أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-2-2017
6425
التاريخ: 8-12-2016
4768
التاريخ: 10-2-2017
4022
التاريخ: 9-12-2016
4194
|
قال تعالى : {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَو سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [البقرة: 231، 232].
بين سبحانه ما يفعل بعد الطلاق فقال {وإذا طلقتم النساء} وهذا خطاب للأزواج {فبلغن أجلهن} البلوغ هاهنا بلوغ مقاربة أي قاربن انقضاء العدة(2) بما يتعارفه الناس بينهم بما تقبله النفوس ولا تنكره العقول والمراد بالمعروف هاهنا أن يمسكها على الوجه الذي أباحه الله له من القيام بما يجب لها من النفقة وحسن العشرة وغير ذلك {أو سرحوهن بمعروف} أي اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيكن أملك بأنفسهن {ولا تمسكوهن ضرارا} أي لا تراجعوهن لا لرغبة فيهن بل لطلب الإضرار بهن أما في تطويل العدة أو بتضييق النفقة في العدة.
{لتعتدوا} أي لتظلموهن {ومن يفعل ذلك} أي الإمساك للمضارة {فقد ظلم نفسه} فقد أضر بنفسه وعرضها لعذاب الله {ولا تتخذوا آيات الله هزوا} أي لا تستخفوا بأوامره وفروضه ونواهيه وقيل آيات الله قوله {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} {واذكروا نعمة الله عليكم} فيما أباحه لكم من الأزواج والأموال وما بين لكم من الحلال والحرام {وما أنزل عليكم من الكتاب} يعني العلوم التي دل عليها والشرائع التي بينها {يعظكم به} لتتعظوا فتؤجروا بفعل ما أمركم الله به وترك ما نهاكم عنه {واتقوا الله} أي معاصيه التي تؤدي إلى عقابه وقيل اتقوا عذاب الله باتقاء معاصيه {واعلموا أن الله بكل شيء عليم} من أفعالكم وغيرها .
والآية الثانية : {وإِذَا طلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَجَهُنَّ إِذَا تَرَضوْا بَيْنهُم بِالمْعْرُوفِ ذَلِك يُوعَظ بِهِ مَن كانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِكمْ أَزْكى لَكمْ وأَطهَرُ واللَّهُ يَعْلَمُ وأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ}
{وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن} أي انقضت عدتهن {فلا تعضلوهن} أي لا تمنعوهن ظلما عن التزوج وقيل المراد به التخلية وقيل هو خطاب للأولياء ومنع لهم من عضلهن وقيل خطاب للأزواج يعني أن تطلقوهن في السر ولا تظهروا طلاقهن كيلا يتزوجن غيرهم فيبقين لا ممسكات إمساك الأزواج ولا مخليات تخلية الطلاق أو تطولوا العدة عليهن {أن ينكحن أزواجهن} أي من رضين بهم أزواجا لهن وقيل الذين كانوا أزواجا لهن من قبل {إذا تراضوا بينهم بالمعروف} أي بما لا يكون مستنكرا في عادة ولا خلق ولا عقل وقيل إذا تراضى الزوجان بالنكاح الصحيح عن السدي وقيل إذا تراضيا بالمهر قليلا كان أو كثيرا.
{ذلك} إشارة إلى ما سبق من الأمر والنهي {يوعظ به} يزجر ويخوف به {من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر} إنما خصهم بالذكر لأنهم الذين انتفعوا به أو لأنهم أولى بالاتعاظ به وقيل لأن الكافر إنما يلزمه الوعظ بعد قبوله الإيمان واعترافه بالله تعالى {ذلكم أزكى لكم} أي خير لكم وأفضل وأعظم بركة وأحرى أن يجعلكم أزكياء {وأطهر} أي أطهر لقلوبكم من الريبة فإنه لعل في قلبها حبا فإذا منعها من التزويج لم يؤمن أن يتجاوزا إلى ما حرم الله وقيل أطهر لكم من الذنوب {والله يعلم} ما لكم فيه من الصلاح في العاجل والآجل {وأنتم لا تعلمون} وأنتم غير عالمين إلا بما أعلمكم وليس لأحد أن يستدل بالآية على أن العقد لا يصح إلا بولي لأنا قد بينا أن المراد بالعضل المنع وإذا حملنا الآية على أنها خطاب للأزواج سقط قولهم وهذا أولى لأنه لم يجر للأولياء ذكر كما جرى ذكر المطلقين .
____________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص107-110.
2- لان بعد انقضاء العدة ليس للزوج الامساك ، فهذا كما تقول : بلغت البلد اذا قربت منه
{فأمسكوهن بمعروف} اي : راجعوهن قبل انقضاء العدة.
3- يعني القران {والحكمة}.
{وإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَو سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } .
هذا الخطاب موجه للمؤمنين أو للناس أجمعين ، فكأنه قال عز من قائل : يا أيها المؤمنون إذا طلق أحدكم امرأته الخ .
وبعد أن بيّن سبحانه ان على المطلقة أن تعتد ، وان للمطلق إرجاعها إلى عصمته مع توافر الشروط ، وانها تحرم عليه بعد الطلقة الثالثة ، حتى ينكحها زوج غيره ، وانه لا يحل له أن يأخذ شيئا منها عوضا عن الطلاق إلا إذا كرهته ، وافتدت نفسها منه - بعد هذا كله بيّن سبحانه ما يجب علينا أن نعامل به المطلقة المعتدة من العدل والانصاف ، ويتحقق العدل في أن يعزم المطلق أحد أمرين - متى أشرفت العدة على الانقضاء - إما إرجاع المطلقة إلى عصمته بقصد الإصلاح وحسن المعشر ، وهذا هو الإمساك بمعروف ، واما تركها وعدم التعرض لها بسوء ، مع تأديتها كل ما تستحقه عليه ، وهذا هو التسريح بمعروف .
وبهذا يتبين معنا ان المراد من الآية السابقة ، وهي {الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَو تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ } هو غير المراد من هذه الآية ، وهي {وإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَو سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } . إذ المراد بتلك بيان ان الطلاق الذي يصح الرجوع بعده هو الطلاق الأول والثاني دون الثالث ، أما المراد من هذه الآية التي نحن بصددها فهو بيان ما يجب علينا في معاملة المطلقات ، كما تبين ان المراد ب {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } المشارفة على بلوغ الأجل ، لا البلوغ حقيقة .
{ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا}. أي لا تراجعوهن بقصد إيذائهن ، والاعتداء عليهن ، وراجعوهن بقصد تأدية الحقوق الزوجية ، والتعاون على ما فيه مصلحة الجميع .
وتسأل : ان معنى الضرار المضارة التي تشعر بالمشاركة بين الطرفين ، كالمضاربة والمشاتمة ، والمفروض ان القصد هو إضرار الرجل بالمرأة فقط دون العكس ؟ .
الجواب : ان إضراره بها يستلزم ضرره أيضا لغضب اللَّه عليه ، وذم الناس له ، وتعمدها هي أن تقتص منه ، وتقابله بالمثل ، وعندها تتحول الحياة الزوجية إلى جحيم عليها وعليه ، وربما اتسع الخرق ، وتجاوز الشقاق والخلاف إلى الأقارب والأرحام ، ووقع ما لا تحمد عقباه . . وبهذا نجد تفسير قوله تعالى : {ومَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } لا نفسها فحسب .
{ولا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً } . هذا وعيد وتهديد لمن يتعدى حدود اللَّه في الحقوق الزوجية ، ووجه الهزء بآياته جلت كلمته ان كل من يدعي الايمان باللَّه ، والتدين بشريعته ، ثم يتهاون بأحكامه وحلاله وحرامه فقد استخف واستهزأ بها من حيث يريد أولا يريد ، تماما كمن يعد إنسانا بشيء ، وهو يضمر عدم الصدق والوفاء . . قال بعض السلف : المستغفر من الذنب ، وهو مصر عليه كالمستهزئ بخالقه . . أعوذ باللَّه ، وأستعين به على طاعته .
{واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} . من هذه النعم انه سبحانه خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها ، ونتعاون معها على ما فيه سعادة الأسرة وهناؤها ، فإذا كنا نؤمن باللَّه ، ونأتمر بأمره حقا فعلينا أن نعمل على تحقيق هذه الغاية ، ونبتعد عن كل ما يستدعي شقاء الأسرة ، ويعكر صفو الحياة الزوجية .
{وإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ} .
المراد ب {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } في الآية السابقة قرب انقضاء العدة ، كما أشرنا ، والمراد به هنا انقضاء العدة حقيقة . . ثم ان هذه الآية قد اشتملت على خطابين :
الأول إذا طلقتم النساء . الخطاب الثاني فلا تعضلوهن ، أي تمنعوهن . وقد اختلف المفسرون فيمن هو المقصود بالخطابين ، هل هو واحد ، أوان المخاطب بالأول غير المخاطب بالثاني ؟ .
فمن قائل بأنه واحد ، وهو الأزواج ، وان المعنى يا أيها الأزواج إذا طلقتم النساء ، وانتهت عدتهن فلا تمنعوهن عمن يرتضين للزواج بعدكم ، لأن الرجل كان يتحكم بمطلقته ، ويمنعها أن تتزوج بغيره بعد انتهاء العدة انفة أن يرى امرأته تحت غيره ، ومن قائل بأن المخاطب ب { إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ} هم الأزواج ، والمخاطب ب {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} هم الأولياء ، وان المعنى يا أيها الأزواج إذا طلقتم النساء فلا تمنعوهن يا أيها الأولياء ان يرجعن إلى أزواجهن الأولين بعد انقضاء عدتهن مع رغبتهن في ذلك ، واستشهد الذاهبون إلى هذا التفسير بحديث معقل ابن يسار (2) .
ويلاحظ بأن قوله تعالى :{ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} جملة واحدة مركبة من شرط ، وهو إذا طلقتم النساء ، وجزاء ، وهو فلا تعضلوهن ، فإذا كان المخاطب بالشرط غير المخاطب بالجزاء يكون المعنى يا أيها الأزواج إذا طلقتم النساء فيا أيها الأولياء لا تعضلوهن ، وفي هذا ما فيه من التفكيك الذي يجب أن ينزه عنه كلام الباري عز وجل .
والصحيح ان المخاطب بالشرط والجزاء واحد ، وهم المؤمنون جميعا ، لا الأزواج فقط ، ولا الأولياء فقط ، ولا هما معا ، بل كل المؤمنين ، وهذا كثير في كلامه جل جلاله ، ويكون المعنى يا أيها المؤمنون إذا طلق أحدكم زوجته ، وانقضت عدتها ، وأرادت الزواج ثانية من زوجها الأول أومن غيره فلا تمنعوها منه ، ولا تقفوا في سبيلها إذا تراضيا بينهما بالمعروف ، أي عزما الزواج وثوابه على كتاب اللَّه ، وسنة نبيه .
وقوله تعالى :{ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} يدل على ان للمرأة أن تزوج نفسها بمن ترضى به ، ويرضى بها من غير ولي .
وتقول : ان الآية الكريمة نفت الولاية على المطلقات ، ولم تتعرض للولاية على غيرهن لا نفيا ولا اثباتا ، وعليه فنفي الولاية في زواج الأبكار يحتاج إلى دليل .
ونقول في الجواب : ان اثبات الولاية يحتاج إلى دليل خاص ، أما نفيها فالدليل عليه الأصل في ان كل بالغ عاقل ذكرا كان أو أنثى يستقل في التصرف في نفسه ، ولا ولاية عليه لأحد إطلاقا كائنا من كان إلا إذا تجاوز حدود اللَّه سبحانه .
{ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ} . ذلك إشارة إلى ما ذكره تعالى من أحكامه المقرونة بالترغيب والترهيب ، ويوعظ به ، أي يتعظ به أهل الايمان الصحيح . أما غيرهم من ذوي الايمان المزيف ففي آذانهم وقر عن ذكر اللَّه وأحكامه ، وموعظته وهديه . . وفي هذه الآية دلالة واضحة على انه لا ايمان بلا تقوى ، وان الايمان الصحيح لا ينفك أبدا عن الاتعاظ والعمل ، وان من لا يتعظ ولا ينتفع بأوامر اللَّه فليس من الايمان في شيء .
{ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وأَطْهَرُ} . ذلك إشارة إلى الاتعاظ والعمل بأحكام اللَّه في الحياة الزوجية بعامة ، ومعاملة المطلقات بخاصة . . وليس من شك ان الزواج بقصد الانسانية والتعاون على الخير ينتج النماء والزكاة في الرزق ، والطهر في الخلق ، والعفة في العرض ، والنجاح في النسل ، أما إذا ساء القصد والمعشر فعاقبته الفقر والفسق ، والبلاء والشقاء في حياة الآباء والأبناء .
{واللَّهُ يَعْلَمُ وأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} . ليس القصد أن يخبرنا اللَّه بأنه عالم أو أعلم . . كلا ، ان هذه الحقيقة بديهية لا تحتاج إلى تعليم وتفهيم ، وانما القصد هو التأكيد والحث على العمل بأحكامه تعالى ، وان لم يتبين لنا وجه النفع والصلاح فيها ، لأنه جلت حكمته لا يأمر إلا بما فيه الخير والصلاح ، وليس من الضروري أن نعلم هذا الخير بالتفصيل ، بل يكفي أن نعلم ان الآمر الناهي حكيم عليم ، لا تخفى عليه خافية في الأرض ، ولا في السماء .
وتجمل الإشارة هنا إلى الفرق بين المؤمن وغير المؤمن . . ان المؤمن يتعبد بقول اللَّه ، ويعمل به موقنا بوجود المنفعة واقعا ، وان عجز عن إدراكها بالتفصيل .
أما غير المؤمن فلا يقدم الا مع العلم أو الظن بوجود المنفعة التي يدركها هو بعقله ، أو يرشده إليها مخلوق مثله . . وكثيرا ما يخيب ظنه ، ويستبين له العكس ، ولكن المؤمن في أمان اللَّه وحرزه .
______________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص351-355.
2- روي عن معقل بن يسار انه قال : كان لي أخت تزوجها ابن عمها ، ثم طلقها ، ولم يراجعها ، حتى انقضت العدة ، فهو بها وهويته ، وخطبها مع الخطاب ، فمنعتها عنه ، فانزل الله هذه الاية .
قوله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن} إلى قوله: {لتعتدوا} ، المراد ببلوغ الأجل الإشراف على انقضاء العدة فإن البلوغ كما يستعمل في الوصول إلى الغاية كذلك يستعمل في الاقتراب منها، والدليل على أن المراد به ذلك قوله تعالى: فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف، إذ لا معنى للإمساك ولا التسريح بعد انقضاء العدة وفي قوله تعالى: {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا}، نهى عن الرجوع بقصد المضارة كما نهى عن التسريح بالأخذ من المهر في غير الخلع.
قوله تعالى: {ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه} إلى آخر الآية إشارة إلى حكمة النهي عن الإمساك للمضارة فإن التزوج لتتميم سعادة الحياة، ولا يتم ذلك إلا بسكون كل من الزوجين إلى الآخر وإعانته في رفع حوائج الغرائز، والإمساك خاصة رجوع إلى الاتصال والاجتماع بعد الانفصال والافتراق، وفيه جمع الشمل بعد شتاته، وأين ذلك من الرجوع بقصد المضارة.
فمن يفعل ذلك أي أمسك ضرارا فقد ظلم نفسه حيث حملها على الانحراف عن الطريقة التي تهدي إليها فطرته الإنسانية.
على أنه اتخذ آيات الله هزوا يستهزىء بها فإن الله سبحانه لم يشرع ما شرعه لهم من الأحكام تشريعا جامدا يقتصر فيه على أجرام الأفعال أخذا وإعطاء وإمساكا وتسريحا وغير ذلك، بل بناها على مصالح عامة يصلح بها فاسد الاجتماع، ويتم بها سعادة الحياة الإنسانية، وخلطها بأخلاق فاضلة تتربى بها النفوس، وتطهر بها الأرواح، وتصفو بها المعارف العالية: من التوحيد والولاية وسائر الاعتقادات الزاكية، فمن اقتصر في دينه على ظواهر الأحكام ونبذ غيرها وراء ظهره فقد اتخذ آيات الله هزوا.
والمراد بالنعمة في قوله تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم}، نعمة الدين أو حقيقة الدين وهي السعادة التي تنال بالعمل بشرائع الدين كسعادة الحياة المختصة بتألف الزوجين، فإن الله تعالى سمى السعادة الدينية نعمة كما في قوله تعالى: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة: 3] ، وقوله تعالى: {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 6] ، وقوله تعالى: { فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } [آل عمران: 103].
وعلى هذا يكون قوله تعالى بعده: {وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به}، كالمفسر لهذه النعمة، ويكون المراد بالكتاب والحكمة ظاهر الشريعة وباطنها أعني أحكامها وحكمها.
ويمكن أن يكون المراد بالنعمة مطلق النعم الإلهية، التكوينية وغيرها فيكون المعنى: اذكروا حقيقة معنى حياتكم وخاصة المزايا ومحاسن التألف والسكونة بين الزوجين وما بينه الله تعالى لكم بلسان الوعظ من المعارف المتعلقة بها في ظاهر الأحكام وحكمها فإنكم إن تأملتم ذلك أوشك أن تلزموا صراط السعادة، ولا تفسدوا كمال حياتكم ونعمة وجودكم، واتقوا الله ولتتوجه نفوسكم إلى أن الله بكل شيء عليم، حتى لا يخالف ظاهركم باطنكم، ولا تجترئوا على الله بهدم باطن الدين في صورة تعمير ظاهره.
قوله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف}، العضل المنع، والظاهر أن الخطاب في قوله: فلا تعضلوهن، لأوليائهن ومن يجري مجراهم ممن لا يسعهن مخالفته، والمراد بأزواجهن، الأزواج قبل الطلاق، فالآية تدل على نهي الأولياء ومن يجري مجراهم عن منع المرأة أن تنكح زوجها ثانيا بعد انقضاء العدة سخطا ولجاجا كما يتفق كثيرا، ولا دلالة في ذلك على أن العقد لا يصح إلا بولي.
أما أولا: فلأن قوله: {فلا تعضلوهن}، لولم يدل على عدم تأثير الولاية في ذلك لم يدل على تأثيره.
وأما ثانيا: فلأن اختصاص الخطاب بالأولياء فقط لا دليل عليه بل الظاهر أنه أعم منهم، وأن النهي نهي إرشادي إلى ما يترتب على هذا الرجوع من المصالح والمنافع كما قال تعالى: {ذلكم أزكى لكم وأطهر}.
وربما قيل: إن الخطاب للأزواج جريا على ما جرى به قوله: وإذا طلقتم النساء، والمعنى: وإذا طلقتم النساء يا أيها الأزواج فانقضت عدتهن فلا تمنعوهن أن ينكحن أزواجا يكونون أزواجهن، وذلك بأن يخفى عنهن الطلاق لتضار بطول العدة ونحو ذلك.
وهذا الوجه لا يلائم قوله تعالى: {أزواجهن}، فإن التعبير المناسب لهذا المعنى أن يقال: أن ينكحن أو أن ينكحن أزواجا وهو ظاهر.
والمراد بقوله تعالى: {فبلغن أجلهن}، انقضاء العدة، فإن العدة لولم تنقض لم يكن لأحد من الأولياء وغيرهم أن يمنع ذلك وبعولتهن أحق بردهن في ذلك.
على أن قوله تعالى: {أن ينكحن}، دون أن يقال: يرجعن ونحوه ينافي ذلك.
قوله تعالى: {ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر}، هذا كقوله فيما مر: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر} الآية، وإنما خص الموردان من بين الموارد بالتقييد بالإيمان بالله واليوم الآخر، وهو التوحيد، لأن دين التوحيد يدعو إلى الاتحاد دون الافتراق، ويقضي بالوصل دون الفصل.
وفي قوله تعالى: {ذلك يوعظ به من كان منكم} التفات إلى خطاب المفرد عن خطاب الجمع ثم التفات عن خطاب المفرد إلى خطاب الجمع، والأصل في هذا الكلام خطاب المجموع أعني خطاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمته جميعا لكن ربما التفت إلى خطاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحده في غير جهات الأحكام كقوله: {تلك حدود الله فلا تعتدوها}، وقوله فأولئك هم الظالمون، وقوله: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك}، وقوله: {ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله}، حفظا لقوام الخطاب، ورعاية لحال من هوركن في هذه المخاطبة وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه هو المخاطب بالكلام من غير واسطة، وغيره فمخاطب بوساطته، وأما الخطابات المشتملة على الأحكام فجميعها موجهة نحو المجموع، ويرجع حقيقة هذا النوع من الالتفات الكلامي إلى توسعة الخطاب بعد تضييقه وتضييقه بعد توسعته فليتدبر فيه.
قوله تعالى: {ذلكم أزكى لكم وأطهر}، الزكاة هو النمو الصالح الطيب، وقد مر الكلام في معنى الطهارة، والمشار إليه بقوله: {ذلكم} عدم المنع عن رجوعهن إلى أزواجهن، أو نفس رجوعهن إلى أزواجهن، والمآل واحد، وذلك أن فيه رجوعا من الانثلام والانفصال إلى الالتيام والاتصال، وتقوية لغريزة التوحيد في النفوس فينمو على ذلك جميع الفضائل الدينية، وفيه تربية لملكة العفة والحياء فيهن وهو أستر لهن وأطهر لنفوسهن، ومن جهة أخرى فيه حفظ قلوبهن عن الوقوع على الأجانب إذا منعن عن نكاح أزواجهن.
والإسلام دين الزكاة والطهارة والعلم، قال تعالى: {وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران: 164] ، وقال تعالى: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6].
قوله تعالى: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون}، أي إلا ما يعلمكم كما قال تعالى.
{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } [آل عمران: 164] ، وقال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255] ، فلا تنافي بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون} الآية أي يعلمون بتعليم الله.
___________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج2 ، ص202-204.
تستمرّ هذه الآية في تبيان الأحكام التي أقرّها الإسلام للطلاق، لكي لا تهمل حقوق المرأة وحرمتها.
تقول الآية : ما دامت العدّة لم تنته، وحتّى في آخر يوم من أيامها، فإنّ للرجل أن يصالح زوجته ويعيدها إليه في حياة زوجية حميمة : {فأمسكوهنّ بمعروف}.
وإذا لم تتحسّن الظروف بينهما فيطلق سراحها {أو سرّحوهنّ بمعروف}.
ولكن كلّ رجوع أو تسريح يجب أن يكون في جو من الإحسان والمعروف وأن لا يخالطه شيء من روح الإنتقام. ثمّ تشير الآية إلى المفهوم المقابل لذلك وتقول :
{ولا تمسكوهنّ ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه}.
هذه الجملة في الحقيقة تفسير لكلمة «معروف» أي أنّ الرجوع يجب أن يكون على أساس من الصفاء والوئام، وذلك لأن الجاهليّين كانوا يتّخذون من الطّلاق والرجوع وسيلة للانتقام، ولهذا يقول القرآن بلهجة قاطعة : إنّ استرجاع الزوجة يجب أن لا يكون رغبة في الإيذاء و الاعتداء، إذ أنّ ذلك ـ فضلاً عن كونه ظلماً للزوجة ـ ظلم لنفس الزوج أيضاً.
والآن علينا أن نعرف لماذا يكون ظلم الزوج زوجته ظلماً لنفسه أيضاً ؟
أولاً : إنّ الرجوع المبني على غمط الحقوق لا يمكن أن يمنح الهدوء والاستقرار.
ثانياً : الرجل والمرأة ـ بالنظرة القرآنية ـ جزءان من جسد واحد في نظام الخلقة، فكلّ غمط لحقوق المرأة هو ظلم وعدوان على الرجل نفسه.
ثالثاً : إنّ من يستسيغ ظلم الآخرين يكون غرضاً لنيل العقاب الإلهي، فيكون بذلك قد ظلم نفسه.
ثمّ يحذّر القرآن الجميع :{ولا تتّخذوا آيات الله هزواً}
هذا التعبير يمكن أن يكون إشارة إلى بعض التقاليد الجاهلية المترسّخة في أفكار الناس، ففي الرواية أنّ بعض الرجال في العصر الجاهلي يقولون حين الطّلاق : أنّ هدفنا من الطّلاق هو اللّعب والمزاح، وكذلك الحال عندما يعتقون عبداً أو يتزّوجون من امرأة.
فنزلت الآية أعلاه لتحذّرهم بأنّ كلّ من يطلّق زوجته أو يعتق عبده أو يتزوّج من إمرأة أو يزوّجها من شخص آخر، ثمّ يدّعي أنّه كان يمزح ويلعب فإنّه لا يُقبل منه، ويتحقّق ما أقدم عليه في الواقع العملي بشكل جاد(2).
ويُحتمل أيضاً أنّ الآية ناظرة إلى حال الأشخاص الّذين يستغلّون الأحكام الشرعيّة لتبرير مخالفاتهم ويتمسّكون بالظّواهر من أجل بعض الحيل الشرعيّة، فالقرآن يعتبر هذا العمل نوع من الإستهزاء بآيات الله، ومن ذلك نفس مسألة الزّواج والطّلاق والرّجوع في زمان العدّة بنيّة الإنتقام وإلحاق الضرّر بالمرأة والتّظاهر بأنَّه يستفيد من حقّه القانوني.
فعلى هذا لا ينبغي الإغماض عن روح الأحكام الإلهيّة والتمسّك فقط بالظّواهر الجامدة لها، فلا ينبغي إتّخاذ آيات الله ملعبة بيد هؤلاء، فإنّه يُعتبر ذنب عظيم ويترتّب عليه عقوبة أليمة.
ثمّ تضيف الآية {واذكروا نعمة الله عليكم وما اُنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعضكم به واتّقوا الله واعلموا أنّ الله بكلّ شيء عليم}.
هذه تحذيرات من أجل أن تعلموا : أوّلاً : أنّ الله تعالى عدّ تلك التصرّفات من خرافات وتقاليد الجاهليّة الشنيعة بالنّسبة إلى الزّواج والطّلاق وغير ذلك، فأنقذكم منها وأرشدكم إلى أحكام الإسلام الحياتية، فينبغي أن تعرفوا قدر هذه النّعمة العظيمة وتؤدّوا حقّها، وثانياً : بالنسبة إلى حقوق المرأة ينبغي أن لا تسيئوا إليها بالاستفادة من موقعيّتكم، ويجب أن تعلموا أنّ الله تعالى مُطّلعٌ حتّى على نيّاتكم(3).
الاية الثانية : {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 232]
ذكرنا في البحوث السابقة كيف كانت النسوة يعشن في أسر العادات الجاهلية، وكيف كنّ تحت سيطرة الرجال دون أن يعني أحد برغبتهنّ ورأيهنّ.
وإختيار الزوج كان واحداً من قيود ذلك الأسر، إذ أنّ رغبة المرأة وإرادتها لم يكن لها أيّ تأثير في الأمر، فحتّى من كانت تتزوج زواجاً رسمياً ثمّ تطلّق لم يكن لها حقّ الرجوع ثانية بمحض إرادتها، بل كان ذلك منوطاً برغبة وليّها أو أوليائها، وكانت ثمّة حالات يرغب فيها الزوجان بالعودة إلى الحياة الزوجيّة بينهما، ولكن أولياء المرأة كانوا يحولون دون ذلك تبعاً لمصالحهم أو لتخيّلاتهم وأوهامهم.
إلاّ أنّ القرآن أدان هذه العادة، ورفض أن يكون للأولياء مثل هذا الحقّ، إذ أنّ الزوجين ـ وهما ركنا الزواج الأصليان، إذا توصّلا إلى إتفاق بالعودة بعد الإنفصال ـ يستطيعان ذلك دون أن يكون لأحد حقّ الإعتراض عليهما. تقول الآية {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف} هذا إذا كان المخاطب في هذه الآية هم الأولياء من الرجال الأقارب، ولكن يحتمل أن يكون المخاطب هو الزوج الأوّل. بمعنى أنكم إذا طلقتم زوجاتكم فلا تمنعوهن من الزواج المجدّد مع رجال آخرين، حيث إن بعض الأشخاص المعاندين في السابق وفي الحال الحاضر يشعرون بحساسية شديدة تجاه زواج زوجاتهم السابقة من آخرين، وما ذلك سوى نزعة جاهلية فحسب(4).
في الآية السابقة «بلوغ الأجل» يعني بلوغ أواخر أيام العدّة، ولكن في هذه الآية المقصود هو انقضاء آخر يوم من العدّة، بقرينة الزواج المجدّد. فالغاية في الآية السابقة جزء من المغيا وفي الآية محل البحث خارجة عن المغيا.
ويتبين من هذه الآية أنّ الثيّبات ـ أي اللّواتي سبق لهنًّ الزواج ثمّ طلّقن أو مات أزواجهنّ ـ إذا شئن الزّواج ثانية فلا يلزمهنّ موافقة أوليائهنّ أبداً.
ثمّ تضيف الآية وتحذّر ثانية وتقول : {ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر} ثمّ من أجل التأكيد أكثر تقول : {ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
يشير هذا المقطع من الآية إلى أنّ هذه الأحكام قد شُرّعت لمصلحتكم غاية الأمر أنّ الأشخاص الّذين ينتفعون بها هم الّذين لهم أساس عقائدي من الإيمان بالله والمعاد ولا يتبّعون أهوائهم.
وبعباره اُخرى أنّ هذه الجملة تقول : أنّ نتيجة العلم بهذه الأحكام يصبُّ في مصلحتكم، لكنّكم قد لا تدركون الحكمة والغاية منها لجهلكم وقلّة معارفكم، والله هو العالم بكلّ الأسرار، ولذلك قرّر هذه الأحكام وشرّعها لما فيها من تزكيتكم وحفظ طهارتكم.
والجدير بالذّكر أنّ الآية تشير إلى أنّ العمل بهذه الأحكام يستوجب : (التزكية) و(الطهارة) فتقول (أزكى لكم وأطهر) يعني أنّ العمل بها يطهّر أفراد العائلة من مختلف الأدناس والخبائث، وكذلك يوجب لهم الخير والبركة والتكامل المعنوي، لأنّ «التّزكية» في الأصل (الزّكاة) بمعنى النمو.
وذكر بعض المفسّرين إنّ جملة (أزكى لكم) تشير إلى الثواب المترتّب على الأعمال، وجملة (أطهر) تشير إلى الطّهارة والنّقاء من الذّنوب. ومن البديهي أنّ الزّوجين بالرّغم من كلّ تلك العلاقة الوطيدة والحميمة التي تربط بينهما قد ينفصلا بسبب بعض الحوادث المؤسفة، ولكن بعد الإنفصال والفرقة ومشاهدة الآثار الوخيمة المترتّبة على هذه الفرقة يندمان ويصمّمان على العودة إلى الحياة المشتركة، وهنا لا ينبغي التشدّد والتعصّب لمنع عودتهما لأنّ ذلك يخلّد آثاراً سلبيّة وخيمة في روحيّة كلٌّ منهما، وقد يؤدّي إلى إنحرافهما وتلوّثهما بالرّذيلة، وإن كان لهما أبناء كما هو الغالب فإنّ مصيرهم سوف يكون تعيساً جدّاً، ومسؤوليّة هذه العواقب الأليمة والإفرازات المشؤومة تكون بعهدة من يمنع هذين الزّوجين من المصالحة.
_________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص22-27.
2 ـ تفسير القرطبي : ج 2 ص 964، ومثله في تفسير المراغي : ج 2 ص 179.
3 ـ فعلى هذا تكون جملة «وما نزل عليكم من الكتاب والحكمة» عطف «نعمة الله» أومن قبيل
عطف الخاصّ على العامّ وفي هذه الصورة يكون مفهوم «نعمة الله» واسعاً حيث يشمل جميع
النعم الإلهية التي منها نعمة المحبّة والاُلفة التي جعلها الله بين الزوجين.
4 ـ رجح البعض التفسير الثاني لأن المخاطب في الآيات السابقة هو الأزواج ولكنه يشكل بأن تعبير «أزواجهن» يكون تعبيراً مجازياً بالنسبة إلى الأزواج مضافاً إلى انه لا ينسجم مع شأن النّزول.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|