المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

إحتجاج النبي صلى الله عليه وآله على الفرق الأربع
24-9-2019
وقت التسليم‌
22-9-2016
Sphere Eversion
9-8-2021
نزول المطر الشديد
2023-08-16
الأنزيمات المحللة للكايتين Chitinases
1-11-2017
الدلالات العلمية للنصوص على اسلام ابي طالب
7-2-2019


العشائريّات تمنع من الاتّفاق على قائد  
  
1586   01:38 صباحاً   التاريخ: 25-11-2014
المؤلف : الشيخ جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : مفاهيم القران
الجزء والصفحة : ج2 ، ص90-100.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قضايا إجتماعية في القرآن الكريم /

لقد كان من أبرز ما يتميّز به المجتمع العربيّ قبل الإسلام ، هو النظام القبلي ، والتقسيمات العشائرية التي كانت تحتلّ ـ في ذلك المجتمع ـ مكانةً كبرى ، وتتمتّع بأهمّية عظيمة.

فلقد كان شعب الجزيرة العربية ، غارقاً في هذا النظام الذي كان سائداً في كلّ أنحائها.

صحيح أنّ جميع القبائل العربية ـ آنذاك ـ كانت ترجع ـ في الأصل ـ إلى قبيلتي ، القحطانيين ( وهم اليمنيّون ) والعدنانيين ( وهم الحجازيّون ) ، إلاّ أنّ هذا التقسيم الثنائيّ قد تحوّل بمرور الزمن ، إلى تقسيمات كثيرة وعديدة ، حتّى أصبح من العسير ، إحصاء القبائل العربيّة وأفخاذها وفروعها وبطونها.

فمن يراجع الكتب التالية : ( بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب ) تأليف السيد محمود شكري الآلوسي ، و ( المفصّل في تأريخ العرب ) تأليف علي جواد ، الجزء (4) الفصل (46) ، و ( معجم قبائل العرب القديمة والحديثة ) تأليف عمر رضا كحالة الجزء (3). من يراجع هذه المؤلفات التي تشرح النظام القبليّ وأبعاده في المجتمع العربيّ قبل الإسلام ، يعرف ـ معرفةً كاملةً ـ مدى تغلغل وتوسّع النمط القبليّ عند العرب ، ومدى تأثير القبيلة وعدد بطونها وأفخاذها وفروعها ، تلك القبائل والأفخاذ والبطون التي كانت تبدأ أسماؤها ـ في الغالب ـ بلفظة ( آل ) مثل ، آل النعمان وآل جفنة ، أو لفظة ( بنو) ، كبني أشجع وبني بكر وبني تغلب ، أو كان يطلق على جميع أبنائها اسم الجدّ الأعلى للقبيلة مثل ، غطفان وخزاعة ( وهما ـ في الحقيقة ـ اسمان للجدود ولكنّهما اطلقا على القبيلة).

ولقد كان للقبيلة أكبر الدور في الحياة العربية ـ قبل الإسلام ـ وعلى أساسها كانت تدور المفاخرات وتنشد القصائد ، وتبنى الأمجاد ، كما كانت هي ، منشأ أكثر الحروب وأغلب المنازعات التي ربّما كانت تستمرّ قرناً أو قرنين من الزمان ، كما حدث بين الأوس والخزرج ، أكبر قبيلتين عربيّتين في يثرب ( المدينة ) ، وكلّفهم آلاف القتلى قبل دخول النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) إلى المدينة.

كما أنّ التأريخ يشهد لنا ، كيف كاد التنازع القبليّ في قضية بناء الكعبة الشريفة ووضع الحجر الأسود في موضعه أيام الجاهلية ، أن يؤدي إلى الاختلاف فالصراع الدموي ، والاقتتال المرير ، لولا تدخّل النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) الذي حسم الأمر بطريقة أرضت جميع القبائل المتنافسة ، وأطفأت نار الفتنة التي كادت أن تأكل كلّ أخضر ويابس (1).

ونظراً لما كان يتمتع به رؤساء هذه القبائل من نفوذ ، وكانت تلك الجماعات تملك من قوّة ورابطة ـ في ذات الوقت ـ فقد سعى الرسول الأكرم ـ وبحكمة كبرى ـ أن يستفيد من قدرة تلك القبائل ونفوذ رؤسائها ، في إنجاح الدعوة الإسلامية وتقوية أركانها ، والتغلّب على أعدائها من الكفّار والمشركين وغيرهم من المعارضين.

إلاّ أنّ هذا النظام ( القبلي ) لما كان ينطوي عليه ـ في نفس الوقت ـ من سيئات جسيمة ، وتبعات لا يمكن التغاضي عنها ، ومنافاتها مع ما ينشده الإسلام ويدعو اليه من الوحدة والاتّحاد بين جميع أفراد المسلمين ، فقد سعى الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) في محو الروح القبلية ، وتذويب الفوارق العشائرية. وصهر تلك التجمّعات المتشتّتة المتباينة في بوتقة الإيمان الموحّد ، والصف الإسلامي الواحد ، ولكنّه (صلى الله عليه واله وسلم) رغم ما أوجده في ضوء التعاليم الإسلامية من تحوّلات عظيمة في حياة العرب ، إلاّ أنّ أكثر هذه التحوّلات كانت تتعلّق بقضايا العقيدة ، والمسائل الأخلاقية والروابط الاجتماعية ... ولم يكن من الممكن أن ينقلب شكل النظام القبليّ العربيّ في خلال ( 23 عاماً ) ويتبدل كليةً. ويدلّ على ذلك ، وجود بقايا من هذا النظام في القسم الأكبر من شبه الجزيرة العربية مثل اليمن ونجد والحجاز ... و و.

إنّ اُصول هذه العشائر ـ في ابّان العهد الإسلاميّ ـ وإن كانت عبارةً عن حمير وكهلان وقضاعة ومضر وربيعة ، إلاّ أنّ هذه القبائل الأساسية تفرّعت وتشعّبت باستمرار ، إلى قبائل وأفخاذ وفروع ، وكان لكل قبيلة وفخذ منها شيخ ورئيس يرأس الجماعة وتكون له الكلمة والقيادة وتعطي له الإحترام والطاعة.

وقد كانت النفسيات والأخلاق العشائرية ، المتوغّلة في نفوسهم بحيث لم تنعدم انعداماً كلياً ، رغم ما تلقاه اُولئك من التعاليم الإسلاميّة والتربية القرآنية ، ولذلك كانت تظهر بين الفينة والاخرى ، وينشأ بسببها النزاع ويكاد يتوسّع لولا حكمة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وتدبيره.

فقد ذكر ابن هشام ، حادثةً عند عودة النبيّ والمسلمين من غزو بني المصطلق ، بدأت من قضية صغيرة وكادت أن تتطوّر إلى نزاع قبليّ واسع لولا تصرّف النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم).

قال : ( بينا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عائداً من غزو بني المصطلق وقد نزل عند ماء ، وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له : جهجاه بن مسعود يقود فرسه ، فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهنيّ حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهنيّ : يا معشر الأنصار ، وصرخ جهجاه : يا معشر المهاجرين (2) ، فغضب عبد الله بن أبي بن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم ، غلام حدث ، فقال : أو قد فعلوها ، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا ، والله ما أعدنا وجلابيب قريش [ أي من أسلم من المهاجرين ] إلاّ كما قال الأوّل : سمّن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ، ثم أقبل على من حضره من قومه ، فقال لهم : هذا ما فعلتم بأنفسكم ، أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير داركم ، فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وذلك عند فراغ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من عدوّه ، فأخبره الخبر ، وعنده عمر بن الخطاب فقال : مر به عباد بن بشر فليقتله ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : فكيف يا عمر إذا تحدّث الناس أنّ محمّداً يقتل أصحابه ؟ لا ، ولكن أذّن بالرحيل ، وذلك في ساعة لم يكن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يرتحل فيها ... فارتحل الناس (3)

كما أنّ هناك حادثةً اخرى تدلّ على أنّ مادة الاختلاف كانت كامنةً في أعماقهم ، وكانت مستعدةً للإنفجار في كلّ لحظة ، وبأقل تحريك ، وإيقاد للعصبيات والرواسب القبليّة الجاهليّة.

فها هو ابن هشام ينقل : أنّ شأس بن قيس وكان شيخاً من اليهود قد أسنّ ، عظيم الكفر ، شديد الضغن على المسلمين ، شديد الحسد لهم ، مرّ ذات يوم على نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدّثون فيه ، فغاضه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام ، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية. فقال : قد اجتمع ملأُ بني قيلة بهذه البلاد ... لا والله مالنا معهم إذا اجتمع ملأهم بها من قرار ، فأمر فتىً شابّاً من يهود كان معهم ، فقال : اعمد إليهم ، فاجلس معهم ، ثمّ اذكر يوم بعاث وما كان قبله ، وانشدهم بعض ما كانوا ما تقاولوا فيه من الأشعار.

وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج ، وكان الظفر فيه يومئذ للأوس على الخزرج ، وكان على الأوس يومئذ حضير بن سماك الأشهليّ ، أبو أسيد بن حضير ، وعلى الخزرج عمرو النعمان البياضيّ ، فقتلا جميعاً ..

قال ابن هشام : قال أبو قيس بن الأسلت :
على أن قد فجعت بذي حفاظ                                   فعاودني له حزن رصين       

فأما تقتلوه فـــــــــإنّ عمراً                                     أعض برأسه عضب سنين
وهذان البيتان في قصيدة له ، وحديث يوم بعاث أطول ممّا ذكرت.

قال ابن هشام : ففعل [ ذلك الشاب ما أراده شأس ] فتكلّم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتّى تواثب رجلان من الحييّن على الركب ، أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس ، وجبّار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج ، فتقاولا ثمّ قال أحدهما لصاحبه ، إن شئتم رددناها الآن جذعة [ أي رددنا الآخر إلى أوّله وأعدنا الاقتتال والتنازع ] فغضب الفريقان جميعاً وقالوا : قد فعلنا ، موعدكم الظاهرة [ أي الحرّة ] السلاح السلاح فخرجوا إليها فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتّى جاءهم ، فقال : « يا معشر المسلمين ، الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام ، وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، واستنقذكم به من الكفر ، وألّف به بين قلوبكم » فعرف القوم أنّها نزعة [ أي إفساد بين الناس ] من الشيطان وكيد من عدوّهم ، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً ، ثمّ انصرفوا مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) سامعين مطيعين ، قد أطفأ الله عنهم كيد عدوّ الله شأس بن قيس ، فأنزل الله تعالى في شأس بن قيس وما صنع : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } ( العمران : 98 ـ 99).

وأنزل الله في أوس بن قيظيّ وجبّار بن صخر ومن كان معهما من قومهما ، الذين صنعوا ما صنعوا عمّا أدخل عليهم شأس من أمر الجاهلية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * إلى أخر قوله تعالى ـ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ( آل عمران : 100 ـ 105 ) (4).

وممّا يدلّ أيضاً على وجود رواسب الخلاف عند قبيلتي الأوس والخزرج حتّى بعد دخولهم في الإسلام ، وانضوائهم تحت لوائه في صف واحد ، ما نقله الشيخ البخاري في صحيحه ، في قصّة الإفك قال ، قال النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) وهو على المنبر : « يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي ، والله ما علمت على أهلي إلاّ خيراً ، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلاّ خيراً ، وما يدخل على أهلي إلاّ معي ».

قالت عائشة : فقام سعد بن معاذ (5) أخو بني عبد الأشهل فقال : أنا يا رسول الله أعذرك ، فإن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا.

قالت : فقام رجل من الخزرج وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج ، قالت : وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحميّة ، فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمرو الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل.

فقام أسيد بن حضير ، وهو ابن عمّ سعد [ بن معاذ ] ، فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمرو الله لنقتلنّه ، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين.

قالت عائشة : فصار الحيّان ( الأوس والخزرج ) حتّى همّوا أن يقتتلوا ، ورسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قائم على المنبر.

قالت : فلم يزل رسول الله يخفّضهم ( أي يهدّئهم ) حتّى سكتوا وسكت (6)

فكيف كان يجوز ـ والحال هذه ـ أن يترك الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) اُمّته المفطورة على العصبيّات القبليّة ، وعلى الاستئثار بالسلطة والزعامة وحرصها على النفس ، ورفض سلطة الآخر ؟

فهل كان يجوز للنبيّ أن يترك تعيين مصير الخلافة لتقوم به اُمّة هذه حالها ، وفي تعيينه قطع لدابر الاختلاف والفرقة ؟

وهل كان من المحتمل أن تتفق كلمة الاُمّة جمعاء على واحد ... ولا تخضع للرواسب القبليّة ولا تبرز إلى الوجود مرّة اخرى ما مضى من الصراعات والتطلّعات العشائرية ، وما يتبع ذلك من حزازات ؟

أم هل يصلح لقائد يهتمّ ببقاء دينه واُمّته أن يترك أكبر الاُمور وأعظمها ، وأشدّها دخالةً في حفظ الدين ، إلى اُمّة نشأت على الاختلاف ، وتربّت على الفرقة ، مع أنّه كان يرى الاختلاف منهم في حياته أحياناً أيضاً كما عرفت ؟

إنّ التأريخ يدلّ على أنّ هذا الأمر قد وقع فعلاً بعد وفاة النبيّ ـ في السقيفة التي سيأتي ذكرها مفصّلاً ـ حيث سارعت كلّ قبيلة إلى ترشيح نفسها للزعامة ، منتحلةً لنفسها حججاً وأعذاراً ... وطالبةً ما تريد بكلّ ثمن حتّى بتجاهل المبادئ وتناسي التعاليم الإسلاميّة ، والوصايا النبويّة.

فقد ذكر ابن هشام تحت عنوان « أمر سقيفة بني ساعدة ، تفرّق الكلمة » نقلاً عن عمر بن الخطاب ، ما يدلّ على اختلاف الكلمة وعدم الاتفاق على أحد :

قال عمر : لمّا جلسنا ( أي في سقيفة بني ساعدة ) قام واحد من الأنصار فأثنى على الله بما هو أهله ثمّ قال :

(أمّا بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منّا ، وقد دفّت دافّة من قومكم ( أي جاء جماعة ببطء ) وإذا هم يريدون أن يحتازونا ( أي يدفعوننا ) من أصلنا ، ويغصبونا الأمر) ... فقام أبو بكر وقال :

(أمّا ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن تعرف العرب هذا الأمر ( أي الزعامة ) إلاّ لهذا الحيّ من قريش ، هم أوسط العرب نسباً وداراً ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيّهما شئتم ) وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجّراح :

ثمّ قام وقال قائل من الأنصار ( أنا جذيلها المحكّك ، وعذيلها المرجّب ، منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ).

قال عمر بن الخطاب : ( فكثر اللغط ( أي اختلاف الأصوات ودخول بعضها على بعض ) ، وارتفعت الأصوات حتّى تخوّفت الاختلاف ) (7).

ولم يقتصر اختلاف الاُمّة على هذا الذي ذكرناه ، بل ظهرت مظاهر التشتت القبليّ حتّى بعد ما جرى في السقيفة من بيعة من فيها لأبي بكر ، حيث راح المهاجرون والأنصار يتهاجون فيما بينهم ، وجرت بينهم مشادات كلاميّة وشعريّة هجائيّة ، هاجم فيها كلّ فريق الفريق الآخر بأشدّ أنواع الهجاء نقلها المؤرّخون ونذكر منها شيئاً :

فقد جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد نقلاً عن كتاب الموفّقيّات : لمّا بويع أبو بكر ... وراح أبو سفيان بن حرب يدّعي الفضل لقريش ويذكر اُموراً في هذا المجال ، قال حسّان بن ثابت :

تنادى سهيل وابن حرب وحارث                    وعكرمة الشاني لنا ابن أبي جهل

قتلنا أباه وانتزعنا سلاحه                                    فأصبح بالبطحا أذلّ من النعل

فأمّا سهيل فاحتواه ابن دخشم                         أسيراً ذليلاً لا يمرّ ولا يحلي

وصخر بن حرب قد قتلنا رجاله                     غداة لوا بدر فمرجله يغلي

اولئك رهط من قريش تبايعوا                       على خطّة ليست من الخطط الفضل

وأعجب منهم قابلوا ذاك منهم                        كأنّا اشتملنا من قريش على ذحل

وكلّهم ثان عن الحقّ عطفه                            يقول اقتلوا الأنصار بئس من فعل

نصرنا وآوينا النبيّ ولم نخف                         صروف الليالي والبلاء على رجل

بذلنا لهم أنصاف مال أكفّنا                            كقسمة أيسار الجزور من الفضل

ونحمي ذمار الحيّ فهو بن مالك                      ونوقد نار الحرب بالحطب الجزل

فكان جزاء الفضل منّا عليهم                          جهالتهم حمقاً وما ذاك بالعدل 

فبلغ شعر حسّان قريشاً ، فغضبوا وأمروا أبي عزّة شاعرهم أن يجيبه ، فقال : 

معشر الأنصار خافوا ربّكم                            واستحيروا الله من شّر الفتن

إنّني أرهب حرباً لاقحاً                                 يشرق المرضع فيها باللبن

جرّها سعد وسعد فتنة                                  ليت سعد بن عبّاد لم يكن

خلف برهوت خفيّاً شخصه                            بين بصرى ذي رعين وجدن

 ليس ما قدّر سعد كائناً                                ما جرى البحر وما دام حضن

ليس بالقاطع منّا شعرةً                                كيف يرجى خير أمر لم يحن

ليس بالمدرك منها أبداً                                  غير أضغاث أماني الوسن 

واتّفق أن اجتمع الأنصار والمهاجرين في مجلس ، فأفاضوا الحديث عن يوم السقيفة ، فقال عمرو بن العاص : والله لقد دفع الله عنّا من الأنصار عظيمةً ، ولما دفع الله عنهم أعظم ، كادوا والله أن يحلّوا حبل الإسلام كما قاتلوا عليه ، ويخرجوا منه من أدخلوا فيه ؟ ولقد قاتلونا أمس فغلبونا ، ولو قاتلناهم اليوم لغلبناهم على العاقبة ، فلم يجبه أحد وانصرف إلى منزله وقد ظفر فقال : 

ألا قل لأوس إذا جئتها                    وقل إذا ما جئت للخزرج

تمنّيتم الملك في يثرب                     فأنزلت القدر لم تنضج 

إلى آخر الأبيات.

فلمّا بلغ الأنصار مقالته وشعره ، بعثوا إليه لسانهم وشاعرهم النعمان بن العجلان فقال لعمرو وهو في جماعة من قريش : ( والله يا عمرو ما كرهتم من حربنا إلاّ ما كرهنا من حربكم ، وما كان اللّه ليخرجكم من الإسلام بمن أدخلكم فيه ، إن كان النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) قال : « الأئمّة من قريش » فقد قال : « لو سلك النّاس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار » فأمّا المهاجرون والأنصار فلا فرق بينهم ، ولكنّك وترت بني عبد مناف بمسيرك إلى الحبشة ، لقتل جعفر وأصحابه ، ووترت بني مخزوم بإهلاك عمارة بن الوليد).

ثمّ أنشد أبياتاً يمتدح فيها قومه الأنصار ويهجو المهاجرين.

فلمّا انتهى شعر النعمان وكلامه إلى قريش غضب كثير منهم.

وقد طالت المماحكات والمشاجرات الكلاميّة وطال التهاجي الحاد بين الصحابة ... حتّى قال أحدهم :

أيال قريش أصلحوا ذات بيننا                 وبينكم قد طال حبل التماحك

فلا خير فيكم بعدنا فارفقوا بنا                   ولا خير فينا بعد فهر بن مالك

فلا تذكروا ما كان منّا ومنكم                    ففي ذكر ما قد كان مشيُ التساوك (8) 

إنّ ما نقلناه لك هنا ، هو غيض من فيض ممّا جرى بين صحابة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) من المنازعات والاختلافات في مسألة القيادة ، فهل كان يجوز ترك مثل هذا المجتمع غير المتّفق في تطلعاته وآرائه دون نصب قائد يكون نصبه قاطعاً لدابر الاختلاف ومانعاً من مأساة التمزّق والتقاطع والفرقة ؟.

تلك محاسبات عقليّة واجتماعيّة من واقع المجتمع الإسلاميّ الأوّل ، تدلّنا على أنّ الحقّ في مسألة القيادة في المجتمع الإسلاميّ بعد وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) هو أن يستخلف (صلى الله عليه واله وسلم) ( قائداً ) للاُمّة ، وراعياً لمصالحها وشؤونها ، لما في نفس التنصيب من مصلحة وقطع دابر الاختلاف.

فمثل هذه المحاسبات ، تمنع القائد الحكيم أن يترك الاُمّة من بعده من دون أن يعيّن لها قيادةً تحافظ على الكيان الإسلاميّ الناشيء من الأخطار المحدقة به ، وتقود الاُمّة الإسلاميّة الفتية في الطريق الشائك إلى الهدف المرسوم لها ، والغاية المطلوبة.إنّ القائد الحكيم ، والرئيس المحنّك هو من يعتبر بالأوضاع الاجتماعيّة لاُمّتة والظروف المحيطة بها ، ويأخذ بنظر الاعتبار ما يمكن أنّ يحدث لها جرّاء غيبته ووفاته ، ثمّ يرسم على ضوء تلك الظروف والأحوال ، والتوقّعات والمحاسبات ما يراه صالحاً للاُمّة ولمستقبلها ، وأهم تلك الاُمور هو تعيين القائد لها ، والمدير لشؤونها من بعده.

إنّ أوضاع المسلمين آنذاك ، والظروف الحرجة المحيطة بهم ، كانت تقتضي أن لا يدع النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) تلك الاُمّة الحديثة العهد بالإسلام وتلك الدولة الفتية الجديدة البنيان ، لآراء الاُمّة وإرادتها لتختار هي بنفسها قائدها ورئيسها ، وهي في خضمّ تلك الأخطار ، والظروف الحسّاسة البالغة الخطورة ، إذ ربمّا كانت تبتلي ـ في ذلك الأمر ـ بالخلاف الذريع ، والفرقة الكبيرة ، فتسهل للخصم سبيل السيطرة عليها وتمكّنه من مؤامراته ونواياه.

إنّ عدم بلوغ الاُمّة الإسلاميّة حدّ الاكتفاء الذاتيّ في القيادة والادارة ، مع الأخذ بنظر الاعتبار الأخطار التي كانت تحدق بها ، والرواسب القبليّة الجاهليّة ، وعدم قدرتها على التغلّب على كلّ ذلك لوحدها ، كانت توجب على النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) بحكم العقل السليم ، أن ينصّب للاُمّة قائداً يدبّر شؤونها ويجمع شتاتها ويحافظ على وحدتها ، ويقود سفينتها إلى شاطيء الأمن والدعة والسلام.
________________________

(1) راجع السيرة النبويّة لابن هشام 1 : 196 تحت عنوان اختلاف قريش فيمن يضع الحجر ولعقة دم ، ومروج الذهب 2 : 278 تحت عنوان بناء قريش الكعبة واختلافهم في وضع الحجر الأسود وحكم النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) فيهم.

(2) قال السهيليّ : ( لمّا سمع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) هذه الكلمات قال : « دعوها فإنّها دعوة منتنة » يعني أنّها كلمة خبيثة لأنّها من دعوى الجاهليّة ، وجعل الله المؤمنين إخوةً وحزباً واحداً ، فإنّما ينبغي أن تكون الدعوة للمسلمين ).

(3) السيرة النبويّة لابن هشام 2 : 290 ـ 291.

(4) السيرة النبويّة لابن هشام 1 : 555 ـ 557.

(5) فيه تأمل ، فإنّ سعداً توفّي قبل غزو بني المصطلق.

(6) صحيح البخاري 5 : 119 باب غزو بني المصطلق.

(7) السيرة النبويّة لابن هشام 2 : 659 ـ 660.

(8) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6 : 17 ـ 38 ( طبعة مصر ).




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .