أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-05-2015
1933
التاريخ: 21-09-2015
2356
التاريخ: 6-03-2015
2204
التاريخ: 22-12-2014
1624
|
تحرّي نصوص الإمام ودراستها جيّدا يكشف عن أنّه يعيد التفسير بالرأي
المنهي عنه ، إلى وجهين :
الأوّل : آيات الأحكام .
الثاني : تحميل الآراء والأهواء على القرآن .
الوجه الأوّل : آيات الأحكام
تدخل الأحكام الشرعية عامّة في النطاق
التعبّدي بحيث لا سبيل للعقل إلى تفاصيل الملاكات وعلل التشريع إلّا ما ذكرته
الشريعة ذاتها من علل أو حكم واحتجاجات كما في قوله سبحانه : {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة : 90] ، وقوله : {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ
أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } [المائدة : 91] ، وقوله : {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } [العنكبوت : 45] ، وقوله : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة : 183].
على هذا تحسبت الشريعة للحالات التي قد
يفكّر فيها الإنسان بإقحام عقله في منطقة لا علاقة لها به ، ويلجأ إلى استخدام
الاستحسان والقياس والرأي وما شابه في دين اللّه وتشريعه ، بحيث شدّدت النكير على
ذلك وردعت منه بعشرات الأحاديث.
ما يراه الإمام الخميني أنّ أحاديث النهي عن
التفسير بالرأي تصبّ في هذا الإطار ، وتختصّ بآيات الأحكام دون غيرها من آيات
المعارف والمواعظ والأخلاق والقصص النبوي. يكتب : «فإذا من المحتمل ، بل من
المظنون أنّ التفسير بالرأي راجع إلى آيات الأحكام التي تقصر عنها الآراء وتعدّ
بعيدة عن متناول العقول ، ممّا لا بدّ من أخذه من خزّان الوحي ومهابط ملائكة اللّه
بصرف التعبّد وعلى نحو الانقياد ، على ما يلحظ ذلك من أنّ أكثر الروايات الشريفة
في هذا الباب قد وردت في مقابل فقهاء العامّة الذين كانوا يريدون فهم دين اللّه وإدراكه
بعقولهم ومقايساتهم. وما جاء في بعض الروايات الشريفة من أنّ : «ليس شيء أبعد من
عقول الرجال من تفسير القرآن» (1) ، وكذلك الرواية الشريفة : «دين اللّه لا
يصاب بالعقول» (2) يشهد على أنّ المقصود من «دين اللّه» أحكام الدين التعبّدية ، وإلّا
فباب إثبات الصانع ، والتوحيد والتقديس ، وإثبات المعاد والنبوّة ، بل مطلق
المعارف هو حقّ طلق للعقول ومن مختصّاتها» (3).
يلتقي الإمام في هذا المعنى الذي يسوقه
للتفسير بالرأي مع عدد من المفسّرين القدماء والمعاصرين. فمن القدماء ثمّ قرابة
بين هذا الموقف وما التزم به الطبري (ت : 310 هـ) والطوسي (ت : 460 هـ) ولو بوجه
من الوجوه. فالطبري يذهب إلى حرمة القول بالقرآن فيما لا يدرك علمه إلّا بنصّ بيان
النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أو بنصبه الدلالة عليه (4). وهذا الوجه يشمل آيات الأحكام لا محالة.
أمّا الطوسي فيقسّم التفسير إلى أربعة أقسام
، يمثّل الثالث ما هو مجمل لا ينبئ ظاهره عن المراد به مفصّلا (5). ولا ريب أنّ أبرز مصاديقه هي آيات
الأحكام.
من المعاصرين تتطابق نظرية الإمام مع ما كان
ذهب إليه السيّد الخوئي من حمل التفسير بالرأي على الاستقلال بالفتوى ، حيث مرّ
معنا قوله : «و يحتمل أنّ معنى التفسير بالرأي الاستقلال بالفتوى من غير مراجعة
الأئمّة عليهم السّلام ، مع أنّهم قرناء الكتاب في وجوب التمسّك ولزوم الانتهاء
إليهم. فإذا عمل الإنسان بالعموم أو الإطلاق الوارد في الكتاب ، ولم يأخذ التخصيص
أو التقييد الوارد عن الأئمّة عليهم السّلام كان هذا من التفسير بالرأي» (6).
الوجه الثاني : تحميل الآراء والأهواء
الوجه الأوّل المارّ هو الذي ساقه الإمام في
إطار بحث علمي منظّم كان قد كتبه قبل أكثر من ستّة عقود من الآن (7). بيد أنّ ما يلحظ أنّ سماحته أرفق الوجه
المذكور بوجه آخر عرض له في العقد الأخير من حياته وأسهب في الحديث عنه ، بل أولاه
عناية تفوق الوجه الأوّل بكثير ، ربما بسبب كثرة وقوعه والابتلاء به خاصّة بعد
انفتاح الأجواء على القرآن والإسلام إبان انطلاق نهضته رضوان اللّه عليه.
يتلخّص الوجه الثاني بتحميل آيات القرآن
الآراء والأهواء والنزعات الذاتية والشخصية ، ودمجها مع النصّ القرآني للخروج
بحصيلة تخدم تلك الآراء والنزعات. وهذه الممارسة قد تتمّ عن عمد وبتخطيط مسبق كما
تفعل ذلك الاتجاهات الفكرية والحركية الهجينة والمنحرفة ، وقد تأتي نتيجة طبيعية
لعدم تحلّي الإنسان بالمؤهّلات المطلوبة التي تسمح له بإبداء الرأي في القرآن عن
اجتهاد ودليل.
يتحدّث الإمام بعيد انتصار الثورة الإسلامية
عن الفريق الأوّل ، بقوله : «لقد ظهر في المدّة الأخيرة أشخاص ليسوا من أهل
التفسير أساسا ، بل غرضهم نسبة مقاصدهم ووصلها بالقرآن والسنّة ، حتّى أنّ هناك
فئة من اليساريين والشيوعيين راحت تتمسّك بالقرآن بغية تنفيذ مآربها ، وإلّا لا
شأن لهؤلاء بالتفسير أساسا ، ولا شغل لهم بالقرآن نفسه ، إنّما يبتغون تغذية
شبابنا عن طريق ذلك ، بعنوان أنّ هذا هو الإسلام!» (8).
عن الاتجاه ذاته الذي انتعش في أجواء الحرية
التي عمّت إيران بعد شباط 1979 م ، تحدّث الإمام مرّة اخرى ، بقوله : «لقد ابتلينا
مؤخّرا بفريق هو عكس الفريق السابق؛ فهؤلاء يرجعون جميع الجوانب المعنوية إلى
المادّيات. هم يزعمون أنّهم مسلمون ، لكن لا توحيدهم توحيد إسلامي ، ولا بعثتهم
بعثة إسلامية ، ولا نبوّتهم نبوّة إسلامية ، ولا إمامتهم ولا معادهم ، كلّ هذه
خلاف الإسلام. لم يبرز هؤلاء حديثا قبل عشر أو خمس عشرة سنة مثلا ، ففي وقت يعود
ربما إلى أوائل الحوزة العلمية في قم ، جاءني بعض هؤلاء الناس من هذا السنخ ، وقد
كانوا معمّمين ، وقالوا لي : ما فهمناه أنّ المعاد يكون في هذا العالم ، وكذلك
الجزاء !
هؤلاء كانوا قديما وقد ازدادوا الآن ، عند
ما كنت في النجف جاء أحدهم عن جماعة معيّنة ومكث أكثر من عشرين يوما ، بل ذكر
بعضهم أنّه مكث أربعا وعشرين يوما ، حيث كان يزورني كلّ يوم. لقد أعطيته ساعة من
الوقت أو أكثر لكي يتحدّث ، وكان كلّ كلامه من القرآن ونهج البلاغة ، بيد أنّني
شككت به» (9) وذلك تبعا لطريقته في تفسير كلّ المفاهيم المعنوية والغيبية والإيمانية
التي يحويها القرآن الكريم على اسس مادّية ، ناتجة عن إسقاط رؤى جماعته وأفكارها ومنهجها
على كتاب اللّه.
أمّا الفريق الثاني الذي يروح ضحية جهله ، أو
يقع تحت تأثير المناهج والأفكار وهو يفسّر القرآن أو يستنتج منه كما يشاء ليكون
مصداقا للتفسير بالرأي ، فقد وجّه إليه الإمام تحذيراته المتكرّرة ، منبّها إيّاه
المصير الذي ينتظر هذا الصنف من الناس. يقول سماحته : «يتضح من أقوال بعض الأجنحة
وكتاباتها أنّ بعض الأفراد يبادر إلى تفسير آيات القرآن الكريم ونصوص الأحاديث
بحسب رأيه ويحمل رأيه عليها ، من دون أن يتوفّر على صلاحية تشخيص الأحكام والمعارف
الإسلامية ، وإنّما يفعل ذلك تحت تأثير المدارس المنحرفة. إنّ هذا البعض لا يلتفت
إلى أنّ مدارك الفقه الإسلامي تبتني على أساس يحتاج إلى الدرس والبحث ويتطلّب
التحقيق الواسع بحيث لا يمكن بلوغ المعارف الإسلامية العميقة بتلك الاستدلالات
السطحية المضحكة ، من دون أن تؤخذ بنظر الاعتبار الأدلّة المعارضة ويتمّ تناول
الأمر في إطار دراسة مستوعبة وشاملة» (10).
كما يسجّل في موضع آخر : «إنّما انتهت
الحالة في صدر الإسلام إلى تكرار المعنى الذي يفيد : إنّ من فسّر [القرآن] برأيه
فليتبوّأ مقعده من النار ، تحسّبا لمثل هذه المسائل ، حيث يقوم كلّ واحد باصطناع
رأي من عنده ، ويريد أن يتخذ ما هو خلاف القرآن. إنّ فعل هؤلاء أصعب نسبيا لأنّهم
يتشبّثون بالقرآن»(11).
لهذا كلّه يحذّر الإمام غير المؤهّلين من
الجنوح إلى هذا الوادي الخطير ، ويقول : «لا ينبغي لمن لا يتوفّر على النضج العلمي
الكافي ، ولا للشباب الذين لا أهلية لهم في المسائل الإسلامية ، ومن لا اطلاع له
على الإسلام ، أن يدخل دائرة تفسير القرآن ، وإذا ما ولج بعضهم التفسير لمآرب
معيّنة فلا ينبغي لشبابنا أن يعبأ بتلك التفاسير.
فمن الممنوعات في الإسلام التفسير بالرأي؛ وذلك
بالمعنى الذي يعمد كلّ إنسان إلى فرض آرائه على آيات من القرآن ، ثمّ يفسّر القرآن
ويؤوله بآرائه» (12).
طبيعي لا يعرف هذا النهي فرقا بين الجامعي والحوزوي
ولا بين العالم والمفكّر ، فحتى الحوزوي الذي لا يتوفّر على المؤهّلات المطلوبة
للتفسير لا ينبغي له أن يرد هذا المجال ، كما لا يجوز له أن يفرض آراءه الشخصية ويحملها
على كتاب اللّه. في هذا المعنى ، يسجّل الإمام إبان انطلاق أحداث الثورة محذّرا من
حالات التطرّف الفكري التي تصاحب الهيجان الثوري : «ينبغي لكم أيّها الطلبة
الجامعيّون ، وسائر طبقات الروحانيين [طلّاب الحوزات العلمية] وغيرهم أن تحترزوا
على نحو مطلق من إدخال أذواقكم الشخصية وآرائكم الخاصّة في تفسير الآيات الكريمة
للقرآن المجيد ، وفي تأويل أحكام الإسلام ومصادره ، كما عليكم أن تلتزموا أحكام
الإسلام بجميع أبعادها ، وكونوا على ثقة أنّ ما فيه صلاح المجتمع من بسط العدالة ورفع
الأيادي الظالمة وتأمين الاستقلال والحرية والمسائل الاقتصادية وتعديل الثروة
موجود في الإسلام كاملا على نحو عقلاني وقابل للعمل والتطبيق ، من دون حاجة إلى
تأويلات تقع خارج المنطق» (13).
كما لا فرق أيضا في طبيعة الرأي الذي يحمل
على آيات القرآن ويفرض عليها ، حتّى لو تمثّل ذلك في المعاني الروحية ، إذ يعدّ
الإمام مثل هذا التحميل من التفسير بالرأي الممنوع أيضا ، حيث يقول : «من
الممنوعات في الإسلام التفسير بالرأي ، وذلك بالمعنى الذي يعمد كلّ إنسان إلى فرض
آرائه على آيات من القرآن ... كأن يبادر أحد أهل المعاني الروحية مثلا إلى تأويل
كلّ ما يقدر عليه من القرآن ويرجعه إلى ما يتوافق مع رأيه» (14). يفيد هذا النصّ أنّ تحميل الآراء ممنوع
بصرف النظر عن طبيعتها ولون النزعات التي تتلبّس بها سواء أ كانت معنوية أم
مادّية. بتعبير الإمام : «ليس الميدان رحيبا مفتوحا بحيث يجوز للإنسان أن ينسب إلى
القرآن كلّ نظر يخطر له ، ليقول : هذا هو القرآن!» (15).
_____________________________
(1)-
تفسير العياشي 1 : 11 ، بحار الأنوار 89 : 95/ 48.
(2)- بحار الأنوار 2 : 303/ 41.
(3)- آداب الصلاة : 200 ، الآداب المعنوية
للصلاة : 344.
(4)- تفسير الطبري 1 : 27.
(5)- التبيان في تفسير القرآن 1 : 5- 6.
(6)- البيان في تفسير القرآن : 287.
(7)- تناول الإمام مبحث التفسير بالرأي في
إطار كتابه «آداب الصلاة» الذي كان قد انتهى من تأليفه في شهر ربيع الثاني من عام
1361 هـ.
(8)- تفسير سورة حمد : 95.
(9)- صحيفه امام 10 : 459- 460.
(10)- نفس المصدر 9 : 309.
(11)- نفس المصدر 8 : 143.
(12)- تفسير سورة حمد : 95- 96.
(13)- صحيفه امام 3 : 323.
(14)- تفسير سورة حمد : 96.
(15)- نفس المصدر.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|