أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-1-2017
1747
التاريخ: 22-1-2017
2165
التاريخ: 12-8-2019
2540
التاريخ: 18-1-2021
2085
|
فإذا عدنا إلى ما تقرره الكتب المقدسة رأينا سيدنا إبراهيم وقد تزوج ينزح من بلاد «أور» وهو في جنوب الفرات - إلى شمال العراق تحت سلسلة جبال أرمنيا، ثم إلى «بادان أرام» فيما وراء الفرات، ومن بادان أرام إلى الجنوب الغربي في أرض كنعان، ومن كنعان إلى مصر ثم من مصر إلى كنعان، وكان إبراهيم نبيًّا وشيخ قبيلة بدوية ورب أسرة رحالة تنتقل وراء أنعامها وغنمها، وتركن في الارتحال إلى دوابها من إبل وخيل. وكان في تنقله مسالما لأنه لا يؤمن غائلة القتال لو كان مسلحًا أو لو كان بحارًا، فلما بلغ مدينة أور الكلدانيين احتك - وهو ذلك الزعيم البدوي المتنقل – بالحضارة البابلية؛ فرأى حضارة عريقة ومدنية رائعة. ولما أرغم هذا الزعيم ومن يمثلونه على الرحيل عز عليهم فراق ذلك الجوار الناعم وتلك القربي الطيبة، فلما عاد إبراهيم إلى أرض كنعان ما زال يحن إلى أرض بادان أرام ويذكرها بخير ويصفها بأنها وطنه، كما ينتسب السائح النبيه العائد من بغداد أو مصر أو أحدهما فيقول لقومه في تونس أو في الشام إنه مصري أو بغدادي؛ لكثرة ما يحن إلى الواحدة منهما، ولكثرة ما وجد من الروابط الفكرية أو الخلقية التي تربطه بهما. وإن أصل الحجاز يرجع إلى هجرة صغرى من بين تلك الهجرات الكبرى، فإن إسماعيل وأم إسماعيل وهما من أسرة إبراهيم – نزحا بأمر إبراهيم إلى ذلك الوادي الضيق المجدب المحصور بين سلسلة جبلية وشاطئ بحر عظيم، وهناك تأسست أسرة فقبيلة، فدولة، فدين، فحضارة. وما يزال البدوي رابضًا في صحرائه محتفظًا بنقاوة دمه بعيدًا عن حومة التاريخ إلى أن يرحل أو ينزح ويختلط بالشعوب الأخرى؛ لأنه ما دام منعزلاً على هذه الصورة فهو كمية مهملة. ومن هنا جاءت أهمية الإسلام؛ لأن هذه العقيدة التي انبثقت في قلب تلك الجزيرة أخرجت البدوي من غمده وأبرزته للعالم الخارجي؛ فعلم وتعلم، وحارب وسالم، وتألم وتمتع، وتهذب وتحضر، وسافر وتثقف، ونظم وحكم، وساد وعدل، وأنصف وظلم، وأغنى وأفقر، وأحب وكره، وكافح وحالف. نعم، كان البدوي في حياته السابقة على الإسلام التي توصف بالجاهلية شجاعًا وكريما وورعا وقاسيًا ومطالبا بالثأر. ولكن هذه كلها عناصر منفردة قد تكون الخلق أو قد تدخل في تكوين الخلق، ولكنها لا تدل على شيء من عقله ولا تبسط لنا مواهبه الروحية، وقد درسنا عقلية البدوي سواءً بالمعاشرة أو بالنقل عن عارفيه؛ فما شككنا يومًا في أنه – مع كل الفضائل التي تنسب إليه - موهبة الانتباه واليقظة العقلية؛ فهو بفطرته خامد القريحة في كل ما يخرج عن دائرة تفكيره الضيقة ولا يستفيق من نومه العقلي الطويل إلا في فترتي الحب والحرب؛ فهو إذن يصحو ويفيق ويحمل سيفه ورمحه أو يصوب سهمه وينطلق لسانه، ولكنه في الحالين مبالغ متطرف لا يعرف الهوادة ولا يسكن إلى الأناة؛ ولذا تراهم يضربون الأمثال للحث على الصبر والحلم وطول التأمل؛ فالبدوي مندفع إذا أحب أو حارب، ولكنه فيما عدا هاتين الخلتين نائم حالم. ولكن هذا النائم الحالم قد ميزته الطبيعة بموهبة نادرة المثال تحسده عليها سائر الأجناس، وهذه الموهبة النادرة هي قوة الإرادة؛ فالبدوي قوي الإرادة يعادل أهل إسبرطة إن لم يَفُقُهُم، ويشبه الرومان إن لم يفضلهم، قوي الإرادة حتى الاستهانة بالموت؛ فالحياة التي تراها عند سواه ثمينة وغالية وجديرة بالدفاع والحماية، وفي المكان الأول بقيمتها وقدرها حتى يذل الرجل عنقه ويفقد كرامته في سبيل الاحتفاظ بها! ترى ذلك البدوي الذي لا يقل عن غيره حبا للحياة وتعلقًا بأهدابها – ولو على الأقل بحكم غريزة البقاء - ترى ذلك البدوي العربي السامي يستهين بها ويزدريها، ويفضل عليها الموت إن كان في بقاء الحياة ما يذهب بإبائه أو كرامته وكذلك تراه يضحي بحياته في سبيل عقيدته؛ فالإيمان أولا وقبل كل شيء، والكرامة أولا وقبل كل شيء؛ ولذا رأيناهم يموتون في سبيل كلمة مهينة، أو نظرة احتقار، أو تهمة تمس الشرف، ورأينا حروبا شعواء تشعل نارها حفظا لكرامة ضيف، أو غضبًا لانتهاك حرمة ضعيف، أو حماية لعرض امرأة .... لقد وضع البدوي حياته في كفة وشرفه في كفة أخرى، وهذه القوة لا تتوافر إلا إذا كانت الإرادة قد بلغت أشدها في نفس الرجل. لقد أنحى ابن خلدون على العرب في كثير من فصول المقدمة؛ وأقساها السادس بعد العشرين الذي جعل عنوانه «أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب. وفي هذا الفصل قال: «إنهم أمة وحشية. وغاية الأحوال العادية عندهم الرحلة والتغلب، وذلك مناقض للسكون الذي به العمران ومنافٍ له؛ فالحجر مثلًا إنما حاجتهم إليه لنصبه أثاف للقدر، فينقلونه من المباني ويخربونها عليه ويُعدونه لذلك. والخشب أيضًا إنما حاجتهم إليه ليعمروا به خيامهم ويتخذوا الأوتاد منه لبيوتهم فيخربون السقف عليه لذلك؛ فصارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران. وأيضًا فطبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس، وأن رزقهم في ظلال رماحهم، ويتلفون على أهل الأعمال من الصنائع والحرف أعمالهم، لا يرون لها قيمة ولا قسطا من الأجر والثمن. وأيضًا فهم متنافسون في الرياسة، وقلَّ إن يُسلم أحد منهم الأمر لغيره ولو كان أباه أو أخاه أو كبير عشيرته إلا في الأقل وعلى كُره من أجل الحياء؛ فيتعدد الحكام منهم والأمراء. وانظر إلى ما ملكوه وتغلبوا عليه من الأوطان من لدن الخليقة كيف تقوض عمرانه وأقفر ساكنه وبدلت الأرض فيه غير الأرض؛ فاليمن قرارهم خراب إلا قليلا من الأمصار، وعراق العرب كذلك قد خرب عمرانه الذي كان للفرس أجمع، والشام لهذا العهد كذلك، وأفريقية والمغرب لما جاز إليها بنو سليم من أول المائة الخامسة وتمرَّسوا بها الثلاثمائة والخمسين من السنين، قد لحق بها وعادت بسائطه خرابًا كلها بعد أن كان ما بين السودان والبحر الرومي: كله عمراناً. تشهد بذلك آثار العمران فيه من المعالم وتماثيل البناء وشواهد القرى والمدائن والله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين» ا.هـ. (ص 90، من المقدمة لعبد الرحمن بن خلدون). وهذه النبذة نفسها نقلها من العربية إلى الفرنسية روبرت فلنت، في ص166 من كتابه تاريخ فلسفة التاريخ، طبع ،1893، ونقله عنه هوستون شمبرلین، ص398، ج1، من كتاب «أصول القرن التاسع عشر»، نسخة إنجليزية، طبع 1913. وفي هذا الكلام الخلدوني تحامل كبير على العرب، إن صح بعضه فمعظمه مبالغ فيه، وإن صح هذا القول على العرب فماذا يقال عن القبائل البربرية التي انحدرت من شمال أوروبا وضربت شعوبها واكتسحت رومة وإسبانيا وألمانيا وفرنسا؟ وقد كان للعرب أثر في الحضارة في كل مكان فتحوه أو نزحوا إليه، وقد أسسوا في أنحاء الشرق مدنية عظيمة لا تزال قائمة. ونحن لا نميل للأخذ برأي ابن خلدون على علاته، ولكننا ذكرناه لنظهر ناحية ضعيفة من خلق العرب رآها فيلسوف اجتماعي عظيم تجري في عروقه دماء عربية، ولا يخلو كلامه من بعض الحق؛ لأن العرب لم تصلح شئونهم ولم يتهيؤوا للسياسة إلا بعد ثورة الإسلام.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|