أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-2-2017
3217
التاريخ: 14-2-2017
6401
التاريخ: 24-11-2016
4129
التاريخ: 24-11-2016
4771
|
قال تعالى : {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [البقرة: 211، 212].
{سل} يا محمد {بني إسرائيل} أي أولاد يعقوب وهم اليهود الذين كانوا حول المدينة والمراد به علماؤهم وهو سؤال تقرير لتأكيد الحجة عليهم {كم آتيناهم} أي أعطيناهم {من آية بينة} من حجة ظاهرة واضحة مثل اليد البيضاء وقلب العصا حية وفلق البحر وتظليل الغمام عليهم وإنزال المن والسلوى عن الحسن ومجاهد وقيل كم من حجة واضحة لمحمد تدل على صدقه عن الجبائي.
{ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته} في الكلام حذف وتقديره فبدلوا نعمة الله وكفروا ب آياته وخالفوه فضلوا وأضلوا ومن يبدل الشكر عليها بالكفران وقيل من يصرف أدلة الله عن وجوهها بالتأويلات الفاسدة الخالية من البرهان {فإن الله شديد العقاب} له وقيل شديد العقاب لمن عصاه فيدخل فيه هذا المذكور.
وفي الآية دلالة على فساد قول المجبرة في أنه ليس لله سبحانه على الكافرين نعمة لأنه حكم عليهم بتبديل نعم الله كما قال في موضع آخر يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ونحو ذلك من وجه آخر وهو أنه أضاف التبديل إليهم وأوعدهم عليه بالعقوبة فلولم يكن فعلهم لما استحقوا العقوبة .
والتبديل هو أن يحرف أو يكتم أو يتأول على خلاف جهته كما فعلوه في التوراة والإنجيل وكما فعلوه مبتدعة الأمة في القرآن .
ثم بين سبحانه أن عدولهم عن الإيمان إنما هو لإيثارهم الحياة الدنيا فقال {زين للذين كفروا الحياة الدنيا}(2) وفيه قولان ( أحدهما ) أن الشيطان زينها لهم بأن قوي دواعيهم وحسن فعل القبيح والإخلال بالواجب إليهم فأما الله فلا يجوز أن يكون المزين لهم إياها لأنه زهد فيها وقال واعلم أنها متاع الغرور وقال قل متاع الدنيا قليل عن الحسن والجبائي ( والآخر ) أن الله زينها لهم بأن خلق فيها الأشياء المحبوبة المعجبة وبما خلق لهم من الشهوة لها كما قال زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير الآية وإنما كان كذلك لأن التكليف لا يتم إلا مع الشهوة فإن الإنسان إنما يكلف بأن يدعى إلى شيء تنفر نفسه عنه أو يزجر عن شيء تتوق نفسه إليه وهذا معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وإنما ذكر الفعل وهو مستند إلى الحياة لأن تأنيث الحياة غير حقيقي وهو بمعنى العيش والبقاء ونحوهما ولأنه فصل بين الفعل والفاعل بقوله {للذين كفروا} وإذا قالوا في التأنيث الحقيقي حضر القاضي اليوم امرأة وجوزوا التذكير فيه فهو في التأنيث غير الحقيقي أجوز.
{ويسخرون من الذين آمنوا} ويهزؤون من المؤمنين لفقرهم وقيل لإيمانهم بالبعث وجدهم في ذلك وقيل لزهدهم في الدنيا ويمكن حمله على الجميع إذ لا تنافي بين هذه الأقوال {والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة} أي الذين اجتنبوا الكفر فوق الكفار في الدرجات وقيل أراد أن تمتعهم بنعيم الآخرة أكثر من استمتاع هؤلاء في الآخرة بنعيم الدنيا وقيل أراد أن حالهم فوق هؤلاء الكفار لأنهم في عليين وهؤلاء في سجين وهذا كقوله {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا} ومثله قول حسان يعني رسول الله وأبا جهل : )فشركما لخيركما الفداء ).
وقيل أنه أراد أن حال المؤمنين في الهزء بالكفار والضحك منهم في الآخرة حال فوق هؤلاء في الدنيا ويدل على ذلك قوله تعالى {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون} إلى قوله {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون}.
{والله يرزق من يشاء بغير حساب} قيل فيه أقوال ( أحدها ) أن معناه يعطيهم الكثير الواسع الذي لا يدخله الحساب من كثرته ( وثانيها ) أنه لا يرزق الناس في الدنيا على مقابلة أعمالهم وإيمانهم وكفرهم فلا يدل بسط الرزق للكافر على منزلته عند الله وإن قلنا أن المراد به في الآخرة فمعناه أن الله لا يثيب المؤمنين في الآخرة على قدر أعمالهم التي سلفت منهم بل يزيدهم تفضلا ( وثالثها ) أنه يعطيه عطاءا لا يؤاخذه بذلك أحد ولا يسأله عنه سائل ولا يطلب عليه جزاء ولا مكافاة ( ورابعها ) أنه يعطي العدد من الشيء لا يضبط بالحساب ولا يأتي عليه العدد لأن ما يقدر عليه غير متناه ولا محصور فهو يعطي الشيء لا من عدد أكثر منه فينقص منه كمن يعطي الألف من الألفين والعشرة من المائة عن قطرب ( وخامسها ) أن معناه يعطي أهل الجنة ما لا يتناهى ولا يأتي عليه الحساب وكل هذه الوجوه جائز حسن .
___________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2، ص64-61-64.
2- هذا من نقل الاية بالمعنى ، والالفاظ تلفظ الاية هكذا {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].
{سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ } . ليس المقصود من قوله : سل بني إسرائيل السؤال على الحقيقة ، لأن النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) يعلم أحوالهم ، ولا المقصود الحكاية عما كانوا عليه ، كما هو الشأن في الآيات السابقة 49 وما بعدها ، وانما القصد أن يعتبر المسلمون ويتعظوا بحال بني إسرائيل ، ووجه العظة ان بني إسرائيل قد جاءتهم الرسل بالمعجزات والبينات ، واليد البيضاء ، وقلب العصا حية ، وفلق البحر وتظليل الغمام وانزال المنّ والسلوى ونتق الجبل ، ومع ذلك عصوا وخالفوا ، فعاقبهم اللَّه بالمذلة والهوان في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة .
والمسلمون قد جاءهم محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) بالمعجزات والبينات الدالة على صدقه في نبوته ، وصحة شريعته ، وبلغهم عن اللَّه سبحانه أن يدخلوا في السلم كافة لأن فيه خيرهم وصلاحهم ، فان أعرضوا وعصوا كما أعرض وعصى بنو إسرائيل يصبهم ما أصاب الإسرائيليين من قبل .
{ ومَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهً شَدِيدُ الْعِقابِ}. المراد بنعمة اللَّه هنا الدلائل على الحق ، فإنها من أعظم النعم ، لأن فيها الهداية والرشاد ، والنجاة من الهلاك والضلالة ، والمراد بتبديلها تحريفها وعصيانها . . فقوله تعالى :
{ومَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ} ، تماما كقوله : {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ} . وقوله : {فَإِنَّ اللَّهً شَدِيدُ الْعِقابِ} ، كقوله : فان اللَّه عزيز حكيم ، فالمعنى واحد ، والغرض واحد .
لا ايمان الا بالتقوى :
{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا } . لا فرق إطلاقا بين من يكفر بوجود اللَّه ، وبين من يؤمن به نظريا ، ويؤثر دنياه على آخرته عمليا ، لا فرق أبدا بين الاثنين من حيث ان كلا منهما قد فتن بالدنيا وزخرفها ، وآثر العاجلة على الآجلة ، وقاس الخير والفضيلة بمقياس منفعته الشخصية ، ولم يقم وزنا لحرمات اللَّه ، ولا للقيم الانسانية . . واني كلما تقدمت وتوغلت في تفسير القرآن ، وتعمقت في تدبّر آياته ازددت يقينا بأن الايمان باللَّه بلا تقوى ليس بشيء ، وان من جعل الدنيا كل همه ينصرف كلية عن شريعة الحق والدين من حيث يريد ، أولا يريد ، والنتيجة الختمية لهاتين المقدمتين ان من كفر باللَّه ، وآمن به سواء ما دام هذا {المؤمن} يؤثر دنياه على دينه ، ولا يقيم له وزنا في شيء من أقواله وأفعاله . وقد تواتر عن الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم ): {الدنيا والآخرة
ضرتان} أي ان الاهتمام بإحداهما يصرف الإنسان عن الأخرى قهرا (2) . وقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ان الدنيا والآخرة عدوتان متفاوتتان وسبيلان مختلفتان ، فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها ، وهما بمنزلة المشرق والمغرب ، وماش بينهما كلما اقترب من واحدة ابتعد عن الأخرى .
{ويَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} . طبيعي أن يسخر الذين يتخذون آيات اللَّه وأحكامه هزوا ، ويستحلون الدم الحرام ، والمال الحرام - طبيعي أن يسخر هؤلاء ممن يكف عن محارم اللَّه ، ويتحمل المشاق من أجل مرضاته ، طبيعي أن يسخر من لا يعمل الا لهذه الحياة ممن يعمل لها ولما بعد الموت .
{ والَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ} . قال : والذين اتقوا ، ولم يقل : والذين آمنوا ، لأن الإيمان بلا تقوى ليس بشيء كما بينّا ، والمعنى واضح ، وهوان الكافرين إذا سخروا من المؤمنين الآن ، فستنعكس الآية غدا ، ويسخر هؤلاء من أولئك . . قال جل جلاله : ان الخزي اليوم والسوء على الكافرين . .
فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون .
{واللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ} . الرزق رزقان : رزق الدنيا ، ورزق الآخرة ، ورزق الدنيا معلوم ، ورزق الآخرة هو النعيم الذي لا انقطاع له ، ولا تشوبه شائبة من حزن أو خوف ولا يناله أحد إلا بالايمان والعمل الصالح :
{والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} . أما رزق الدنيا فيناله الكافر والمؤمن والبر والفاجر بسعي وغير سعي ، كالإرث والهبة والوصية ، وما إليها ، وأيضا يناله عن طريق جائز ، وغير جائز ، كالسلب والنهب ، والغش والاحتيال .
ونقل صاحب تفسير المنار عن أستاذه الشيخ محمد عبده انه قال عند تفسير هذه الآية ما يتلخص بأن الرزق بغير سعي قد يحصل لبعض الأفراد ، أما الأمة فمحال أن تكون غنية عزيزة إلا بالسعي والعمل . . وهذا حق ثابت بالعيان والبديهة .
________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1، ص313-315.
2- في الحديث : ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة ، ولا الآخرة للدنيا ، ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه ، المؤمن القوي خير وأحب عند اللَّه من المؤمن الضعيف .
قوله تعالى: {سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية }"إلخ" تثبيت وتأكيد واشتمل عليه قوله تعالى: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم}، الآية من الوعيد بأخذ المخالفين أخذ عزيز مقتدر.
يقول: هذه بنو إسرائيل في مرءاكم ومنظركم وهي الأمة التي آتاهم الله الكتاب والحكم والنبوة والملك، ورزقهم من الطيبات، وفضلهم على العالمين، سلهم كم آتيناهم من آية بينة؟ وانظر في أمرهم من أين بدءوا وإلى أين كان مصيرهم؟ حرفوا الكلم عن مواضعه، ووضعوا في قبال الله وكتابه وآياته أمورا من عند أنفسهم بغيا بعد العلم، فعاقبهم الله أشد العقاب بما حل فيهم من اتخاذ الأنداد، والاختلاف وتشتت الآراء، وأكل بعضهم بعضا، وذهاب السؤدد، وفناء السعادة، وعذاب الذلة والمسكنة في الدنيا، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون.
وهذه هي السنة الجارية من الله سبحانه: من يبدل نعمة وأخرجها إلى غير مجراها فإن الله يعاقبه، والله شديد العقاب، وعلى هذا فقوله: {ومن يبدل نعمة الله} إلى قوله {العقاب} من قبيل وضع الكلي موضع الجزئي للدلالة على الحكم، سنة جارية.
قوله تعالى: {زين للذين كفروا الحياة الدنيا}، في موضع التعليل لما مر، وأن الملاك في ذلك تزين الحياة الدنيا لهم فإنها إذا زينت لإنسان دعته إلى هوى النفس وشهواتها، وأنست كل حق وحقيقة، فلا يريد الإنسان إلا نيلها: من جاه ومقام ومال وزينة، فلا يلبث دون أن يستخدم كل شيء لأجلها وفي سبيلها، ومن ذلك الدين فيأخذ الدين وسيلة يتوسل بها إلى التميزات والتعينات، فينقلب الدين إلى تميز الزعماء والرؤساء وما يلائم سوددهم ورئاستهم، وتقرب التبعة والمقلدة المرءوسين وما يجلب به تمايل رؤسائهم وساداتهم كما نشاهده في أمتنا اليوم، وكنا شاهدناه في بني إسرائيل من قبل، وظاهر الكفر في القرآن هو الستر أعم من أن يكون كفرا اصطلاحيا أو كفرا مطلقا في مقابل الإيمان المطلق فتزين الحياة الدنيا لا يختص بالكفار اصطلاحا بل كل من ستر حقيقة من الحقائق الدينية، وغير نعمة دينية فهو كافر زينت له الحياة الدنيا فليتهيأ لشديد العقاب.
قوله تعالى: {والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة} إلخ، تبديل الإيمان بالتقوى في هذه الجملة لكون الإيمان لا ينفع وحده لولا العمل.
____________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج2،ص92-93.
تبديل نعمة الله بالعذاب الأليم :
تشير هذه الآية إلى أحد مصاديق الآيات السابقة، لأنّ الحديث في الآيات السابقة كان يدور حول المؤمنين والكافرين والمنافقين، وأنّ الكافرين كانوا يتجاهلون آيات الله وبراهينه الواضحة ويتذّرعون بمختلف الحجج والمعاذير، وبني إسرائيل مصداق واضح لهذا المعنى، وتقول الآية : {سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بيّنة}.
ولكنّهم تجاهلوا وتغافلوا عن هذه الآيات والعلائم الواضحة وأنفقوا المواهب الإلهيّة والنعم الربانية في أساليب مذمومة ومنحرفة، ثمّ تقول الآية {ومن يبدّل نعمة الله من بعد ما جاءته فإنّ الله شديد العقاب}.
والمراد من (تبديل النعمة) هو استخدام الإمكانات والطّاقات والمصادر الماديّة والمعنويّة الموهوبة على طريق تخريبي إنحرافي وممارسة الظلم والطغيان، فقد وهب الله سبحانه وتعالى مواهب كثيرة لبني إسرائيل من قبيل الأنبياء والقادة الشجعان والإمكانات الماديّة الكثيرة، ولكنّهم لم ينتفعوا من أنبياءهم الإلهيّين، ولا استفادوا من المواهب الماديّة استفادة صحيحة، وبهذا ارتكبوا معصية تبديل النّعمة ممّا سبّب لهم أنواع العذاب الدنيوي، كالتيه في الصحراء وكذلك العذاب الاُخروي الأليم.
وعبارة {سل بني إسرائيل} في الحقيقة تستهدف كسب الإعتراف منهم بشأن النعم الإلهيّة، ثمّ التفكير بالسّبب الّذي أدّى بهم إلى الهاوية والتمزّق مع كلّ هذه الإمكانات ليكونوا عبرة للمسلمين ولكلّ مَن لا ينتفع بالمواهب الإلهيّة بصورة سليمة.
ولا تنحصر مسألة تبديل النّعمة والمصير المؤلم لها ببني إسرائيل، بل أنّ جميع الأقوام والشّعوب إذا ارتكبت مثل هذه الخطيئة سوف تبتلي بالعذاب الإلهي الشديد في الدنيا وفي الآخرة.
فالعالم المتطوّر صناعيّاً يعاني اليوم من هذه المأساة الكبرى، فمع وفور النعم والطاقات لدى الإنسان المعاصر وفوراً لم يسبق له مثيل في التاريخ نجد صوراً شتّى من تبديل النعم وتسخيرها بشكل فضيع في طريق الإبادة والفناء بسبب ابتعادهم عن التعاليم الإلهيّة للأنبياء، حيث حوّروا هذه النعم إلى أسلحة مدمّرة من أجلّ بسط سيطرتهم الظالمة واستعمارهم للبلدان الاُخرى، وبذلك جعلوا من الدنيا مكاناً غير آمن، وجعلوا الحياة الدنيا غير آمنة من كلّ ناحية.
(نعمة الله) في هذه الآية قد تكون إشارة إلى الآيات الإلهيّة وتبديلها يعني تحريفها، أو يكون المعنى أوسع وأشمل من ذلك حيث يستوعب كلّ الإمكانات والمواهب الإلهيّة، والمعنى الثاني أرجح.
الكافرون عبيد الدّنيا :
نزول الآية طبقاً للرّواية المذكورة بشأن رؤساء قريش لا يمنع أن تكون مكمّلة لموضوع الآية السابقة بشأن اليهود وأن نستنتج منها قاعدة كليّة، تقول الآية {زيّن للّذين كفروا الحياة الدنيا} ولذلك أفقدهم الغرور والتكبّر شعورهم.
{ويسخرون من الّذين آمنوا} في حين أنّ المؤمنين والمتّقين في أعلى عليّين في الجنّة، وهؤلاء في دركات الجحيم {والّذين اتّقوا فوقهم يوم القيامة}.
لأنّ المقامات المعنويّة تتّخذ صور عينيّة في ذلك العالَم، ويكتسب المؤمنون درجات أسمى من هؤلاء، وكأنّ هؤلاء يسيرون في أعماق الأرض بينما يحلّق الصالحون في أعالي السّماء، وليس ذلك بعجيب{والله يرزق من يشاء بغير حساب}.
وهذه في الحقيقة بشارة للمؤمنين الفقراء وإنذار وتهديد للأغنياء والأثرياء المغرورين، وهناك احتمال آخر أيضاً وهو أنّ الجملة الأخيرة تشير إلى أنّ الله تعالى يرزق المؤمنين في المستقبل بدون حساب، وذلك بتقدّم الإسلام واتّساعه حيث تحقّق هذا الوعد الإلهي.
وكون ذلك الرّزق الإلهي بدون حساب للمؤمنين إشارة إلى أنّ الثواب والمواهب الإلهيّة ليست بمقدار أعمالنا إطلاقاً، بل هي مطابقة لكرمه ولطفه، ونعلم أنّ كرمه ولطفه ليست لهما حدود ونهاية.
______________________
1-الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1، ص509-511.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|