أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-12-25
941
التاريخ: 2024-01-23
1128
التاريخ: 2023-06-11
976
التاريخ: 2024-01-22
1032
|
كان هنالك نشاط عمراني داخلي قديم في بعض مناطق شبه الجزيرة العربية، وقيام نشاط اقتصادي مناسب للتعامل به في داخلها ومع ما في خارجها معًا، وذلك حتى عندما كان أهلها لا يزالون يتألفون من وحدات صغيرة وقبائل متفرقة، ومن قبل أن ينشئوا دولًا سياسية مستقرة بفترات طويلة، ويكفي هنا من القرائن التى تزكي هذا الاحتمال في إيجاز عثورنا على نص مصري قديم يسجل وصول وفد من بحار جنبتيين بمتاجرهم من اللادن والكندر والمر والبخور إلى مصر في العام 32 من عهد الفرعون تحوتمس الثالث (أي في حوالي عام 1458 ق. م.). وكان الجنبتيون أو الجبانيتاي كما ذكرهم بعض المؤرخين الإغريق والرومان فيما بعد، عشائر نشطة من العرب القتبانيين في جنوب شهبة الجزيرة العربية. وحدث قبل وصول هذا الوفد إلى مصر أن اعتزم رجال البحرية المصرية في عام 1482 ق. م. خلال عهد الملكة حاتشبسوت التى سبقت الفرعون تحوتمس الثالث في الحكم، أن يصلوا بأسطولهم التجاري إلى مدرجات الكندر في الجنوب العربي ليتعاملوا مع تجارها مباشرة ويوفروا بذلك تكاليف الوساطة والوسطاء بينهما. وقد اعتبروا هذه المدرجات من أرض الله التى وقفها على تزويد معابدهم بأطايب البخور، وأملوا خيرًا في أن يهديهم ربهم إلى طرق البحر والبر المؤدية إليها. ولكن وسطاء التجارة من سكان منطقة بوينة (أو بونت) على الشاطئ الأفريقي للبحر الأحمر قرب نواحي الصومال أو إريتريا الحاليتين، خشوا أن يفقدوا مكاسبهم فبالغ أميرهم أمام المندوبين المصريين حين وصلوا إلى أرضه في تصوير استحالة عبور مضيق باب المندب المؤدي إلى مدرجات الكندر (في الجنوب العربي) وصعوبة اختراق ما ورائه من طرق برية، وادعى أن أحدًا لم يجرء على ذلك منذ أيام رع. ثم أرضى المندوبين المصريين بأن استورد من أجلهم 31 شجيرة من أشجار الكندر العربي الثمين حتى يزرعوها في حدائق معبد آمون المدرجة في مدينة طيبة ما داموا حريصين على أن يعودوا إلى بلدهم بهذا النوع الثمين من البخور، وسوف تغنيهم زراعته عن تكبد مشقة الوصول إلى مدرجاته. ورضي المندوبون المصريون بهذا، ولو أن هذه الشجيرات لم تنجح زراعتها في مصر نظرًا للاختلاف في التربة وفي المناخ عن بيئتها الأصلية. وليس من المستبعد أن هذه الوقائع بلغت أسماع الجنبتين في جنوب شبه الجزيرة العربية وكانت من عوامل لفت أنظارهم إلى إمكان التعامل مع مصر مباشرة مادامت هي راغبة في ذلك. وقد وجدوا في عهد تحوتمس الثالث الذي ساد مناطق واسعة من الهلال الخصيب امتدت من الشلال الرابع في السودان إلى غرب الفرات بين الشام وبين العراق، ووطد الأمن فيها، ما شجعهم على تنفيذ رغبتهم. وليس من المستبعد مرة أخرى أن بعضهم سلكوا الطريق البرية في سير طويل ومراحل متعددة حتى وصلوا إلى البلاط المصري في منف أو طيبة.
وبعد هذا العهد ظلت المناظر المصرية القديمة تصور ضمن تجار الكندر واللادن والبخور والمر الواردين إليها عن طريق البحر الأحمر وشواطئه، والذين اعتبرتهم من وجهة نظرها أتباعًا يؤدون الجزية إلى مصر، رجالًا ذوي ملامح سامية، يصلون إلى العاصمة المصرية تارة، ويقفون عند سيناء تارة أخرى، وعند بعض الموانئ المطلة على البحر الأحمر تارة ثالثة. ويتبادلون المتاجر هنا وهناك مع المندوبين المصريين. ونستطيع أن نضيف إلى ذلك ثلاثة فروض، وهي أنه ليس من المستبعد أن بعض هؤلاء التجار ذوي الملامح السامية كانوا من سكان السواحل العربية الشمالية الذين قاموا بدور الوساطة في نقل المتاجر من الجنوب العربي إلى مصر، وأن ما قام به الجنبتيون أسلاف القتبانيين من تعامل تجاري مع مصر في ذلك الزمن البعيد كانت تقوم بمثله طوائف عربية أخرى لم تعرف بعد أسماؤها القديمة، وأن ما كانوا يؤدونه من التبادل التجاري مع مصر كانوا يؤدون مثله مع الشام والعراق. وكانت سلعهم من البخور ومشتقاته تلقى الرواج الكبير هنا وهناك لكثرة استخدامها في المعابد وفي القصور، وفي المحافل والأعياد والمآثم والجنازات، وفي تركيب العقاقير، وإن زادت مصر فاستخدمتها كذلك بكثرة في عمليات التحنيط التى اشتهرت بها. وكانت الشعوب المستهلكة لهذه المنتجات الثمينة تنتج بعضها في أرضها أحيانًا، وتستورد بعضها من المناطق الأفريقية التى تنتجها، ولكن يبدو أن أفضل أنواعها هو ما كانت تستورده مباشرة أو عن طريق الوسطاء من مدرجات الجنوب العربي بالذات ولهذا عادت تجارته على أصحابه بأرباح وفيرة.
وقد استشهدنا من قبل برأي ألبرايت وغيره من أن احتمال استخدام الإبل في عمليات النقل والتنقل منذ القرن الثاني عشر ق. م أو نحوه قد زاد من الإمكانات الاقتصادية لعرب شبه الجزيرة العربية وزاد من إمكانات اتصالاتهم بالدول المحيطة بهم، وأن هذه الإمكانات وتلك قد هيأتهم لتكوين دول ودويلات غنية مستقرة تأخذ بأسباب الحضارة الراقية.
وأغلب الظن أن التحول من الأوضاع القبلية إلى تنظيمات الدول المستقرة لم يتم بسهولة أو في وقت قصير. ولعله بدأ في بعض صوره على الأقل بنوع من التحالف على قدم المساواة بين القبائل ذات المصالح المشتركة والمناطق المتقاربة، والمترابطة بروابط الدم والنسب، ثم عملت الظروف عملها في تغليب كفة فريق منهم على فريق في إطار هذا التحالف، ووصول أكبر زعمائه إلى الرياسة التى أصبحت وراثية في أعقابه، سواء تحت راية الدين أم بتأثير القوة والثراء ونبالة الأصل. ويبدو أن أقدم الجماعات التى نهجت مثل هذا النهج المحتمل هي الجماعات السبئية التي أشارت الكتب السماوية إلى أهميتها منذ أيام سليمان عليه السلام، أي منذ القرن العاشر ق. م على أقل تقدير.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|