أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-04
1993
التاريخ: 24-12-2019
16586
التاريخ: 1-9-2019
9083
التاريخ: 3-4-2017
5283
|
لقد اعتمد قضاء مجلس الدولة المصري منذ إنشائه المبادئ التي استقر عليها القضاء الإداري الفرنسي تجاه القرارات التي لها قوة القانون في إخضاعها لرقابة المشروعية بوصفها مبدأً عاماً. وهذه القرارات قد تأتى تحت صفة لوائح الضرورة، واللوائح التفويضية أو في ظل نظرية الظروف الاستثنائية التي سنأتي إلى تفصيلها تباعاً .
الفرع الأول : الرقابة على لوائح الضرورة واللوائح التفويضية .
نشأ مجلس الدولة المصري في ظل دستور 1923 الذي كرس المادة (41) للوائح الضرورة التي أخضعها قضاء مجلس الدولة لرقابته كما يظهر ذلك جلياً في حكم لمحكمة القضاء الإداري بتاريخ 21/6/1952 الذي جاء فيه أن (المرسوم بقانون رقم 64 لسنة 1952 هو مرسوم له قوة القانون صدر من السلطة التنفيذية بمقتضى المادة (41) من الدستور ، ولاشك في أن هذا المرسوم يعتبر من ناحية مصدره ـ وهي الناحية التي يعتد بها وحدها في تحديد مدى رقابة القضاء ـ قراراً إدارياً يخضع لرقابة هذه المحكمة خضوع سائر القرارات التنظيمية منها والفردية ، فإذا كان باطلاً كان على المحكمة أن تقضي بإلغائه عند رفع الدعوى الأصلية ، وان تمتنع عن تطبيقه عند الدفع بالبطلان ) (1) . إن القرار القضائي أعلاه يؤكد أن المرسوم بقانون بالرغم من أن له قوة القانون فهو لا يخرج عن الوصف القانوني له كقرار إداري خاضع لرقابة قاضي المشروعية وبالتالي فانه يمكن الحكم بإلغائه كلياً أو جزئياً .
واستمرت محكمة القضاء الإداري بتبني المعيار الشكلي وبالتالي بسط رقابتها على لوائح الضرورة حتى في ظل دساتير الجمهورية (2) . وأيدت المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة هذه الرقابة وذكرت في حكم لها بتاريخ 14/4/1962 ( إن سلطة الحكومة في هذا المجال ليست ولاشك طليقة من كل قيد بل تخضع لأصول وضوابط ، فيجب أن تقوم حاله واقعية أو قانونية تدعوا إلى التدخل ،وأن يكون تصرف الحكومة لازماً لمواجهة هذه الحالة بوصفه الوسيلة الوحيدة لمواجهة الموقف ، وأن يكون رائد الحكومة في هذا التصرف ابتغاء مصلحة عامة ، وبذلك تخضع مثل هذه التصرفات لرقابة القضاء ، غير أن المناط في هذه الحالة ، لا يقوم على أساس التحقق من مشروعية القرار من حيث مطابقته أو عدم مطابقته للقانون ، وانما على أساس توافر الضوابط التي سلف ذكرها أو عدم توافرها ،……. ) (3) . إلا أن رقابة هذه اللوائح لم تدم لمجلس الدولة ، فقد صدر القانون رقم (48) لسنة 1979 الخاص بالمحكمة الدستورية العليا الذي نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 6/9/1979 . وقد جاء في المادة (25) منه ( تختص المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بما يأتي :
ـ الرقابة على دستورية القوانين واللوائح .
ـ ……. ) (4) . وجاءت المادة أعلاه على غرار المادة (175) من دستور 1971 (5) .
وعليه فان التشريع الجديد قد جعل للمحكمة الدستورية العليا الولاية في نظر مشروعية لوائح الضرورة دون القضاء الإداري ، إذ أن هذه الرقابة للمشروعية تستند أساسا إلى النصوص الدستورية إضافة إلى المبادئ العامة للقانون نظراً لتمتع لوائح الضرورة بقوة القانون . وقد جاء في حكم للمحكمة الدستورية العليا بتاريخ 4/5/1985 ( إن الدستور وان جعل لرئيس الجمهورية اختصاصاً في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب ، إلا انه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدوداً ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية ، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما قد يصدر من قرارات استناداً أليه . فأوجب لأعمال رخصة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائباً وان تتهيأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب باعتبار أن تلك الظروف هي مناط هذه الرخصة وعلة تقريرها …. فان رقابة المحكمة الدستورية العليا تمتد أليهما للتحقق من قيامهما ، باعتبارهما من الضوابط المقررة في الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات ، شانهما في ذلك شان الشروط الأخرى التي حددتها المادة …….. ) (6) .إننا نرى بان ليس من الصواب حصر الرقابة على لوائح الضرورة بالمحكمة الدستورية العليا ، إذ أن هذه اللوائح هي قرارات ذات طبيعة إدارية من الناحية الشكلية، وبالتالي فان مجلس الدولة يملك الحق في بسط رقابته عليها بحكم كونه الجهة المختصة بالرقابة على القرارات الإدارية بجميع أنواعها ، فهذه القرارات بحكم طبيعتها تخضع لقواعد ومبادئ واحدة وهو أمر تقدره حق تقديره الجهة المختصة وهي القضاء الإداري . إن القضاء المصري يستند بشكل أساسي في تحديد طبيعة العمل القانوني على المعيار الشكلي بوصفه مبدأً عاماً . وعليه فان اخضاع النظر في مشروعية القوانين والقرارات الإدارية التنظيمية لجهة إدارية واحدة هو أمر فيه تغليب للمعيار الموضوعي على الشكلي ، وإذا أريد الأخذ بذلك فان مجلس الدولة سوف تقتصر رقابته على طائفة محددة من القرارات الإدارية ، وهو ما يخالف الواقع. هذا فيما يخص لوائح الضرورة ، أما النوع الأخر من القرارات التي لها قوة القانون وهي اللوائح التفويضية فأنها طبقاً للمعيار الشكلي الذي يتبناه مجلس الدولة المصري تخضع لرقابته . وقد ظهرت هذه اللوائح في دساتير العهد الجمهوري وذكرت المحكمة الإدارية العليا في حكم لها بتاريخ 29/6/1968 شروط إصدار اللوائح التفويضية وذلك ضمن ولاية مجلس الدولة على رقابة اللوائح المذكورة ، وجاء في هذا الحكم بان ( هذه القرارات " اللوائح التفويضية " لا تصدر فقط في غيبة مجلس الأمة ، كما هي الحال في لوائح الضرورة بل يجوز صدورها في أثناء انعقاده وليس في نصوص الدستور " دستور 1964 " ما يوجب عرضها عليه . فهي أذن تتمخض عن اشتراك السلطة التنفيذية في الوظيفة التشريعية وإحلالها محل السلطة التشريعية فيما هو داخل في اختصاصها وقد يكون ذلك في الوقت الذي تكون فيه السلطة الأصلية قائمة بوظيفتها . ومن هنا كان وجه الدقة في الأمر ، ولذلك حرص الدستور على تقييد التفويض بالقيود التي نصت عليها المادة " 120 " سالفة الذكر ……. ) (7) . ذكرت المحكمة في هذا الحكم أيضاً بأنه ( لو صح أن المادة السابعة من القانون " 32 " لسنة 1966 قد انطوت على تفويض تشريعي للسيد رئيس الجمهورية ……… فان هذا التفويض يكون غير مستكمل لشروطه الدستورية …… وإذا أغفلت تلك المادة تحديد نطاق التفويض ولم تبين الأوضاع التي يجري فيها هذا التفويض …….. فان هذا التفويض لا يصح سنداً لتخويل السيد رئيس الجمهورية سلطة إصدار قرارات لها قوة القانون لاسيما حيث تتناول هذه القرارات أمراً من الأمور التي حتم الدستور أن يكون تنظيمها بقانون كمثل تحديد اختصاص جهات القضاء الذي أوجبت المادة " 153 " من الدستور أن يكون بقانون) (8) . وفي نهاية هذا الحكم انتهت المحكمة إلى أن ( اللائحة التي صدرت بناء عليه " قانون التفويض السابق الذكر " تكون مجردة من قوة القانون ، وبذلك يكون حقيقياً على القضاء أن يمتنع عن تطبيق قانون التفويض لو صح انه كذلك ، كما يمسك عن نفاذ حكم اللائحة التفويضية ) (9) .
الفرع الثاني : نظرية الظروف الاستثنائية .
لقد تبنى مجلس الدولة المصري نظرية الظروف الاستثنائية بدون تردد وذلك منذ حكمة الصادر في 26/6/1951 في قضية جريدة ( مصر الفتاة ) والتي تتلخص وقائعها (10) في أن الجريدة المذكورة قد قامت بشن حملات عنيفة ضد الحكومة والتي بدأت تؤثر في الرأي العام فقامت النيابة العامة على اثر ذلك بالتحقيق مع المسؤول عن الجريدة وفي هذا الوقت اشتدت حملة الجريدة فلجأت الحكومة إلى المحكمة لاستصدار قرار بتعطيل الجريدة بموجب قانون المطبوعات فبينما كانت القضية معروضة أمام المحكمة أخذت الجريدة بزيادة حملتها بشكل خطير جداً بحيث رأت الحكومة أن استمرار ذلك قد يؤدي إلى ثورة ضدها ، فأصدرت قراراً بإلغاء ترخيص الجريدة وحجبها عن الجمهور مستندةً في ذلك على نظرية الضرورة .
وعلى اثر هذا القرار قام المسؤول عن الجريدة بالطعن فيه أمام محكمة القضاء الإداري ، فأصدرت المحكمة حكمها فيما تقدم .
وقامت المحكمة في هذا الحكم بتحديد أركان نظرية الظروف الاستثنائية وهي: ـ
وأرجعت المحكمة تلك الأركان إلى مبدأين أو قاعدتين معروفتين في الشريعة الإسلامية هما ( الضرورات تبيح المحضورات ) و( الضرورة تقدر بقدرها ) .
وخلصت المحكمة بعد ذلك إلى أن تصرفات الحكومة مع الجريدة لا تنم عن الخطر الداهم الذي لا سبيل إلى دفعه إلاّ بالإلغاء الفوري ، ولاسيّما بعد أن لجأت الحكومة إلى القضاء فاصبح واجباً عليها أن تنتظر حتى يقول القضاء كلمته .
وقد أقرت المحكمة في هذا الحكم مبدأ خضوع لجوء الحكومة إلى نظرية الظروف الاستثنائية لرقابة القضاء ، إذ ذكرت ( أن أعمال الضرورة تخضع في جميع الأحوال لرقابة القضاء ليرى إذا ما كانت أركان الضرورة متوافرة حتى يقوم حق الضرورة وتنتفي المسؤولية .
فإذا لم تتوافر هذه الأركان فليست هناك ضرورة ويكون العمل الصادر من الإدارة في هذه الحالة موجباً للمسؤولية إذا كان مادياً وباطلاً إذا كان قراراً إداريا) . وقد جاءت المحكمة الإدارية العليا بعد ذلك (11) وأكدت منهج محكمة القضاء الإداري بشان هذه النظرية وذلك في حكمها الصادر بتاريخ 26/3/1966 (12) الذي أورد الشروط الأربعة نفسها التي ذكرها حكم محكمة القضاء الإداري . وذكرت المحكمة الإدارية العليا بان هذه الأركان تقوم على الأسس ذاتها التي اعتمدت سابقاً .... ان مجلس الدولة المصري قد اتفق مع نظيرة الفرنسي في الأركان الثلاثة الأولى لنظرية الظروف الاستثنائية أو كما سماها الفقه والقضاء الفرنسي شروط النظرية . لقد حددت محكمة القضاء الإداري منذ نشأتها نظرية الظروف الاستثنائية ضمن حدود نظام الأحكام العرفية (13) ولم تجز خروج نطاق النظرية في ذلك الوقت عن حدود هذا النظام . ومما صدر عنها في ذلك حكم بتاريخ 25/3/1956 (14) ألزمت فيه الحكومة بدفع تعويض للمدعي وذلك لان القبض عليه وحبسه من يوم 17/4/1949 وحتى صدور أمر الحاكم العسكري العام في 21/4/1949 باعتقاله قد وقع من رجال البوليس بصفتهم من رجال الضبط الإداري ، والقرار الصادر في هذا الشان من حكمدارية بوليس القاهرة أو من يمثله يعدّ قراراً إدارياً يخضع لرقابة القضاء الإداري ( ومن حيث إن القرار سالف الذكر صدر يعتبر سند من القانون يخول هذا الأجراء المقيد للحرية وفي غير الحالات المبينة على سبيل الحصر في المادة " 15 " من قانون تحقيق الجنايات . والفقرة السابعة من المادة الثالثة من القانون رقم " 15 " لسنة 1923 للأحكام العرفية التي لا تجيز " لسلطات الضبط الإداري " الأمر بالقبض إلا على المشردين والمشتبه فيهم وليس المدعي من هؤلاء فان القرار المذكور يكون قد جاء مخالفاً للقانون ) . إلا أن المحكمة الإدارية العليا كان لها رأياً أخر عندما طعن في حكم محكمة القضاء الإداري أمامها . وقد جاء في أسباب الطعن (15) الذي أودع من قبل رئيس هيئة المفوضين بتاريخ 14/5/1956 ( إن القبض على المدعي الأول في الفترة من 17/2/1949 إلى 21/2/1949 كان وقائياً بقصد المحافظة على الأمن العام في الظروف الاستثنائية التي صدر فيها القرار . وقد يكون هناك وجه لما ذهب أليه الحكم المطعون فيه في الظروف العادية ، على اعتبار أن القبض على المدعي جاء مجحفاً بالحرية الفردية التي ارتأى الحكم أنها أولى بالرعاية …. إلا أن الأمر لابد وان يكون له وجه آخر يختلف في الظروف الاستثنائية عنه في الظروف العادية ….. ) . وقد أيدت المحكمة الإدارية العليا ما ذهب إليه رئيس هيئة المفوضين وجاء في حكمها ( ……. وكان هذا الأجراء أمراً لابد منه حفاظاً للأمن ومنعاً لوقوع الجرائم تسوغه ظروف الحال وملابساته وقتذاك . وليس من شك في أن للحكومة في مثل هذه الحالة الاستثنائية سلطة تقديرية واسعة لتتخذ من التدابير السريعة الحاسمة ما تواجه به الموقف الخطير ، إذ بقدر الخطر الذي يهدد الأمن والطمأنينة بقدر ما تطلق حريتها في تقدير ما يجب اتخاذه من إجراءات وتدبير لصون الأمن والنظام . وليس يتطلب من الإدارة في مثل هذه الظروف الخطرة ما يتطلب منها في الظروف العادية من الحيطة والدقة والحذر حتى لا يفلت الزمام من يدها ….. ) .يتضح مما تقدم أن المحكمة الإدارية العليا قد عمدت إلى التوسيع من نطاق نظرية الظروف الاستثنائية ولم تقصرها على نظام الأحكام العرفية فقط . وهذا التوسع له خطورته على حقوق وحريات الأفراد ولاسيّما أن النظام القانوني المصري يتميز بالإفراط في استخدام نظام الأحكام العرفية ( الطوارئ ) وهو ليس بحاجة إلى توسيع قواعد المشروعية الاستثنائية خارج حدود هذا النظام . وفيما يخص نظام الأحكام العرفية أيضاً فان المحكمة الإدارية العليا قد اختلفت كذلك مع محكمة القضاء الإداري بشان قوانين التضمينات . ففي الوقت الذي أكدت فيه الأخيرة عدم دستورية هذه القوانين فان المحكمة الإدارية العليا قضت بدستوريتها (16) . واستمر هذا الحال حتى صدور دستور 1971 الذي نص في المادة (68) منه على أن ( …… يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار أدارى من رقابة القضاء …… ) . على أن المحكمة الإدارية العليا وكذلك محكمة القضاء الإداري قد اتجهتا إلى عدّ إعلان الأحكام العرفية ( حالة الطوارئ ) من أعمال السيادة (17). ومما صدر عن المحكمة الإدارية العليا في هذا الشان حكمها بتاريخ 29/12/1979 الذي جاء فيه ( …… أن قرار " إعلان حالة الطوارئ " من أعمال السيادة التي تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارية بحسبانه من الإجراءات العليا التي تتخذ في سبيل الدفاع عن كيان الدولة أو استتباب الأمن أو النظام العام بها إلا أن "التدابير التي يتخذها القائم على أجراء النظام العرفي تنفيذاً لهذا النظام سواء أكانت فردية أو تنظيمية " يتعين أن تتخذ في حدود القانون وتلتزم حدوده وضوابطه وألا تنأى عن رقابة القضاء ولا تتجاوز دائرة القرارات الإدارية التي تخضع للاختصاص القضائي لمجلس الدولة ) (18). لقد عدّ مجلس الدولة المصري إعلان حالة الطوارئ من أعمال السيادة بالرغم من انه عدّ حالة الطوارئ إحدى تطبيقات نظرية الظروف الاستثنائية التي يبسط فيها رقابته على اللجوء أليها وتطبيقها . وهذا ما تم فعلاً في الرقابة على تطبيق المادة (74) من دستور 1971 . لقد عدّ مجلس الدولة المصري المادة المذكورة إحدى تطبيقات نظرية الظروف الاستثنائية (19) ورتب على هذه المادة ما رتبه بخصوص الرقابة على تطبيق هذه النظرية فهو قد اخضع اللجوء إلى المادة (74) لرقابته كما يفعل في حالة اللجوء لنظرية الظروف الاستثنائية . وما يوضح ذلك بجلاء ما جاء في حكم محكمة القضاء الإداري بتاريخ 11/2/1982 بمناسبة طعن موجه ضد قرارات بقوانين أصدرها رئيس الجمهورية بموجب المادة (74) من الدستور والذي جاء فيه (20) انه ( من الثابت من ديباجة القرارات المطعون فيها أرقام 492 و 493 و 494 و 495 أنها صدرت استناداً إلى المادة (74) من الدستور التي تمثل حاله من حالات الضرورة .
وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن الضرورة كسبب للقرار الإداري لا تقوم إلا بتوافر أركان ثلاثة هي : ـ
1.أن يكون هناك خطر جسيم مفاجئ يهدد النظام والأمن .
2.أن يكون القرار الصادر هو الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر .
3.أن يكون القرار لازماً حتماً فلا يزيد على ما تقضي به الضرورة ) .
وارجع المجلس هذه الأركان إلى الأسس التي ذكرها في أحكام سابقة بخصوص نظرية الظروف الاستثنائية .
وبعد أن أوردت المحكمة فقرات مطولة من بيان رئيس الجمهورية في 5/9/1981 والخطاب الذي ألقاه في اليوم نفسه أمام مجلسي الشعب والشورى في اجتماع مشترك غير عادي، قالت ( ويبين من بيان وخطاب رئيس الجمهورية سالفي الذكر أن الخطر الجسيم المفاجئ الذي دفعه إلى إصدار القرارات المطعون فيها هو الأحداث التي وقعت في الزاوية الحمراء ، وان الشرطة سيطرت على الموقف وصانت الأمن العام في حينه وان النيابة وضعت الأمور في نصابها وكان ذلك في شهر يونيو " حزيران " سنة 1981 . فان القرارات المطعون فيها وقد صدرت في 2/9/1981 في تاريخ لاحق على وقوع هذه الأحداث والسيطرة عليها تكون قد صدرت في وقت لم تكن فيه الأمور تستلزم صدورها ، حتى ولو كان رئيس الجمهورية يخشى وقوع أحداث خطيرة وجسيمة في المستقبل حسبما جاء في خطاب المشار أليه ، لان اتخاذ هذه القرارات منوط بتوفر خطر حال ، لا خطر زال أو خطر قد يحدث في المستقبل ، وبذلك ينتفي الركن الأول لقيام حالة الضرورة .
وبالإضافة إلى ذلك فان ما ورد بالخطاب المشار أليه وما نسب إلى أحزاب ألاقلية وإلى الجماعات الأسلامية وإلى بعض الشخصيات الدينية ، فانه لا يبلغ من الخطورة درجه تبرر القرارات المطعون فيها . فان هذه القرارات ليست الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر . وكان يكفي لدفعها الالتجاء إلى القواعد القانونية القائمة المقررة للظروف العادية ، ومنها على سبيل المثال أحكام قانون العقوبات الخاصة بحماية أمن الدولة ، والقانون رقم " 34 " لسنة 1972 بشان حماية الوحدة الوطنية والقانون رقم " 33 " لسنة 1978 بشان حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي والقانون رقم " 95 " لسنة 1980 بشان حماية القيم من العيب . هذا بالإضافة إلى سلطة رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون بالشروط المقررة في المادتين 108 و147 من الدستور . وبذلك ينتفي الركن الثاني لقيام حالة الضرورة ) .
وانتهت المحكمة بعد ذلك إلى أن ( حالة الضرورة التي استند أليها رئيس الجمهورية في إصدار القرارات المطعون فيها غير قائمة وقت إصدار هذه القرارات ومن ثم تكون هذه القرارات بحسب ظاهر الأوراق غير قائمة على السبب الذي أسندت أليه ). وفي النهاية قضت المحكمة بوقف تنفيذ القرارات المطعون فيها .
إن هذا الحكم يمثل نقطه مضيئة ومشرفة في تاريخ القضاء الإداري المصري . لقد قامت المحكمة هنا بوظيفتها على الوجه الأكمل ، فالقضاء الإداري يجب أن يوازن في عمله بين حقوق وحريات الأفراد وبين متطلبات العمل الإداري كما ذكرنا ذلك سابقاً . ولكي يقوم بهذه المهمة فان عليه الأخذ بنظر الاعتبار الظروف المحيطة بالقرار . فكما نعلم أن المادة (74) من الدستور المصري النافذ تتميز بمحدودية الضمانات الواردة فيها إن لم نقل ندرتها . وهذا خلاف الحال بالنسبة للمادة (16) الأصل التاريخي للمادة محل البحث . إضافة إلى أن تلك الضمانات القليلة لا تؤتي ثمارها وذلك نتيجةً لواقع الحال في مصر . فالاستفتاء على الإجراءات المتخذة تطبيقاً للمادة (74) هو استفتاء صوري . والدليل على ذلك إن الموافقة من قبل الشعب تمت على الاستفتاءين الذين حصلا في مصر عامي 1977 و 1981 ، بينما نرى كثرة الطعون الموجهة ضد الإجراءات المتخذة تطبيقاً لهذه المادة لاسيّما في التطبيق الثاني(21) . ويرجع ذلك ، عند بعض الشراح ، إلى ضعف الوعي عند الشعب إضافة إلى ضعف المعارضة (22). نتيجةً لما تقدم فقد انبرت محكمة القضاء الإداري للدفاع عن حقوق وحريات الأفراد المهددة بشكل خطير عند تطبيق هذه المادة فقامت ببسط رقابتها الكاملة على هذه المادة عند اللجوء أليها وعند تطبيقها عادّةً إياها إحدى تطبيقات نظرية الظروف الاستثنائية .
إن النظرية المذكورة هي كما علمنا نظرية قضائية ، وعليه فللقضاء السلطة التقديرية في كيفية تطبيقها بالشكل الذي يحقق الهدف منها . وقد لحظنا إن مجلس الدولة الفرنسي قد ابتدع نظرية الظروف الاستثنائية لمواجهة العجز الذي يعتري التشريعات الاستثنائية ومنها قانون الأحكام العرفية عن مواجهة بعض الظروف الاستثنائية ، ولم يعدّ هذا المجلس المادة (16) من تطبيقات هذه النظرية بينما نرى أن مجلس الدولة المصري عدّ قوانين الأحكام العرفية (الطوارئ) من تطبيقات نظرية الظروف الاستثنائية ، كما عدّ المادة (74) والمستوحاة من المادة (16) احدى تطبيقات هذه النظرية . وذلك كله ناتج عن اختلاف الواقع السياسي والقانوني في كل من فرنسا ومصر . وبالرغم من اعتبار مجلس الدولة المصري المادة (74) احدى تطبيقات نظرية الظروف الاستثنائية إلا أن القرارات التي لها قوة القانون الصادرة بموجب المادة المذكورة تتميز بالدوام وبالتالي فان القرارات التنظيمية التي لها قوة القانون تؤدي إلى تعديل القوانين القائمة ، على عكس الحال فيما يخص المادة (16) التي تتميز القرارات الصادرة بموجبها بالتأقيت ، بالرغم من أن مجلس الدولة الفرنسي لم يعدّها من تطبيقات نظرية الظروف الاستثنائية . في ختام هذا (الموضوع) يمكننا أن نتبين مدى الخطوات الواسعة التي خطاها مجلس الدولة المصري في الرقابة على القرارات التي لها قوة القانون حتى انه قد فاق في ذلك نظيرة الفرنسي . فاصبح بحق قلعة حصينة لحماية حقوق وحريات الأفراد ، وهو أمر له ضرورته في مصر وذلك لضعف الضمانات التي تحويها القواعد الدستورية والقانونية وان وجدت فهي بالغالب صورية . أننا نستطيع أن نميز في أحكام القضاء الإداري المصري اتجاهين مختلفين ، الأول يمثله محكمة القضاء الإداري والتي تميل إلى حماية الحقوق والحريات فيما تقره من قواعد ومبادئ ، بينما نرى أن المحكمة الإدارية العليا التي تمثل الاتجاه الثاني ترجح في كثير من الأحيان كفة الإدارة على حساب حقوق وحريات الأفراد ، وإن كان هذا الاتجاه قد تقلص بشكل كبير بصدور دستور 1971 الذي نص على منع تحصين القرارات الإدارية من رقابة القضاء وكفالة حق التقاضي لجميع الأفراد .
______________
1- د. أحمد عبد الرحمن شرف الدين ، د. محمد رفعت عبد الوهاب ، القضاء الاداري ، كلية الشريعة والقانون ، جامعة صنعاء ، 1991. ص270 .
د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، القضاء الإداري ، الناشر منشأة المعارف بالإسكندرية ، 1996. ص142 .
2- جاء في حكم لمحكمة القضاء الإداري في 24/6/1957 ( إن فقه القانون العام وقضاء مجلس الدولة في فرنسا ومصر قد جريا على الأخذ بالمعيار الشكلي لا الموضوعي في التفرقة بين العمل التشريعي الذي هو بمنأى عن الإلغاء والعمل الإداري القابل للإلغاء أي أن العبرة بالجهة التي أصدرته ، فان كان صادراً من السلطة التنفيذية اعتبر قراراً إداريا أيا كانت طبيعته ) .
د. عبد الرحمن شرف الدين ، د. محمد رفعت عبد الوهاب ، مصدر سابق . ص256 .
3- د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، القضاء الإداري ، مصدر سابق . ص142 .
4- د. إبراهيم عبد العزيز شيحا ، القانون الدستوري ، الدار الجامعية للطباعة والنشر ، بيروت ، 1983. ص814 .
5- جاء في هذه المادة ( تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح وتتولى تفسير النصوص التشريعية ، وذلك كله على الوجه المبين في القانون ) .
6- د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، القضاء الإداري ، مصدر سابق . ص143 .
7- د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، القضاء الإداري ، مصدر سابق . 138 . ويُنظر في ذلك د. بشار عبد الهادي ، الجوانب التطبيقية لتفويض الاختصاصات التشريعية والإدارية في مصر والاردن ، الطبعة الأولى ، دار الفرقان للنشر والتوزيع ، عمان ، 1982. ص25 .
8- د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة وضمان الرقابة القضائية ، منشأة المعارف بالاسكندرية ، 1982. ص296 .
9- د. احمد عبد الرحمن شرف الدين . د. محمد رفعت عبد الوهاب ، مصدر سابق . ص275 .
10- يُنظر في وقائع هذه القضية والحكم الصادر بشأنها . حمدي ياسين عكاشة ، القرار الاداري في قضاء مجلس الدولة ( شرح وتحليل القرارات الإدارية في ضوء احكام محكمتي القضاء الإداري والإدارية العليا) ، الناشر منشأة المعارف بالاسكندرية ، 1987. ص170 . د. يحيى الجمل ، نظرية الضرورة في القانون الدستوري وبعض تطبيقاتها المعاصرة ( دراسة مقارنة ) الناشر دار النهضة العربية ، القاهرة ، بلا سنة طبع.. ص87 .
11- أنشأت هذه المحكمة بقانون مجلس الدولة رقم (165) لسنة 1955 .
12- ينظر حمدي ياسين عكاشة ، مصدر سابق . ص172 . د. يحيى الجمل ، مصدر سابق . ص91 .
13-من أحكام محكمة القضاء الإداري بشان نظام الأحكام العرفية، ما قضت به في 30/6/1952 من أن نظام الأحكام العرفية ( وان كان نظاماً استثنائياً إلا انه ليس بالنظام المطلق بل هو خاضع للقانون وضع الدستور أساسه وبين القانون أصوله وأحكامه ورسم حدوده وضوابطه ولذلك وجب أن يكون إجراؤه على مقتضى هذه الأصول والأحكام وفي نطاق هذه الحدود والضوابط والأركان وإلا كان ما يتخذ من التدابير والإجراءات مجاوزاً لهذه الحدود منحرفاً عنها عملاً مخالفاً للقانون تنبسط عليه رقابة القضاء …… ) د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة ، مصدر سابق . ص342 .
14- يُنظر في هذا الحكم د. طعيمة الجرف ،مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الإداره العامة للقانون ، الطبعة الثالثة ، ملتزم الطبع والنشر دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1976. ص199 .
15- يُنظر في الطعن وفي قرار المحكمة الإدارية العليا ، ص202ـ203 .
16- في البداية أقرت محكمة القضاء الإداري وذلك في حكم لها بتاريخ 7/6/1949 مشروعية قوانين التنضيمات فيما يتعلق بالأوامر العسكرية التنظيمية دون التدابير الأخرى المتخذة تنفيذا لهذه الأوامر من الموكول إليهم أمر التنفيذ، إلا أن المحكمة بعد ذلك عدلت عن موقفها وأقرت عدم دستورية هذه القوانين وقضت في حكم لها بتاريخ 21/6/1952 بان (المرسوم بقانون " 64 " لسنة 1952 باطلاً لمخالفته للدستور وانه تأسيسا على ذلك لا يجوز تطبيقه في الدعوى لانه متى كان باطلاً فهو لا يسري لا على الماضي ولا على المستقبل ) .
إلا أن المحكمة الإدارية العليا كان لها موقفاً مغايراً وأقرت دستورية هذه القوانين ومن أحكامها في ذلك ما صدر بتاريخ 12/7/1958 والذي كان بمناسبة الطعن بحكم لمحكمة القضاء الإداري بتاريخ 25/6/1957. وقررت المحكمة الإدارية العليا دستورية قانون التضمينات التي تضمنته المادة (3) من القانون (270) لسنة 1956 وجاء في هذا الحكم ( أن النص المذكور قد جاء مضيقاً لاختصاص القضاء ، مانعاً إياه من نظر المنازعات المشار إليها بهذا النص بالطريق المباشر وبالطريق غير المباشر أي سواء بالإلغاء أم بالتعويض …… وقد جرى قضاء هذه المحكمة في مثل هذه الحالة على انه لا وجه للنص بعدم الدستورية بدعوى مصادرة حق التقاضي إذ تجب التفرقة بين المصادرة المطلقة لحق التقاضي عموماً وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء بالتوسيع والتضييق …… ) يُنظر في ذلك د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة ، مصدر سابق . ص383ـ384 .
17- من أحكام محكمة القضاء الإداري في ذلك حكم صادر بتاريخ 26/6/1951 وحكم بتاريخ 31/7/1951 وكذلك حكم في 10/7/1952 . المصدر السابق . ص342 .
18- حمدي ياسين عكاشة ، مصدر سابق . ص1240 . وفي حكم للمحكمة الإدارية العليا صادر بتاريخ 10/12/1966 حول معيار تمييز اعمال السيادة جاء فيه ( أن الأصل إن معيار التفرقة بين الأعمال الإدارية التي تباشرها الحكومة في حدود وظيفتها الإدارية وبين اعمال السيادة التي تباشرها باعتبارها سلطة حكم مرده إلى القضاء الذي ترك له المشرع سلطة تقرير الوصف القانوني للعمل المطروح عليه ، وما إذا كان يعد عملاً إدارياً مادياً يختص بنظره ، أو عملاً من اعمال السيادة يمتنع عليه النظر فيه …. ) ص117 .
وهناك حكم آخر للمحكمة الإدارية العليا ذات محتوى مشابه للحكم أعلاه صدر بتاريخ 5/2/1977 ذكره د. محمد حسنين عبد العال ، رقابة مجلس الدولة لقرارات الضبط الإداري الصادره بالتطبيق للمادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي والمادة ( 74 ) من الدستور المصري ( دراسة تحليلية لأحكام القضاء ) ، الناشر دار النهضة العربية، 1983 ،ص80 .
19- يُنظر المبحث الاول من هذا الفصل في آراء الفقهاء حول طبيعة الإجراءات المتخذة تطبيقاً للمادة (16) من الدستور الفرنسي 1958 والتي تعتبر الأصل التاريخي للمادة (74) من الدستور المصري . وقد ذهب أحد هذه الآراء إلى اعتبار المادة (16) احدى تطبيقات نظرية الظروف الاستثنائية .
20- يُنظر في هذا الحكم د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، الناشر منشأة المعارف بالإسكندرية ، 1997. ص702 . د. ماجد راغب الحلو ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، الناشر منشاة المعارف بالإسكندرية ، 2000 . ص683ـ685 . د. محمد حسنين عبد العال ، مصدر سابق . ص75ـ77 .
21- طعن في التطبيق الأول للمادة (74) عام 1977 أمام محكمة أمن الدولة العليا . أما التطبيق الثاني عام 1981 فقد وجهت ضده الكثير من الطعون وذلك أمام محكمة القضاء الإداري والتي على اثر ذلك أصدرت عدة أحكام منها الحكم الصادر بتاريخ 11/2/1982 في الدعوى رقم 3123 لسنة 35 ف وكذلك الأحكام الصادرة في الدعاوى رقم 156 ،186 ،187 لسنة 1936 ف بتاريخ 22/12/1982 وكذلك الحكم الصادر بتاريخ 29/6/1982 في الدعوى رقم 1657 لسنة 36 ف والحكم الصادر بتاريخ 16/11/1988 في الدعوى رقم 2704 لسنة 36 ف . يُنظر د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، مصدر سابق . ص701ـ702 الهامش .
22- د. ماجد راغب الحلو ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، مصدر سابق .ص686 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|