنع أو لجأ إلى الهرب سحبت رخصته إداريا للمدة المذكورة ". يتضح من نص هذه المادة أن المشرع المصري لم يشر صراحة إلى أخذ عينة من دم المشتبه به، وإنما ألزم بضرورة فحص حالة قائد المركبة بالوسائل الفنية، أو بإحالته إلى اقرب جهة طبية مختصة لفحصه، مما يعني موافقة المشرع ضمنيا على أخذ عينات الدم للتعرف على حالات السكر(7)
- موقف التشريع الجزائري: لقد تناول المشرع الجزائري مسألة فحص الدم بالتدقيق من خلال القانون رقم 09- 03 المؤرخ في رجب عام 1430 الموافق ل 22 جويلية 2009 المعدل والمتمم للقانون رقم 01– 14 المتعلق بتنظيم حركة المرور عبر الطرق -وسلامتها وأمنها، والذي يقرر خضوع سائق السيارة إلى الفحص وذلك بأخذ عينة من دمه لإجراء الفحوص، فالمشرع يجيز هذا النوع من الإجراء ولا يعتبره عدوانا على الحرية الفردية مادامت المصلحة العامة تقتضي ذلك، باعتبار أن القيادة في حالة السكر تعد من أخطر الجرائم.
فقد نصت المادة 8 التي تعدل وتتمم أحكام المادة 19 من القانون رقم 01-14 على أنه:"في حالة وقوع حادث مرور جسماني يجري ضباط وأعوان الشرطة القضائية على كل سائق أو مرافق للسائق المتدرب من المحتمل أن يكون في حالة سكر والمتسبب في وقوع الحادث، عملية الكشف عن تناول الكحول بطريقة زفر الهواء وعملية الكشف عن استهلاك المخدرات، أو المواد المهلوسة عن طريق جهاز تحليل اللعاب، عندما تبين عمليات الكشف احتمال وجود حالة سكر، أو الوقوع تحت تأثير المخدر، أو المواد المهلوسة، أو عندما يعترض السائق، أو مرافق المتدرب على نتائج هذه العمليات، أو يرفض إجراءها يقوم ضباط، أو أعوان الشرطة القضائية بإجراء عمليات الفحص الطبي والإستشفائي للوصول إلى إثبات ذلك". ونستشف من نص هذه المادة أن المشرع الجزائري لم ينص صراحة على أخذ عينات الدم إذ اكتفى بقوله:" ... بإجراء عمليات الفحص الطبي الإستشفائي للوصول إلى إثبات ذلك ". هذا ما ورد في الفقرة الثانية من نص المادة . كما يتضح من نص المادة أيضا أن عملية الكشف عن تناول الكحول يتم عن طريق زفر الهواء. كما نجد أن المشرع الجزائري لم يقتصر الأمر على مجرد وقوع الحادث، بل أنه يجبر إخضاع كل سائق يشتبه في وجوده في حالة سكر لنفس العمليات المنصوص عليها في المادة 19 السالفة الذكر، وهذا ما قررته المادة 19 مكرر من نفس القانون. وفي حالة رفض سائق المركبة الخضوع للفحوص الطبية الإستشفائية المنصوص عليها في المادة 19 ، وعند ثبوت ارتكابه لحادث جسماني وهو تحت تأثير مشروب كحولي يتميز بوجوده في الدم بنسبة تعادل أو تزيد على 0.20 غ في الألف(8)، فأنه يعاقب بالحبس من ستة أشهر لسنتين وبغرامة من 50000 إلى 100.000 دج وهو ما نصت عليه المادة 75 من القانون 03-09 بقولها :" يعاقب بالحبس من ستة( 6) أشهر إلى - سنتين( 2) وبغرامة من 50.000 دج إلى 100000 دج لكل سائق، أو مرافق لسائق متدرب برفض الخضوع للفحوص الطبية و الإستشفائية والبيولوجية المنصوص عليها من المادة 19 أعلاه ". وهي نفس العقوبة التي يتعرض لها السائق، أو المرافق للسائق المتدرب في حالة السياقة في إطار المتهمين بدون مقابل، أو بمقابل مثلما في هذا القانون وهو تحت تأثير مشروب كحولي وهو ما نصت عليه المادة 74 من نفس القانون. كما ميز بين حادث المرور الجسماني والذي تناولناه فيما سبق وبين حادث المرور المميت.
حيث نصت المادة 20 من القانون 01-14 المؤرخ في 19 أوت 2001 على - أنه :" في حالة وقوع حادث مرور أدى إلى القتل الخطأ يجب أن يخضع ضباط وأعوان الشرطة القضائية السائق إلى فحوص طبية واستشفائية وبيولوجية لإثبات ما إذا كان يقود سيارته تحت تأثير مواد، أو أعشاب مصنفة ضمن المخدرات". ويتضح لنا من نص المادة 20 أن المشرع قد ألزم ضباط الشرطة القضائية، أو أعوانهم إخضاع السائق لإجراء الفحوص الطبية بمجرد ترتب القتل الخطأ، لإثبات ما إذا كان الشخص الذي يقود السيارة تحت تأثير مواد أو أعشاب مصنفة ضمن المخدرات. ونظرا لخطورة حوادث المرور الجسمانية أو المميتة نجد أن المشرع قد أوجب في المادة 21 من قانون المرور بضرورة الاحتفاظ بعينة من التحاليل، وهو ما نص عليه بقوله : " عندما يتم التحقق بواسطة وسائل التحليل والفحوص الطبية والإستشفائية والبيولوجية المذكورة في المادتين 19 و 20 أعلاه، يجب الاحتفاظ بعينة من التحليل ". وفي الأخير يمكننا القول أن المشرع الجزائري بالرغم من أنه لم يتناول مسألة أخذ عينة من دم المشتبه به في قانون الإجراءات الجزائرية، إلا أنه تدارك هذا النقص من خلال تناول هذا الإجراء في قانون المرور، فبالرغم من أن هذا الإجراء يتطلب التعرض لحرية الشخص والمساس بسلامته الجسدية، إلا أنه لا يترتب عليه أي ضرر إذ ما قورن بالمصلحة المراد تحقيقها، باعتبار أن المعيار هنا موضوعي يقوم بموازنة بين حجم الضرر الفردي والمنفعة العامة(9)
3- موقف القضاء:
- موقف القضاء الأجنبي: يكاد يجمع القضاء المقارن على جواز أخذ عينة الدم باعتبار أي نتائج التحليل تؤدي إلى تحقيق العدالة. إذ قررت المحكمة العليا الاتحادية في الولايات المتحدة الأمريكية أنه يجوز قبول الأدلة المادية المستمدة من الجسد المشتبه فيه مثل الفحص الطبي على الجسد، أو الكيمائي للدم باعتبار أنه لا تشكل خوفا لقاعدة عدم شهادة الإنسان، إلا أنها أحاطت هذا الإجراء بعدة ضمانات هي:
كما قضت محكمة هورسفري رود في لندن بتاريخ 22/2/1994 بتغريم قاضي بلجيكي إضافة إلى سحب رخصة القيادة منه لمدة 18 شهرا وذلك لضبطه يقود ( سيارته وهو في حالة سكر.(10)
- موقف القضاء الجزائري : لقد ساير القضاء الجزائري غيره من المواقف القضائية بخصوص أخذ عينة دم وتحليلها لإثبات ما إذا كان السائق في حالة سكر أم لا، وهذا ما أكدته المحكمة العليا في عدة قرارات لها، حيث قضت في قرار لها صادر في 1981/02/19 ، أن الخبرة ضرورية لإثبات جريمة قيادة سيارة في حالة سكر ويجب أن تجرى هذه الخبرة حتى لدى اعتراف المتهم أنه كان في حالة سكر(11) كما قضت في قرار آخر لها بأن السياقة في حالة سكر، لا يمكن إثباتها إلا بواسطة التحليل الدموي.(12)
_________________
1- محمد حماد الهيتي، التحقيق الجنائي والأدلة الجرمية، الطبعة الأولى، دار المناهج للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2010 ، ص 335
2- بوشو ليلى، قبول الدليل العلمي أمام القضاء، مذكرة من أجل الحصول على شهادة الماجستير في الحقوق، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2010 ، ص 33 .
3- محمد حماد الهيتي، المرجع السابق، ص 336 .
4- أحمد أبو القاسم، الدليل الجنائي المادي ودوره في إثبات جرائم الحدود والقصاص، الجزء الأول، أطروحة دكتوراه، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، الرياض، 1993 ،. ص 331
5- أحمد أبو القاسم، المرجع نفسه، ص 332
6- بوشو ليلى، المرجع السابق، ص 34 .
7- أحمد أبو قاسم، المرجع السابق، ص 334
8- تنص المادة 03 من قانون المرور المعدلة بموجب القانون 09/03 المؤرخ في 22 جويلية 2009 على أنه حالة السكر تتمثل في وجود الكحول بنسبة تعادل أو تزيد عن 0.20 غ في الألف
9- أحمد أبو القاسم، المرجع السابق، ص 330
10- بوشو ليلى، المرجع السابق، ص 36 .
11- محمد مروان، نظام الإثبات في المواد الجنائية في القانون الوضعي الجزائري، الجزء الثاني، دون ذكر الطبعة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1999 ، ص 443
12- قرار 18284 ، بتاريخ 12 نوفمبر، 1981 ، جيلالي بغدادي، الاجتهاد القضائي في المواد الجزائية، الجزء الأول، الطبعة الأولى، الديوان الوطني للأشغال التربوية 2002 ، ص22.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|