المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

الحسين بن سعيد حماد بن مهران
9-6-2017
المبيدات البايروثرويدية Pyrethroid pesticides
2024-01-22
الحجر النيزكي Meteorite
13-3-2022
مهمة الإسلام.
2023-06-20
بعض الإشكالات حول نزول القران والردّ عليها
23-04-2015
محمد بن علي  بن عبد اللّه بن حمد اللّه بن حرز الدين
30-7-2016


تفسير آية (128-132) من سورة الانعام  
  
6781   04:21 مساءً   التاريخ: 6-11-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنعام /

قال تعالى : {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام : 128 - 132].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام : 128 - 129] .

عطف سبحانه على ما تقدم فقال {ويوم يحشرهم جميعا} أي : يجمعهم ، يريد جميع الخلق . وقيل : الإنس والجن ، لأنه يتعقبه حديثهم . وقيل : يريد الكفار ، وانتصب {اليوم} بالقول المضمر ، لأن المعنى : ويوم يحشرهم جميعا يقول {يا معشر الجن} أي : يا جماعة الجن {قد استكثرتم من الإنس} أي : قد استكثرتم ممن أضللتموه من الإنس ، عن الزجاج ، وهو مأخوذ من قول ابن عباس : معناه من إغواء الإنس وإضلالهم . {وقال أولياؤهم} أي : متبعوهم {من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض} أي : انتفع بعضنا ببعض ، وقد قيل فيه أقوال : أحدها : إن استمتاع الجن بالإنس أن اتخذهم الإنس قادة ورؤساء ، فاتبعوا أهواءهم واستمتاع الإنس بالجن انتفاعهم في الدنيا بما زين لهم الجن من اللذات ودعوهم إليه من الشهوات وثانيها : إن استمتاع الإنس بالجن أن الرجل كان إذا سافر ، وخاف الجن في سلوك طريق ، قال : {أعوذ بسيد هذا الوادي} ثم يسلك ، فلا يخاف . وكانوا يرون ذلك استجارة بالجن ، وإن الجن تجيرهم ، كما قال الله تعالى : {وانه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} واستمتاع الجن بالإنس أن الجن إذا اعتقدوا أن الإنس يتعوذون بهم ، ويعتقدون أنهم ينفعونهم ويضرونهم ، كان في ذلك لهم سرور ونفع ، عن الحسن ، وابن جريج ، والزجاج ، وغيرهم . وثالثها : إن المراد بالاستمتاع طاعة بعضهم لبعض ، وموافقة بعضهم بعضا ، عن محمد بن كعب . قال البلخي : ويحتمل أن يكون الاستمتاع مقصورا عن الإنس . فيكون الإنس استمتع بعضهم ببعض ، دون الجن .

وقوله : {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} يعني بالأجل : الموت ، عن الحسن ، والسدي ، وقيل : البعث والحشر ، لأن الحشر أجل الجزاء ، كما أن الموت أجل استدراك ما مضى . قال الجبائي : وفي هذا دلالة على أنه لا أجل إلا واحد ، لأنه لو كان أجلان لكان الرجل إذا اقتطع دون الموت ، بأن يقتل ، لم يكن بلغ أجله . والآية تتضمن أنهم أجمع قالوا : بلغنا أجلنا الذي أجلت لنا . وقال علي بن عيسى ، وغيره من البغداديين : لا دلالة في الآية على ذلك بل لا يمتنع أن يكون للإنسان أجلان أحدهما : ما يقع فيه الموت والآخر : ما يقع فيه الحشر ، أو ما كان يجوز أن يعيش إليه .

{قال} الله تعالى لهم : {النار مثواكم} أي : مقامكم ، والثواء ، الإقامة .

{خالدين فيها} أي : دائمين مؤبدين فيها معذبين {إلا ما شاء الله} وقيل في معنى هذا الاستثناء أقوال أحدها : ما روي عن ابن عباس ، أنه قال : كان وعيد الكفار مبهما غير مقطوع به ، ثم قطع به لقوله تعالى {إن الله لا يغفر ان يشرك به} وثانيها :

إن الاستثناء إنما هو من يوم القيامة لأن قوله {ويوم يحشرهم جميعا} هو يوم القيامة ، فقال : خالدين فيها مذ يوم يبعثون إلا ما شاء الله من مقدار حشرهم من قبورهم ، ومقدار مدتهم في محاسبتهم ، عن الزجاج قال : وجائز أن يكون المراد : إلا ما شاء الله أن يعذبهم به من أضعاف العذاب وثالثها : إن الاستثناء راجع إلى غير الكفار ، من عصاة المسلمين ، الذين هم في مشيئة الله تعالى ، إن شاء عذبهم بذنوبهم ، بقدر استحقاقهم عدلا ، وإن شاء عفا عنهم فضلا . ورابعها : إن معناه إلا ما شاء الله ممن آمن منهم عن عطاء .

{إن ربك حكيم عليم} أي : محكم لأفعاله ، عليم بكل شيء . وقيل : حكيم في عقاب من يختار أن يعاقبه ، والعفو عمن يختار أن يعفو عنه ، عليم بمن يستحق الثواب ، وبمقدار ما يستحقه ، وبمن يستحق العقاب ، وبمقدار ما يستحقه .

{وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون} الكاف للتشبيه أي : كذلك المهل بتخلية بعضهم عن بعض ، للامتحان الذي معه يصح الجزاء على الأعمال توليتنا بعض الظالمين بعضا ، بأن نجعل بعضهم يتولى أمر بعض ، للعقاب الذي يجري على الاستحقاق ، عن علي بن عيسى . وقيل : معناه إنا كما وكلنا هؤلاء الظالمين من الجن والإنس ، بعضهم إلى بعض ، يوم القيامة ، وتبرأنا منهم ، فكذلك نكل الظالمين بعضهم إلى بعض ، يوم القيامة ، ونكل الأتباع إلى المتبوعين ، ونقول للأتباع : قولوا للمتبوعين حتى يخلصوكم من العذاب ، عن أبي علي الجبائي ، قال : والغرض بذلك إعلامهم أنه ليس لهم يوم القيامة ولي يدفع عنهم شيئا من العذاب . وقال غيره : لما حكى الله تعالى ما يجري بين الجن والإنس من الخصام والجدال في الآخرة ، قال : {وكذلك} أي : وكما فعلنا بهؤلاء من الجمع بينهم في النار ، وتولية بعضهم بعضا ، نفعل مثله بالظالمين جزاء على أعمالهم . وقال ابن عباس : إذا رضي الله عن قوم ، ولى أمرهم خيارهم ، وإذا سخط على قوم ولى أمرهم شرارهم} {بما كانوا يكسبون من المعاصي} أي : جزاء على أعمالهم القبيحة ، وذلك معنى قوله : {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} .

ومثله ما رواه الكلبي ، عن مالك بن دينار ، قال : {قرأت في بعض كتب الحكمة أن الله تعالى يقول : إني أنا الله مالك الملوك ، قلوب الملوك بيدي ، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ، ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم} . وقيل معنى قوله : {نولي بعضهم بعضا} : نخلي بينهم وبين ما يختارونه من غير نصرة لهم . وقيل : معناه نتابع بعضهم بعضا في النار من الموالاة : التي هي المتابعة أي : يدخل بعضهم النار عقيب بعض ، عن قتادة .

 {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ * ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ * وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام : 130 - 132] .

ثم بين ، عز وجل ، تمام ما يخاطب به الجن والإنس ، يوم القيامة ، بأن يقول {يا معشر الجن والإنس} والمعشر : الجماعة التامة من القوم التي تشتمل على أصناف الطوائف . ومنه العشرة لأنها تمام العقد {ألم يأتكم رسل منكم} هذا احتجاج عليهم بأن بعث إليهم الرسل إعذارا وإنذارا ، وتأكيدا للحجة عليهم . وأما قوله : {منكم} وإن كان خطابا لجميعهم والرسل من الإنس خاصة ، فإنه يحتمل أن يكون لتغليب أحدهما على الآخر كما قال تعالى {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} وإن كان اللؤلؤ يخرج من الملح دون العذب ، وكما يقال : أكلت الخبز واللبن ، وإنما يؤكل الخبز ويشرب اللبن ، وهو قول أكثر المفسرين ، والزجاج ، والرماني . وقيل : إنه أرسل رسل إلى الجن كما أرسل إلى الإنس ، عن الضحاك ، وقال الكلبي : كان الرسل يرسلون إلى الإنس ، ثم بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإنس والجن . وقال ابن عباس : إنما بعث الرسول من الإنس ، ثم كان يرسل هو إلى الجن ، رسولا من الجن . وقال مجاهد : الرسل من الإنس ، والنذر من الجن .

{يقصون} أي : يتلون ويقرأون {عليكم آياتي} أي : حججي ، ودلائلي ، وبيناتي . {وينذرونكم} أي : يخوفونكم {لقاء يومكم هذا} أي : لقاء ما تستحقونه من العقاب في هذا اليوم ، وحصولكم فيه ، يعني يوم القيامة {قالوا شهدنا على أنفسنا} بالكفر والعصيان في حال التكليف ، ولزوم الحجة ، وانقطاع المعذرة ، واعترافنا بذلك .

{وغرتهم الحياة الدنيا} أي : تزينت لهم بظاهرها ، حتى اغتروا بها {وشهدوا على أنفسهم} في الآخرة {أنهم كانوا كافرين} في الدنيا : أي : أقروا بذلك وشهدوا باستحقاقهم العقاب {ذلك} حكم الله تعالى {أن لم يكن ربك} أي : لأنه لم يكن ربك {مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} وهذا يجري مجرى التعليل أي : لأجل أنه لم يكن الله تعالى ، ليهلك أهل القرى بظلم يكون منهم ، حتى يبعث إليهم رسلا ، ينبهونهم على حجج الله تعالى ، ويزجرونهم ، ويذكرونهم ، ولا يؤاخذهم بغتة ، وهذا إنما يكون منه تعالى على وجه الاستظهار في الحجة ، دون أن يكون ذلك واجبا ، لأن ما فعلوه من الظلم ، قد استحقوا به العقاب .

وقيل : معناه أنه تعالى لا يهلكهم بظلم منه على غفلة منهم من غير تنبيه ، وتذكير ، عن الفراء ، والجبائي . ومثله قوله {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} .

وفي هذا دلالة واضحة على أنه تعالى منزه عن الظلم ، ولو كان الظلم من خلقه ، لما صح تنزهه تعالى عنه {ولكل} أي : ولكل عامل طاعة ، أو معصية {درجات مما عملوا} أي : مراتب في عمله على حسب ما يستحقه فيجازى عليه ، إن كان خيرا فخير ، وإن كان شرا فشر ، وإنما سميت درجات لتفاضلها ، كتفاضل الدرج في الارتفاع والانحطاط ، وإنما يعبر عن تفاضل أهل الجنة بالدرج ، وعن تفاضل أهل النار بالدرك ، إلا أنه لما جمع بينهم عبر عن تفاضلهم بالدرج تغليبا لصفة أهل الجنة .

{وما ربك} يا محمد ، أو أيها السامع {بغافل} أي : ساه {عما يعملون} أي : لا يشذ شيء من ذلك عن عمله فيجازيهم على حسب ما يستحقونه من الجزاء ، وفي هذا تنبيه وتذكير للخلق في كل أمورهم .

______________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 161-165 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

{ ويَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } أي الإنس والجن ، ونقول : { يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ } أي استكثرتم من اغوائهم واضلالهم { وقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الإِنْسِ } الضمير في أولياؤهم يعود إلى الجن ، أي ان الإنس الذين تولوا الجن وأطاعوهم قالوا للَّه تعالى : { رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ } أي ان الجن استمتعوا بالإنس ، والإنس استمتعوا بالجن ، وبيّن الرازي وجه هذا الاستمتاع بقوله :

كان الإنس يطيعون الجن ، فصار الجن كالرؤساء . . فهذا استمتاع الجن بالإنس ، أما استمتاع الإنس بالجن فهو ان الجن كانوا يدلون الإنس على أنواع الشهوات والطيبات ، ويسهلونها عليهم .

{ وبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا } ما زال الكلام للإنس الذين أطاعوا الجن ، والمعنى ان استمتاع بعضنا ببعض كان إلى أجل معين ، ووقت محدود ، وهو اليوم الذي كان فيه فراقنا للحياة الدنيا . . وها نحن بين يديك نعترف بذنوبنا ، فاحكم فينا بما تشاء . {قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ} هذا هو الحكم الفاصل ، والجزاء العادل {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} يمضي قضاؤه بالناس على أساس الحكمة والعلم .

{ وكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ } . لما ذكر سبحانه في الآية المتقدمة 127 انه هو ولي المؤمنين ذكر هنا ان الكافرين من الجن والإنس بعضهم أولياء بعض ، لأنهم شركاء في الكفر والظلم ، ويوم القيامة يكونون شركاء أيضا في العذاب والعقاب .

{يا مَعْشَرَ الْجِنِّ والإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي ويُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا} . هذا السؤال يوجهه اللَّه سبحانه غدا للأشرار من الجن والإنس ، وهو للتأنيب والتوبيخ ، وليس على وجهه وحقيقته ، لأن اللَّه يعلم وهم يعلمون بأن اللَّه قد أرسل لهم رسلا مبشرين ومنذرين : {وإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ} [فاطر - 24] . قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا حيث لا مجال للإنكار في هذا الموقف . . وفي موقف آخر أفسح لهم المجال فكذبوا ، {قالُوا واللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ} وسبق الكلام عن ذلك في الآية 23 من هذه السورة .

{غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا} والمراد انهم هم اغتروا بالحياة الدنيا ، لأن الدنيا ما خبأت شيئا من عظاتها وتقلباتها شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ ذكر سبحانه أولا انهم قالوا شهدنا على أنفسنا ، ثم عقب على ذلك بأنهم شهدوا على أنفسهم ، والقصد من هذا التأكيد الردع والزجر عن الكفر والمعصية ، لأن من حاول أن يقترف ذنبا إذا أيقن انه سيضطر إلى الاعتراف به أحجم ولم يقدم ، ان كان عاقلا .

{ ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وأَهْلُها غافِلُونَ } . ذلك إشارة إلى إرسال الرسل ، والمعنى ان اللَّه عادل لا يظلم أحدا ، ولا يعاقب إلا بعد أن يرسل رسولا يأمر وينهى ، فان لم يأتمر العبد وينته أخبره الرسول بما يحل به إذا لم يتب ويرتدع ، فان أصر عاقبه اللَّه بما يستحق { ولِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا } فللمسيئين درجات حسب أعمالهم من السخرية بالغمز إلى نهب الشعوب أقواتها وإلقاء القنابل الذرية على الألوف ، وللمحسنين درجات وفق أعمالهم من التحية إلى الاستشهاد في سبيل الحق والصالح العام { وما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } فكل شيء مسجل كبيرا كان أو صغيرا ، حسنا أو قبيحا .

وتجدر الإشارة إلى ما سبق مرارا من اننا نؤمن بوجود الجن اجمالا ، لأن الوحي أثبته ، والعقل لا ينفيه ، تماما كما هو الشأن بالنسبة إلى الملائكة ، أما التفاصيل فما زالت في عالم الغيب .

___________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص264-265 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِ ـ إلى قوله ـ أَجَّلْتَ لَنا} يقال : أكثر من الشيء أو الفعل واستكثر منه إذا أتى بالكثير ، واستكثار الجن من الإنس ليس من جهة أعيانهم فإن الآتي بأعيانهم في الدنيا والمحضر لهم يوم القيامة هو الله سبحانه ، وإنما للشياطين الاستكثار مما هم مسلطون عليه وهو إغواء الإنس من طريق ولايتهم عليهم وليست بولاية إجبار واضطرار بل من قبيل التعامل من الطرفين يتبع التابع المتبوع ابتغاء لما يرى في اتباعه من الفائدة ، ويتولى المتبوع أمر التابع ابتغاء لما يستدر من النفع في ولايته عليه وإدارة شئونه ، فللجن نوع التذاذ من إغواء الإنس والولاية عليهم ، وللإنس نوع التذاذ من اتباع الوساوس والتسويلات ليستدروا بذلك اللذائذ المادية والتمتعات النفسانية .

وهذا هو الذي يعترف به أولياء الجن من الإنس بقولهم : [رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ] فتمتعنا بوساوسهم وتسويلاتهم من متاع الدنيا وزخارفها ، وتمتعوا منا بما كانت تشتهيه أنفسهم حتى آل أمرنا ما آل إليه .

ومن هنا يظهر ـ كما يعطيه السياق ـ أن المراد بالأجل في قولهم : {وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا} الحد الذي قدر لوجودهم والدرجة التي حصلت لهم من أعمالهم دون الوقت الذي ينتهي إليه أعمارهم وبعبارة أخرى آخر درجة نالوها من فعلية الوجود لا الساعة التي ينتهي إليها حياتهم فيرجع المعنى إلى أن بعضنا استمتع ببعض بسوء اختياره وسيئ عمله فبلغنا بذلك السير الاختياري ما قدرت لنا من الأجل ، وهو أنا ظالمون كافرون .

فمعنى الآية : ويوم يحشرهم جميعا ليتم أمر الحجاج عليهم فيقول للجن : يا معشر الجن قد استكثرتم من ولاية الإنس وإغوائهم ، وقال أولياؤهم من الإنس في الاعتراف بحقيقة الأمر : [رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ] فاستمتعنا معشر الإنس من الجن بأن تمتعنا بزخارف الدنيا وما تهواه أنفسنا بتسويلاتهم ، وتمتع الجن منا باتباع ما كانوا يلقون إلينا من الوساوس وكنا على ذلك حتى بلغنا آخر ما بلغنا من فعلية الحياة الشقية ودرجة العمل .

فهذا اعتراف منهم بأن الأجل وإن كان بتأجيل الله سبحانه لكنهم إنما بلغوه بطيهم طريق تمتع البعض من البعض ، وهو طريق سلكوه باختيارهم . ولا يبعد أن يستظهر من هنا أن المراد بالجن الشياطين الذين يوسوسون في صدور الناس من الجن .

قوله تعالى : {قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ} إلخ ، هذا جواب منه سبحانه وقضاء عليهم ، ومتن ما قضى به قوله : {النَّارُ مَثْواكُمْ} إلخ .

والمثوى اسم مكان من قولهم : ثوى يثوي ثواء أي أقام مع استقرار فقوله : [النَّارُ مَثْواكُمْ] أي مقامكم الذي تستقرون فيه من غير خروج ولذا أكده بقوله ؟ {خالِدِينَ فِيها} وقوله : {إِلَّا ما شاءَ اللهُ} استثناء يفيد أن القدرة الإلهية باقية مع ذلك على ما كانت فله مع ذلك أن يخرجكم منها وإن كان لا يفعل .

ثم تمم الآية بقوله : {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} وهو يفيد تعليل البيان الواقع في الآية والخطاب للنبي ص .

قوله تعالى : {وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} فيه بيان أن جعله تعالى بعض الظالمين أولياء يجري على الحقيقة المبينة في الآية السابقة ، وهو أن التابع يستمتع المتبوع من طريق تسويله وإغوائه فيكسب بذلك الذنوب والآثام حتى يجعل الله المتبوع وليا عليه ويدخل التابع في ولايته .

وقوله : {بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} الباء للسببية أو المقابلة ، وهو يفيد أن هذه التولية إنما هي بنحو المجازاة يجازي بها الظالمين في قبال ما اكتسبوه من المظالم لا تولية ابتدائية من غير ذنب سابق نظير ما في قوله : {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ} [البقرة : 26] وقد التفت في الآية من الغيبة إلى التكلم ليختص النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ببيان هذه الحقيقة فإنهم غير لائقين بتلقيها وإنما التفت إلى التكلم لأن التكلم هو المناسب للمسارة هذا وفي الآيات موارد أخر من الالتفات لا يخفى وجهها على المتدبر .

قوله تعالى : {يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} إلى آخر الآية في هذا الخطاب دفع دخل يمكن أن يتوجه إلى الحجة السابقة المأخوذة من اعترافهم بأنهم إنما وقعوا فيما وقعوا فيه من ولاية الشياطين بسوء اختيارهم .

وهو أنهم وإن ابتلوا بذلك من طريق الاختيار لكنهم لو يكونوا يعلمون أن هذه المعاصي والتمتعات سوف توردهم مورد الهلكة وتسجل عليهم ولاية الظالمين والشياطين ويخسرهم بالشقاء الذي لا سعادة بعده أبدا فهم كانوا على غفلة من ذلك وإن كانوا على علم في الجملة بمساءة أعمالهم وشناعة أفعالهم ومؤاخذة الغافل ظلم .

فدفعه الله سبحانه بهذا الخطاب الذي يسألهم فيه عن إتيان الرسل وذكرهم آيات الله وإنذارهم بيوم الجمع والحساب فلما شهدوا على أنفسهم بالكفر بما جاء به الرسل تمت الكلمة ولزمت الحجة .

فمعنى الآية : أنا نخاطبهم جميعا فنقول لهم : يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم أرسلناهم إليكم يقصون عليكم آياتي التي تدل على الدين الحق ، وينذرونكم لقاء يومكم هذا وهو يوم القيامة وأن الله سيوقفكم موقف المساءلة فيحاسبكم على أعمالكم ثم يجازيكم بما عملتم إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا فإذا سألناهم عن ذلك أجابونا وقالوا : شهدنا على أنفسنا أن الرسل أتونا وقصوا علينا آياتك ، وأنذرونا لقاء يومنا هذا ، وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين بما جاء به الرسل رادين عليهم عن علم وما كانوا غافلين .

وبذلك تبين أولا أن قوله : {مِنْكُمْ} لا يدل على أزيد من كون الرسل من جنس المخاطبين وهم مجموع الجن والإنس لا من غيرهم كالملائكة حتى يتوحشوا منهم ولا يستأنسوا بهم ولا يفقهوا قولهم ، وأما أن من كل من طائفتي الجن والإنس رسلا منهم فلا دلالة في الآية على ذلك .

وثانيا : أن تكرار لفظ الشهادة إنما هو لاختلاف متعلقها فالمراد بالشهادة الأولى الشهادة بإتيان الرسل وقصهم آيات الله وإنذارهم بيوم القيامة ، وبالشهادة الثانية الشهادة بكفرهم بما جاء به الرسل من غير غفلة .

وأما ما قيل : إن المراد بالشهادة الأولى الشهادة بالكفر والمعصية حال التكليف ، وبالثانية الشهادة في الآخرة على كونهم كافرين في الدنيا فهو غير مفيد لأن الشهادتين بالأخرة راجعتان إلى شهادة واحدة بالكفر في الدنيا فيبقى تكرار اللفظ على حاجته إلى وجه يقتضيه .

وثالثا : أن قوله : {وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا} معترضة وضعت ليندفع بها ما يمكن أن يختلج ببال السامع وهو أنهم إذ كانوا يستمتع بعضهم من بعض ، وكانوا غير غافلين عن إتيان الرسل وبيانهم الآيات وإنذارهم باليوم الآخر فما بالهم وردوا مورد التهلكة وأهلكوا أنفسهم عن علم واختيار ؟ فأجيب بأن الحياة الدنيا غرتهم كلما لاح لقلوبهم شيء من الحق وبرقت فيها بارقة من الخير هجمت عليهم الأهواء وأسدلت عليهم ظلمات الرذائل حتى ضربت حجابا بينهم وبين الحق وأعمت أبصارهم عن رؤيته ومشاهدته .

قوله تعالى : {ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ} الإشارة بقوله : {ذلِكَ} إلى مضمون ما تقدم من البيان ـ على ما يعطيه السياق ـ وقوله : {أَنْ لَمْ يَكُنْ} بتقدير لام التعليل فالمعنى أن الذي بيناه من إرسال الرسل والتذكير بالآيات والإنذار بيوم القيامة إنما هو لأن الله سبحانه ليس من سنته أن يهلك أهل القرى ويوردهم مورد السخط والعذاب وهم غافلون عما يريده منهم من الطاعة ويفعله بهم على تقدير المخالفة ، وذلك ظلم منه تعالى .

فهم وإن نزلوا منزل الشقاء بتأجيل الله سبحانه وقضائه وجعله بعضهم أولياء بعض لكنه تعالى لم يسلبهم القدرة على الطاعة ولم يبطل منهم الاختيار فاختاروا الشرك والمعصية ثم أرسل إليهم رسلا منهم يقصون عليهم آياته وينذرونهم لقاء يوم الحساب فكفروا بهم ومكثوا على بغيهم وعتوهم فجزاهم بولاية بعضهم بعضا وقضى عليهم بأن النار مثواهم فهم أنفسهم استدعوا الهلاك عن علم وإرادة ، ولم يهلكهم الله وهم غافلون حتى يكون يظلمهم فهو الحكم العدل تبارك اسمه .

وقد بان بذلك أولا : أن المراد بقوله : {لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ} نفي أن يكون ذلك من سنته تعالى فإنه تعالى لا يفعل شيئا إلا بسنة جارية وصراط مستقيم ، قال تعالى : {إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود : 56] وفي اللفظ دلالة على ذلك .

وثانيا : أن المراد بإهلاك القرى القضاء بشقائهم في الدنيا وعذابهم في الآخرة على ما يفيده السياق دون الهلاك بإنزال العذاب في الدنيا .

وثالثا : أن المراد بالظلم في الآية هو الظلم منه تعالى لو أهلكهم وهم غافلون دون الظلم من أهل القرى .

قوله تعالى : {وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} متعلق الكل محذوف وهو الضمير الراجع إلى الطائفتين ، والمعنى : ولكل طائفة من طائفتي الجن والإنس درجات من أعمالهم فإن الأعمال مختلفة وباختلافها يختلف ما توجبه من الدرجات ، وما ربك بغافل عن أعمالهم .

___________________________

1. تفسير الميزان ، ج7 ، ص 298-302 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام : 128-129] .

تعود هاتان الآيتان إلى بيان مصير المجرمين الضالين والمضلين فتكملان ما بحث في السابق ، فتذكّران بيوم يقفون فيه وجها لوجه أمام الشياطين الذين كانوا يستلهمون منهم ، فيواجه التابعون والمتبوعون سؤالا لا جواب لديهم عليه ، ولا ينالون سوى التحسر والحزن ، إنّها تحذيرات للإنسان كيلا ينظر فقط إلى أيّامه المعدودات على الأرض ، بل عليه أن يفكر بالعاقبة .

تذكر الآية في البداية بذلك اليوم الذي يجتمع فيه الجن والإنس ، ثمّ يقال يا أيّها المضلون من الجن لقد أضللتم كثيرا من الناس : {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ} (2) .

«الجن» هنا هم الشياطين ، لأن كلمة الجن ـ كما سبق أن قلنا ـ تشمل كل كائن غير مرئي والآية (50) من سورة الكهف تذكر عن رئيس الشياطين ، إبليس إنّه {كانَ مِنَ الْجِنِ} .

الآيات السابقة التي تحدثت عن وسوسة الشياطين الهامسة {إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ} ، وكذلك الآية التّالية التي تحدثت عن سيطرة بعض الظالمين على الآخرين ، قد تكون إشارة إلى هذا الموضوع .

ويبدو أنّ الشياطين المضلين لا جواب لديهم على هذا السؤال ويطرقون صامتين ، غير أنّ أتباعهم من البشر يقولون : ربّنا ، هؤلاء استفادوا منّا كما إنّنا استفدنا منهم حتى جاء أجلنا : {وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا} .

أي كان شياطيننا فرحين بسيطرتهم علينا وكنّا نتبعهم مستسلمين ، أمّا نحن فكنّا مستمتعين بمباهج الحياة ولذائذها غير متقيدين بشيء ولا ملتفتين إلى سرعة زوالها ، لما كان الشياطين يوسوسون به في آذاننا ويظهرونه في صور جميلة جذابة .

هنا تختلف آراء المفسّرين بشأن المقصود من كلمة «أجل» ، هل هي نهاية عمر الإنسان ، أم يوم القيامة ؟ ولكن الظاهر أنّ المقصود نهاية العمر لأنّ «الأجل» كثيرا ما استعمل في القرآن بهذا المعنى .

غير أنّ الله يخاطب التابعين والمتبوعين الفاسدين والمفسدين جميعا : {قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ} .

إنّ الجملة الاستثنائية {إِلَّا ما شاءَ اللهُ} إمّا أن تكون إشارة إلى أن خلودهم في العذاب والعقاب ، وفي هذه الحالات لا يسلب القدرة من الله على تغيير الحكم ، فهو قادر في أي وقت يشاء أن يغير ذلك ، وإن أبقاه خالدا لجمع منهم .

وإمّا أن تكون إشارة إلى الذين لا يستحقون الخلود في العذاب ، أو الجديرون بنيل العفو الإلهي ، فيجب استثناؤهم من الخلود في العذاب .

وفي الختام تقول الآية : {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} ، فعقابه مبني على حساب دقيق ، وكذلك عفوه ، لأنّه عالم بمن يستحقهما .

الآية التّالية تشير إلى سنّة إلهية ثابتة بشأن هؤلاء الأشخاص ، وتقرر أنّ هؤلاء الطغاة والظالمين سيكون وضعهم في الآخرة كما كانوا عليه في الدنيا يجر بعضهم بعضا نحو التهلكة وسوء المصير والانحراف : {كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} وكما ذكرنا في البحوث الخاصّة بالمعاد فان يوم القيامة مشهد ردود الفعل في صور مكبرة ، وما يوجد هناك انعكاس عن أعمالنا في هذه الدنيا .

جاء في تفسير علي بن إبراهيم القمي عن الإمام عليه ‌السلام في معنى هذه الآية قال : «أي نولي كل من تولى أولياءهم فيكونون معهم يوم القيامة» .

ومن الجدير بالملاحظة أنّ جميع هؤلاء قد وصفوا بالظلم في هذه الآية ، ولا شك أنّ الظلم بمعناه الواسع يشملهم جميعا ، فأي ظلم أكبر من أن يخرج الإنسان نفسه من ولاية الله ليداخل في ولاية المستكبرين ويتّبعهم فيكون في العالم الآخر تحت ولايتهم أيضا .

ثمّ إنّ هذا التعبير ، وكذلك تعبير {بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} يشيران إلى أنّ هذا المصير السيء إنّما هو بسبب أعمالهم ، وهذه سنة إلهية وقانون الخليقة القاضي بأنّ السائرين في الظلام لا بدّ أن يسقطوا في هوة التعاسة والشقاء .

{يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ * ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ * وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام : 130-132] .

إتمام الحجة :

ورد وصف مصير الظالمين من أتباع الشياطين يوم القيامة في الآيات السابقة ولكيلا يظن أحد أنّهم في حالة من الغفلة ارتكبوا ما ارتكبوه من إثم ، تبيّن هذه الآيات أن تحذيرهم قد تمّ بما فيه الكفاية وتمّت عليهم الحجة ، لذلك يقال لهم يوم القيامة : {يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا} .

«معشر» من العدد «عشرة» ، وبما أن العشرة تعتبر عددا كاملا ، فالمعشر هي الجماعة الكاملة التي تضم مختلف الطوائف والأصناف ، أمّا بشأن الرسل الذين بعثوا إلى الجن هل كانوا منهم ، أم من البشر؟ فهناك كلام بين المفسّرين ، ولكن الذي يستفاد من آيات سورة الجن يدل بجلاء على أنّ الإسلام والقرآن للجميع بما فيهم الجن ، وأنّ نبي الإسلام رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم إلى الجميع ، ولكن هذا لا يمنع أن يكون لهم رسل وممثلون من جنسهم عهد إليهم رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم بدعوتهم إلى الإسلام (سيأتي شرح ذلك بالتفصيل ، وكذلك المعنى العلمي للجن في تفسير سورة الجن في الجزء 29 من القرآن الكريم) .

ولكن ينبغي أن نعلم أنّ «منكم» لا تعني أن أنبياء كل جنس يكونون من الجنس نفسه ، لأنّنا عند ما نقول : «نفر منكم . . .» يمكن أن يكون هؤلاء من طائفة واحدة أو من عدّة طوائف .

ثمّ تقول الآية : {قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا} لأنّ يوم القيامة ليس يوم الكتمان ، بل إنّ دلائل كل شيء تكون بادية للعيان ، وما من أحد يستطيع أن يخفي شيئا ، فالجميع يعترفون أمام هذا السؤال الإلهي قائلين : إنّنا نشهد ضد أنفسنا ونعترف أنّ الرسل قد جاؤونا وأبلغونا رسالاتك ولكنّنا خالفناها .

نعم . . . لقد كانت أمامهم آيات ودلائل كثيرة من الله ، وكان يميزون الخطأ من الصواب ، إلّا أنّ الحياة الدنيا ببريقها ومظاهرها قد خدعتهم وأضلتهم : {وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا} .

هذه الآية تدل بوضوح على أنّ العقبة الكبرى في طريق سعادة البشر هي الحبّ اللامحدود لعالم المادة والخضوع له بلا قيد ولا شرط ، ذلك الحبّ الذي كبل الإنسان بقيود الأسر ودفعه إلى ارتكاب كل ألوان الظلم والعدوان والإجحاف والأنانية والطغيان .

مرّة أخرى يؤكّد القرآن أنّهم شهدوا على أنفسهم بألسنتهم بأنّهم قد ساروا في طريق الكفر ووقفوا إلى جانب منكري الله : {وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ} .

الآية التّالية تعيد المضمون السابق بصورة قانون عام وسنة ثابتة ، وهي : أنّ الله لا يأخذ الناس في المدن والمناطق المسكونة بظلمهم إذا كانوا غافلين ، إلّا بعد أن يرسل إليهم الرسل لينبهوهم إلى قبيح أعمالهم ، ويحذروهم من مغبة أفعالهم : {ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ} .

قد تعني «بظلم» أنّ الله لا يعاقب أحدا بسبب ظلمه وهو غافل عنه ، وقبل أن يرسل الرسل ، وقد تكون بمعنى أنّ الله لا يظلم أحدا بأن يعاقبه عمّا فعل وهو غافل ، لأنّ معاقبتهم بهذه الصورة تعتبر ظلما ، والله أرفع من أن يظلم أحدا (3) .

وتذكر الآية الثالثة خلاصة ما ينتظر هؤلاء من مصير وتقرر أنّ لكل من هؤلاء ـ الأخيار والأشرار ، المطيعين والعصاة ، طالبي العدالة والظالمين ـ درجات ومراتب يوم القيامة تبعا لأعمالهم ، وإن ربك لا يغفل عن أعمالهم ، بل يعلمها جميعا ، ويجزي كلا بقدر ما يستحق : {وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} .

هذه الآية تؤكّد مرّة أخرى الحقيقة القائلة بأنّ جميع «الدّرجات» و «الدّركات» التي يستحقها الإنسان إنّما هي وليدة أعماله ، لا غير .

___________________________

1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 216-220 .

2. «يوم» ظرف متعلق بجملة «يقول» المحذوفة فيكون أصل الجملة : {يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ} .

3. في الحالة الأولى فاعل «ظلم» هم الكافرون ، وفي الحالة الثانية يكون نفي الظلم عن الله تعالى .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .