المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

اللقطات التقريرية- لقطات الربط Bridges
23-9-2021
العلم وطلب الرئاسة
2024-09-04
خلــع المستكفي بالله
22-10-2017
أهداف التوظيف
17-10-2016
البكتين Pectin
2024-09-07
نقطة مرجعية fiducial point
16-4-2019


تفسير آية (40-45) من سورة الانعام  
  
15124   08:15 صباحاً   التاريخ: 4-4-2021
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنعام /

قال تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام : 40 - 45] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [الأنعام : 40 - 41] .

أمر سبحانه نبيه بمحاجة الكفار فقال : {قُلْ} يا محمد لهؤلاء الكفار {أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ} في الدنيا ، كما نزل بالأمم قبلكم ، مثل عاد وثمود {أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ} أي : القيامة . قال الزجاج : الساعة اسم للوقت الذي يصعق فيه العباد ، واسم للوقت الذي يبعث فيه العباد . والمعنى : أو أتتكم الساعة التي وعدتم فيها بالبعث والفناء ، لأن قبل البعث يموت الخلق كلهم .

{أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} أي : أتدعون فيها لكشف ذلك عنكم هذه الأوثان التي تعلمون أنها لا تقدر أن تنفع أنفسها ولا غيرها ، أو تدعون الله الذي هو خالقكم ومالككم لكشف ذلك عنكم {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في أن هذه الأوثان آلهة لكم . أحتج سبحانه عليهم بما لا يدفعونه ، لأنهم كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله ثم قال {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} و {بل} استدراك وإيجاب بعد نفي . أعلمهم الله تعالى أنهم إذا لحقتهم الشدائد في البحار ، والبراري ، والقفار ، يتضرعون إليه ، ويقبلون عليه ، والمعنى : لا تدعون غيره بل تدعونه .

{فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} أي : يكشف الضر الذي من أجله دعوتم ، إن شاء أن يكشفه {وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} أي : تتركون دعاء ما تشركون من دون الله ، لأنه ليس عندهم ضرر ولا نفع ، عن ابن عباس . ويكون العائد إلى الموصول محذوفا ، للعلم على تقدير ما تشركون به . وقيل : معناه إنكم في ترككم دعاءهم ، بمنزلة من قد نسيهم ، عن الزجاج ، وهو قول الحسن ، لأنه قال : تعرضون عنه إعراض الناسي أي : لليأس في النجاة من مثله ، وبجوز أن يكون {ما} مع {تُشْرِكُونَ} بمنزلة المصدر ، فيكون بمنزلة وتنسون شرككم .

 

- {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام : 42 - 45] .

 

ثم أعلم الله سبحانه نبيه ، حال الأمم الماضية في مخالفة رسله ، وبين أن حال هؤلاء إذا سلكوا طريق المخالفة ، كحالهم في نزول العذاب بهم ، فقال : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} وهاهنا محذوف وتقديره : رسلا ، {إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ} فخالفوهم {فَأَخَذْنَاهُمْ} وحسن الحذف للإيجاز به ، والاختصار من غير إخلال ، لدلالة مفهوم الكلام عليه {بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} يريد به : الفقر ، والبؤس ، والأسقام ، والأوجاع ، عن ابن عباس ، والحسن . {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} ومعناه : لكي يتضرعوا .

وقال الزجاج : (لعل) ترج وهذا الترجي للعباد ، المعنى : فأخذناهم بذلك ، ليكون ما يرجوه العباد منهم من التضرع ، كما قال في قصة فرعون : {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه : 44] .

قال سيبويه : المعنى إذهبا أنتما على رجائكما ، فالله عالم بما يكون من وراء . ذلك ، أخبر الله تعالى أنه أرسل الرسل إلى أقوام بلغوا من القسوة إلى أن أخذوا بالشدة في أنفسهم وأموالهم ، ليخضعوا ويذلوا لأمر الله ، فلم يخضعوا ولم يتضرعوا ، وهذا كالتسلية للنبي (صلَّ الله عليه وآله وسلم) .

{فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} معناه : فهلا تضرعوا إذ جاءهم بأسنا ، {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} فأقاموا على كفرهم ، فلم تنجع فيهم العظة ، {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ} بالوسوسة ، والإغراء بالمعصية ، لما فيها من عاجل اللذة ، {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} يعني : أعمالهم . وفي هذا حجة على من قال : إن الله لم يرد من الكافرين الإيمان ، لأنه سبحانه بين أنه إنما فعل ذلك بهم ليتضرعوا ، وبين أن الشيطان هو الذي زين الكفر للكافر ، بخلاف ما قالته المجبرة من أنه تعالى هو المزين لهم ذلك .

{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} أي : تركوا ما وعظوا به ، عن ابن عباس ، وتأويله : تركوا العمل بذلك ، وقيل : تركوا ما دعاهم إليه الرسل ، عن مقاتل {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} أي : كل نعمة وبركة من السماء والأرض ، عن ابن عباس .

وقيل : أبواب كل شيء كان مغلقا عنهم ، من الخير ، عن مقاتل . والمعنى أنه تعالى امتحنهم بالشدائد ، لكي يتضرعوا ويتوبوا ، فلما تركوا ذلك ، فتح عليهم أبواب النعم والتوسعة في الرزق ، ليرغبوا بذلك في نعيم الآخرة . وإنما فعل ذلك بهم ، وإن كان الموضع موضع العقوبة والانتقام ، دون الإكرام والإنعام ، ليدعوهم ذلك إلى الطاعة ، فإن الدعاء إلى الطاعة يكون تارة بالعنف ، وتارة باللطف ، أو لتشديد العقوبة عليهم بالنقل من النعيم إلى العذاب الأليم .

{حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} من النعيم واشتغلوا بالتلذذ ، وأظهروا السرور بما أعطوه ، ولم يروه نعمة من الله تعالى حتى يشكروه {أَخَذْنَاهُمْ} أي : أحللنا بهم العقوبة {بَغْتَةً} أي : مفاجأة من حيث لا يشعرون {فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} أي : آيسون من النجاة والرحمة ، عن ابن عباس . وقيل : أذلة خاضعون عن البلخي .

وقيل : متحيرون منقطعو الحجة ، والمعاني متقاربة والمراد بقوله {أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} التكثير والتفخيم دون التعميم ، وهو مثل قوله : {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل : 23] والمراد : فتحنا عليهم أبواب أشياء كثيرة ، وآتيناهم خيرا كثيرا ، وروي عن النبي (صلَّ الله عليه وآله وسلم) أنه قال : إذا رأيت الله تعالى يعطي على المعاصي ، فإن ذلك استدراج منه ثم تلا هذه الآية ، ونحوه ما روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال : يا ابن آدم! إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه فاحذره .

{فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا} معناه : فاستؤصل الذين ظلموا بالعذاب ، فلم يبق لهم عقب ولا نسل {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} على إهلاك أعدائه وإعلاء كلمة رسله ، حمد الله تعالى نفسه بأن استأصل شأفتهم (2) ، وقطع دابرهم ، لأنه سبحانه أرسل إليهم ، وأنظرهم بعد كفرهم ، وأخذهم بالبأساء والضراء ، واختبرهم بالمحنة والبلاء ، ثم بالنعمة والرخاء ، وبالغ في الإنذار والإمهال والإنظار ، فهو المحمود على كل حال .

وفي هذا تعليم للمؤمنين ليحمدوا الله تعالى على كفايته إياهم شر الظالمين ، ودلالة على أن هلاكهم نعمة من الله تعالى يجب حمده عليها .

وروى علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود المقري . عن فضيل بن عياض ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الورع ، فقال : الورع هو الذي يتورع عن محارم الله ، ويجتنب هؤلاء ، وإذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام ، وهو لا يعرفه ، وإذا رأى المنكر ولم ينكره ، وهو يقدر عليه ، فقد أحب أن يعصى الله ، ومن أحب أن يعصى الله فقد بارز الله بالعداوة ، ومن أحب بقاء الظالمين ، فقد أحب أن يعصى الله ، وان الله حمد نفسه على إهلاك الظالمين ، فقال : {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

____________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 52-56 .

2 . استأصل شأفته : أزاله من أصله .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ } . أمر اللَّه سبحانه رسوله الكريم أن يقول للمشركين : أخبروني ان أتاكم عذاب اللَّه كالذي نزل بالذين كذبوا رسلهم ، أو جاءكم الموت بسكراته والقيامة بأهوالها ، أتدعون في هذه الحال ما كنتم تعبدون من الأصنام والأوثان التي زعمتم انها تكشف عنكم الخزي والعذاب ؟ والقصد من مجموع هذه الآية ان الكافرين يتبرؤون غدا مما أشركوا ، ويلجئون إلى اللَّه بعد أن يتبين لهم انه لا حول ولا قوة إلا به وحده لا شريك له .

 

اللَّه والفطرة :

{ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ } . بعد أن سألهم : أغير اللَّه تدعون يوم الهول الأكبر قرر الجواب بقوله : { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ } وهذا هو الجواب الذي تؤمن به وتجيب دنيا وآخرة فطرة اللَّه التي فطر الناس عليها . . وليس معنى فطرة اللَّه ان الإنسان يدرك الخالق تلقائيا ومن غير دليل . كلا ، وإلا لم يكفر أحد باللَّه ، وإنما معنى هذه الفطرة ان اللَّه أودع في الإنسان غريزة الاستعداد لتفهم الدلائل الدالة على وجوده ، وهذا الاستعداد لا يفارق الإنسان بحال ، ومن كفر فإنما يكفر مقصرا ومتهاونا بالإعراض عن النظر في الدلائل والبينات ، فاستحق العذاب لهذا الإهمال ، إذ لا فرق أبدا في نظر العقل بين من ترك العمل بعلمه متعمدا ، وبين من ترك الحق واتبع الباطل جهلا بهما ، مع قدرته على معرفتهما والتمييز بين الهدى والضلال ، ولكنه ترك تهاونا واستخفافا . أجل قد يحتجب هذا الاستعداد ، وهذا الإدراك الفطري وراء ستار من التقليد والتربية والشهوات ، تماما كما تحتجب الشمس وراء السحاب ، فيخيّل للجاهل المحجوب انه كافر باللَّه لعدم الدليل ، والدليل كامن في ذاته وفطرته التي فطره اللَّه عليها . ويوم القيامة تزول الحجب الطارئة ، وتظهر الحقيقة واضحة للعيان ، ولا يبقى مجال للشك والإنكار .

{ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ } . ضمير إليه يعود إلى الكشف ، وهو مصدر متصيد من يكشف ، والمعنى انهم يدعون اللَّه إلى كشف العذاب عنهم :

{اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ} [الدخان - 12] ، واللَّه سبحانه يكشف عنهم ان شاء ، وان لم يشأ لم يكشف { وتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ } أي انكم أيها المشركون تتركون يوم القيامة دعوة الأصنام التي كنتم تعبدونها في الدنيا ، وتدعون اللَّه وحده ، حيث يظهر كل شيء على حقيقته .

{ ولَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ والضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } .

ان اللَّه سبحانه لا يعاقب عباده إلا بعد أن يرسل إليهم رسولا يرشدهم إلى طريق الهداية ، فإن لم يهتدوا منحهم الفرصة ليراجعوا أنفسهم ، وامتحنهم بالبلاء ليتضرعوا ويتوبوا ، ولكنهم أصروا على المعصية ، كما قال تعالى في الآية التالية :

{ فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا ولكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ } . يقول جل ثناؤه : انهم لم يتضرعوا حين جاءهم بأسنا في الدنيا ، ولم يتذللوا للَّه ، وينزلوا عن عنادهم ، بل أصروا على الكفر ، وكان الشيطان من ورائهم يزين لهم ما هم فيه من ضلال وفساد .

وتدل هذه الآية على ان اللَّه سبحانه يقبل كل من لجأ إليه ، حتى ولو كان التجاؤه لضغط الشدائد والنوازل . . وهذا هو شأن الكريم والعظيم ، لا يرد سائلا ولا يخيب أملا ، مهما كانت دوافعه .

{ فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ } . أنذرهم أولا بالقول على لسان الأنبياء وثانيا بالفعل ، حيث امتحنهم بالبلاء والضراء ، ولما أصروا على الكفر والعناد فتح عليهم أبواب الرزق والرخاء لإلقاء الحجة والاستدراج بالنعم بعد الامتحان بالنقم ، ولما فرحوا بالرخاء ، وازدادوا بطرا وكبرا ، ولم يأوبوا إلى رشد أخذهم اللَّه بالعذاب ، من حيث لا يحتسبون ، فتحسروا على التفريط ، وآيسوا من النجاة .

والخلاصة ان اللَّه سبحانه عاملهم بالضراء تارة ، وبالسراء أخرى حبا بهدايتهم تماما كما يفعل الوالد الشفوق بولده طلبا لصلاحه . . ولكنهم لم يشكروا الرخاء ، ولم يتعظوا بالبلاء ، فاستأصلهم عن آخرهم ، ولم يبق منهم واحدا ، ليعتبر بهم من يأتي من بعدهم { فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ } على انعامه على المؤمنين ، ونصرهم على أهل الكفر والفساد .

____________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 188- 190 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ} إلى آخر الآيتين لفظ {أَرَأَيْتَكُمْ} بهمزة الاستفهام وصيغة المفرد المذكر الماضي من الرؤية وضمير الجمع المخاطب ، أخذه أهل الأدب بمعنى أخبرني ، قال الراغب في المفردات : ، ويجري {أرأيت} مجرى أخبرني فيدخل عليه الكاف ويترك التاء على حالته في التثنية والجمع والتأنيث ، ويسلط التغيير على الكاف دون التاء ، قال تعالى : {أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي} { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ } ، انتهى .

وفي الآية تجديد احتجاج على المشركين ، وإقامة حجة على بطلان شركهم من وجه ، وهو أنها تفرض عذابا آتيا من جانب الله أو إتيان الساعة إليهم ثم تفرض أنهم يدعون في ذلك من يكشف العذاب عنهم على ما هو المغروز في فطرة الإنسان أنه يتوجه بالمسألة إذا بلغت به الشدة نحو من يقدر أن يكشفها عنه .

ثم تسألهم أنه من الذي تدعونه وتتوجهون إليه بالمسألة إن كنتم صادقين ؟ أغير الله تدعون من أصنامكم وأوثانكم التي سميتموها من عند أنفسكم آلهة أم إياه تدعون ؟ وهيهات أن تدعوا غيره وأنتم تشاهدون حينئذ أنها محكومة بالأحكام الكونية مثلكم لا ينفعكم دعاؤها شيئا .

بل تنسون هؤلاء الشركاء المسمين آلهة لأن الإنسان إذا أحاطت به البلية وهزهزته الهزاهز ينسى كل شيء دون نفسه إلا أن في نفسه رجاء أن ترتفع عنه البلية ، والرافع الذي يرجو رفعها منه هو ربه ، فتنسون شركاءكم وتدعون من يرفعها من دونهم وهو الله عز اسمه فيكشف الله سبحانه ما تدعون كشفه إن شاء أن يكشفه ، وليس هو تعالى بمحكوم على الاستجابة ولا مضطرا إلى الكشف إذا دعي بل هو القادر على كل شيء في كل حال .

فإذا كان الله سبحانه هو الرب القدير الذي لا ينساه الإنسان وإن نسي كل شيء إلا نفسه ويضطر إلى التوجه إليه ببعث من نفسه عند الشدائد القاصمة الحاطمة دون غيره من الشركاء المسمين آلهة فهو سبحانه هو رب الناس دونها .

فمعنى الآية {قُلْ} يا محمد {أَرَأَيْتَكُمْ} أخبروني {إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ} فرض إتيان عذاب من الله ولا ينكرونه ، وفرض إتيان الساعة ولم يعبأ بإنكارهم لظهوره {أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ} لكشفه ، وقد حكى الله في كلامه عنهم سؤال كشف العذاب في الدنيا ويوم القيامة جميعا لما أن ذلك من فطريات الإنسان {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} وجئتم بالنصفة {بَلْ إِيَّاهُ} الله سبحانه دون غيره من أصنامكم {تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ} من العذاب {إِنْ شاءَ} أن يكشفه كما كشف لقوم يونس ، وليس بمجبر ولا مضطرا إلى القبول لقدرته الذاتية {وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ} من الأصنام والأوثان على ما في غريزة الإنسان أن يشتغل عند إحاطة البلية به عن كل شيء بنفسه ، ولا يهم إلا بنفسه لضيق المجال به أن يتلهى بما لا ينفعه ، فاشتغاله والحال هذه بدعاء الله سبحانه ونسيانه الأصنام أصرح حجة أنه تعالى هو الله لا إله غيره ولا معبود سواه .

وبما تقدم من تقرير معنى الآية يتبين أولا : أن إتيان العذاب أو الساعة ، وكذا الدعاء لكشفه مفروضان في حجة الآية ، والمطلوب بيان أن المدعو حينئذ هو الله عز اسمه دون الأصنام ، وأما أصل الدعاء عند الشدائد والمصائب ، وأن للإنسان توجها جبليا عند ما تطل عليه البلية ويتقطع عنه كل سبب إلى من يكشفها عنه فهو حجة أخرى غير هذه الحجة ، والمطلوب بهذه الحجة ـ وهي التي في هذه الآية ـ التوحيد وبتلك الحجة إثبات الصانع من غير نظر إلى توحيده ، وإن تلازم المطلوبان .

وثانيا : أن تقييد قوله : {فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ} ، بقوله : {إِنْ شاءَ} لبيان إطلاق القدرة فلله سبحانه أن يكشف كل شديدة حتى الساعة التي لا ريب فيها ، فإن قضاءه الحتم لأمر من الأمور وإن كان يحتمه ويوجبه لكنه لا يسلب عنه القدرة على الترك فله القدرة المطلقة على ما قضى به ، وما لم يقض به ومثل الساعة في ذلك كل عذاب غير مردود وأمر محتوم إن يشأ يأت به وإن لم يشأ لم يأت به وإن كان يشاء دائما ما قضى به قضاء حتما ووعده وعدا جزما والله لا يخلف الميعاد فافهم ذلك .

وله سبحانه أن لا يجيب دعوة أي داع دعاه وإن عرف نفسه بأنه مجيب ، فقال : {وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ} [البقرة : 186] ووعد الاستجابة لداعيه وعدا بتيا ، فقال : {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [المؤمن : 60] فإن وعد الاستجابة لا يسلب عنه القدرة على عدم الاستجابة وإن كان يستجيب دائما كل من دعاه بحقيقة الدعاء ، وتجري على ذلك سنته صراطا مستقيما لا تخلف فيه .

ومن هنا يظهر فساد ما استشكل على الآية بأن مدلولها يخالف ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة أن الساعة لا ريب فيها ولا محيص عن وقوعها وأن عذاب الاستئصال لا مرد له ، وقد قال تعالى : {وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [المؤمن : 50] وجه الفساد أن الآية لا تدل على أزيد من أن الله سبحانه أن يفعل ما يشاء وأنه قادر على كل شيء ، وأما أنه يشاء كل شيء ويفعل كل شيء فلا دلالة فيها على ذلك ولا ريب أن قضاءه الحتمي بوقوع الساعة أو بعذاب قوم عذاب استئصال لا يبطل قدرته على خلافه فله أن يخالف إن شاء وإن كان لا يخلف الميعاد ولا ينقض ما أراد .

وأما قوله تعالى : {وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} فهو دعاؤهم في جهنم لكشف عذابها وتخفيفه عنهم ، ومن المعلوم أن الدعاء مع تحتم الحكم وفصل القضاء لا يتحقق بحقيقته فإن سؤال أن لا يبعث الله الخلق أو لا يعذب أهل جهنم فيها من الله سبحانه بمنزلة أن يسأل الله سبحانه أن لا يكون هو الله سبحانه فإن من لوازم معنى الألوهية أن يرجع إليه الخلق على حسب أعمالهم فلمثل هذه الأدعية صورة الدعاء فقط دون حقيقة معناها ، وأما لو تحقق الدعاء بحقيقته بأن يدعى حقيقة ويتعلق ذلك الدعاء بالله حقيقة كما هو ظاهر قوله : {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ} الآية ، فإن ذلك لا يرد البتة ، والدعاء على هذا النعت لا يدع الكافر كافرا ولو حين الدعاء كما قال تعالى : {فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت : 65] .

فما في قوله : {وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} دعاء منهم وهم على الكفر فإن الثابت من ملكة الكفر لا يفارقهم في دار الجزاء وإن كان من الجائز أن يفارقهم في دار العمل بالتوبة والإيمان .

فدعاؤهم لكشف العذاب عنهم يوم القيامة أو في جهنم ككذبهم على الله يوم القيامة بقولهم ـ كما حكى الله ـ {وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ } ، ولا ينفع اليوم كذب غير أنهم اعتادوا ذلك في الدنيا ورسخت رذيلتهم في نفوسهم فبرزت عنهم آثاره يوم تبلى السرائر ، ونظير أكلهم وشربهم وخصامهم في النار ، ولا غنى لهم في شيء من ذلك ، كما قال تعالى : {تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية : 7] وقال تعالى : {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة : 55] وقال تعالى : {إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} [ص : 64] ، فهذا كله من قبيل ظهور الملكات فيهم .

وما قبل الآية يؤيد ما ذكرناه من أن دعاءهم ليس على حقيقته وهو قوله تعالى : {وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ ، قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [المؤمن : 50] فإن مسألتهم خزنة النار أن يدعوا الله لهم في تخفيف العذاب ظاهر في أنهم آيسون من استجابة دعائهم أنفسهم ، والدعاء مع اليأس عن الاستجابة ليس دعاء ومسألة حقيقية إذ لا يتعلق الطلب بما لا يكون البتة .

وثالثا : أن النسيان في قوله : {وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ} حقيقة معناه على ما هو المشهود من حال الإنسان عند ما تغشاه الشدائد والخطوب إذ يشتغل بنفسه وينسى كل أمر دونها إلا الله سبحانه فلا موجب للالتزام بما ذكره بعضهم : أن المراد بقوله : {وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ} تعرضون عنها إعراض من نسي الشيء عنه .

وإن كان لا مانع من ذلك لكونه من المجازات الشائعة لكلمة النسيان ، وقد استعمل في القرآن النسيان بمعنى الإعراض عن الشيء وعدم الاعتناء به كثيرا كما قال تعالى : {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا} [الجاثية : 34] إلى غير ذلك من الآيات .

قوله تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} البأساء والبأس والبؤس هو الشدة والمكروه إلا أن البؤس يكثر استعماله في الحرب ونحوه والبأس والبأساء في غيره كالفقر والجدب والقحط ونحوها ، والضر والضراء هو سوء الحال فيما يرجع إلى النفس كغم وجهل أو ما يرجع إلى البدن كمرض ونقص بدني أو ما يرجع إلى غيرهما كسقوط جاه أو ذهاب مال ، ولعل المقصود من الجمع بين البأساء والضراء الدلالة على تحقق الشدائد في الخارج كالجدب والسيل والزلزلة ، وما يعود إلى الناس من قبلها من سوء الحال كالخوف والفقر ورثاثة الحال .

والضراعة هي المذلة والتضرع التذلل والمراد به التذلل إلى الله سبحانه لكشف ما نزل عليهم من نوازل الشدة والرزية .

والله سبحانه يذكر لنبيه صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله في هذه الآية وما يتلوها إلى تمام أربع آيات سنته في الأمم التي من قبله إذ جاءتهم رسلهم بالبينات : أنه كان يرسل إليهم الرسل فيذكرونهم بتوحيد الله سبحانه والتضرع وإخلاص الإنابة إليه ثم يبتليهم بأنواع الشدة والمحن ويأخذهم بالبأساء والضراء ولكن بمقدار لا يلجئهم إلى التضرع ولا يضطرهم إلى الابتهال والاستكانة لعلهم يتضرعون إليه بحسن اختيارهم ، ويلين قلوبهم فيعرضوا عن التزيينات الشيطانية وعن الإخلاد إلى الأسباب الظاهرية لكنهم لم يتضرعوا إليه بل أقسى الاشتغال بأعراض الدنيا قلوبهم وزين لهم الشيطان أعمالهم ، وأنساهم ذلك ذكر الله .

فلما نسوا ذكر الله سبحانه فتح الله عليهم أبواب كل شيء وصب عليهم نعمه المتنوعة صبا حتى إذا فرحوا بما عندهم من النعم واغتروا واستقلوا بأنفسهم من دون الله أخذهم الله بغتة ومن حيث لا يشعرون به فإذا هم آيسون من النجاة شاهدون سقوط ما عندهم من الأسباب فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين .

وهذه السنة سنة الاستدراج والمكر الذي لخصها الله تعالى في قوله : {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف : 183] وبالتأمل فيما تقدم من تقرير معنى الآية والتدبر في سياقها يظهر أن الآية لا تنافي سائر الآيات الناطقة بأن الإنسان مفطور على التوحيد ملجأ باقتضاء من فطرته وجبلته إلى الإقرار به والتوجه إليه عند الانقطاع عن الأسباب الكونية كما قال تعالى : {وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان : 32] .

وذلك أن الآية لا تريد من البأساء والضراء إلا ما لا يبلغ من الشدة والمهابة مبلغا يذهلون به عن كل سبب وينسون به كل وسيلة عادية ، ومن الدليل على ذلك قوله في الآية : {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} إذ {لعل} كلمة رجاء ولا رجاء مع الإلجاء والاضطرار ، وكذا قوله تعالى : {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} فإن ظاهره أنهم اغتروا بذلك وتوسلوا في رفع البأساء والضراء إلى أعمالهم التي عملوها بأيديهم ودبروها بتدابيرهم للغلبة على موانع الحياة وأضداد العيش فاشتغلوا بالأسباب الطبيعية الملهية إياهم عن التضرع إلى الله سبحانه والاعتصام به ، كقوله تعالى : {فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ، فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} [المؤمن : 84] فالآية الأولى ـ كما ترى ـ تحكي عنهم نظير ما تحكيه الآية التي نحن فيها من الإعراض عن التضرع والاغترار بالأعمال ، والآية الثانية تحكي ما تحكيه الآيات الأخرى من التوحيد في حال الاضطرار .

ومن هنا يظهر فساد ما يظهر من بعضهم أن ظاهر الآية كون الأمم السابقة مستنكفة عن التوحيد معرضة عن التضرع حتى في الشدائد الملجئة قال في تفسير الآية : أقسم الله تعالى لرسوله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله أنه أرسل رسلا قبله إلى أمم قبل أمته فكانوا أرسخ من قومه في الشرك ، وأشد منهم إصرارا على الظلم فإن قومه يدعون الله وحده عند شدة الضيق ، وينسون ما اتخذوه من الأولياء والأنداد ، وأما تلك الأمم فلم تلن الشدائد قلوبهم ، ولم تصلح ما أفسد الشيطان من فطرتهم ، انتهى .

ولازم ما ذكره أن لا يكون التوحيد فطريا يظهر عند ارتفاع الأوهام الشاغلة والانقطاع عن الأسباب الظاهرة أو أن يمكن إبطال حكم الفطرة من أصله ، وقد قال تعالى : {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} [الروم : 30] فأفاد أن دين التوحيد فطري ، وأن الفطرة لا تقبل التغيير بمغير وأيد ذلك بآيات أخر ناصة على أن الإنسان عند انقطاعه عن الأسباب يتوجه إلى ربه بالدعاء مخلصا له الدين لا محالة .

على أن الإقرار بالإله الواحد عند الشدة والانقطاع مما نجده من أنفسنا وجدانا ضروريا ولا يختلف في ذلك الإنسان الأولي وإنسان اليوم البتة .

قوله تعالى : {فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} إلخ ، {فَلَوْ لا} للتحضيض أو للنفي ، وعلى أي حال تفيد في المقام فائدة النفي بدليل قوله : {وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} وقسوة القلب مقابل لينه ، وهو كون الإنسان لا يتأثر عن مشاهدة ما يؤثر فيه عادة أو عن استماع كلام شأنه التأثير .

والمعنى : فلم يتضرعوا حين مجيء البأس ولم يرجعوا إلى ربهم بالتذلل بل أبت نفوسهم أن تتأثر عنه ، وتلهوا بأعمالهم الشيطانية الصارفة لهم عن ذكر الله سبحانه ، وأخلدوا إلى الأسباب الظاهرة التي كانوا يرون استقلالها في إصلاح شأنهم .

قوله تعالى : {فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ} إلخ ، المراد بفتح أبواب كل شيء إيتاؤهم من كل نعمة من النعم الدنيوية التي يتنافس فيها الناس للتمتع من مزايا الحياة من المال والبنين وصحة الأبدان والرفاهية والخصب والأمن والطول والقوة ، كل ذلك توفيرا من غير تقتير ومنع كما أن خزانة المال إذا أعطي منها أحد بقدر وميزان فتح بابها فأعطي ما أريد ثم سد ، وأما إذا أريد الإعطاء من غير تقدير فتح بابها ولم يسد على وجه قاصده بالجملة كناية عن إيتائهم أنواع النعم من غير تقدير على ما يساعده المقام .

على أن فتح الباب إنما يناسب بحسب الطبع الحسنات والنعم وأما السيئات والنقم فإنما تتحقق بالمنع ويناسبها سد الباب كما يلمح إليه قوله تعالى : {ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر : 2] .

ومبلسون من أبلس إبلاسا ، قال الراغب : الإبلاس الحزن المعترض من شدة اليأس ـ إلى أن قال ـ ولما كان المبلس كثيرا ما يلزم السكوت وينسى ما يعنيه ، قيل : أبلس فلان إذا سكت وإذا انقطعت حجته ، انتهى . وعلى هذا المعنى المناسب لقوله : {فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ} أي خامدون منقطعوا الحجة .

ومعنى الآية أنهم لما نسوا ما ذكروا به أو أعرضوا عنه آتيناهم من كل نعمة استدراجا حتى إذا تمت لهم النعم وفرحوا بما أوتوا منها أخذناهم فجأة فانخمدت أنفاسهم ولا حجة لهم لاستحقاقهم ذلك .

قوله تعالى : {فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} دبر الشيء مقابل قبله وهما الجزءان : المقدم والمؤخر من الشيء ، ولذا يكنى بهما عن العضوين المخصوصين ، وربما توسع فيهما فأطلقا على ما يلي الجزء المقدم أو المؤخر فينفصلان عن الشيء ، وقد اشتق منهما الأفعال بحسب المناسبة نحو أقبل وأدبر وقبل ودبر وتقبل وتدبر واستقبل واستدبر ، ومن ذلك اشتقاق دابر بمعنى ما يقع خلف الشيء ويليه من ورائه ، ويقال : أمس الدابر أي الواقع خلف اليوم كما يقال : عام قابل ، ويطلق الدابر بهذا المعنى على أثر الشيء كدابر الإنسان على أخلافه وسائر آثاره ، فقوله : {فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا} أي إن الهلاك استوعبهم فلم يبق منهم عينا ولا أثرا أو أبادهم جميعا فلم يخلص منهم أحد كما قال تعالى : {فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ} [الحاقة : 8] .

ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله : {دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا} دون أن يقال : دابرهم للدلالة على سبب الحكم وهو الظلم الذي أفنى جمعهم وقطع دابرهم ، وهو مع ذلك يمهد السبيل إلى إيراد قوله : {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} .

ومن هذه الآية بما تشتمل على وصفهم بالظلم وعلى حمده تعالى بربوبيته تتحصل الدلالة على أن اللوم والسوء في جميع ما حل بهم من عذاب الاستئصال يرجع إليهم لأنهم القوم الذين ظلموا ، وأنه لا يعود إليه تعالى إلا الثناء الجميل لأنه لم يأت في تدبير أمرهم إلا بما تقتضيه الحكمة البالغة ، ولم يسقهم في سبيل ما انتهوا إليه إلا إلى ما ارتضوه بسوء اختيارهم فقد تحقق أن الخزي والسوء على الكافرين ، وأن الحمد لله رب العالمين .

_________________________

1. تفسير الميزان ، ج7 ، ص 72-78 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ} [الانعام : 40 -41] .

 

التّوحيد الفطري :

يعود الكلام مرّة أخرى إلى المشركين ، ويدور الاستدلال حول وحدانيّة الله وعبادة الواحد الأحد عن طريق تذكيرهم باللحظات الحرجة والمؤلمة التي تمر بهم في الحياة ، ويستشهد بضمائرهم ، فهم في مثل تلك المواقف ينسون كل شيء ، ولا يجدون غير الله ملجأ لهم .

يأمر الله سبحانه نبيّه أن : {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} (2) .

الحالة النفسية التي تصوّرها هذه الآية لا تنحصر في المشركين ، بل في كل إنسان حين يتعرّض إلى الشدة وحوادث الخطر وقد لا يلجأ الإنسان في الحوادث الصغيرة والمألوفة إلى الله ، إلّا أنّه في الحوادث الرهيبة والمخيفة ينسى كل شيء وإن ظل في أعماقه يحس بأمل في النجاة ينبع من الإيمان بوجود قوة غامضة خفية ، وهذا هو التوجه إلى الله وحقيقة التوحيد .

حتى المشركون وعبدة الأصنام لا يخطر لهم التوسل بأصنامهم ، بل ينسونها في مثل هذه الظروف تماما ، فتقول الآية : {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ} .

 

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} [الانعام : 42-45] .

 

مصير الذين لا يعتبرون :

تواصل هذه الآيات توجيه الكلام للضّالين والمشركين ، ويتخذ القرآن فيها طريقا آخر لإيقاظهم وذلك بأن ينقلهم إلى القرون السالفة والأزمان الماضية ، يشرح لهم حال الأمم الضالة والظالمة والمشركة ، ويبيّن لهم كيف أتيح لها جميع عوامل التربية والتهذيب والوعي ، غير أنّ جمعا منهم لم يلقوا بالا إلى أي من تلك العوامل ، ولم يعتبروا بما حاق بهم من (بأساء) و (ضراء) (3) {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} .

أما كان من الأجدر بهؤلاء أن يستيقظوا عند ما جاءهم البأس وأحاطت بهم الشدائد ؟! {فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا} أنّهم لم يستيقظوا ، ولذلك سببان :

الأوّل : إنّهم لكثرة آثامهم وعنادهم في الشرك زايلت الرحمة قلوبهم والليونة أرواحهم : {وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} .

والثّاني : إنّ الشيطان قد استغل عبادتهم أهواءهم فزيّن في نظرهم أعمالهم ، فكل قبيح ارتكبوه أظهره لهم جميلا ، ولكل خطأ فعلوه جعله في عيونهم صوابا : {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} .

ثمّ تذكر الآية الثّانية أنّه لمّا لم تنفع معهم تلك المصائب والمشاكل والضغوط عاملهم الله تعالى بالعطف والرحمة ، ففتح عليهم أبواب أنواع النعم ، لعلهم يستيقظون ويلتفتون إلى خالقهم الذي وهب لهم كل تلك النعم ، ويشخصوا الطريق السوي : {فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ} .

إلّا أنّ هذه النعم كانت في الواقع ذات طابع مزدوج ، فهي مظهر من مظاهر المحبّة التي تستهدف إيقاظ النائمين ، وهي كذلك مقدمة لنزول العذاب الأليم إذا استمرت الغفلة ، والذي ينغمس في النعمة والرفاهية ، يشتد عليه الأمر حين تؤخذ منه هذه النعم فجأة ، بينما لو أخذت منه بالتدريج ، فلا يكون وقع ذلك عليه شديدا ، ولهذا يقول إنّنا أعطيناهم الكثير من النعم {حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ} (4) .

وهكذا استؤصلت جذور أولئك الظلمة وانقطع نسلهم : {فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا} .

و«الدابر» بمعنى المتأخر والتابع .

ولما كان الله قد وفر لهؤلاء كل وسائل التربية ولم يبخل عليهم بأي شيء منها ، لذلك فانّ الحمد يختص بالله الذي يربي أهل الدنيا كافة {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} .

_____________________

1. تفسير الأمثل ، ج4 ، 72-75 .

2. يقول علماء العربية : إنّ «ك» في «أرأيتك» و «كم» في «أرأيتكم» ليستا اسما ولا ضميرا ، ولكنّهما حرفا خطاب يفيدان التوكيد ، والفعل في مثل هذه الحالات يكون مفردا إنّما الافراد والتثنية والجمع تظهر على حرف الخطاب هذا ، ففي «أرأيتكم» المخاطبون جماعة ولكن الفعل «رأيت» مفرد ، و «كم» هو الذي يدل على أنّ المخاطبين جماعة ، وقيل : أنّ هذا التعبير من حيث المعنى يساوي قولك : (أخبرني) أو (أخبروني) ، ولكن الحقّ أنّ الجملة تحتفظ بمعناها الاستفهامي ، و (أخبروني) ملازم للمعنى ، لا المعنى نفسه ، والمعنى يساوي «أعلمتم» ؟

3. «البأساء» الشدة والمكروه ، وتطلق على الحرب أيضا ، وكذلك القحط والجفاف والفقر ، أما «الضراء» فأكثر ما تعني العذاب

الروحي ، كالهم والغم والاكتئاب والجهل ، أو الآلام الناشئة عن الأمراض أو عن فقدان مال أو مقام .

ولعل الاختلاف بين معنيي اللفظتين ناشئ عن أن «البأساء» تشير إلى المكروه الخارجي و «الضراء» تشير إلى المكروه الداخلي ، النفسي أو الروحي ، وعلى هذا تكون «البأساء» من عوامل إيجاد «الضراء» فتأمل بدقة!

4. «الإبلاس» الحزن المعترض من شدة التألم بسبب كثرة المنغصات المؤلمة ، ومنها اشتقت كلمة «إبليس» ، وهي هنا تدل على شدة الغم والهم اللذين يصيبان المذنبين يومئذ .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .